قال الكاتب السياسي التونسي و مدير المعهد العربي للديمقراطية ماجد البرهومي، إن نتائج الانتخابات الرئاسية هي التي ستوضح الائتلافات المقبلة ولا يمكن لاي حزب الاستفراد بالحكم في تونس. في الحوار التالي يقييم المحامي والمحلل السياسي التونسي نتائج الانتخابات النيابية في تونس، ويشرح اسباب تراجع حزب النهضة الاسلامي، واندحار شريكيه في الائتلاف الحاكم خلال المرحلة الانتقالية، ويتحدث عن آفاق المستقبل السياسي التونسي. ماهو تقييمك لنزاهة الإنتخابات في تونس؟ لا بد أن أشير بداية أنه لا توجد انتخابات نزيهة مائة بالمائة، فجميع الإنتخابات لا تخلو من وجود خروقات و الإنتخابات التونسية الأخيرة لم تشذ عن القاعدة حيث تم تسجيل إغراء ناخبين بمال سياسي للتصويت لهذا الحزب أو ذاك، كما تم تسجيل وجود مترشحة مشرفة على أحد مكاتب الإقتراع تم تغييرها لاحقا، كما تم الحديث عن تغيير أماكن اقتراع بالنسبة للبعض خصوصا في دوائر الخارج بالإضافة إلى خروقات أخرى، لكنها جميعا لا ترقى إلى درجة الطعن في نزاهة الإنتخابات برمتها لأنها محدودة. ففي تونس هناك هيئة مستقلة تشرف على الإنتخابات لا علاقة لها بوزارة الداخلية كما كان يحصل في السابق، وأعضاء هذه الهيئة منتخبون من قبل المجلس الوطني التأسيسي، وحتى الحكومة الحالية في تونس هي حكومة كفاءات محايدة و مستقلة عن الأحزاب السياسية. كما حظر في هذه الإنتخابات ملاحظون أجانب أقروا بنزاهتها، و الأهم هو المجتمع المدني التونسي الذي بذل جهدا كبيرا في عملية مراقبة هذه الإنتخابات و لم يتوان على التشهير بالخروقات الحاصلة و تلافيها. و قد مارست شخصيا حقي وواجبي الإنتخابي في ظروف جيدة، كما كنت شاهدا على عمليات فرز الأصوات التي كانت بحضور ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية المشاركة و لم ألحظ وجود تلاعب بالأصوات. و لعل قبول الجميع بنتائج هذه الإنتخابات هو دليل قاطع على نزاهتها. فحتى حركة النهضة التي احتلت المرتبة الأولى في انتخابات 2011 و تراجعت إلى المركز الثاني هذه المرة سارعت إلى تهنئة حركة نداء تونس على حصولها على المرتبة الأولى. ماهي الرسالة التي وجهها التونسيون للمجتمع السياسي التونسي خاصة و العالمي عامة؟ الرسالة التي وجهها التونسيون لمجتمعهم السياسي مفادها أن كل حزب سياسي يرغب في التغول و الإستفراد بالسلطة سيعاقب في الإستحقاق الموالي بالتصويت لخصمه. فعصر هيمنة الحزب الواحد قد ولى و انتهى بالنسبة لهم و أن ما يعنيهم بالدرجة الأولى هو تحسين وضعهم المعيشي، و أن رفع الشعارات الثورية دون تحويلها إلى واقع لم يعد مؤثرا فيهم، كما أن تجارة الدين لم تعد مربحة في كل الأحوال ما لم تقترن بتحقيق الوعود الإنتخابية. أما رسالتهم إلى الخارج فمفادها أن البلاد قد استكملت مرحلتها الإنتقالية الثانية بنجاح و أن تونس باتت بامتياز بلدا ديمقراطيا مستقرا بعد أن أصبح الوصول إلى السلطة و التداول السلمي عليها يتم من خلال صناديق الإقتراع التي استعاض بها التونسيون عن الإنقلابات و الثورات. و ما على هذا الخارج إلا أن يثق في تونس و