يعكف عدد من الفنانين المغاربة المقيمين بفرنسا على تأسيس أول مدرسة لتعليم فن العيطة بباريس، وتنظيم دورات تكوينية وإعطاء دروس مجانية في فن العيطة لجميع الفئات العمريةعبد الفتاح المسناوي وحكيم بهدف المساهمة في ربط الجيل الجديد من أبناء المغاربة المقيمين بالمهجر بهويتهم المغربية. وقال رئيس مؤسسة النور لفن العيطة، عبد الفتاح المسناوي، في حديث إلى"المغربية"، إن الهدف من تأسيس هذه المدرسة هو الحفاظ على فن العيطة المرساوية كما غناها الآباء والأجداد، ومحاولة التعريف بها وتلقين أبجدياتها للجيل الجديد من أبناء الجالية المغربية، في بادرة تهدف إلى ربطهم بالجذور، وتذكيرهم بأصولهم المغربية، لتقريبهم أكثر من تراثهم الشعبي. وأضاف المسناوي أن أعضاء المؤسسة، الذين يشتغلون على فن العيطة، يهدفون، من خلال مشروعهم أيضا، إلى المحافظة على فن العيطة كتراث مغربي أصيل، في ظل انتشار أنماط غنائية أخرى، شوهت هذا الفن، بدعوى التجديد، من خلال إقحام آلات إليكترونية أفقدت العيطة المرساوية عذريتها وأصالتها، إضافة إلى ميل الشباب إلى أغنية "الراب" و"الهيب هوب". وعن الأسباب التي جعلته يقيم في فرنسا، أبرز المسناوي أنه اضطر إلى مغادرة المغرب، الذي أحبه بعمق، وارتوى من تراثه وثقافته الغنية والمتنوعة، منذ طفولته، ليحط الرحال بعاصمة النور باريس الفرنسية، التي وجد فيها متنفسا حقيقيا، وفضاء للإبداع والخلق، إذ لا فرق بين مختلف التعبيرات الفنية، مشيرا إلى أن الوسط الفني في أوروبا لا يستثني أحدا، من خلال احتضانه كل التجارب الجادة، مانحا الفرصة للجميع. من جهته، قال عازف الكمان كمال الطلياني، في حديث ل"المغربية"، إن الجمعية وضعت برنامجا تعليميا يجمع بين النظرية، إذ سيعمل مجموعة من الأساتذة منهم على إعطاء دروس حول تاريخ فن العيطة، والتعريف بأوزانها، وإيقاعاتها، ومقاماتها، من خلال نماذج معروفة من العيوط المرساوية الأصيلة مثل "ركوب الخيل"، و"الحداويات"، و"دامي"، التي تمثل الدروس الأولى من البرنامج، الذي يشمل أيضا، التطبيق من خلال إعطاء دروس سماعية في العزف على مختلف الآلات المستعملة في هذا الفن، خصوصا آلة الكمان بشكلها التقليدي "الألطو" بأوتاره المغربية، تحت إشرافه، وآلة العود، ثم آلات الإيقاع التقليدية المكونة من "الطعريجة"، و"البندير"، و"الدربوكة"، كما سيشرف رئيس الجمعية عبد الفتاح المسناوي على إعطاء دروس في الغناء، وتمرينات حول تقوية الصوت وتهذيبه. وستضم المرحلة الثانية من البرنامج التعليمي الأغاني الأكثر صعوبة وتعقيدا من قبيل "اللي بغا حبيبو"، و"خربوشة"، و"ما شتو لغزال"، إضافة إلى تنظيم حصص للعزف والغناء. وستعطى جميع الدروس في الفترات المسائية مراعاة لظروف الطلبة، الذين غالبا ما يكونون مرتبطين بمدارسهم، كما سيحتضن مقر الجمعية متحفا صغيرا للآلات التقليدية المغربية المستعملة في فن العيطة، وخزانة تضم تسجيلات نادرة لرواد العيطة أمثال الصحب بلمعطي، والراحلين بوشعيب الزياني، وبوشعيب البيضاوي، كما ستعمل الجمعية على استضافة بعض رواد العيطة، من أجل مد الجسور بين الجيل الجديد والجيل القديم. وأوضح الطلياني المتحدر من أم إيطالية عشقت فن العيطة، وشجعته على البحث فيه، وأب مغربي من أبناء مدينة آسفي إحدى معاقل هذا الفن الأصيل، أن العيطة فن نبيل، وأنها من الفنون المغربية الأصيلة، التي تعبر عن لغة الأجداد ونضالهم على مختلف العصور، مشيرا إلى أن رواد هذا الفن ساهموا بشكل أو بآخر في تحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي، من خلال تسخير هذا الفن لإذكاء حماس الشعب المغربي، الذي كان تواقا للانعتاق، كما ساهمت العيطة في التعبير عن مختلف أنواع الظلم والحيف، الذي كان يتعرض له المواطن العادي من طرف متسلطين طبعوا تاريخ مرحلة معينة، ولعل عيطة "خربوشة"، التي أدتها الشيخة حادة الزيدية، للنيل والانتقام لأهلها من جبروت وتسلط القائد عيسى بن عمر، خير مثال على نبل هذا الفن وأهمية خطابه، الذي طالما حرك المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، وأجج الشارع المغربي، الذي كان يردد الأغاني التي تمجد أب الأمة محمد الخامس، وتطالب بعودته من المنفى، بعد نفيه خارج المغرب سنة 1953. من جهة أخرى، أكد عبد الفتاح المسناوي أنه بصدد إنجاز العديد من الأغاني الشعبية، التي تستمد روحها من فن العيطة، مشيرا إلى أن هذه الأغاني ستلامس العديد من المشاكل، التي يعيشها الشباب المغربي، سواء في المهجر أو في أرض الوطن، من خلال مواضيع مثل العشق، والغربة، والحنين إلى الأم سواء البيولوجية، أو الرمزية "الوطن"، ومشاكل المهاجرين، وظروف الحياة، بعيدا عن دفء الأهل والوطن، بطريقة احترافية ظهرت في ألبوماته السابقة، التي لقيت نجاحا وإقبالا كبيرين في أوروبا. واعتبر المسناوي، الفنان المهووس بالعيطة، أن الاشتغال على التراث الشفهي المغربي، وتحديدا فن العيطة، لم يكن صدفة أو عبثا، وإنما عبر دراسة متأنية، استغرقت سنوات من البحوث المعمقة، التي تكبد فيها عناء السفر، متنقلا بين معاقل هذا الفن الأصيل، من الدارالبيضاء، إلى آسفي، والجديدة، ووادي زم، مقتفيا أثر الرواد والشيوخ، الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ على هذا الفن النبيل.