سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغنوشي يدعو الشعب التونسي للتيقظ والحذر لتجنب «صدامات أو فتن قد تقود إلى كوارث» زعيم حركة النهضة ل «الشرق الأوسط»: بعض الأطراف تستعمل فزاعة «النهضة» وتستغل وسائل التشويه والتخويف
دعا زعيم حزب النهضة في تونس الشعب التونسي وشباب الثورة إلى التيقظ والحذر في هذه الفترة، و«عدم الانجرار إلى أي صدامات أو فتن قد تقود إلى كوارث». وأكد الشيخ راشد الغنوشي ل«الشرق الأوسط» أن التحدي الأساسي الذي يواجه الجميع في تونس في هذه المرحلة هو إنجاح العملية الانتخابية وتشكيل المجلس التأسيسي، الذي «سيعيد بناء الشرعية لمؤسسات الدولة», وعن تردد التونسيين في التسجيل للإدلاء بأصواتهم، أوضح الغنوشي أن هذا التردد من قبل بعض التونسيين يعود إلى ما يكتنف الساحة السياسية من ارتباك وغموض وتجاذبات سياسية وحالة انفلات أمني، بالإضافة إلى أداء الحكومة الضعيف, وعن برنامج حزبه، قال: «انتهينا من إنجاز برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي وسوف نعرضه الأربعاء المقبل». وبخصوص التخوفات التي تدور في تونس حول مستقبل البلد المعروف بتحرره، إذا ما وصلت «النهضة» للحكم, أجاب زعيم الحركة أن «من يتخوف من (النهضة) لا يزال تحت تأثير حملات التشويه التي شنها الرئيس المخلوع ضدنا.. كما توجد بعض الأطراف التي تستعمل فزاعة (النهضة) وتستغل وسائل التشويه والتخويف لأنها غير واثقة من وزنها وحجمها الانتخابي». وحول وضع المرأة إذا ما فاز حزبه بالانتخابات، قال الغنوشي: «نحن نؤمن بأن المرأة يجب أن تلعب دورا كاملا في تنمية المجتمع ونهوضه في جميع المجالات النهضة», وبين أنه ضد كل فرض لأي نمط من أنماط اللباس, وأنهم ضد من يفرض الحجاب, وضد من يفرض خلعه بالقوة. كما قام الغنوشي بتحية الجيش التونسي، مؤكدا أن «النهضة» تقدر جهود المؤسسة العسكرية أثناء الثورة وبعدها.وحول إمكانية قيام ثورة جديدة إذا ما فشلت عملية الانتخابات أكد الغنوشي أنه «لا مكان في تونس لصدامات تستهدف الأرواح والممتلكات والحرمات». وبين رئيس «النهضة» أن الانفلات الأمني وراءه أطراف تهدف إلى إفشال الثورة والالتفاف عليها. كما أكد الغنوشي أن «مصدر تمويل حركة النهضة اشتراكات منخرطيها»، ومن يقول غير ذلك فعليه البينة؛ إذ إن البينة على من ادعى.وجاءت تصريحات الشيخ راشد الغنوشي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني, وهذا نصه: * الانتخابات المقبلة في تونس, ما أهم التحديات التي تواجه «النهضة»؟ وكيف تعملون على مواجهتها؟ - التحدي الأساسي الذي يواجه الجميع في هذه المرحلة هو إنجاح العملية الانتخابية وتشكيل المجلس التأسيسي، الذي سيعيد بناء الشرعية لمؤسسات الدولة والخروج من مأزق اللاشرعية الذي تمر به البلاد، وذلك يعني العمل الجاد مع الجميع من أجل توفير المناخ المناسب لإجراء الانتخابات بتجنب كل مظاهر التوتر والانفلات الأمني، ورفض كل المشاريع التي تعيق مسار الانتقال الديمقراطي في أقرب الآجال، مثل الدعوات المشبوهة إلى الاستفتاء على صلاحيات المجلس التأسيسي وغيرها من الدعوات التي تحاول إرباك الساحة وصرف الأنظار عن المحطة المرتقبة، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والعودة إلى الشعب لاختيار ممثله من أجل إدارة المرحلة المقبلة. * الوضع السياسي في تونس يتسم بالكثير من الضبابية، هذا ما جعل الناخبين يترددون في التسجيل؛ كيف تقيمون الوضع شخصيا؟ - لقد ارتفعت نسبيا معدلات التسجيل مع اقتراب موعد الانتخابات، ولكن ليس بالشكل المنتظر، خاصة بالنسبة إلى أول انتخابات بعد الثورة يعتقد أغلب التونسيين أنها ستقطع مع سلسلة الانتخابات المزورة في تاريخ تونس الحديث، وربما يعود هذا التردد من قبل بعض التونسيين إلى ما يكتنف الساحة السياسية من ارتباك وغموض وتجاذبات سياسية وحالة انفلات أمني، بالإضافة إلى أداء الحكومة الضعيف وما سببه تأجيل موعد الانتخابات من تراجع في مستوى حماس بعض المواطنين للعملية الانتخابية. * في حوار أجريناه مع الوزير المعتمد لدى الوزير الأول التونسي، رافع بن عاشور، حمل الأحزاب مسؤولية الغموض في الوضع السياسي، وبأنهم لا يقومون بالدعاية اللازمة؛ كيف تردون على هذا؟ - ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن أداء الحكومة والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعث برسائل غير مشجعة، خاصة مع قرار تأجيل موعد الانتخابات. * لماذا لم تقدموا إلى الآن برنامجا واضحا يمكن للناس فهمه؟ - لقد انتهينا من إنجاز برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وسوف نعرضه الأربعاء المقبل، إن شاء الله. * ينقسم الرأي العام في تونس بين من يمنحونكم ثقة كبيرة، وآخرين متخوفين تجاه مجال حقوق المرأة ومجال الثقافة ومستقبل السياحة؛ هلا أوضحتم كيف سيكون تعاملكم تجاه هذه المسائل؟ - من يتخوف من «النهضة» لا يزال تحت تأثير حملات التشويه التي شنها الرئيس المخلوع ضدنا مسخرا إمكانات الدولة وأجهزتها, كما توجد بعض الأطراف التي تستعمل فزاعة «النهضة» وتستغل وسائل التشويه والتخويف لأنها غير واثقة من وزنها وحجمها الانتخابي. حركة النهضة عبرت منذ سنة 1988 عن قبولها بمجلة الأحوال الشخصية، واعتبرتها في عمومها مندرجة ضمن الاجتهاد الإسلامي، عدد كبير من أعضائنا من الشابات والنساء وهن ناشطات في مختلف المستويات؛ منها في المكتب التنفيذي والهيئة التأسيسية، وهما أعلى هيئات قيادية في الحركة. نحن نؤمن بأن المرأة يجب أن تلعب دورا كاملا في تنمية المجتمع ونهوضه في جميع المجالات، أما بالنسبة للسياحة فنحن نقدر دور هذا القطاع المهم جدا في الاقتصاد وفي التشغيل، ويحتوي برنامجنا الانتخابي على خطة للمحافظة على أهمية هذا القطاع وتطويره باتجاه تنويع المعروض السياحي التونسي ليشمل؛ ليس فقط السياحة الشاطئية، بل أيضا السياحة الثقافية, وسياحة المعارض والمؤتمرات، فتونس مهيأة لتطوير هذا القطاع بما حباه به ربنا من جمال وتاريخ وثقافة وموقع جغرافي. * هناك تخوفات كبيرة من انتكاسة في طريق التوجه الديمقراطي الذي تسير نحوه تونس إذا ما توصلت النهضة إلى الحكم, هل فعلا ستواجهون رفضا من الجيش إذا توصلتم للحكم؟ - أكد الجيش مرارا أنه مع إرادة الشعب التونسي، ونحن على ثقة من أن الجيش الوطني سيحترم إرادة الشعب، فقد انحاز إلى الثورة وناصرها، فليس يعقل أن ينقلب عليها. * ما علاقة النهضة بالجيش التونسي؟ - الجيش التونسي جيش وطني يسهر على حماية البلاد ومؤسسات الدولة، و«النهضة» تحيي جيشنا الوطني وتقدر جهود المؤسسة العسكرية أثناء الثورة وبعدها. * الشعب التونسي متخوف كثيرا من مرحلة الانتخابات خاصة أن عددا من المحللين السياسيين صرحوا بتوقعاتهم بثورة جديدة وصدامات قد تصل إلى خسارة في الأرواح، كيف تردون على هذا؟ - لا أعلم أن الشعب التونسي متخوف من الانتخابات، فلا أحد فرض على التونسيين اللجوء إلى الانتخابات، بل إن الإرادة الشعبية هي التي فرضت اللجوء إلى انتخابات المجلس التأسيسي، أما تصريحات المحللين الذين ذكرتهم فلا معنى لها إلا في حال النكوص عن تحقيق إرادة الشعب في انتخاب المجلس التأسيسي فهو مسلك لا يحترم الإرادة الشعبية، وفي ذلك انحراف خطير عن تحقيق أهداف الثورة مما يدفع إلى تجدد الثورة وبالنسبة إلى الثورة التونسية فهي سلمية تعود إلى طبيعة الشعب التونسي المسالم، ولا مكان في تونس إلى صدامات تستهدف الأرواح والممتلكات والحرمات. * علمنا أن الحكومة المؤقتة لن تتخلى كليا عن سلطاتها بعد الانتخابات إذا ما مرت العملية بسلام, بل ستحتفظ بسلطات محددة, ما مدى صحة هذا؟ - رئيس الحكومة أكد أن حكومته ستتخلى عن مهامها بمجرد انتخاب مجلس تأسيسي ونحن نتوقع أن يكون عند وعده. المجلس التأسيسي سيد نفسه, فإذا اختار أن يحافظ على هذه الحكومة أو بعضها فله ذلك. نحن نؤمن باستمرارية الدولة التونسية بما هو التزامات وجهاز إداري ناجع. لقد أعلنا مرارا أنه حتى لو تحصلت «النهضة» على أغلبية الأصوات، مما يمكنها من تشكيل الحكومة بانفراد، فإننا نؤمن بأن المرحلة تفرض علينا أن نعمل مع جميع الأطراف الوطنية الجادة لتشكيل حكومة وفاق وطني لمواجهة تحديات المرحلة، على الأقل في الخمس سنوات المقبلة. * يتردد أن الحكومة التونسية المؤقتة صورية، ولا دخل لديها في القرارات المتخذة، لكن هناك قوى خفية تعمل وراء الستار وتختفي وراء الحكومة التي تحميها, ما هذه القوى؟ - أنت أعلم بها؛ فقد ورد في سؤالك تأكيد على وجود قوى خفية؛ من هي؟ * المسألة الأمنية في تونس هل واقع فرضته مرحلة ما بعد الثورة أو صنعته أطراف معينة وتقوم بإدارته لإفشال الثورة؟ - الانفلات الأمني وراءه أطراف تهدف إلى إفشال الثورة والالتفاف عليها، لذا نطلب من شعبنا ومن شباب الثورة التيقظ والحذر في هذه الفترة، وعدم الانجرار إلى أي صدامات أو فتن قد تقود إلى كوارث. كما نطلب من الحكومة أن تقوم بواجباتها في تحقيق الأمن للمواطنين ومتابعة الوالغين في الدماء والأموال، وذلك في ظل احترام حقوق الإنسان والقانون. * كيف ينظر الغرب إلى «النهضة»، وهل تتوقعون أن يتعاملوا معكم بشكل عادي في حالة فوزكم؟ - الغرب ليس متجانسا في الموقف من الحركات الإسلامية، وإن كان هناك تطور في الموقف الغربي عموما بعد الثورات العربية تجاه الحركات الإسلامية المعتدلة، خاصة بعد نجاح التجربة التركية، وهو ما يبشر بنماذج إسلامية أخرى تحترم الديمقراطية وتقيم علاقات متوازنة مع جميع الأطراف. لقد التقينا مع معظم ممثلي السفارات الأجنبية في تونس، ومنها الدول الغربية. والجميع يدرك أن «النهضة» من الأرقام السياسية الكبيرة، إن لم تكن الأكبر، ويعرفون أنها مرشحة لأن يكون لها دور مهم في الحكومة ما بعد الانتخابات, لذا فهم يحرصون على معرفة توجهات الحركة وآرائها. وقد أكدنا في جميع المقابلات رغبتنا في بناء علاقات مبنية على تبادل المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، واستقلال القرار الوطني. * المظاهر الإسلامية المبالغ فيها التي ظهرت في الشوارع التونسية؛ من سيدات يرتدين النقاب ويغطين وجوههن كليا, وملتحين ينتقدون الفتيات غير المحجبات ويطالبنهن بالتزام البيت, ألن يبعث مثل هذا الأمر الرعب في قلوب التونسيين، الذين تعودوا على الافتتاح وتحرر المرأة منذ عهد بورقيبة؟ - أنا أعيش في تونس الآن، ولم أر أو أسمع ما تذكرين من مضايقة غير المحجبات ودعوتهن لالتزام البيت، أما المظاهر الإسلامية من حجاب ولحى؛ فمن المستغرب أن لا تكون هذه المظاهر في مجتمع مسلم، أما الحديث عن النقاب في تونس، فهو ظاهرة محدودة جدا بالمقارنة مع الحجاب، مقابل ظواهر تفسخ فاقعة هي أيضا محدودة، ومع ذلك يظل من حق التونسية أن ترتدي ما تشاء. نحن ضد كل فرض لأي نمط من أنماط اللباس, نحن ضد من يفرض الحجاب, وضد من يفرض خلعه بالقوة، كما كان يفعل الرئيسان المخلوعان, هذا الخيار متروك لكل امرأة فهو من باب الحرية الفردية. * الوضع المالي للنهضة يثير الكثير من التساؤلات والجدل؛ هل يمكن أن تقدموا بعض الإيضاحات حول مصادركم المالية؟ - مصدر تمويل حركة النهضة اشتراكات منخرطيها، ومن يقول غير ذلك فعليه البينة، إذ البينة على من ادعى، «النهضة» أكبر حزب في البلد, لذا لن يجد حزبنا صعوبة في تحصيل أمواله من اشتراكات وتبرعات أعضائه. * أعلنتم في تصريح صحافي سابق أنكم ستتخلون عن العمل السياسي قريبا، ولا مطامع لك في أي مناصب, ألا تعتقد أن وجودك كرمز في النهضة هو أهم عنصر لشرعيتها وقوتها للثقة الكبيرة التي تحظون بها في كل الأوساط خارجيا وداخليا, وأنكم إن انسحبتم، فسيجد الناس أنفسهم أمام أسماء ووجوه غريبة قد يتراجعون عن التعامل معهم؟ - النهضة مشروع إسلامي، ومؤسسات وأعضاء لهم تاريخ نضالي يمتد لعقود، وقيادات «النهضة» ليست وجوها غريبة، فهي معلومة على المستوى الوطني والمحلي وحتى الدولي، مثل الزعيم حمادي الجبالي والأستاذ علي العريض وغيرهما، وعدد كبير منهم ترأس الحركة وأشرف على قيادتها؛ فلا خوف على «النهضة» في المستقبل، فقد ترسخت فيها قيم الشورى والعمل الجماعي واحترام المؤسسات بعيدا عن المشيخية، لو كانت النهضة شخصا واحد لانتهت منذ زمن بعيد, ولكن بنيتها المؤسساتية مكنتها من الاستمرار على الرغم من حملات القمع المتواصل طيلة ثلاثين عاما. ولله الأمر من قبل ومن بعد.