يحل للإستثمار فيها بكثافة لأنها بلد واعد يؤهله موقعه الإستراتيجي، المطل على مضيق صقلية الذي ينتصف مضيق جبل طارق و قناة السويس و الذي يفصل شرق المتوسط و غربه، لأن يكون منطقة عبور (ترانزيت) لشتى بقاع العالم و مركزا لتصدير المنتوجات شرقا و غربا، فتونس التي منحت إسمها التاريخي لإفريقيا هي بوابة القارة السمراء و همزة الوصل بينها و بين القارة العجوز. و ستساعد تونس للعب هذا الدور بنية تحتية متطورة تتمثل في مطاراتها الدولية التسعة و موانئها الكبرى يتقدمها ميناء المياه العميقة الذي هو بصدد الإنجاز بالإضافة إلى شبكة من الطرقات السيارة و السكك الحديدية هي الآن بصدد التطوير و التدعيم. هل تراجعت حركة النهضة أم خسرت الإنتخابات؟ برأيي لا يوجد رابح و لا خاسر في هذه الإنتخابات، و إذا كان هناك منتصر فهو الشعب التونسي برمته الذي أثبت للعالم أنه شعب راق و جدير بحياة سياسية راقية و مؤهل لذلك بفعل تراكمات سابقة أساسها حركة إصلاحية جذورها تعود إلى النصف الاول من القرن التاسع عشر ومجتمع مدني ناضج و مسؤول. كما أن الخاسر الوحيد هم أعداء تونس و من يتربصون بها من خفافيش الظلام و المتآمرين على أمنها و استقرارها في الخفاء. حركة النهضة حلت في المركز الثاني لكنها مازالت طرفا فاعلا في الحياة السياسية لا يمكن تجاوزه. وهي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الدخول في الإئتلاف الحكومي المقبل أو التخندق في المعارضة و ستكون معارضتها شرسة و لن يتمكن الفريق المقابل من الحكم براحة بال لأن النهضة حاصلة على نسبة هامة من الأصوات تجعلها قادرة داخل المجلس على تعطيل مشاريع القوانين و القرارات الهامة و المصيرية. أنا شخصيا لا أميل إلى خيار إقصاء حركة النهضة على غرار بعض القوى السياسية في تونس، أنا مع احتوائها و تشريكها و تونستها رويدا رويدا و فك ارتباطها مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين و مع الوهابية فيما يتعلق ببعض قادتها. أعتقد أن حركة النهضة حين تتخلى عن أطروحات سيد قطب و حسن البنا و تستلهم مرجعيتها الفكرية من المدرسة الزيتونية التونسية العريقة و الضاربة في القدم ستحظى بثقة قطاعات واسعة من النخب التونسية من ذوي المستوى العلمي و المعرفي الراقي. و بطبيعة الحال لن يحصل هذا مع الجيل القيادي الحالي و علينا أن ننتظر ربما جيلين أو ثلاثة حتى نرى قيادات نهضوية تتحدث عن حزب علماني يميني محافظ منخرط في بيئته التونسية قلبا و قالبا و مقبولا من نخبه. حركة النهضة مازالت في المرحلة الأربكانية إذا جازت المقارنة مع تركيا، ولم تعرف رئيسا فعليا غير رئيسها الحالي ومؤسسها راشد الغنوشي (و إن عرفت بعض الرؤساء الصوريين بسبب الظروف الإستثنائية التي عاشتها الحركة بين المنافي و السجون). قد نشهد تحولا ما نحو مزيد التونسة إذا صعد في المؤتمر القادم لحركة النهضة جيل جديد من القيادات حامل لهموم وطنه و يؤمن بأن تونس ليست غلطة و ليست جزء من إيالة عثمانية أو ان شعبها لا يمكن أن يكون "قوما تبعا" للمرشد الإخواني في القاهرة. كيف تفسر هزيمة شريكي حركة النهضة في هذه الإنتخابات، حزبا التكتل من أجل العمل و الحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية؟ لقد ارتكب هذان الحزبان خطأ قاتلا حين دخلا في تحالف غير متكافئ مع حركة النهضة و تحولا إلى مجرد ديكور علماني يزين صورة حركة النهضة في الخارج لتبدو و كأنها تحكم بالإشتراك مع هذين الحزبين اللذين لم تكن لهما إرادة تذكر مع الإرادة العاليا لحركة النهضة. رئاسة الجمهورية كانت بلا صلاحيات فجميع السلطات كانت بيد رئيس الحكومة النهضوي لذلك وجد الرئيس المنصف المرزوقي الوقت لتأليف الكتب و كتابة المقالات. كما أن رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر لوحظ عليه انتصاره المستمر لنواب حركة النهضة و كان قاسيا بعض الشيء مع نواب المعارضة. و لعل النخب العلمانية التي صوتت في وقت سابق لهذين الحزبين لم تغفر لهما انخراطهما مع حركة النهضة في ذات المشروع المتعارض مع ما يؤمنون به من قيم. كما أن هذان الحزبان لم يكبحا جماح حركة النهضة في فترة عنفوانها و عبثها بمكتسبات دولة الإستقلال. لقد دافع السيد مصطفى بن جعفر عن مشروع دستور مثير للسخرية تم تقديمه في شهر 6 من السنة الماضية و لو قام بدوره مع حلفاء حركة النهضة العلمانيين الآخرين لما اضطر فريق من التونسيين إلى النزول في اعتصام باردو طيلة شهر رمضان قبل الماضي لتصويب الإنحرافات الواردة في مشروع الدستور و لإجبار الترويكا على وضع خارطة طريق لإنهاء المرحلة الإنتقالية الثانية التي كانت مفتوحة و بلا آجال. ما حصل عليه حزبا المؤتمر و التكتل من نتائج هو رسالة للقوى السياسية التونسية التي قد تتحالف مع حركة النهضة لتشكيل الحكومة و على رأسها حركة نداء تونس صاحبة المرتبة الأولى بأن لا تسير في ركاب حركة النهضة و تتجاهل المرجعية الفكرية لشريحة الناخبين عند اتخاذ القرارات المصيرية و الحاسمة. كما أنها رسالة أيضا للأحزاب "الصغيرة" التي قد تشكل الإئتلاف الحكومي مع حزب نداء تونس بأن لا تتحول إلى مجرد بيادق لا حول لها و لا قوة بيد هذا الأخير. على ضوء هذه النتائج كيف ترى المستقبل؟ مستقبل التونسيين لا يمكن إلا أن يكون واعدا فقد أصبح هناك توازن في الساحة السياسية التونسية بعد أن كنا نخشى من تغول حركة النهضة و هيمنة الحزب الواحد مجددا. كما أن الطريقة الحضارية التي تعامل بها الحزبان الفائزان بالمرتبتين الأولى و الثانية تبشر بالخير فقد هنأ رئيس حركة النهضة منافسه الباجي قائد السبسي كما أن الأخير تعامل بتواضع و لم يتملكه الغرور و صرح بأنه يمد يده للجميع بما في ذلك حركة النهضة. كما أن بروز أحزاب جديدة في المشهد السياسي على غرار حزب آفاق تونس بقيادته الشابة ينبئ بأن المستقبل سيكون للشباب التونسي و للجيل الجديد من السياسيين التونسيين الذي لا يمكن أن تطالهم لا تهمة إعادة رسكلة المنظومة السابقة و لا تهمة الإرتباط بأجندات إخوانية خارجية. و سيزيد التفاؤل بالمستقبل إذا نجح التونسيون في انتخاباتهم الرئاسية التي باتت قاب قوسين أو أدنى و التي ستوضح عديد المسائل الضبابية و منها الإئتلاف الحكومي القادم.