الوضع داخل حزب الاستقلال يزداد سوءا، وصراعاته «الطائفية» لا تنبئ بخير. منذ أن تولى حمدي ولد الرشيد الإعداد اللوجستيكي والسياسي للإطاحة بحميد شباط، قبل سنة من الآن، حاملا نزار بركة إلى القيادة، تحولت المحطات التنظيمية الوطنية العادية للحزب إلى مخاض عسير، يخرج منها الحزب بخسائر جديدة، وأصبح ولد الرشيد في قلب المعادلة. آخر محطات الحزب هي الاجتماع العادي للمجلس الوطني للحزب، الذي عقد السبت الماضي بالرباط، والذي برمج فيه انتخاب اللجنة المركزية للحزب. هذه اللجنة عبارة عن خلية تفكير تضم 100 من الأطر تعمل تحت مسؤولية الأمين العام، ودورها فقط هو تقديم أجوبة عن الاستشارات، لكنها مع ذلك لم تسلم من الصراع والتطاحن، لأن كل «طائفة» داخل الحزب تريد حصتها في كل «قسمة». حمدي ولد الرشيد ضغط من أجل اعتماد التصويت الجهوي لاختيار هؤلاء الأطر، ووافقت اللجنة التنفيذية على ذلك، دون احترام لقانون الحزب الذي ينص على أن اللجنة تنتخب بالطريقة نفسها التي تنتخب بها اللجنة التنفيذية، أي بانتخاب وطني داخل المجلس. تحول الاجتماع إلى احتجاجات بالشعارات، وتأخر انتخاب اللجنة ساعات طويلة، وفي النهاية جرى اعتماد المعيار الجهوي الذي منح الجهات التابعة لولد الرشيد حصة الأسد (23 مقعدا من 100)، وجرى إغراق اللجنة بأصحاب المال وذوي النفوذ، وغاب عدد من الأطر. في معظم المحطات أصبح يتكرر المشهد نفسه.. الصراعات والتطاحنات، وكأن المنصب الحزبي أصبح غنيمة ويوفر الريع حالا أو مستقبلا. العربي الشرقاوي، أحد مناضلي الحزب منذ السبعينات، تولى مسؤوليات في الشبيبة المدرسية والشبيبة الاستقلالية، ويعد من المقربين من الأمين العام السابق، عباس الفاسي، لم يصبر على ما آل إليه وضع الحزب، خاصة بعد الذي حصل في اجتماع المجلس الوطني، فكتب رسالة استقالته من كافة المسؤوليات الحزبية. فلنتمعن في ما كتبه عن سبب استقالته: «بدأت ألاحظ أن زمرة من المحسوبين على حزب الاستقلال من طينة مخالفة لطينة أحرار الحزب. إنهم عصابة من الانتهازيين والوصوليين والانقلابيين، يبذلون جهدا كبيرا لشراء ذمم ضعفاء الضمير من أجل أن يكونوا القدوة في كل شيء؛ في مراكز المسؤولية والمال والجاه. هم من سارقي نضال أحرار الحزب، وأصبحوا من صناع القرارات، والآمرين الناهين في دواليب الحزب، لأنهم، وفي غفلة من الاستقلاليات والاستقلاليين، استولوا على الهيئات والمنظمات الموازية للحزب، وعلى مؤسساته المحلية والإقليمية والوطنية.. إنهم يتحكمون في مصير الحزب». أما عادل بنحمزة، الناطق الرسمي السابق باسم الحزب، فقال بدوره إنه يفكر في مغادرة الحزب، قائلا في تدوينة له: «المجلس الوطني للحزب يوم أمس كان خيبة أمل كبيرة على أكثر من صعيد. الخلاصة أن هوية الحزب تضيع بشكل أسرع من تشاؤمنا، وأصبح يتجذر فيه منطق ملوك الطوائف، وشكل مشوه لحزب فدرالي قام دائما على فكرة الوطنية.. خسارة حزب الاستقلال، ليس التنظيم، بل الفكرة، ليست خسارة للاستقلاليين والاستقلاليات، لكنها خسارة لبلادنا… أفكر جديا في المغادرة.. مغادرة الجدران الباردة والخواء الفكري ورمادية المواقف والانتهازية الرخيصة والجبن السياسي واختزال السياسة والنضال في المكاسب والمصالح الشخصية». هذه هي صورة حزب الاستقلال اليوم. حزب علال الفاسي فقد هويته، وأصبح اليوم يوصف بحزب ولد الرشيد. لكن سيكون من الظلم تحميل المسؤولية لنزار بركة، الذي وصل إلى قيادة الحزب محمولا على كتفي الرجل القوي في الصحراء، فعباس الفاسي هو الذي فتح الباب للأعيان طمعا في الأصوات والمقاعد الانتخابية، وقوة ولد الرشيد بلغت أوجها مع حميد شباط، قبل أن ينقلب على هذا الأخير، ويتحول اليوم إلى ظاهرة تهدد الحزب.