يؤكد المتتبعون أن قواعد اللعب السياسي بالمغرب أربكت غداة ميلاد حزب الأصالة والمعاصرة، حيث يرى فيه عدد من زعماء الأحزاب السياسية أن ولادته لم تكن طبيعية وهو ما يجعله فاعلا سلبيا عَطَّلَ عملية الانتقال الديموقراطي بالمغرب، على اعتبار أن ميلاده لا يختلف عن ميلاد الأحزاب الإدارية التي كانت قد تناسلت طرديا أيام الملك الراحل الحسن الثاني ووزيره في الداخلية الرجل القوي إدريس البصري. وتؤكد مختلف التحاليل السياسية أنه من الصعب الآن التكهن بتوجه محدد لطبيعة تحالفات الأحزاب السياسية في المغرب لاعتبارات عدة، منها أن كل الأحزاب تراقب تحركات حزب الأصالة والمعاصرة بكثير من التوجس، ولذلك يعتبر المراقبون أنه يصعب في الوقت الراهن التكهن بطبيعة التحالفات الكبرى ما لم تحدد طبيعة التحالفات المرتقبة لحزب صديق الملك لانتخابات ما بعد حكومة عباس الفاسي، وهو ما لم يتم إلى حدود الآن. مما يجعل باقي الأحزاب تتحفظ من الإعلان عن خطة تحالفاتها المستقبلية، بما فيها حزب الاستقلال الحزب الحاكم، حيث جاء في افتتاحية جريدته "العلم" "أنه من السابق لأوانه الحديث الآن عن هذه التحالفات سواء كانت ايديولوجية أو سياسية تكتيكية وإن كان الإقرار الآن أن كفة التحالفات على أساس البرامج والتعاقد على إنجاز مضامين دفتر تحملات معينة مالت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، مقابل خفة وزن كفة التحالفات الإيديولوجية". وعاب حزب الاستقلال في افتتاحية جريدته دخول أحزاب الأغلبية منذ الآن في تحالفات دون إتمام البرنامج التي تعاقدت عليه مع المؤسسة التشريعية، وملزمة بتنفيذ مضامينه. ذلك أنه "من غير المعقول ولا المقبول أن يضع أي طرف كان رجلا واحدة في مساحة الالتزام بتنفيذ هذا التعاقد ورجلا أخرى في ساحة البحث من الآن عن تحالفات قد تكون مناقضة تماما لطبيعة التحالف الذي تشتغل فيه الآن" على حد قول لسان حزب الميزان. والحال أن حزب الاستقلال لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يزيغ خط تحالفه بعيدا عن حلفائه الاستراتيجيين في إطار الكتلة، والذي شكل خيار الأحزاب الثلاثة منذ سنة 1970 وتواصل في إطار الكتلة الديمقراطية سنة 1992. ولعل الإحساس بأهمية الارتهان إلى الكتلة كتحالف استراتيجي، هو الذي دعا بالأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي إلى الإعلان من البيضاء مارس 2010 أن تحالف حزب الاستقلال في إطار الكتلة ليس ظاهرة انتخابية صرفة، بل يتعلق الأمر بتحالف استراتيجي تقرر منذ عشرات السنين. لأن مكونات هذه الكتلة تملك بيدها قرارها السياسي، وظل هذا التشبث يحافظ على راهنيته منذ النشأة إلى الآن، لذلك حينما يتم التأكيد عليه الآن، فإن ذلك لا يعني بأية حال من الأحوال مساهمة في النقاش الجاري الآن عن التحالفات. ويرى المراقبون أن تحالف الكتلة يبقى تحالفا استراتيجيا بحكم تراكماته، لكن آخرين شككوا في إمكانية صموده في الوقت الراهن، حيث بدأ نجم الكتلة يأفل منذ عدة سنوات بعد تعثر أحزابها في وضع آلية تحافظ على فاعليتها وتطورها، وهو ما أفسح المجال لبروز حزب العدالة التنمية بقوة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، وتبعه في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 