ألغت المحكمة الدستورية، هذا الأسبوع، مقعدين بمجلس النواب، عن دائرة الدرويش، لكل من عبد المنعم الفتاحي (حزب الاستقلال) والمصطفى الخلفيوي (حزب الأصالة والمعاصرة). هذه الدائرة كان قد فاز بها أيضا عبد الله البوكيلي (التجمع الوطني للأحرار) لكن لم يشمله الإلغاء. الطعن قدمه محمد الفاضيلي (الحركة الشعبية). المحامي سعد السهلي، دفاع الطاعن، قال في تصريح ل"أليوم 24″،"إن القضاء الدستوري راعى فيما يتعلق بحالة المصطفة الخلفيوي، مقتضيات الأمن الانتخابي كأهم ظاهرة سياسية تحتاج إلى حماية في جو من الارتياح والطمأنينة التي يجب أن تسود يوم الانتخاب". أما فيما يتعلق بالفتاحي، يضيف الدفاع، فيشكل موضوعه "جزاء للذين يتلاعبون بإرادة الناخبين، ومخالفة القوانين سواء قانون الأحزاب السياسية أو مدونة الانتخابات بأشكال ملتوية". وفي تفاصيل الحكم، فقد طُعن في انتخاب الفتاحي على أساس وصفه مسؤولا وطنيا للحزب الذي قدم استقالته منه، كان عليه أن يقدمها للمؤتمر الوطني الذي سبق أن انتخب من قبله أمينا عاما لذلك الحزب، وأن طلب استقالته قد وضع أمام جهة غير مختصة وأن إقدام رئيس حزب سياسي "بين ليلة وضحاها" على الترشح باسم حزب آخر يعد سلوكا منافيا للمشاركة السياسية المسؤولة. الفتاحي قدم استقالته إلى الجهاز المعني داخل الحزب الذي كان ينتمي إليه، في 12 يوليو 2021، توصل بها مقرر هذا الجهاز في نفس اليوم وتم قبولها من لدن الجهاز المذكور في 22 أغسطس 2021، أي أثناء فترة إيداع التصريحات بالترشيح، وقبيل انطلاق الحملة الانتخابية. وقالت المحكمة إنه و"بصرف النظر عن كون المطعون في انتخابه لم يكن وقت إيداع ترشيحه منتميا لحزبين، إذ أودع ترشيحه باسم حزب آخر في 24 أغسطس 2021، أي في تاريخ لاحق على استقالته، فإن ما أقدم عليه، عشية إجراء الانتخابات التشريعية، وما يتطلبه ذلك من إنفاذ ما هو موكل إليه من مهام الإعداد لهذه العملية باسم الحزب الذي كان يسيره، يعد سلوكا من شأنه النيل من مصداقية المؤسسة الحزبية ومن ثقة المواطنين بها، وتوهينا لصورتها لدى الناخبين، كما يجافي الغايات الدستورية المشار إليها، ويخل بالمهام المسندة بنص الدستور للأحزاب السياسية، ويمس بنزاهة وشفافية الانتخابات". أما فيما يخص الطعن في انتخاب الخلفيوي، فقد تلخص في أن عصابة إجرامية متكونة من عدة أشخاص قادمين من جهات مختلفة بقصد الهجوم على مكاتب التصويت وفق مخطط متفق على تنفيذه "بزعامة شقيق المطعون في انتخابه"، قام أفرادها باقتحام مكتب التصويت رقم 16، الكائن بدوار بني مدين بجماعة تفرسيت تحت التهديد والقوة بملء الصندوق بأوراق التصويت لفائدة لائحة الترشيح للمطعون في انتخابه، ثم توجهوا إلى مكتب التصويت رقم 7 الكائن بدوار بني مقرين بجماعة افرني وقاموا تحت نفس التهديد والعنف بملء صندوق التصويت بأوراق التصويت لفائدة نفس المترشح، إلى أن انكشف أمرهم ولاذ بعضهم بالفرار، وقامت الضابطة القضائية بتوقيف الباقي منهم وتمت متابعتهم وأحيلوا على قاضي التحقيق، وأن تلك الأفعال وما صاحبها من مناورات تدليسية، تشكل إخلالا بشفافية ونزاهة وصدقية الانتخاب، وأنها أثرت على نتيجة الاقتراع وحرمته من الفوز فيه.
