يظهر من الاستشارات الأولى التي يُجريها الأستاذ عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المُعيّن، أن النتيجة لن تكون يسيرة المنال؛ وقد تُعطي للمغرب، من جديد جديد، حكومة لا لون لها، و بالتالي ضعيفة الانسجام و قابلة للاختراق. تعطي النتائج الرّقمية التي أسفر عنها اقتراع 25 نونبر خمس إمكانات للتحالف: 1. العدالة + الكتلة = 224 صوت 2. العدالة + حزب الاستقلال + الحركة الشعبية = 199 صوت 3. العدالة + حزب الاستقلال + الحركة الشعبية + التقدّم و الاشتراكية = 217 صوت 4. العدالة + حزب الاستقلال + الحركة الشعبية + الاتحاد الدستوري= 222 صوت 5. العدالة + حزب الاستقلال + التقدّم و الاشتراكية + الاتحاد الدستوري = 208 صوت قبل أن نعود إلى تحليل إمكانات التحالف و الأرقام، يجب أن نرجع إلى وصف المشهد السياسي الحالي و التذكير بخصوصياته. لقد خرجنا من انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، و بعد مراجعة دستورية أتت في سياق مدٍّ ديمقراطي يعرفه العالم العربي و يسانده المجتمع الدولي. و بالرغم من أن هذه الانتخابات لم تعرف إقبالا باهرا لأسباب متعددة، فقد أظهرت اتجاها نحو تقليص العزوف رغم نداء المقاطعة الذي تبنته بعض الأحزاب، و رغم ثقل حضور المال و الأعيان تجار السياسة الذين يسكنون في معظمهم داخل الأحزاب غير الديمقراطية، فإنه يمكن القول إن حزب العدالة و التنمية فرَض انتصاراً ديمقراطياً يعبِّر عن رغبة الناخب المغربي في التغيير و عن رغبته في إسناد قيادة التغيير إلى هذا الحزب. هناك نقطة أخرى أساسية أخرى لا يمكن تجاهلها: عندما أسس حزب الاستقلال و الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الكتلة الوطنية سنة 1970، قال عنها الحسن الثاني إنه تحالف غير طبيعي بينما مثَّلها علّال الفاسي بالزواج الكاثوليكي أي أنها ارتباط دائم. وكلاهما كانا على حق. فهذا التحالف لم يكن طبيعيا من المنظور الإيديولوجي، لكن فرضته مرحلة النضال الديمقراطي. وعندما انسحب الاتحاد الوطني و عوّضه الاتحاد الاشتراكي و توسّعت الكتلة لِتضم حزب التقدم و الاشتراكية و منظّمة العمل الديمقراطي غُيِّب أكثر البعد الإيديولوجي لصالح النضال من أجل الديمقراطية و ضد التعدُّدية المزَيَّفة. أظن أن هذا التذكير التاريخي الوجيز يضعنا أمام سؤال مصيري: هل انتهت مرحلة النضال من أجل الديمقراطية؟ إذا كان الأمر كذلك و الجواب إيجابياً فمعنى هذا أن مسألة الديمقراطية قد حُسِمت و أن أساس الصراع السياسي سيُصبح فكرياً و إيديوليجياً بين المرجعيات الإسلامية و الاشتراكية و اللبرالية. أمّا إذا كان الجواب سلبيا، فإن معناه أن الصراع السياسي لا زال بين أنصار الديمقراطية و خصومها. و في هذه الحالة و أظنها هي القائمة الآن يجب على أنصار الديمقراطية احترام نتيجة الاقتراع و مساندة هذه التجربة سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها. لا أظن أنه يوجد داخل الكتلة من يجيب إيجابياً على السؤال المصيري الذي طرحناه؛ خاصة أنها عاشت كل مراحل " التناوب التوافقي " و ما آل إليه هذا الأخير من تعثر في " المسلسل الديمقراطي ". وكان السبب الرئيسي في هذا التعثر هو تحالف نشاز ظهر منذ 1998 بين الديمقراطيين و الآخرين. لا زلنا إذن في مرحلة نصر الديمقراطية؛ و الصراع لم يعد بين الإدارة و الديمقراطيين بقدر ما هو بين هؤلاء و اللوبيات التي تسعى إلى الدفاع على مصالحها والاحتفاظ بالامتيازات و تُسخِّر أموالا طائلة للتواجد في البرلمان من خلال تنظيمات سياسية عاشت دائما في كنف الريع لعرقلة أي تقدم ديمقراطي. إن هذه الظرفية السياسية الجديدة التي أفرزها اقتراع 25 نونبر تمنح فرصة تاريخية للكتلة لتدارك أخطاء " التناوب التوافقي " ، و ذلك باعتبار أن هذه الظرفية تتطلّب أكثر من أي وقت مضى تحالفاً قوياً بين الديمقراطيين. و موضوعياً، لا يمكن استثناء حزب العدالة و التنمية من هذا التحالف. هناك داخل الكتلة من يقاوم هذا التحالف لسببين مختلفين: السبب الأول إيديولوجي، و هذا سبب لا يصمد للتحليل نظراً لطبيعة المرحلة الحالية كما أسلفنا؛ أمّا السبب الثاني فإنه يرتبط بمصلحة الحزب الذاتية. فكثير من مناضلي أحزاب اليسار داخل الكتلة يعتقدون أن أحزابهم أنهكها التواجد في الحكومات المتعاقبة منذ ما يقارب أربعة عشر سنة و تحتاج إلى استرجاع قوتها من خلال القيام بدور المعارضة داخل البرلمان و تحسين حضورها و أدائها في المجتمع. أتفهّم هذا الموقف و أظن أنه يمكن أن يخدُم الحزبَ و القضيةَ الديمقراطية في آن واحد إذا تميّزت أحزاب يسار الكتلة داخل البرلمان، و باتفاق مع حزب الاستقلال، بمعارضة غير مبدئية و لا أوتوماتيكية، تعارض ما يتنافى جذرياً مع مشروعها المجتمعي و تساند ما هو، موضوعياً، في مصلحة البلاد و المواطن المغربي. من خلال ما سبق، يبدو أن من ضمن الحالات الخمسة المُقدّمة في بداية هذا المقال، لا تصلح إلّا الأولى، أي تحالف العدالة و التنمية مع الكتلة. و في حالة تعذر هذا التحالف، يمكن أن تتكوّن الحكومة مع من لا يمانع في المشاركة من الأحزاب الديمقراطية. و ستكون نوعية المعارضة في هذه الحالة أجود و أفيد لأنها ستكون معارضة عن اختيار و اقتناع، و ذات مصداقية لأنها مستقلة عن أي تأثير أو توجيه. و سيتحرر آنذاك حزب العدالة و التنمية من ضغط الأرقام الذي قد يفرض عليه تحالفاً مُضِرّاً على المدى المتوسط أو البعيد لأنه نشاز، لا يجمع بين أطرافه أدنى قاسم مشترك.