يناقش القيادي في حزب العدالة والتنمية، والكاتب الوطني السابق لشبيبته، خالد بوقرعي، فكرة تقليص مشاركة الحزب في الانتخابات المقبلة، معتبرا أن الأمر غير مطروح داخليا. كما يستبعد بوقرعي أن يكون هناك طلب خارجي بهذا الخصوص، "وفي الحالتين معا، هذا أمر مضر بالديمقراطية في بلدنا وبالاختيار الديمقراطي، الذي أصبح يعتبر ثابتا من ثوابت هذا البلد حسب الوثيقة الدستورية". ودعا القيادي في صفوف حزب المصباح، في المقابل، إلى التمييز بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة، معتبرا أن رئاسة الحزب يجب أن تفصل عن رئاسة الحكومة "حتى لا يرتهن الواحد للآخر، الحكومة للحزب أو الحزب للحكومة". يجري الحديث حاليا عن خيار تقليص مشاركة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، هل يعني ذلك أن فوزه بالصدارة مسألة حتمية ومحسومة؟ لا، ليست حتمية ولا محسومة، نحن لا "نضرب الكارطا" كي نخمّن من الذي سيفوز، بل نسعى بالفعل إلى احتلال التربة الأولى، لكن لا أحد يمكنه أن ينجّم ويقول إن الرتبة الأولى محسومة لأي فريق في انتخابات 2021، و"الله يرحم عليها" السي عبد الإله بنكيران الذي خاطب أخنوش يوم كان يرتب للفوز بالرتبة الأولى في هذه الانتخابات المرتقبة، وكان يبشر بذلك، فقال له في مؤتمر للشبيبة: "من هي الشوافة التي قالتها لك؟". صحيح أن الأحزاب التي تراكم حصيلة إيجابية في التدبير يكون لديها نوع من الارتياح، ما يجعلها تخوض الحملة وهي شبه متأكدة من تجاوب الناس، ونحن نتوخى ونتمنى أن نحصل على الرتبة الأولى، لكن ذلك في يد الله. تحدثت عن ارتباط اطمئنان البعض للفوز بالحصيلة الإيجابية في التدبير، لكن هناك من يبرر ترجيحه لهذا الاحتمال بضعف الخصوم وليس بقوة حزبكم؟ أعتقد أن ضعف الخصوم هو في الوقت نفسه تعبير عن قوة العدالة والتنمية، وبالنسبة إلينا هذا وضع لا يخدم الديمقراطية في شيء. فأن ينفرد حزب واحد بالمجال الحزبي، أو أن تسلط الأنظار في العمل السياسي إلى حزب واحد، باعتباره له تنظيمات قوية وهيئات تنعقد بشكل عادي، وتواصله مع المواطنين لم يتراجع، أمر غير صحي. نحن نتمنى أن تكون الأحزاب السياسية كلها على هذه الشاكلة، ومن هنا تستحق أن تسمى أحزابا سياسية، لأن الحزب الحقيقي هو الذي يعمل على تأطير المواطن وتمثيلهم. في الحقيقة، ليس في مصلحة السياسة والديمقراطية أن يكون حزب العدالة والتنمية قويا وغيره ليس كذلك، بل على الجميع أن يجتهد لتكون أحزابا منظمة وتبسط برامجها أمام المواطنين، أي ينبغي أن يكون المنتج السياسي والحزبي مغريا للشباب والأطر... هل تعتقد أن إثارة مثل هذا النقاش حول إمكانية تقليص مشاركة الحزب في الانتخابات أمر صحي؟ نحن في خطاباتنا ولقاءاتنا نصف بعض التراجعات بالارتداد والنكوص، وطرح هذا الأمر ارتداد ونكوص أيا كان الذي طرحه. وسواء كان قد طرحه ك"بالون" اختبار أو كان غير مطروح أصلا داخل الحزب وطرحته جهة من الجهات كبالون اختبار أيضا، فإنه غير مطروح عمليا، لأننا من المفروض أن نكون قد وضعنا هذا الأمر وراء ظهورنا، "وما بقا فين نرجعو ليه"... تقصد أن تجاربكم السابقة في تقليص المشاركة لا يمكن أن تجرب من جديد؟ لا بد أن ننتبه إلى أن مثل هذا الاختيار إما أن يصدر عن إرادة ذاتية، وهذا لم يحصل نهائيا داخل أجهزة الحزب، وإما أن يتم ذلك بإيعاز وطلب من جهة ما، وبالتالي يجب الإفصاح عنها. لا يمكن أن يأتي شخص له علاقة بجهة من الجهات ويطرح هذه الفكرة لتتحول إلى نقاش داخل الحزب. وأنا أقول إن الحزب غير معني بهذا النقاش، فيوم أراد أحد روافده السابقة المشاركة في انتخابات 1993، جاءها مبعوث من الملك الراحل الحسن الثاني وطلب منها ألا نتسرع في الأمر، باعتبار السياق الدولي والمحلي غير ملائم. ويوم دخلنا في حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمة الله عليه في 1997 كان الاختيار واضحا، ويتمثل في التعامل مع مناخ يتسم بمعاداة كل ما له مرجعية معينة، فكان الاختيار من مبادئنا التي نؤمن بها، وهو التدرج وعدم صدم المجتمع ولا الدولة ولا المنتظم الدولي، وكانت المشاركة جزئية، فحصلنا على تسعة مقاعد في البداية. وفي 2002، حدث الشيء نفسه، ثم جاءت انتخابات 2003، حيث تم الضغط على الحزب ليقلص مشاركته في المدن الكبرى إلى النصف... أما في 2011 وما بعدها، فلم يعد هذا السياق قائما، ومن يطرحه يشير إلى التدحرج وليس التدرج، "وباغي يكركبنا" في الحقيقة، بمعنى العودة على أعقابنا... تعتقد أن هناك جهة خارجية هي التي تسعى إلى حمل الحزب على تقليص مشاركته؟ أنا شخصيا أستبعد وجود طلب خارجي بهذا الخصوص، وفي الحالتين معا، هذا أمر مضر بالديمقراطية في بلدنا، وبالاختيار الديمقراطي الذي أصبح يعتبر ثابتا من ثوابت هذا البلد حسب الوثيقة الدستورية.. لكن هناك من يبرر طرح هذا المقترح بالخوف من تكرار "البلوكاج" والأزمة السياسيين اللذين عشناهما بعد انتخابات 2016؟ هل استمرار العدالة والتنمية في الصدارة في حال فوزه بالانتخابات مضر بالمغرب؟ إذا كان الأمر كذلك فيجب حله. لا توجد منزلة بين المنزلتين في المصلحة الوطنية، فإما أنه حزب مغربي يضم أطرا مغربية وأبناء بررة لهذا البلد يجتهدون من زاوية نظرهم ويقدمون منتوجا وتدبيرا معينا، وبالتالي يجب على البلد أن يحتضنهم، وإما هم غير ذلك ويشكلون خطرا ويجب الحسم مع هذا الخيار وإبعاده. والحال أنه حزب وطني يراعي ويقدم المصلحة الوطنية، وأي كلام عن أن الحزب يجب أن يقلص هذه المشاركة لا يخدم الديمقراطية في شيء، والاستثناء المغربي تكرس في عدة محطات. الاستثناء المغربي يُطرح ارتباطا بالوضع الإقليمي، وهذا الوضع اليوم يتسم بتراجع شبه شامل للأحزاب الإسلامية، وبالتالي هناك من يعتبر أن استمرار حزبكم في الصدارة مضر بمصالح المغرب وعلاقاته؟ أولا نحن لسنا حزبا إسلاميا ولا إخوانيا. نحن حزب مغربي نبت في التربة المغربية. صحيح أن قادته أتوا من خلفية إسلامية، وهذا ليس عيبا، بل لديهم فكرة وهم مكون داخل المجتمع لديه تصور معين، ودخول هذا المكون إلى العمل السياسي نفع الحركة الإسلامية ونفع البلد في إنضاج مجموعة من الرؤى والتصورات، التي كانت اجتهادا من الاجتهادات وحصل التطور في تربة مغربية، وتم التفاعل بشكل إيجابي وأثر وتأثر. هناك استثناء مغربي قديم في التعامل مع هذا المكون السياسي، والناس الذين اضطهدوا في المشرق من أبناء الحركة الإسلامية تم استيعابهم في المغرب من طرف المرحوم الحسن الثاني، مثل فاروق النبهان وكثير من الإخوان في سوريا. الاستثناء المغربي هو أن الحسن الثاني استقبل عباسي مدني في الباخرة عندما زار الجزائر، وهو الذي سمح بالمشاركة السياسية لهذا التيار. والاستثناء المغربي هو الذي جعل الكل يقول لنا هنيئا لكم بملك تفاعل مع مطالب حركة 20 فبراير في وقت قصير حين جاء خطاب 9 مارس. هذا الاستثناء المغربي هو الذي ترك الحرية للمغاربة ليعبروا عن آرائهم في 2011 و2016، وكان السياق الإقليمي يتضمن هجمات على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية... تقصد أن السياق الإقليمي لن ينعكس على الوضع الداخلي للمغرب؟ أقصد أن حزب العدالة والتنمية لا يمكن أن يكون إلا في المغرب، وهو مختلف عن غيره. وما وقع في مصر لا يمكن أن يقع إلا في مصر وما وقع في تونس كذلك، والدول التي تدعم الثورات المضادة لا يمكن أن تفعل الشيء في المغرب لكونه بلدا حرا، ولا يقبل التدخل في شؤونه. المغرب كان دائما مؤثرا في السياسة الدولية ولا يمكنه أن يتأثر ببعض المراهقات التي تقودها بعض الدول المعروفة. المغرب فاعل وليس مفعولا به، وحتى حين يقع فيه القمع فإنه يكون مغربيا محضا وليس تأثرا بسياق خارجي، والتردي الحقوقي أيضا يكون مغربيا محضا، وبالتالي لا يمكن أن نلعب ورقة السياق الإقليمي، ويوم كان النقاش حول الولاية الثالثة للسي بنكيران، بعض الإخوان أشهروا هذه الورقة وقلنا لهم لا يمكن، وهذا السياق لم يتراجع اليوم، هذا صحيح، لكن الأساسي هو قدرة بلادنا على الصمود ولا يمكن أن تملى عليها اختياراتها. في حال فاز حزبكم بالرتبة الأولى وحصلت أزمة سياسية، ما الذي يمكن تقديمه لتجنيب المغرب وضعية صعبة؟ لماذا سنسمي حصولنا على الرتبة الأولى مشكلة بالضرورة؟ كنتُ في فترة سابقة مقتنعا بالتقليص كموقف سياسي وليس كتدبير لمرحلة، أي كسلوك احتجاجي. لا يمكن أن أتحدث عن الضغوط ضد مستشاري الحزب في الجماعات المحلية وأقول ما دام الأمر كذلك، فعلينا أن نقلص مشاركتنا ونرجع خطوة الى الوراء من أجل خطوتين الى الامام. إذا اخترنا التقليص فينبغي أن يكون ذلك موقفا سياسيا وسلوكا احتجاجيا، ولا يمكن أن أتصور أن هناك من لديه مشكل مع العدالة والتنمية، وإلا فإن عليه أن يشرح للرأي العام لماذا. تقليص المشاركة ليس إرادة الحزب ولا جهات ما، بل يجب أن يكون تعبيرا عن إرادة المواطن المغربي. دعونا نذهب إلى انتخابات 2021 والمغاربة إن لم يعجبهم الحزب فليحكموا علينا. وحتى إن كان هناك من داخل الحزب من يفكر في التقليص، فأخشى أن يكون مشوبا بمنطق تجنب تقديم الحساب، اتركوا المغاربة يقولون لنا "سيرو بحالكم"، وهذا وارد جدا ويرتبط بالمضمون السياسي الذي سنقدمه للناس. لقد سبق للسي بنكيران أن قال إن جهة معينة "باغية فينا الخدمة"، وخرج إليهم وأطر الخطاب السياسي، وهو ما صوت عليه المواطن المغربي الذي شارك في الانتخابات، وكان من الممكن أن يخسر الرهان ويفشل، وحينها كان سيكون ذلك بمثابة تقديم الحساب، لكن المغاربة أعطوه الأغلبية في 2015 و2016، والقيادة الحالية يجب أن تذهب لتقديم الخطاب السياسي كما قدم في المرحلة السابقة، وهذا كفيل بأن يتجاوب معه الناس بشكل إيجابي أو يرفضوه. إذن، لا يمكن الذهاب إلى الانتخابات المقبلة بتوافق مسبق حول المشهد السياسي المقبل؟ إن كان هناك ما ينبغي القيام به بالنسبة إلينا، فهو التمييز بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة. آن الأوان للفصل بين الأمانة العامة للحزب ورئاسة الحكومة، وهي فكرة كنت مقتنعا بها منذ 2012، وفي مؤتمر تلك السنة، لم أصوت لصالح بنكيران ليكون أمينا عاما، لأنني كنت مقتنعا أن رئاسة الحزب يجب أن تفصل عن رئاسة الحكومة حتى لا يرتهن الواحد للآخر، الحكومة للحزب أو الحزب للحكومة، وتصبح بالتالي حسابات الحزب مرتبطة بعدم إحراج الحكومة، ونحن لا يمكن أن نصبح حزبا للحكومة. ألا يمكن تقديم موعد المؤتمر للحسم في مثل هذه النقاشات؟ المؤتمر الوطني مرتقب في نهاية 2021، وأنا أتصور أنه إذا تم الإبقاء على الانتخابات في موعدها، فلكي لا يحصل ما يتوقعون.