تحرير سعر الصرف ملف آخر ورثته حكومة العثماني عن حكومة سلفه عبد الإله بنكيران، وقطع أشواطا كبيرة على أساس الشروع في تنفيذه ابتداء من شهر يونيو المقبل، وهو التاريخ الذي حدده والي بنك المغرب المركزي، عبد اللطيف الجواهري، الذي قال: «إن المغرب ينوي بدء تحرير سعر صرف عملته الدرهم في الربع الثاني من العام الجاري، وذلك ضمن برنامج اقتصادي تم الاتفاق عليه مع الدائنين الدوليين، والوصول إلى المرونة الكاملة لسعر الصرف في المغرب قد يستغرق 15 عاما». حاليا، يربط المغرب سعر صرف الدرهم بسلة تتكون من الأورو بنسبة 60 في المائة، والدولار بنسبة 40 في المائة، ويمنح نظام الصرف الثابت، الذي يعتمده المغرب إلى الآن، نوعا من الاستقرار لقيمة الدرهم، ويمكن من تخفيف وقع تقلبات العملات الأخرى، خاصة الأورو والدولار. إذ إن سلة العملات المعتمدة تحدد سعرا مرجعيا للدرهم. ويسهر بنك المغرب، عبر تدخلاته لشراء أو بيع العملات، على الحفاظ على سعر الصرف في السوق قريبا من هذا السعر المرجعي، وبذلك فإن بنك المغرب يتولى مهمة الدفاع عن قيمة الدرهم وضمان استقرارها. وتبرر الحكومة قرارها بأن تأخير إصلاحات العملة قد يزيد التضخم، وقد يتسبب في صعوبات، على غرار ما حصل في مصر. لكن مبررات الحكومة لا تقنع أغلب الاقتصاديين رغم تطمينات عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي خرج، في أكثر من مناسبة، لمحاولة التخفيف من حدة توجس الفاعلين الاقتصاديين، إذ شدد على أن تعويم العملة سيتم بطريقة تدريجية، أخذا بعين الاعتبار مصالح النسيج الاقتصادي المغربي، وأساسا عبر إعداد النظام البنكي المغربي والفاعلين الاقتصاديين، على وجه الخصوص، من أجل إنجاح هذا التحول، إلا أن الكثيرين يرون أن مخاطر هذا القرار أكثر مما سيجنيه الاقتصاد منه. قرار تعويم العملة أوحى به صندوق النقد الدولي، بذريعة أن المغرب، الذي تمكن من استعادة توازناته الماكرو-اقتصادية وتخفيض عجز الميزانية والتحكم في التضخم واستعادة عافية احتياطياته من العملات الصعبة، يوجد في وضع مثالي لاتخاذ مثل هذا الإجراء. لكن المعترضين عليه يعتقدون أن التخلي عن نظام الصرف الثابت قد يفقد المغرب ومقاولاته ونسيجه الاقتصادي مجموعة كبيرة من الفرص والإمكانيات التي يتمتع بها، كما أن اللجوء إلى هذه الخطوة سيسهم في فقدان العديد من الإيجابيات الحالية التي تساعد المغرب على تفادي العديد من التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. أكثر من ذلك، يرى هؤلاء أنه في النظام الحالي، يتمتع المغرب بانفتاح اقتصادي وتجاري أكثر اتساعا، وباستقرار اقتصادي أكبر، ويمكن التحكم في التضخم بشكل أفضل، وهي عوامل تسهم في جذب الاستثمارات الخارجية والمستثمرين الأجانب. في هذا الصدد، يقول عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد ومستشار البنك الإسلامي للتنمية "لليوم 24" «إن الأمر مغامرة، رغم اللجوء إلى وضع عدد من الضمانات لعدد من القطاعات التي يتوقع أن تتضرر عقودها بسبب انخفاض قيمة الدرهم، وهذا دليل على أن المسؤولين يدركون أنه سيقع انخفاض في قيمة العملة، ودليل ذلك هذه الضمانات التي تم وضعها لمستثمرين ورؤوس الأموال الخارجية، فضلا عن المهاجرين الذين يحولون أموالهم إلى المغرب، ولهذا، ففي اعتقادي فإنه من المؤكد أن العملة ستنخفض ولن تعرف ارتفاعا». الكتاني يضيف: «من المؤسف أن البعد الاجتماعي يغيب في هذا التصور، رغم أن هناك قرارا اتخذ أخيرا برفع الرسوم عن استيراد الحبوب من الخارج، لتشجيع الحبوب المحلية، لكن ما أفهمه من هذا القرار أيضا أن هناك تخوفا من ارتفاع فاتورة الاستيراد في حال انخفضت قيمة الدرهم، وهذا ما يمكن أن نصفه بالمثل الذي يقول ‘‘مول الفز كيقفز''، لأن العديد من الإجراءات المواكبة يتم وضعها، ويبقى السؤال هو: هل في حال استمر انخفاض قيمة الدرهم ستواصل الدولة مسلسل تعويم العملة؟ وهل لدى الرأي العام المغربي من التأثير ما يمكن من إيقاف العملية إذا أتت بنتيجة عكسية؟ ثم، أليس من الخطورة أن تنخفض قيمة الدرهم في وقت نستورد عددا كبيرا من المواد الأساسية، كالسكر والزيت والبترول، ويحق لنا أن نتساءل عن إمكانية ارتفاع أسعارها، وهذا هو التخوف الكبير لأن الطاقة الشرائية للمواطن وصلت إلى مستويات مقلقة، ولم تعد تواكب ارتفاع كلفة المعيشة، وإذا اطلعنا على التدابير الواردة في قانون المالية نجد أنها لا يمكن أن تحافظ على التضخم في حدود 1.7 إلى 2 في المائة، لكن، من يضمن أن تعويم العملة لن يكذب هذه التوقعات؟».