لا يزال قرار تحرير صرف الدرهم المغربي يثير ردود فعل من طرف فاعلين اقتصاديين، بمبرر التخوف من تكرار التجربة المصرية مع النتائج الكارثية التي تسبب فيها تعويم الجنيه المصري، رغم جهود البنك المركزي لحماية العملة، وبشكل خاص مع زيادة معدلات التضخم بشكل كبير والارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية. ورغم تطمينات عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في محاولة للتخفيف من حدة توجس الفاعلين الاقتصاديين من الشروع في هذه الخطوة على المدى المتوسط، شدد على أن الانتقال إليها سيتم بطريقة تدريجية، أخذا بعين الاعتبار مصالح النسيج الاقتصادي المغربي، وأساسا عبر إعداد النظام البنكي المغربي والفاعلين الاقتصاديين على وجه الخصوص من أجل إنجاح هذا التحول، إلا أن الكثيرين يرون أن مخاطر هذا القرار أكثر مما سيجنيه الاقتصاد منها. قرار تعويم العملة أوحى به صندوق النقد الدولي، بذريعة أن المغرب الذي تمكن من استعادة توازناته الماكرو اقتصادية وتخفيض عجز الميزانية والتحكم في التضخم واستعادة عافية احتياطاته من العملات الصعبة، يوجد في وضع مثالي لاتخاذ مثل هذا الإجراء. لكن المعترضين عليه يعتقدون أن التخلي عن نظام الصرف الثابت قد يفقد المغرب ومقاولاته ونسيجه الاقتصادي مجموعة كبيرة من الفرص والإمكانيات التي يتمتع بها، كما أن اللجوء إلى هذه الخطوة سيساهم في فقدان العديد من الإيجابيات الحالية التي تساعد المغرب على تفادي العديد من التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. أكثر من ذلك، يرى هؤلاء أنه في النظام الحالي، يتمتع المغرب بانفتاح اقتصادي وتجاري أكثر اتساعا، وباستقرار اقتصادي أكبر، ويمكن التحكم في التضخم بشكل أفضل، وهي عوامل تساهم في جذب الاستثمارات الخارجية والمستثمرين الأجانب. في هذا الصدد، يقول إبراهيم منصوري، أستاذ الاقتصاد بكلية القاضي عياض بمراكش، إن "قرار البنك المركزي تعويم العملة الوطنية، ينطوي على عدد من المخاطر، واعتماده جاء نتيجة اقتناع المسؤولين على السياسة المالية بإمكانية تنويع الاقتصاد الوطني وقدرته على جذب الرساميل الأجنبية المباشرة، فضلا عن اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب مع عدد من البلدان، ما يفرض المرور إلى مرحلة التعويم، أي قيمة الدرهم بالنسبة إلى العملات الأخرى تخضع للعرض والطلب". منصوري يضيف أنه "بالنسبة إلى الاقتصاد المتنوع، والذي يعتمد على قطاعات متعددة، فتعويم العملة يمكن أن تكون لديه إيجابيات، شريطة أن يستمر هذا التنويع، ويتم التركيز بشكل كبير على القطاع الصناعي، وهذا ما يسير فيه الاقتصاد المغربي في الوقت الراهن، لكن مع ذلك، فتعويم العملة يقود بالمقابل إلى التضخم وارتفاع الأسعار، نظرا لانخفاض قيمة الدرهم، وما حصل في مصر دليل على أن قرارا من هذا الحجم يحتاج إلى دراسة متأنية، لأن الأمر مرتبط بارتفاع أسعار الواردات بالعملة الوطنية، خاصة أن المغرب يستورد جزءا كبيرا من المنتوجات من الخارج، وضمنها السلع الطاقية والاستهلاكية، وعموما فكلما ارتفع معدل والتضخم كلما كانت هناك ضغوطات سياسية واجتماعية". أستاذ الاقتصاد يضيف: "بخصوص الصادرات، ومع تنويع الاقتصاد وتعويم الدرهم، ستنخفض قيمة الدرهم، ما سيؤدي إلى انخفاض أسعار الصادرات في الخارج، وتحسن تنافسية العرض القابل للتصنيع، لكن هذا يفترض ضمان التنويع والسعي نحو تقليص عجز ميزان الأداءات". للإشارة، فنظام الصرف الثابت الذي يعتمده المغرب إلى الآن، يمنح نوعا من الاستقرار لقيمة الدرهم، ويمكن من تخفيف وقع تقلبات العملات الأخرى، خاصة الأورو والدولار. إذ إن سلة العملات المعتمدة تحدد سعرا مرجعيا للدرهم، ويسهر بنك المغرب عبر تدخلاته لشراء أو بيع العملات، على الحفاظ على سعر الصرف في السوق قريبا من هذا السعر المرجعي، وبذلك فإن بنك المغرب يتولى مهمة الدفاع عن قيمة الدرهم وضمان استقرارها.