اكتساح حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه في 2008 فؤاد عالي الهمة الوزير السابق بوزارة الداخلية. وبما أن أحزاب الكتلة -التحالف الاستراتيجي الأول في المغرب- ليس بإمكانها الحصول على أغلبية مريحة لتشكيل فريق حكومي، خاصة بعد ظهور حزب الأصالة والمعاصرة، هو ما يجعل حزب الاستقلال على حد تعبير قيادييه، يبقي على مسافة معقولة من الخوض في الحديث عن تحالفات تكتيكية في الوقت الراهن، وهو ما يراه كثير من المراقبين بأنه بمثابة مبدأ التقية لحزب الاستقلال، ولذلك يرجئ حديثه عن التحالفات إلى ما بعد ظهور نتائج صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية ل 2012. وما يزيد من صعوبة التكهن بتحالفات حزب الأصالة والمعاصرة، الوافد الجديد كما يحلو لخصومه تسميته، إعلانه بأنه ليس معنياً بتحالفات 2012 الانتخابية، وأن كامل جهده سينصب على انتخابات،2017 والتي يراها في تقدير قادته السياسيين، مصيرية بالنسبة للمغرب. ولا أحد اليوم يعرف على وجه التدقيق، لماذا اختار "الأصالة والمعاصرة" اللعب على مسافة زمنية كبيرة، في الوقت الذي يتلهف فيه المنتمون إليه، أو الملتحقون به على انتخابات 2012 للهيمنة على المجالس الجماعية والاستحواذ على الجهات ضمن المشروع الجهوي الكبير الذي شرع المغرب في الإعداد له، وهو ما قرأ فيه المتتبعون أن حزب الجرار هو الأخر يفضل الركون إلى الخلف وترك المبادرة للآخرين، ليتفرغ بهدوء لإعداد جيد للبيت الداخلي، في وقت يشير فيه البعض أن تحالفاته لن يضعها إلا بعد نتائج انتخابات 2012 حيث يسود الاعتقاد لدى قيادته أن بإمكان حزبه تحقيق اكتساح كبير، وأن على ضوء تلك النتائج سيصنع تحالفه الاستراتيجي. واستدل المحللون على قوة هذا الافتراض إلى ما حدث مباشرة بعد المؤتمر الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار، حين أعلن زعماء حزب الحمامة أن هناك اتصالات ثلاثية بين أحزاب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار لتأسيس "قطب ليبرالي اجتماعي كبير"، إلا أن ذلك سرعان ما تبخر، بإعلان الاتحاد الاشتراكي أنه غير معني بتشكيل هذا القطب. وهو ما جعل حزب التجمع الوطني للأحرار ينسحب هو الآخر لتلافي بناء تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة لن يكن أقل من الابتلاع والذوبان، ولذلك تلمس على حد تعبير المتتبعين توجيه نداء إلى الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة في نفس الوقت لتشكيل حزب قطب ليبرالي كبير، خوفا من أن يستفرد به حزب الجرار. ولذلك سارع إلى الإعلان مع حزب الفرس تشكيل قطب ليبرالي اجتماعي، وصفه البعض بأنه كان مفاجئا، دون أن يستبعدوا هشاشة الخطة التي فاوضوا بها بعضهم البعض. فأعلنوا أن تحالفهم غايته الحد من البلقنة السياسية، ومحاولة لجمع شتات العائلة الليبرالية، انطلاقا من نفس القناعات والهوية المشتركة والقراءة المتطابقة للتراكمات السياسية. وبخصوص المرجعية الإيديولوجية التي يرتكز عليها التنسيق بين التجمع والاتحاد الدستوري، أوضحا الحزبان أنهما يتبنيان المشروع الحداثي الديمقراطي، وأعلنا أن "التنسيق بين الحزبين سيتوج بالإعلان عن تشكيل فريق برلماني مشترك، خلال الدورة