عادت جموع المتمدرسين إلى حجرات الدرس في المغرب، إلا أن انطلاقة هذا الموسم لم تخلُ من مشاكل وصعوبات، سواء بالنسبة للأطر التعليمية، التي تجدد في أوساطها نقاش "الفائض والخصاص" و"النظام الأساسي"، أو بالنسبة للأسر التي لم تكتفِ بانتقاد ارتفاع مصاريفها وتكاليف الدخول المدرسي في ظل ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية، رغم الدعم الحكومي الموجّه للكتُبيين؛ بل ذهب بعضها حد الدخول في "صراع وتوتر قديم-جديد" مع أرباب مؤسسات التعليم الخاص قصد استصدار شواهد ووثائق تضمن استكمال تمدرس أبنائها في مدارس أخرى. وكان لافتا أن يشهد الدخول المدرسي لموسم 2022/2023 ارتفاعا في عدد التلاميذ المغاربة الذين تركوا مقاعد المدارس الخصوصية للالتحاق بنظيرتها العمومية؛ إذ بلغ عدد الذين "هاجروا من التعليم الخاص إلى العمومي" ما مجموعه 92214 تلميذا وتلميذة؛ أي ما نسبته 9.2 في المائة من عدد المسجلين في المؤسسات التعليمية الخاصة. "صراعات" تنتهي في المحاكم وجدت بعض الأسر نفسها في دوامة "صراعات قانونية مع بعض مدارس القطاع الخاص"، وصلت إلى حد ردهات القضاء في بعض الحالات، بسبب "تعنت" بعض مؤسسات التعليم الخاص في تسليمها شواهد المغادرة التي تكفل انتقال التلاميذ من مؤسسة تعليمية إلى أخرى. وكان لافتا أن الموسم الدراسي السابق انتهى ب"توتر واضح" زاد من حدته شد الحبل الذي بصم الزمن المدرسي، طيلة موسم كامل بين آباء وأمهات التلاميذ والمؤسسات التعليمية الخاصة في المغرب، مع تشبث أغلب مالكيها باستخلاص واجبات الدراسة لشهر يوليوز الماضي. في هذا الصدد، تم تفاعلات وردود فعل على مواقع التواصل ومنصات النشر الاجتماعي، تشتكي من ممارسات وصفتها ب"لجوء بعض المدارس الخاصة، في بعض الأقاليم، إلى طرق ملتوية لاستخلاص واجبات شهر يوليوز للعام الدراسي الماضي، وكذا طرق غير أخلاقية وغير قانونية لابتزاز الأسر لأداء المستحقات، إذ امتنعت بعضها عن منح التلاميذ المغادرين لأقسامها شهادة المغادرة التي تخول لهم التسجيل في مؤسسات أخرى، لاسيما بالتعليم العمومي"، وهو ما دفع الكثير من أولياء التلاميذ إلى سلك سبل القضاء من أجل إنصافهم. وأكد مصدر من هيئة المحامين بتازة، على اطلاع بملفات بعض الأسر، أن "مفوّضين قضائيين حضروا لمعاينة امتناع المؤسسات الخاصة عن تسليم شهادة المغادرة للتلاميذ وأولياء أمورهم"، لافتا إلى أن "المماطلة ذاتها طالتهم حين قصدوا مصالح المديرية الإقليمية للتعليم"؛ وهو ما جعل طرق باب القضاء وسلك مساطر القانون ملجأهم الوحيد لتدارك التأخر في بداية تمدرس أبنائهم. المصدر ذاته أشار إلى وجود "ملفات عديدة في طور التقاضي والمرافعة، بعد أن حاولت الأسر جاهدة أن تضمن انتقال أبنائها وضمان استكمال دراستهم بشكل لا يضيع زمنهم التعليمي". قانون جديد بعلاقة شفافة وفي ندوة صحافية عقدها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، يوم 6 شتنبر الجاري بالرباط، مباشرة بعد انطلاقة الموسم الدراسي بمختلف الأسلاك التعليمية في المغرب، أكد المسؤول الحكومي "اهتمام الوزارة" بشكل حصري بهذا الموضوع الشائك، قائلا إن "وزارته تشتغل على قانون جديد للمدارس الخصوصية سيأتي موضّحا للعلاقة التعاقدية بين الأسر والمدارس الخاصة، وهي علاقة يجب أن تسودها شفافية كاملة". وأكد بنموسى، في معرض جوابه عن أسئلة الإعلاميين