ورقة واحدة أقامت الدنيا ولم تقعدها أمس الأربعاء، إلى درجة أن أحزابا سياسية طالبت بإقالة وزير بسببها، وأخرجت الآلاف للاحتجاج على تسريبها، واعتبر رئيس الحكومة نشرها قبل موعدها المحدد "خيانة للوطن". المعنيون بها يقدرون سنويا بمئات الآلاف، يستعدون ل"مواجهتها" على امتداد أشهر، إلى أن يحين "اللقاء"، فيعزّ من أعد العدة لها، ويهان يوم إعلان النتائج من استسهل أمرها. حدث أمس أنها لم تصل ب"أمان" إلى "من يعنيهم الأمر"، إذ اعترضها "قطاع طرق" ونشروها على الفايسبوك، ما أحدث حالة فوضى وارتباك أرغمت وزارة رشيد بلمختار، في حالة "نادرة"، على إعادة الامتحان في الرياضيات. فما المسار الذي تقطعه ورقة امتحان الباكالوريا قبل أن تصل إلى يد المترشحين؟ مدير المركز الوطني للتقويم والامتحانات، محمد الساسي، يحكي ل"اليوم 24″ عن مسار ورقة أثارت الكثير من اللغط، موضحا أن امتحانات الباكالوريا تعد داخل المركز الوطني للتقويم والامتحانات، من طرف لجان يستمر عملها تقريبا على امتداد ستة أشهر، بما يعني ذلك من تأمين فضاءات اشتغالها. هذه اللجان لا يسمح لها بالاشتغال خارج فضاءات المركز، "وهي أماكن آمنة بوسائل لوجيستيكية موضوعة رهن إشارتها من أجل تحسين وتمنيع عملها". تعتمد ورقة اختبار الباكالوريا داخل المركز الوطني للتقويم والاختبارات، ثم تسلم مباشرة إلى مديري الأكاديميات يدا بيد، ولا يوجد أي وسيط يتسلم المواضيع، إذ يحضر مديرو الأكاديمية شخصيا، قبل أيام، ويتسلمون المواضيع، ثم تتم عملية استنساخ المواضيع، بحسب عدد التلاميذ، داخل فضاءات مغلقة في الأكاديميات. الساسي يؤكد أن عملية الاستنساخ لا تتم داخل المركز الوطني، بل داخل فضاءات تابعة للأكاديميات، وكل أكاديمية تستنسخ المواضيع حسب عدد المترشحين لديها، والوزارة توفر لها وسائل لوجستيكية هامة لحماية الاختبارات من التسريب. المصدر ذاته يكشف أن الأشخاص الذين يقومون بعملية النسخ لا يغادرون تلك الفضاءات إلى أن تنتهي تلك العملية برمتها، وخلال "الاعتكاف" لا يتصلون بأي أحد ولا يمكن أن يتلقوا أي اتصال من أي أحد. وداخل هذه المعتكفات يتم النسخ وإعداد الأظرفة التي ستحتوي على المواضيع، وتكون موجهة لكل قاعة امتحان بعدد كاف للمترشحين المتواجدين داخل القاعة. هذه الأظرفة تُسلم، بدورها، يدا بيد، من طرف مدير الأكاديمية إلى نواب الوزارة التابعين له، الذين يتسلمون هذه المواضيع عشية إجراءات الاختبارات، ويتولون توزيعها، يدا بيد، على ورؤساء مراكز الاختبار، بوتيرة كل نصف يوم. "امتحانات الفترة الصباحية يتسلمها مدير المركز صباحا، إذ يمكن أن يتسلمها، مثلا، مع الرابعة صباحا، بحسب المسافة الفاصلة بين النيابة ومركز الامتحان"، يشدد مدير المركز الوطني للامتحانات بوزارة التربية الوطنية. بعد ذلك يتم وضع الأظرفة كبيرة في أماكن محصّنة، إلى أن يحين موعد الامتحان، فيجري إخراج الأظرفة المعنية وتوزع على الأقسام أظرفة أصغر بحسب عدد المترشحين، بحضور ممثليهم والملاحظ، وممثل منطقة الحراسة، وممثل من إدارة المركز، للتأكد من أنه مغلق، ثم تفتح الأظرفة الصغيرة أمام المترشحين في كل قسم. السياسي يقول إن هذا المسار مؤمّن بأعلى درجات الحيطة والشفافية، والمسؤوليات فيه محصورة، والأشخاص المتدخلون معروفون، "لكن في نهاية المطاف هذه سلسلة يتدخل فيها البشر، وهناك جهد كبير يبذل لحماية مسار مواضيع الاختبارات، إلى أن تصل إلى قاعات الاختبار"، قبل أن يختم: "البحث فيما جرى أمس وحده سيكشف أين وقع الخلل ومن كان وراء هذا التسريب، وأي امتحان يبقى معرضا للاختلالات، لكن الأساسي الذي يجب اعتباره هو أن حكامة الامتحان تقتضي وضع آليات لضمان السرية وتكافؤ الفرص، ولكن كذلك أن تضع الصيغ التي تُمكّن من تدبير الاختلالات في حينها، وهذا ما تم الأمس مع تسريب امتحان الرياضيات".