نائب رئيس حركة النهضة قال ل« اليوم24»: الديمقراطية ستتحول إلى واقع عندما يتركز فينا معنى الحرية والكرامة والتنوع والاختلاف عبد الفتاح مور، نائب رئيس حركة النهضة التونسية، التي حكمت تونس بعد أول انتخابات تلت حكم بنعلي، لكن سرعان ما اضطرت إلى ترك كرسي رئاسة الوزراء بعد أن اشتدت عليها الانتقادات، في هذا الحوار يعود عبد الفتاح مورو، نائب رئيس الحركة، إلى هذه التجربة وإلى الدروس المستخلصة منها، ويعود كذلك إلى وضعية الحركات الإسلامية والتحديات المطروحة أمامها بعد الربيع العربي.
{ تونس منشغلة بالانتخابات المقبلة، هل تفكر حركة النهضة في دعم الرئيس الحالي، منصف المرزوقي، مرة أخرى؟ الدستور الذي عملنا على إنجازه لم يعط مكانة كبرى لرئيس الجمهورية، على خلاف ما درجت عليه الأنظمة الفردية في بلادنا العربية. الرئاسة أعطيت لها بعض الصلاحيات في ما يتعلق بالدفاع الوطني، والسياسة الخارجية، أما بقية الصلاحيات فهي في يد الحكومة ورئيسها. لقد اعتمدنا النظام البرلماني مع تطعيمه. ولذلك فإن الذي يهمنا أكثر في حركة النهضة هو الانتخابات التشريعية بشكل خاص، لأنها هي التي ستفضي إلى اختيار الحكومة ورئيسها الذي له أكبر الصلاحيات. { لماذا رهانكم فقط على الانتخابات التشريعية دون الرئاسية؟ لأنها هي التي ستحدد المسار القانوني للبلاد، والاختيارات المهمة للدولة مستقبلا. الدستور حدد الخطوط الكبرى التي لا نتحداها، لكن تجديد الترسانة القانونية للبلاد أمر ضروري واستعجالي، لأنها لم تعد تتماشى مع الحاجيات والوضع الجديد لتونس، وفعالية الإدارة في الدولة، وكذلك الوضع الجبائي الذي لا يُسعف في تحقيق العدالة الاجتماعية التي ننشدها. { لو قررت حركة النهضة دعم مرشح رئاسي معين، هل سيكون المقابل هو حصولها على رئاسة الحكومة؟ أنتم تدركون أن المرحلة التي نمر بها لا يصلح لها الانفراد بالحكم حتى لو تمت حيازة أغلبية. نحن في مرحلة تأسيسية، ولا بد أن نأخذ بعين الاعتبار التوافق مع جميع القوى الأخرى. لقد كنا على رأس الحكومة، لكننا لم نبق في الحكم، لأن الأرض اهتزت تحت أرجلنا. التوافق هو الذي سيكون ديدننا في الانتخابات المقبلة. في تصوري، لا ينبغي أن تدخل الأحزاب الانتخابات المقبلة وهي تسب بعضها البعض، وتنبش في ماضي بعضها البعض، المفروض أن نتسابق لتقديم الأفضل لوطننا، يجب أن نتنافس لا أن نتلاعن. وبعد اختيار الحكومة، لا ينبغي أن نؤازرها على أساس أنها أغلبية أو أقلية، بل لأنها ستؤدي إلى إقرار برامج ستفضي إلى تأسيس البلد، وستفرز المؤسسات الضرورية للبلد، وستقدم بداية خيارات لإنقاذ البلد من الأزمة الاقتصادية، ومن الأزمة الأمنية، وهما أمران أساسيان لا ينبغي أن يغيبا عن بال أي حكومة مقبلة. { معنى ذلك أنكم تريدون رئيسا توافقيا، وحكومة وحدة وطنية؟ نريد رئيسا ناجحا، ونريد حكومة ناجحة. والذي يحول، في نظري، دون نجاح الرئيس أو الحكومة هو التنابز السياسي. لقد جربنا هذا، ورأينا أن جهدا كبيرا كان يهدر بسبب الخلافات التي لا طائل من ورائها. أظن أنكم تابعتم جلسات المجلس التأسيسي، الذي وصلت بعض أشغاله إلى حدّ التفاهة أحيانا. صحيح أنه مظهر إيجابي من حيث أن الحرية في النقاش كانت تعني أن الناس انطلقوا من عقالهم، وأصبحوا قادرين على الإدلاء بآرائهم، لكن يجب أن يبقى ذلك في حدود معقولة حتى ينجح المشروع. إن مشروع الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل حتى ينجح، بمعنى أن تونس بحاجة إلى ثلاث دورات حتى نطبع مع معنى تداول السلطة. وهذا تحدٍّ كبير، فأن يقتنع كل من يصل إلى السلطة بالتخلي عنها طواعية، صعب جدا، خاصة في محيط عربي لا يشجع على ذلك. { الوصول إلى السلطة والتخلي عنها هو ما فعلته حركة النهضة؟ (مقاطعا).. كان يجب عليها القيام بذلك بحكم انتمائها إلى عقلية ثورية قائمة على أساس الرغبة في إرساء الديمقراطية. { وليس لأنها أرغمت على التنازل؟ أرغمت، وأنا أقول بذلك، لكنها قبلت، وكان بإمكانها ألا تقبل، وأن تعمل على حشد الناس في الشارع. لقد فهمنا الدرس، وقدرنا أن مصلحة البلد تقتضي أن نتنحى، ولم نتنح آسفين، بل فعلنا ذلك ونحن راضون. ولعلنا الحزب الوحيد الذي نظم لقاءات شعبية إعلانا لفرحه بخروجه من الحكم. لقد قدمنا درسا في معنى التداول الديمقراطي على الحكم. ليت أبناءنا يتحلون بهذه السمة في المستقبل. { ما هي حظوظ حركة النهضة في الانتخابات المقبلة؟ إذا تراجعنا لن يُقام مأتم. قد تكون حظوظا عادية، لا نطمع أن تزداد. إذا تراجعنا سيكون لنا درسا جديدا، وبالتالي، وقفة تأمل للنظر في أسباب تراجع هذه الشعبية، وهذا إيجابي. نريد أن ننجح لكن نريد أن ينجح بلدنا أيضا. إذا كانت هناك سقطات وأخطاء، فإن السياسي عليه أن يُقر بخطئه، بل إن شفافية السياسي تقتضي منه أن يقر بالخطأ. لن نقبل أن يعيدنا الشعب إلى الحكم وهو لا يريدنا. لأن هذا غش، ونحن لا نقبل بالغش. { هل حركة النهضة مستعدة للحكم من جديد؟ هي مستعدة للدخول إلى المجلس النيابي، ورأيي أن لا تأخذ الحكومة من جديد. لأن خصومها التقليديين لم يتغير موقفهم منها، وثانيا لن تستطيع في الارتباك الذي سيفرض عليها أن تفرض على الشعب أدوية مرة، لأن الذي يريد التغيير، يحتاج إلى دواء مر. فتغيير الاقتصاد غير ممكن بدون الضغط على تكاليف الحياة العامة، كأن تخفض الأجور، وتقلل التوظيفات، وترفع الأسعار. نحن نحتاج إلى حلول مرة في تونس. وإذا كان الإسلاميون مرفوضون اليوم في تونس من بعض الأطراف السياسية، فلن يستطيعوا لا أن يبرروا ولا أن يغيروا. والأفضل أن يبقوا مساعدين في عملية التغيير من داخل المجلس النيابي، على أن تسلم الأمور إلى الحكومة تكنوقراط، نحن نرضى بهذا الحل، لأن التكنوقراط لن يلاموا بالتبعية السياسية لأية جهة، وستكون الحلول المتخذة حتمية ولمصلحة البلد. { ما الدروس الكبرى التي استفدتموها خلال السنوات الثلاث الماضية؟ الدرس الأول هو أن الصندوق يمكن أن يوصلك إلى الحكم، لكنه ليس كافيا لتبقى فيه. وهذا بخلاف الفهم السابق الذي كان سائدا، ويقول إن الأغلبية هي الشرعية، وإنها كافية لكي تحكم. إن الذي يبقيك في الحكم، بعد الأغلبية الصندوقية، هو فهمك لمفاصل الحكم. ومن بين مفاصل الحكم الوفاق مع الأطراف الأخرى. عندما يكون بين يديك مشروع تريد تنفيذه، لا يكفي في ذلك 50 أو 60 في المائة من الأصوات، بل تحتاج أولا إلى أن تقنع الآخرين به، وأول من يتحتم عليك إقناعهم، هم رجال الإدارة، لأنها هي التي تنفذه، وإذا لم تقتنع به الإدارة فأنت بدون ركيزة. ثم يجب أن تُقنع به رجال الأعمال، وإذا لم يكن لك سند من رجال الأعمال فأنت لن تستطيع شيئا، وأن يكون لديك في الطبقة المفكرة، من جامعيين وفنانين ومثقفين، من يفهمك ويفهم مشاريعك، وإذا لم يكن لك ذلك فلن تستطيع فعل أي شيء. إن الذي استفدناه هو أننا لا ينبغي أن نعبّر عن شريحة اجتماعية هي شريحتنا، لأن من يأتي إلى الحكم ليعبر عن شريحته فقط يبقى معزولا، ثم يتحول إلى ديكتاتور. { ما الدرس الثاني؟ هو أن هناك فرقا بين النظري والتطبيقي. لقد كان جلّ السياسيين، بعد الثورة، عائمين بين السحاب والكتاب.. إما نظرية قرأها في كتاب، أو حلم يحلم به في السحاب، لكن الواقع هو الذي يفرز السياسي القوي. إن السياسة هي الميدان، فهي فهم للواقع، وهي فن الدخول في الواقع، وكيفية تجنيد الذين أفسدوا الواقع حتى يصلحوه هم، ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن الشعب الذي تسبب في الخطأ، سابقا، هو المُطالب بأن يعي ذاته، ويُصلح أخطاءه في الواقع، وهذا لا يتم بالقهر، بل يتم بالإرشاد والفهم والشرح والإبلاغ والتوضيح، ولذلك، فإن العملية التنموية هي عملية طويلة المدى تحتاج إلى علم ودراية. إن الجهل هو حليف الديكتاتورية الوحيد، لأنها لا تتفشى إلا في مناخ جاهلي. ولذلك، أتصور أن تنوير عقول الناس وإرشادهم، وإيجاد ثقافة متعددة المصادر، هو الذي يُساعد على فهم الواقع. إننا لسنا مرتبطين بوقت بقدر ارتباطنا بمنهج صحيح، فأن نكون على منهج صحيح، وأن نأتي متأخرين عن الواقع، خير من أن نلتزم بوقت ثم لا نصل، كأن ننزل في محطة غير محطتنا. { هل هناك درس ثالث؟ هو أن عصرنا ليس عصر إيديولوجيات أبدا، لأن المشاكل التي نواجهها اليوم هي نفسها التي تواجه الإسلامي والوطني والقومي. جميعهم مطالبون بإيجاد حلّ للمشاكل نفسها، وهذا الحل لن يكون إيديولوجيا. ولا يتصور أحد أن الشعار يحل المشاكل. لقد رفعنا شعار «الإسلام هو الحل»، لكن هذا ليس حلا، وإنما هو شعار لا يغير الواقع في شيء. إن مجتمعاتنا اليوم لا تحتاج إلى التقسيم الإيديولوجي التقليدي. وإذا اضطررنا إلى ذلك، فيجب أن يكون التقسيم بين تقدميين ورجعيين.. بين تقدميين لهم روح النظر إلى المستقبل، ويؤمنون بالتطوير والتقدم والتحديث، وهؤلاء فيهم الإسلامي والوطني والقومي، في مقابل أناس محافظين يعيشون في الماضي، معطلين للتغيير والإصلاح، يعيشون إما في ماض يساري أو قومي أو إسلامي، وهؤلاء لن يفيدوا، وسيكونون عناصر تفريق وتقهقر. { بهذا المعنى، إذن، تدعو الحركة الإسلامية إلى أن تكون «حركة واقع» لا «حركة تاريخ»؟ نعم، وأعتبر أن الحركة الإسلامية معنية بالتغيير، لأنها تعيش هذا الواقع. البعض يريد أن يتجاوز هذه الحتمية، أي أنهم ولدوا في القرن العشرين، ويريدون أن يكونوا في عهد عمر بن الخطاب. هذا الصنف ليس واقعيا، وسيصاب بخيبة أمل، وسينسحب من الواقع. وإذا انسحب من الواقع لا حق له في تغييره. الغريب أن بعض هؤلاء يريدون تغيير الواقع، أي يريدون أن يعيدوا الناس إلى التخلف، والرجوع إلى واقع قديم. نحن نقول لهؤلاء لا، هذا ليس دوركم. من الإسلاميين اليوم من يفهمون الواقع، ويعتبرون أن الإسلام عقائد ومبادئ أخلاقية، ويعتبرون أن من الإسلام أن يكونوا فاعلين كذلك، أي أن يكون مجتمعنا متقدما ومتحررا، ولا يبقى متخلفا استهلاكيا يعيش بإنتاج غيره. حان الوقت لأن نقول: «نحن رجال وهم رجال»، ما الذي لا يجعلنا أصحاب إنجاز ومبادرة وأصحاب فكر ورأي؟ { الذي يسمع هذا الكلام سيقول إن الشيخ مورو يقول بمرجعية الواقع لا مرجعية النص؟ النص طبعنا، ليس خارجا عنا، هو طبعنا وانتهى، لنا ثقافتنا وطريقتنا لفهم النص، الذي لا يُفهم مجردا، بل يفهم في الواقع. نحن بكياننا الحضاري لا نحتاج إلى مراجعته، هو موجود، لكنه غير مؤثر في الواقع، لماذا؟ لأن عقلنا توقف، وطموحنا أصبح وراءنا وليس أمامنا. عندما تسمع بعضهم يقول: «نحن نريد أن نعيد»، ماذا تعيد؟ إن التجربة لا تعاد، نحن نريد تجربة جديدة، وهذا يقتضي منا التجاوز. والتجاوز مسألة نفسية وعقلية واجتماعية. { الدروس الثلاثة تُشكل، حسب البعض، معالم مرحلة جديدة لما بعد الحركة الإسلامية بمنظورها السابق، هل تتفق مع هذا الرأي؟ هذا صحيح تماما، الحركة الإسلامية ليست مقدسة، هي إنتاج فكري وُجد في القرن ال20 ولم توجد في القرن ال19 مثلا. والإنتاج الفكري يتطور، لأنه نتاج فهم لواقع محدد في زمن محدد. { الديمقراطية، مثلا، لم تعد هي حكم الأغلبية في فكر الإسلاميين بل قيمة أو قيمة القيم؟ الديمقراطية ستتحول إلى واقع، عندما نحترم أنفسنا وغيرنا، ويتركز فينا معنى الحرية، ومعنى الكرامة، ومعنى التنوع والاختلاف. لقد خلقنا الله مختلفين، وهي سنة تفرض أن نكون متباينين. والاختلاف والتنوع يعنيان التنافس والتدافع والتسابق. والتسابق ينبغي أن ينتهي إلى إقامة بناء جمعي مركب ومتكامل ومتناغم. نريد وحدة متكاملة اليوم. وهذه الوحدة هي الوطن الذي يجمعنا ويوحدنا. البعض يريد أن يتجاوز هذا الوطن ويفرط فيه، نحو شعار العالمية الإسلامية أو الأممية الاشتراكية مثلا، أنا أقول لهم إنكم واهمون، هذه العالمية لن تحقق قيام هذه الوحدة التي نريدها داخل الوطن. { هل شعار الخلافة انتهى وفق هذا التصور؟ هو شعار لم ينته إذا تم فهمه في سياقه وإطاره، بمعنى التكامل بين أطراف العالم الإسلامي. أنا لا أتصور أن يُحكم الإندونيسي بمثل ما يحكم به المغربي أو الكاميروني. وحتى لو أعددت دولة مترامية الأطراف، فسيكون ما يُطبق في جانبها الأقصى على اليمين غير ما يطبق في باقي أطرافها يقينا، لأن العرف والعادة وطبيعة المجتمع لها تأثير. لكن الذي أطمح إليه اليوم أن يكون، مع هذه الوحدة الجغرافية، معنى التكامل والانسجام في التخطيط على المستوى الاقتصادي خاصة، وهذا الذي فعلته أوربا التي أقامت تكاملا بين شعوبها. { ألا ترى أن الحركة الإسلامية المعتدلة تأخرت في مواجهة التطرف؟ تأخرت لأنها لم يكن لها الوعي اللازم، ولم تكن لها الإمكانيات. لم يكن لها الوعي لأنها كان تقبل، بمقتضى الأخوة الإسلامية، كل كلام ولو خالفها، وهذا كان فيه من البساطة إلى حد البله، وأنا لا أصف إخوتي بالبله، ولكن أقول إن علينا أن نحتاط، فليس كل من يرفع شعارك يصلح أن يمشي في مسارك. وثانيا، نحن كنا حركات مقموعة، وعندما خرجت من عقالها، وجدت نفسها وجها لوجه مع شباب لم يربوا على المنهج الإسلامي الذي نعرفه. منهجهم إرادة الإنجاز الوقتي السريع، عبر استخدام العنف، وهذا ليس من طبخة الإسلام في شيء. هؤلاء لا يقدمون بدائل، لقد أعلنوا قيام دولة، لكن ما معنى دولة؟ أمير يخطب يوم الجمعة ودبابة غنموها، هل هذه هي الدولة التي يبشرون بها؟! { كيف تقرأ ما حصل في مصر؟ إنها نكسة كبيرة لا نرضاها لمصر. { ألا يتحمل الإخوان مسؤولية ذلك؟ الجماعة تتحمل المسؤولية، وكل الأطراف تتحمل مسؤولية ما حدث ويحدث، لكن ما يهمني هو الطموح الذي كنت أحمله تجاه مصر، إذ كنت أراها قطعة من معدن نفيس، ستزن في ميزان المنطقة والعالم وزنا ثقيلا، وكنت أتصور أنها إذا كرّست مسؤولية الشعب في تغيير واقعه، سندخل في منطق له أثر إيجابي كبير على المنطقة. هذا لم يحصل، للأسف، بخطأ من الإخوان، ولكن كذلك بتخطيط قصير النظر من الذين أثروا في القرار المبعد للإخوان. هؤلاء لم يحسبوها جيدا، وحسبوها على المدى القصير جدا، أي إبعاد الإخوان واستعادة الحكم، لكن الخاسر هي مصر، وهي الديمقراطية، وهي الأمة العربية. نحن نبكي في قلوبنا على ما يحصل في مصر، ولا أستطيع النوم ليلا، لأن إخواني في مصر يتقاتلون في ما بينهم، لا الحاكمون مطمئون وهانئون بالحكم، ولا المساجين تمتعوا بحريتهم. إنها مصيبة أصابت الجميع. { بناء على هذا الوضع الصعب في تونس، كيف تقيم تجربة العدالة والتنمية في المغرب؟ هي تجربة إيجابية جدا، وهذا حصل بذكاء من القيادة، وأقصد الملك محمد السادس، ونحن نبارك هذا الاختيار الهام. الملك بفضل حبه لوطنه تلافى مطبات الربيع العربي، وجعل الحراك داخليا، هو الذي يشرف عليه، ويغير الواقع بمبادرات هو الذي أعلن عنها، وتسعى إلى أن ترضي الجميع ودون أن تصدم أحدا. لقد أعطى الثقة للتيار الإسلامي، على خلاف الذين رفضوه خارج هذه البلاد. بسبب تهم وهمية في بعض الأحيان، بينما هذا الملك الحكيم لم تخفه التشنيع باللافتة الإسلامية. { ألا يرجع هذا إلى خصوصية في التفكير لدى إسلاميي العدالة والتنمية؟ يرجع إلى خصوصية هذا البلد ككل. وهذا الرجل(الملك) حكيم. وأنا لا أتهيب من القول بأن المغرب كان قد استقل بشؤونه منذ القرن الثاني الهجري. وله تقاليد خاصة به، وتأثير الآخرين فيه بقي محدودا. هناك تقاليد في القيادة قائمة على التراضي، وهذا يرجع إلى التمازج العجيب في مجتمعه، بين عرب وأمازيغ وأندلونيسيين، مما جعله يتعلم كيف يأخذ برضا الجميع. وهذا تجلى في فهم الحركة الإسلامية التي تقبل بالغير، وتريد تغيير الواقع برضا الجميع، وأن تكون ناصحة وصادقة، ومعتدلة فيما تعد به. { كيف قيمتم زيارة الملك محمد السادس إلى تونس؟ كنا في منتهى السرور، وفوجئنا، لقد وجدناه رجلا مثل الرجال، يمشي في الأسواق، ويتجول في الشارع العام، ويتحدث إلى الناس، وأزال عنا فكرة الملك المنعزل، الذي يعيش همومه لوحده، لأنه من طينة غير الطينات. ولذلك لما سمعنا أن هذا الرجل ألغي القداسة في الدستور، وقال لا قداسة إلا لله، قلنا هذا عظيم جدا. { كنتم تودون أن يلتقي بكم كما التقى بزعيم حزب «نداء تونس» المعارض؟ هذا أمر اعتباري، ربما حدث لعلاقة الباجي قائد السبسي بنظام بورقيبة، هذا الأخير كان قريبا جدا من الملك محمد الخامس رحمه الله، وقريبا من القصر المغربي، وهو يكاد يكون أبا روحيا للحسن الثاني رحمه الله. هذا المعنى هو الذي برر اللقاء المذكور. ولا نتصور أن الأمر يتعلق باختيار سياسي، لأن المملكة المغربية عودتنا على أنها لا تتدخل في شؤون الأوطان، ونستبعد هذا التفسير تماماً، لأن فيه دس، وبعض الناس يدسون ولا يفهمون أنهم يدسون.