{ تونس منشغلة بالانتخابات المقبلة، هل تفكر حركة النهضة في دعم الرئيس الحالي، منصف المرزوقي، مرة أخرى؟ الدستور الذي عملنا على إنجازه لم يعط مكانة كبرى لرئيس الجمهورية، على خلاف ما درجت عليه الأنظمة الفردية في بلادنا العربية. الرئاسة أعطيت لها بعض الصلاحيات في ما يتعلق بالدفاع الوطني، والسياسة الخارجية، أما بقية الصلاحيات فهي في يد الحكومة ورئيسها. لقد اعتمدنا النظام البرلماني مع تطعيمه. ولذلك فإن الذي يهمنا أكثر في حركة النهضة هو الانتخابات التشريعية بشكل خاص، لأنها هي التي ستفضي إلى اختيار الحكومة ورئيسها الذي له أكبر الصلاحيات. { لماذا رهانكم فقط على الانتخابات التشريعية دون الرئاسية؟ لأنها هي التي ستحدد المسار القانوني للبلاد، والاختيارات المهمة للدولة مستقبلا. الدستور حدد الخطوط الكبرى التي لا نتحداها، لكن تجديد الترسانة القانونية للبلاد أمر ضروري واستعجالي، لأنها لم تعد تتماشى مع الحاجيات والوضع الجديد لتونس، وفعالية الإدارة في الدولة، وكذلك الوضع الجبائي الذي لا يُسعف في تحقيق العدالة الاجتماعية التي ننشدها. { لو قررت حركة النهضة دعم مرشح رئاسي معين، هل سيكون المقابل هو حصولها على رئاسة الحكومة؟ أنتم تدركون أن المرحلة التي نمر بها لا يصلح لها الانفراد بالحكم حتى لو تمت حيازة أغلبية. نحن في مرحلة تأسيسية، ولا بد أن نأخذ بعين الاعتبار التوافق مع جميع القوى الأخرى. لقد كنا على رأس الحكومة، لكننا لم نبق في الحكم، لأن الأرض اهتزت تحت أرجلنا. التوافق هو الذي سيكون ديدننا في الانتخابات المقبلة. في تصوري، لا ينبغي أن تدخل الأحزاب الانتخابات المقبلة وهي تسب بعضها البعض، وتنبش في ماضي بعضها البعض، المفروض أن نتسابق لتقديم الأفضل لوطننا، يجب أن نتنافس لا أن نتلاعن. وبعد اختيار الحكومة، لا ينبغي أن نؤازرها على أساس أنها أغلبية أو أقلية، بل لأنها ستؤدي إلى إقرار برامج ستفضي إلى تأسيس البلد، وستفرز المؤسسات الضرورية للبلد، وستقدم بداية خيارات لإنقاذ البلد من الأزمة الاقتصادية، ومن الأزمة الأمنية، وهما أمران أساسيان لا ينبغي أن يغيبا عن بال أي حكومة مقبلة. { معنى ذلك أنكم تريدون رئيسا توافقيا، وحكومة وحدة وطنية؟ نريد رئيسا ناجحا، ونريد حكومة ناجحة. والذي يحول، في نظري، دون نجاح الرئيس أو الحكومة هو التنابز السياسي. لقد جربنا هذا، ورأينا أن جهدا كبيرا كان يهدر بسبب الخلافات التي لا طائل من ورائها. أظن أنكم تابعتم جلسات المجلس التأسيسي، الذي وصلت بعض أشغاله إلى حدّ التفاهة أحيانا. صحيح أنه مظهر إيجابي من حيث أن الحرية في النقاش كانت تعني أن الناس انطلقوا من عقالهم، وأصبحوا قادرين على الإدلاء بآرائهم، لكن يجب أن يبقى ذلك في حدود معقولة حتى ينجح المشروع. إن مشروع الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل حتى ينجح، بمعنى أن تونس بحاجة إلى ثلاث دورات حتى نطبع مع معنى تداول السلطة. وهذا تحدٍّ كبير، فأن يقتنع كل من يصل إلى السلطة بالتخلي عنها طواعية، صعب جدا، خاصة في محيط عربي لا يشجع على ذلك. { الوصول إلى السلطة والتخلي عنها هو ما فعلته حركة النهضة؟ (مقاطعا).. كان يجب عليها القيام بذلك بحكم انتمائها إلى عقلية ثورية قائمة على أساس الرغبة في إرساء الديمقراطية. أرغمت، وأنا أقول بذلك، لكنها قبلت، وكان بإمكانها ألا تقبل، وأن تعمل على حشد الناس في الشارع. لقد فهمنا الدرس، وقدرنا أن مصلحة البلد تقتضي أن نتنحى، ولم نتنح آسفين، بل فعلنا ذلك ونحن راضون. ولعلنا الحزب الوحيد الذي نظم لقاءات شعبية إعلانا لفرحه بخروجه من الحكم. لقد قدمنا درسا في معنى التداول الديمقراطي على الحكم. ليت أبناءنا يتحلون بهذه السمة في المستقبل. { ما هي حظوظ حركة النهضة في الانتخابات المقبلة؟ إذا تراجعنا لن يُقام مأتم. قد تكون حظوظا عادية، لا نطمع أن تزداد. إذا تراجعنا سيكون لنا درسا جديدا، وبالتالي، وقفة تأمل للنظر في أسباب تراجع هذه الشعبية، وهذا إيجابي. نريد أن ننجح لكن نريد أن ينجح بلدنا أيضا. إذا كانت هناك سقطات وأخطاء، فإن السياسي عليه أن يُقر بخطئه، بل إن شفافية السياسي تقتضي منه أن يقر بالخطأ. لن نقبل أن يعيدنا الشعب إلى الحكم وهو لا يريدنا. لأن هذا غش، ونحن لا نقبل بالغش.