وأدلى دفاع الفاضيلي للاستدلال على الوقائع المدعاة، بصورة من محضر الضابطة القضائية المنجز من طرف المركز القضائي أعزيب ميضار بتاريخ 08/09/2021 وبنظير محضر مكتب التصويت رقم 7 فرعية مجموعة مدارس 20 غشت بالدائرة الانتخابية الجماعية رقم 4 (جماعة افرني إقليم الدريوش)؛
واستمعت الضابطة القضائية في إطار البحث التمهيدي، إلى الأشخاص الموقوفين، واعترفوا بالأفعال المنسوبة إليهم كما تم الاستماع إلى شقيق المطعون في انتخابه حول إيواء أفراد المجموعة طيلة ثلاثة أيام بالمنزل الذي تعود ملكيته لشقيقه المذكور، وتلقت أيضا تصريحات رئيسي وأعضاء مكتبي التصويت رقم 7 و16 المشار إليهما، فأكدوا جميعهم أن مجموعة من الأشخاص، غرباء عن المنطقة، يتراوح عددهم ما بين 12 و14 فردا يضعون كمامات ونظارات شمسية سوداء اللون على أعينهم، ويحمل بعضهم بخاخا مسيلا للدموع، قاموا باقتحام مكتبي التصويت وأغلقوا باب المكتبين من الداخل وأخذوا يصرخون ويهددون بالضرب كل من حاول أن يتدخل في ما يقومون به، وقاموا بوضع علامات بالأوراق المخصصة للاقتراع على رمز الحزب الذي ينتمي إليه المطعون في انتخابه ويضعونها داخل صندوق الاقتراع، وكان أحدهم يقوم بأخذ صور عن تلك الأفعال ويسجل مقطع فيديو عنها؛ وتبين للمحكمة الدستورية، من خلال التحقيق الذي قامت به، بمراسلة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور، في 4 فبراير 2022، حول مآل البحث التمهيدي الذي أنجزته الضابطة القضائية في 8 سبتمبر 2021، ومن جوابه بتاريخ 22 فبراير 2022 تحت عدد 788/2022، أن السيد قاضي التحقيق بالغرفة الثانية لدى محكمة الاستئناف بالناظور أصدر، في 25 أكتوبر 2021، بملف التحقيق عدد 212/15/2021، أمرا بإحالة المتهمين على غرفة الجنايات بنفس المحكمة، وأن هذه الأخيرة أصدرت قرارها في الملف الجنائي الابتدائي عدد 656/2610/2021 بتاريخ 23 فبراير 2022 بإدانة المتهمين ومؤاخذتهم بما نسب إليهم ومعاقبتهم بأربع سنوات حبسا نافذا في حق الفاعلين الأصليين وبسنتين حبسا نافذا في حق شقيق المطعون في انتخابه؛
وثبت للمحكمة من هذه الوثائق، أنه بناء على خطة مدبرة اتفق على تنفيذها في عدة دوائر انتخابية، قامت مجموعة من الأشخاص القادمين من مدن مختلفة، تم إيواؤهم بمنزل في ملكية شقيق المطعون في انتخابه لمدة ثلاثة أيام قبل يوم الاقتراع، انطلقوا منه، يوم الاقتراع، وتوجهوا إلى مكتب التصويت رقم 16 بمركز تفرسيت (جماعة تفرسيت – إقليم الدريوش)، واقتحموا قاعة التصويت بالعنف والتهديد لمنع الناخبين من ممارسة حقهم في التصويت، وأرغموا أعضاء مكتب التصويت على تسليمهم هواتفهم النقالة باعتبارهم "لجنة مكلفة بالتفتيش" وشرعوا في وضع أوراق التصويت بصندوق الاقتراع لفائدة الحزب الذي ينتمي إليه المطعون في انتخابه، ثم انتقلوا لمواصلة هذه الأفعال بمكاتب أخرى للتصويت؛ كما أن فحوى هذه الوقائع ضمّن أيضا في خانة الملاحظات بنظيري محضري مكتبي التصويت رقم 16 (جماعة تفرسيت) ورقم 7 (جماعة افرني) المودعين لدى المحكمة الابتدائية بالدريوش والمستحضرين من قبل المحكمة الدستورية. وخلصت المحكمة إلى أنه بعد وقوفها على وقائع ثابتة، وخطيرة، ومخطط لها، كان كافيا لعدم اطمئنانها لسلامة الاقتراع ، وألغت نتيجة الانتخابات.