انطلقت الانتخابات التشريعية التونسية صباح اليوم، وهي تكتسب أهمية بالغة، إذ سينبثق عنها أول برلمان وحكومة يتمتعان بصلاحيات واسعة منذ الإطاحة في 14 يناير 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وتجري عمليات الاقتراع في ظل الدستور الجديد، الذي تمت المصادقة عليه في 26 يناير 2014، ويمنح صلاحيات واسعة للبرلمان ورئاسة الحكومة مقابل صلاحيات محدودة لرئاسة الجمهورية. ويضم المجلس 217 نائبا بينهم 199 عن 27 دائرة انتخابية في الداخل، و18 نائباً عن 6 دوائر في الخارج. وكانت انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت) في 23 أكتوبر 2011، أول عملية اقتراع حرة في تونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956. وتتنافس في الانتخابات التشريعية 1327 قائمة (1230 قائمة في الداخل و97 في الخارج) موزعة على 33 دائرة انتخابية (27 في الداخل و6 في الخارج)، بحسب "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" المكلفة تنظيم هذا الاستحقاق المهم، وتضم القوائم الانتخابية أسماء نحو 13 ألف مرشح، على أساس مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة الواحدة، وفق القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات التشريعية، ثم الرئاسية المقررة في 23 نونبر القادم. ويبلغ عدد الذين يحق لهم التصويت خمسة ملايين و285 ألفًا و136 بينهم 359 ألفًا و530 يقيمون في دول أجنبية، بحسب إحصائيات هيئة الانتخابات. وينص القانون على حق "كل تونسية وتونسي مسجلين في سجل الناخبين، وبلغوا 18 عاما كاملا في اليوم السابق للاقتراع" الإدلاء بأصواتهم، لكنه لا يسمح ل"العسكريين وقوات الأمن الداخلي" بالمشاركة. وبالنسبة للمقيمين في الخارج، تجري عملية التصويت وفق القانون الانتخابي خلال "ثلاثة أيام متتالية آخرها يوم الاقتراع داخل الجمهورية" أي 24 و25 و26 أكتوبر 2014. وأعلن شفيق صرصار، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن الناخبين في الداخل سيتوجهون إلى 11 ألف مكتب اقتراع يشرف عليها نحو 50 ألفا من أعضاء الهيئة، موضحا أن كل مركز اقتراع لن يقبل أكثر من 690 ناخبا "تفاديا للاكتظاظ". مراقبة تونسية وأجنبية وأكد أن تسعة آلاف "مراقب" تونسي وأجنبي سيتابعون الانتخابات التشريعية. وبحسب القانون، يتعين على هيئة الانتخابات أن تعلن "النتائج الأولية" للانتخابات التشريعية في فترة أقصاها الأيام الثلاثة التي تلي الاقتراع والانتهاء، من الفرز الذي يبدأ "فور انتهاء عمليات التصويت". وتجري عمليات الفرز بشكل "علني" وبحضور "المراقبين" الأجانب والمحليين و"ممثلي القوائم (المشاركة) في الانتخابات التشريعية"، وفق القانون نفسه. ويتعين أن تعلن هيئة الانتخابات النتائج النهائية خلال فترة 48 ساعة، من آخر حكم صادر عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بخصوص الطعون المتعلقة بالنتائج الأولية. وبحسب القانون الانتخابي "يتم توزيع المقاعد (البرلمانية) في مستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي"، وهي الطريقة نفسها التي اعتمدت في انتخابات 2011، التي فازت فيها حركة النهضة الإسلامية بنسبة 37% من الاصوات و41% من المقاعد. أبرز القوى السياسية المتنافسة حركة النهضة فازت حركة النهضة الإسلامية، بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت في 23 أكتوبر 2011. وحصلت الحركة التي كانت تنظيما محظورا ومقموعا في عهد بن علي الذي حكم البلاد بين العامين 1987 و 2011 على نسبة 37 في المائة من أصوات الناخبين و41 في المائة من مقاعد البرلمان (89 مقعدا من إجمالي 217). واثر فوزها، شكلت حركة النهضة تحالفا حكوميا ثلاثيا (ترويكا) مع حزبين علمانيين، هما "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات". ومطلع 2014، قبلت الترويكا الاستقالة بموجب "خارطة طريق" طرحتها المركزية النقابية القوية لإخراج البلاد من الأزمة السياسية، وتركت مكانها لحكومة غير حزبية برئاسة مهدي جمعة تتولى تسيير البلاد إلى حين إجراء انتخابات عامة. وتوصف حركة النهضة بأنها الحزب الأكثر انضباطاً في تونس التي تعاني أحزابها العلمانية المعارضة من التشتت. ويبلغ عدد المنضوين في النهضة حوالي 80 ألفًا، حسب ما أعلن زعيمها راشد الغنوشي في ابريل 2014. معارضة علمانية مشتتة تشارك في الانتخابات التشريعية أحزاب علمانية عديدة تتراوح بين أقصى اليسار ويمين الوسط، تقدم نفسها كبديل لحركة النهضة الإسلامية. ويعتبر حزب "نداء تونس" الذي أسسه في 2012، رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، أبرز حزب معارض لحركة النهضة الإسلامية. وكان قائد السبسي، قد ترأس بعد الثورة الحكومة الانتقالية التي قادت تونس حتى انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011. وسيخوض قائد السبسي (87 عاماً) الانتخابات الرئاسية المقررة في 23 نوفمبر 2014. وبحسب نتائج استطلاعات الرأي، يحظى نداء تونس بشعبية توازي حركة النهضة، ويعتبر، كما النهضة، أيضا بين الأحزاب الأوفر حظاً في الانتخابات. حلفاء الإسلاميين بعد تشكيل الترويكا ، تولى محمد المنصف المرزوقي مؤسس حزب "المؤتمر" رئاسة الجمهورية، ومصطفى بن جعفر مؤسس حزب "التكتل" رئاسة المجلس التأسيسي. وقد انشق عن الحزبين نحو نصف نوابهما في المجلس التأسيسي (وانضموا إلى أحزاب أخرى) احتجاجا على ما اعتبروه تخليا منهما عن مبادئهما بعد التحالف مع الحركة الإسلامية. ويدافع الحزبان عن ذلك، مؤكدين أن تحالفهما مع حركة النهضة أنقذ البلاد من دوامة الفوضى والعنف بين إسلاميين وعلمانيين. وحتى الآن، لم يعلن أي من الحزبين اللذين أصيبت قواعدهما بالوهن، ما إذا كان سيتحالف مجددا مع حركة النهضة بعد الانتخابات.