حصلت “أخبار اليوم” على معطيات جديدة عن عبداللطيف ناصر، آخر مغربي معتقل في غوانتانامو. شقيقه مصطفى، المقيم بالدارالبيضاء، يروي آخر مرة رأى فيها شقيقه، وكيف سافر إلى ليبيا في الثمانينيات، وبعدها إلى السودان، ثم إلى السعودية، قبل أن تنقطع أخباره. قضى عبداللطيف ناصر، البالغ من العمر 54 عاما، 18 عاما في السجن الأمريكي دون محاكمة منذ اعتقاله في أفغانستان في 2001.. وقد تبنت قضيته منظمة “ريبريف البريطانيةّ” التي أطلقت حملة من أجل الإفراج عنه لتسليمه للمغرب. يروي مصطفى ناصر ل”أخبار اليوم” أن شقيقه كان الأصغر في العائلة. “كان شابا ذكيا جمع بين دراسة العلوم الإسلامية والرياضيات في كلية العلوم بالدارالبيضاء”، لكنه بعد إكمال السنة الثانية، قرر في منتصف الثمانينيات إكمال دراسته في الخارج. يتذكر مصطفى أن شقيقه أخبره أنه يريد إكمال الدراسة في أستراليا، ولكنه كان يحتاج إلى المال. اضطر إلى السفر إلى ليبيا حيث يعمل شقيقه الأكبر وبقي هناك يشتغل لفترة. كانت تلك آخر مرة يرى فيها مصطفى شقيقه ناصر، لكن الاتصالات عبر الهاتف لم تنقطع. بعدها سافر ناصر إلى السودان، “وبقي هناك لفترة طويلة”، ثم انتقل إلى السعودية، وأبلغ عائلته أنه سيعود قريبا. لكن في السعودية انقطع الاتصال به، ولم تعد عائلته تعرف مصيره. حصل ذلك في أواخر الثمانينيات. يقول مصطفى ل”أخبار اليوم”، إنه “لمدة تناهز أربع سنوات لم نتواصل معه، ولم نعرف هل مات أم لازال حيا”. وبقي الأمر على هذا الحال إلى أن طرق عاملون في “الصليب الأحمر” بيت العائلة في الدارالبيضاء في 2001، ليبلغوا عن وجود ناصر معتقلا في سجن غوانتنامو، بعد أحداث ال 11 من شتنبر. صُعقت العائلة للخبر، يقول عبداللطيف: “لم نعرف أنه ذهب إلى أفغانسان”. ولكن بعد ذلك أصبح ممكنا التواصل معه من السجن عبر الهاتف مرة في الشهر، بعدما تواصلت محامية بالعائلة. وحسب ما أبلغ به ناصر منظمة “ريبرف” البريطانية، التي تدافع عن إطلاق سراحه، فإنه سافر إلى هناك من أجل العمل، فقبض عليه مقاتلو “تحالف الشمال”، وجرى تعذيبه وبيعه مقابل مكافأة مالية من القوات الأمريكية. قام الجيش الأمريكي باحتجازه في قاعدة “باغرام” الجوية و”قندهار” بأفغانستان لمدة ثلاثة أشهر، وتعرض للتعذيب. وفي مارس 2001 جرى نقله إلى غوانتنامو، حيث احتُجز دون توجيه أي اتهام أو محاكمة له منذ ذلك الوقت. تقول منظمة “ريبريف”: “إن جميع المزاعم الأمريكية ضد عبداللطيف فقدت مصداقيتها مع مرور السنين”، لأنها اعتمدت شهادات “جرى الحصول عليها من الاستجوابات باستخدام التعذيب”. ومن ذلك، أنه جرى “إقناع الشهود الرئيسيين الذين أدلوا بشهادتهم ضده إلى الاعتقاد بأن عبداللطيف قد لقي حتفه”. وتشدد المنظمة على أن عبداللطيف “لم يحاكم قط”، وبالتالي، لن تكون أي من “الأدلة المزعومة” التي اعتمدت عليها الولاياتالمتحدة لتبرير احتجازه طوال الثمانية عشر عاماً الماضية مقبولة في المحكمة “لأنها ملوثة بالتعذيب”. في غوانتنامو، جرى احتجازه خلال الفترة من 2005 إلى 2007 في الحبس الانفرادي في زنزانة بدون نوافذ، ولم يتمكن من التواصل مع محام، كما حُرم حتى من أي شكل من الأشكال الأساسية لحقوق الإجراءات القانونية الواجبة. وخلال الفترة من 2009 إلى 2011، احتُجز عبداللطيف في معسكر منفصل داخل غوانتنامو، في عزلة تامة مرة أخرى. وتقول المنظمة إن الحراس قاموا بحلق رأسه ولحيته. ولجأ عبداللطيف إلى الإضراب عن الطعام مرتين على الأقل، للاحتجاج على ظروف احتجازه. ومما ذكرته المنظمة أن عبداللطيف ناصر يعد قارئا نهما