الربيعية للبرلمان، مشيرا إلى أن المشاورات لتشكيل القطب الليبرالي ستشمل حزبي الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية. ويسابق الأمناء العامون للأحزاب السياسية الكبرى إلى تدبير المرحلة الراهنة بكثير من الحذر، وتزداد صعوبة ذلك بغموض تحالفات حزب الأصالة والمعاصرة، واعتبر المحللون أن ذلك هو ما دعا بعبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية الإعلان عن رغبة حزبه بتشكيل تحالف بين الأحزاب التاريخية في المغرب، معبرا عن رغبته الدخول في تحالف مع الكتلة الديمقراطية، الذي يضم أحزاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، في أفق الانتخابات التشريعية 2012. واعتبروا أن مبادرة العدالة والتنمية يراد بها كسر العزلة المضروبة عليه، والإعلان عن جاهزيته للمساهمة في تدبير شؤون الحكم، ومن جهة أخرى ليؤمن نفسه شر تبعات تحرش حزب الأصالة والمعاصرة بمواقفه، وهو ما يبرز جليا وعلى غير العادة قول أمين عام هذا الحزب عبد الإله بنكيران: "ما الذي يمنع تحالف هذه الأحزاب؟ ما الذي يمنع أحزاب الكتلة من التحالف مع حزب العدالة والتنمية لرفع رسالة للملك حول ما وقع في الانتخابات الأخيرة؟". ويقرأ من كلام أمين عام حزب العدالة والتنمية ومغازلته لأحزاب الكتلة، لا تخلو من استعطاف يخفف على الحزب مزيدا من العزلة عن المشهد السياسي، والاحتماء من هجوم حزب الأصالة والمعاصرة. وتأكد ذلك إعلان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن حزبه تقدم إلى كل من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، بمقترح للعمل المشترك في أفق إنجاز تحالف سياسي على قواعد واضحة، لكن حزبه ظل ينتظر ولم يتلق أي جواب حول مبادرته. واعتبر أن التحالف الذي طالب به منطقي يتأسس على مبدأ احترام اللعبة السياسية. واعتبر المراقبون أن حزب العدالة والتنمية كان مضطرا ليتوجه نحو الكتلة للحفاظ على حيوية الحزب وحماسة مناضليه بعد طول انتظار في كرسي المعارضة، ولأنه مطالبا شعبية بالمشاركة في تدبير الحكم للمحافظة على ثقة قاعدته الناخبة. ويعتبر عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، أن طرح موضوع التحالفات سابق لأوانه، ويأتي هذا الموقف منسجما مع موقف حزب الاستقلال، في وقت لم تحدث فيه باقي مكونات اليسار أي بادرة للتكتل أو الاستعداد لعقد لتقوية تحالفاتها السابقة، ويتعطل هذا المسعى بعد التحاق الحزب العمالي للتنسيق مع حزب الجبهة الديموقراطية والتقدم والاشتراكية. وفي السياق ذاته أعلن نبيل بنعبد الله عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أنهم لا يزالون في حاجة إلى الكتلة، ولا مفر عنها، وأنه لا بديل عن الكتلة. وأما حجم التحالف الاستراتيجي الاشتراكي الذي دشنه حزب الكتاب مع حزب جبهة القوى الديموقراطية والحزب العمالي على أساس التوحيد في المستقبل، لا يعدوا أن يكون تكتيك يعزز به موقفه أما الاتحاد الاشتراكي والاستقلال. وبما أن أحزاب الكتلة اليوم عاودت اجتماعاتها التنسيقية، وهو ما يكسر التكهنات التي قالت بأن شبح حزب الأصالة والمعاصرة من شأنه أن يحقق اختراقا في أحزاب الكتلة، وهو ما يقوي استمرارية تحالف الكتلة إلى ما بعد انتخابات 2012. [email protected]