الحاضرين، أن "القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين أشار إلى هذا الموضوع"، وزاد: "نعمل أيضا عليه من جانب مراجعة وتحيين دفاتر التحملات الخاصة بالمدارس الخصوصية في المغرب، وكذا الشق المتعلق بكيفية تكثيف المراقبة الإدارية والبيداغوجية في هذا الصدد". المسؤول الحكومي لم يتوان، خلال المناسبة ذاتها، في التعبير صراحة عن رفض الوزارة الوصية ما وصفها ب"بعض التصرفات غير الأخلاقية وغير القانونية"، مشددا على "تدخل صارم ولازم لحل المشاكل المطروحة على الصعيد المحلي". كما أشار وزير التربية الوطنية إلى أخذ وزارته ب"مقترحات صادرة عن مجلس المنافسة، الذي دعا في هذا الموضوع إلى تقنين إطار التعاقد بين الأسر والمدارس الخاصة واحترام الضوابط القانونية المعمول بها في مجال المنافسة". في سياق متصل، تحدث مصدر من وزارة التربية الوطنية مجددا تأكيد الوزارة على أن "التمدرس يظل حقا دستوريا مكفولا لكل تلميذ"؛ كما أن هذا الأخير لا ينبغي أن يذهب "ضحية صراع لا دخل له فيه ولا يمكن أن يخضع حقه للابتزاز". وأشار المصدر ذاته إلى أن الوزير كان واضحا جداً في هذا الموضوع خلال ندوته الصحافية بمناسبة الدخول المدرسي الحالي. التلميذ فوق كل اعتبار نور الدين عكوري، رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، استهل تصريحه عن الموضوع قائلا إنه "يجب التمييز بوضوح بين مهام ومسؤوليات مالك أو رب المؤسسة التعليمية الخاصة، ووظيفة المدير التربوي والبيداغوجي"، لافتا إلى أن "الشخص نفسه قد يكون جامعا بين الصفتَيْن في بعض الأحيان". وأوضح عكوري أن شهادة المغادرة وثيقة تظل من حق التلميذ كي يضمن استمرارية مساره الدراسي بسلاسة، مشيرا إلى أنه "في حالة رفض تسليمها من قبل المدرسة الخصوصية في شخص مديرها التربوي يظل من حق المديرية الإقليمية للتعليم أن تستصدرها بتوقيعها وطابعها، بعد القيام بمراسلة المؤسسة المعنية داخل أجل معيّن، التي تظل حاملة للمسؤولية أمام القضاء". المتحدث ذاته كشف أن فيدراليته "تلقت فعلا شكايات عديدة في الموضوع، وحاولت جاهدة التدخل حبّياً كوسيط كي لا يبقى التلميذ رهينا لصراع ثنائي قد يُحل بالتراضي أو بالمسالك القانونية القضائية المكفولة"، موضحا أن "أغلب المنازعات التي وصلت للقضاء بين الأسر والمدارس الخاصة تظل مرتبطة بالشق المادي، لاسيما التعنت في أداء الواجبات أو في حالة وجود ديون بين الطرفين". وشدد عكوري في ختام حديثه على ضرورة "رفع الوعي القانوني والمجتمعي لآباء وأمهات التلاميذ بحقوقهم وواجباتهم في هكذا حالات"، مؤكدا أن "مصلحة المتمدرسين تظل فوق كل اعتبار". "حالات معزولة" من جانبه، كان عبد العزيز بوقدير، نائب رئيس فيدرالية التعليم الخاص المنضوية تحت "الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM"، المكلف بالتعليم العام الخصوصي، سبق أن صرح بشأن "امتناع وتعنت بعض المدارس في تسليم شواهد الباكلوريا ووثائق مدرسية أخرى نهاية الموسم المنقضي"، مشددا على أنها تظل "حالات شاذة ومعزولة تخص مدارس متوسطة وصغرى، لا تعبر عن واقع أزيد من 6 آلاف مدرسة خاصة بالمغرب". كما جدد بوقدير مطالب قطاع مؤسسات التعليم الخصوصي بالمغرب إلى الوزارة بإصدار "مقتضيات تنظيمية واضحة وملزمة للتعاقد السنوي الذي يربط المؤسسات بآباء التلاميذ، درءا لأي لبس وتفاديا لأي توتر بين الطرفين".