للكتب، كما كتب قاموسا مزدوجا (عربي- إنجليزي) مكونا من 2000 كلمة باليد أثناء اعتقاله. واشتهر قاموسه بين الحراس والمعتقلين في القاعدة. بالإضافة إلى قراءته للروايات والقصص القصيرة، فهو يطالع، أيضا، كتب المساعدة الذاتية حول كيفية تعزيز العلاقات الإيجابية. وفي 12 يوليوز 2016، برأته 6 من وكالات استخباراتية أمريكية وصرحت له بالمغادرة. ولكن على الرغم من ذلك، لم يجر إطلاق سراحه وإعادته إلى بلده في المغرب. وفي نونبر 2016، بعد أربعة أشهر من تبرئة عبداللطيف، فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وفي 3 يناير 2017، قبل أسبوعين من تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، نشر تغريدات على تويتر قائلا: “لا ينبغي إطلاق سراح المزيد من المعتقلين في غوانتنامو”. وتقول المنظمة، إنه بسبب ذلك لايزال عبداللطيف عالقًا في غوانتنامو، “خاضعًا لأهواء الرئيس الذي صدّق صراحةً على الاعتقال لأجل غير مسمى بدون محاكمة، والذي أقر استخدام التعذيب وارتكاب جرائم الحرب”. وتشير المنظمة إلى أن قضية عبداللطيف، عُرضت على مجلس الاستعراض الدوري (PRB) في يونيو 2016، المكون من كبار ممثلي 6 وكالات أمريكية: وزارات الخارجية والأمن الوطني والعدل والدفاع، بالإضافة إلى هيئة الأركان المشتركة ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية. وقدم دفاع عبداللطيف مقاطع فيديو ورسائل من أسرته في المغرب، تُظهر أنهم كانوا على استعداد للترحيب به في منزله، فقد جرى تجهيز غرفة في بيت الأسرة في الدارالبيضاء له، وإعداد وظيفة له في شركة شقيقه. وأجمعت هذه الهيئات الحكومية الأمريكية على نقله إلى المغرب بعد تقييمه “بأنه لا يشكل أي تهديد”. وقرر مجلس الاستعراض الدوري أن لعبداللطيف “العديد من السُبل للحصول على الدعم عند النقل إلى المغرب، بما في ذلك توفر أسرة مستقرة… وفرص عمل واقعية ودعما اقتصاديا”، كما أثنى على “جهوده لتثقيف نفسه أثناء وجوده في غوانتنامو من خلال الفصول الدراسية والدراسة الذاتية”. وفي يوليوز 2016 تلقى عبداللطيف تأكيدا بأنه “نجح” خلال لقائه مع مجلس الاستعراض الدوري. وتقول المنظمة إن عبداللطيف “بكى فرحا” عند سماع القرار. وتشير المنظمة، إلى أنه وقعت سلسلة “مؤسفة” من التأخيرات “البيروقراطية”، لم تتمكن معها الولاياتالمتحدة من الحصول على المعلومات ذات الصلة من الحكومة المغربية لضمان مرور عبداللطيف إلى موطنه بأمان. ولكن في الوقت الذي جرى فيه الحصول على المعلومات، كان دونالد ترامب قد فاز بالانتخابات، ولكنه لم يكن قد تولى منصبه بعد. ورغم أن القوانين الأميركية تُلزم وزير الدفاع بمنح الكونغرس مهلة 30 يوما قبل نقل شخص ما من غوانتنامو، إلا أنه لم يجر تقديم هذا الإشعار قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض. ويروي مصطفى ناصر أنه تلقى زيارات صحافيين أمريكيين، يتقصون عن شقيقه ناصر، وسئل عن الضمانات التي يوفرها لشقيقه في حالة عودته للمغرب. وقال “كان جوابي هو أنني مستعد لوضع كل الضمانات، لكن شريطة أن يكون أخي في وضعية عقلية سليمة”. وجرى في السنوات الأخيرة تخفيف الحبس القاسي عن ناصر، وأصبح ممكنا لعائلته التحدث معه ورؤيته عبر تقنية الواتساب لمدة أطول، بل “تمكنا حتى من إرسال توابل مغربية إليه”، يقول مصطفى إن شقيقه في صحة جيدة، ويمارس الرياضة ويقرأ الكتب وسمعته “جيدة” وسط الجنود الأمريكيين في السجن. ويؤكد مصطفى أنه مستعد لاستقبال شقيقه، وتوفير سكن له وعمل قار في شركته، بل إنه قال: “ننتظر عودته بشوق لنزوجه ونفرح به”.