تتواصل، اليوم الثلاثاء، ولليوم الرابع على التوالي، الحملة الانتخابية التشريعية التونسية، وسط أجواء ماطرة يطغى عليها الفتور وطقوس عيد الأضحى، ما حد من زخمها وإيقاعها الطبيعي، وذلك في انتظار الأيام المقبلة التي تفصل عن يوم 26 أكتوبر الجاري، موعد الاقتراع الخاص بهذا الاستحقاق التشريعي. وتتنافس في هذه الانتخابات التشريعية، التي من المقرر أن ينبثق عنها أول برلمان وحكومة دائمين منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي مطلع 2011، ما مجموعه 1327 قائمة حزبية ومستقلة وائتلافية (1230 داخل تونس و97 في الخارج)، موزعة على 33 دائرة انتخابية (27 داخل تونس و6 في الخارج)، لشغل مقاعد البرلمان المكون من 217 مقعدا. ويبلغ عدد التونسيين المسجلة أسماؤهم على قوائم الاقتراع للانتخابات التشريعية والرئاسية خمسة ملايين و236 ألف و244 شخصا، بينهم 311 ألف و34 شخصا يقيمون في دول أجنبية بحسب إحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وتكتسي الانتخابات التشريعية أهمية بالغة، إذ يمنح دستور الجمهورية الثانية، الذي تمت المصادقة عليه في 26 يناير 2014، سلطات واسعة للبرلمان ولرئيس الحكومة، مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية. في هذا السياق، أشار عدد من الملاحظين إلى أن الحملة شهدت في أول أيامها إيقاعا بطيئا بسبب تزامنها مع أيام عيد الأضحى الذي غالبا ما يتفرغ فيه المواطنون للتزاور والتلاقي الأسري، علاوة على تزامنها مع أجواء ماطرة تشهدها تونس هذه الأيام على امتداد مناطق البلاد، ما أثر على تحركات وتنقلات المرشحين والمواطنين بشكل عام. وأوضحوا أن أغلب الأحزاب لم تبد جاهزيتها بعد، وهو ما يفسر اقتصار تعليق الملصقات الانتخابية على عدد ضئيل من المترشحين مقارنة بآلاف القوائم التي تتنافس خلال هذه الانتخابات، مضيفين أن الحملة شهدت بعض التجاوزات شملت عددا من الدوائر الانتخابية، حيث قام بعض المرشحين بتعليق ملصقات قوائمهم في أماكن غير مخصصة للحملة، كما تم إتلاف بعض اللوحات المخصصة لتعليق هذه القوائم، وهو ما دفع بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى توجيه تنبيهات كتابية للمعنيين بالأمر. ولاحظوا أنه منذ بداية الحملة الانتخابية غابت الاجتماعات العامة وعرض البرامج الانتخابية للأحزاب عبر البيانات الانتخابية والمناشير التي تستهدف استقطاب الناخبين وفق الضوابط التي وضعها القانون الانتخابي. كما أشارت تقارير إلى أن بعض المرشحين استغلوا مناسبة العيد لزيارة عدد من الأحياء الشعبية الفقيرة المحيطة بالمدن، وقاموا "بتوزيع أموال وخرفان وهدايا على مواطنين"، محذرة من خطر توظيف "المال السياسي" في إفساد العملية الانتخابية. من جهة ثانية، بدأ بث البرامج السياسية وتدخلات القوائم الحزبية والائتلافية والمستقلة عبر أمواج الإذاعة والتلفزة، تقدم من خلالها هذه القوائم برامجها الاقتصادية وبدائلها التنموية بهدف الظفر بأصوات الناخبين، حيث خصص المترشحون، في برامجهم الانتخابية التي سيستعرضونها خلال الحملة، أهمية كبيرة للنهوض باقتصاد البلاد المتعثر، وكذا الحد من الفوارق الاجتماعية وتوفير شروط التنمية الجهوية، مع التركيز، بالخصوص، على مكافحة "الإرهاب". وكانت وزارتا الدفاع والداخلية أعلنتا، في وقت سابق، أن مجموعات إسلامية مرتبطة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تخطط لتنفيذ هجمات "إرهابية" لاستهداف المسار الانتخابي في البلاد، وهو ما جعل رئيس الحكومة مهدي جمعة يستدعي جيش الاحتياط " للمساهمة في تأمين الانتخابات". وشهدت تونس في 2013 أزمة سياسية حادة إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة وقتل عناصر من الجيش والأمن في هجمات نسبتها السلطات إلى جماعة "أنصار الشريعة بتونس" المرتبطة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وهي الجماعة التي أعلنت السلطات التونسية سنة 2013 أنها "جماعة إرهابية محظورة". وأدت هذه الأزمة إلى إسقاط حكومة حمادي الجبالي (الأمين العام السابق لحركة النهضة المنبثقة عن انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" (المكلف بصياغة دستور جديد للبلاد) التي أجريت في 23 أكتوبر 2011. كما أسقطت حكومة خلفه علي العريض (الأمين العام الحالي لحركة النهضة) التي استقالت مطلع سنة 2014 وتركت مكانها لحكومة غير حزبية برئاسة مهدي جمعة لإخراج البلاد من الأزمة السياسية. وبحسب نتائج استطلاعات رأي محلية أجريت في وقت سابق، يعتبر حزب "حركة النهضة" وخصمه "نداء تونس"، الذي أسسه في 2012 رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، الأوفر حظا للفوز في هذه الانتخابات التشريعية. وكانت حكومة قائد السبسي قادت تونس خلال المرحلة الانتقالية الأولى التي أعقبت الثورة، وانتهت بتنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي حصلت فيها "النهضة" على 37 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين. وينص القانون الانتخابي التونسي على عدد من الضوابط منها، على الخصوص، "حياد الإدارة وأماكن العبادة والمؤسسات التربوية، ومنع الدعاية فيها"، و"منع أشكال الدعاية المتضمنة لدعوات الكراهية والعنف والتعصب والتمييز وعدم المساس بحرمة الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية للمترشحين"، كما يخضع وضع المعلقات والبيانات والاجتماعات والتمويل إلى قواعد قانونية لفرض المساواة أمام جميع المترشحين، وتشمل هذه الضوابط وسائل التواصل المباشر والدعاية. يذكر أنه من المقرر أن تشهد تونس في 23 نونبر القادم الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي سيشارك فيها 27 مرشحا بينهم امرأة واحدة. *و.م.ع