على أكتاف آل ولد الرشيد وآل قيوح، صعد نزار بركة، حفيد علال الفاسي وصهر عباس الفاسي، إلى قيادة حزب الاستقلال، بعد معركة طاحنة، استعملت فيها كل الأساليب لإلحاق الخسارة بمنافسه، الأمين العام المنتهية ولايته، حميد شباط. يوصف نزار بالشخص "الهادئ، والحشومي"، و"المنصت الجيد" كذلك، لكن مما يُعاب عليه أنه "ثقيل البديهة، لا يتخذ موقفا ولا يبدي رأيا، إلا بعد مضي وقت"، أما عند "الخلاف، فيختار دوما الرجوع إلى الوراء"، وهي صفات، يقول جامعي وقيادي في الحزب، "لا تصلح فيمن يقود حزبا كبيرا، مثل حزب الاستقلال". خلال المواجهة التي احتدمت بين خاله عبد الواحد الفاسي وحميد شباط سنة 2012 حول شرعية المؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال، انحاز نزار بركة إلى جانب خاله، وانسحب من للجنة التنفيذية، لكن لم يسجل عليه خوضه معارك ضد شباط، علانية على الأقل. يتذكر شباط، الذي طالما وصف نزار بأنه "مرشح المخزن"، كيف أن الأمين العام الجديد "كان أول من أعلن انسحابه من الحكومة" سنة 2013، كدليل على انقياده وتجنبه دوما للمواجهة. لهذا يمكن القول إن الرجل "من دون خصوم" تقريبا، سواء داخل الحزب أو من خارجه، ولعل أبرز حجة على ذلك أنه في أوج المواجهة بين عبد الواحد الفاسي وحميد شباط، اختار التواري عن الأنظار، قبل أن يعين في رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد أشهر قليلة من مغادرته للحكومة. لهذا السبب، تفاجأ كثيرون بتصريحاته الحادة ضد رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، وحزب العدالة والتنمية قبل أسابيع، حيث وصف "البيجيدي" بأنه "حزب منافس وليس حليفا" لحزب الاستقلال، في محاولة قد تكون الأولى في حياته وهو يسعى نحو رسم الحدود بين توجهاته، وتوجهات حميد شباط. بيد أن ميل نزار بركة إلى الهدوء وعدم المواجهة، لا تعكس المسار الثري للعائلة التي ينحدر منها، فهو من مواليد سنة 1964، من أمه ليلى الفاسي ابنة علال الفاسي المؤسس والزعيم التاريخي للحزب، التي يقال إن والدها أوصاها بتدبير إرثه، ومن أبيه عبد السلام بركة سلسل الزاوية العلمية المشيشية والوزير والسفير السابق، بمعنى آخر يعد نزار بركة نتاج الزواج بين عائلتين كبيرتين: عائلة الفاسي في فاس، وعائلة بركة في جبل العلم وتطوان. وكأي طفل للعائلات المتجذرة في المغرب، تابع نزار بركة دراسته في مدارس البعثة الفرنسية حتى البكالوريا، ومنها إلى جامعة محمد الخامس بالرباط حيث حصل على الإجازة في الاقتصاد، قبل أن يشد الرحال إلى الجامعات الفرنسية حيث حصل على الدكتوراه، ليعود من جديد إلى جامعة محمد الخامس بالرباط للتدريس. وفي سنة 1996 التحق نزار بوزارة الاقتصاد والمالية التي سلك في دروبها الطريق نحو المناصب الرسمية. لكن مما يلاحظ عليه أن ولوجه للنضال الحزبي قد تأخر قليلا، ولم يبدأه إلا بعد الحصول على شهادة البكالوريا سنة 1981، علما أنه سلسل عائلة تتنفس السياسة، لكنه وبسرعة وجد لنفسه مكانا داخل رابطة الاقتصاديين في الحزب، ثم منها إلى المجلس الوطني، مما أتاح له ترؤس لجن اقتصادية، والإشراف أحيانا على إعداد البرامج الانتخابية للحزب. لكن مع كل ذلك، ظل اسم نزار بركة خافتا، وبعيدا عن الأضواء حتى سنة 2003. ففي تلك السنة، التي تزامنت مع تولي صهره عباس الفاسي الأمانة العامة لحزب الاستقلال لولاية ثانية، انتخب نزار بركة لأول مرة عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، إلى جانب عدد من الوجوه الشابة ذات التكوين التكنوقراطي التي لم تكن معروفة داخل الحزب، ثم أصبحت تدريجيا من الوجوه الاستقلالية الجديدة التي تظهر حينا ثم تغيب في أحايين أخرى. هكذا تقدم نزار سريعا نحو مواقع متقدمة داخل الحزب، كانت تتم بالتزامن مع تقدم آخر داخل وزارة المالية والاقتصادية، ففي سنة 2006 عين مديرا مساعدا في مديرية الدراسات والتوقعات الاقتصادية، قبل أن يعين سنة 2007، مع تولي عباس الفاسي للوزارة الأولى، وزيرا منتدبا مكلفا بالشؤون الاقتصادية والعامة، ومنها إلى وزارة المالية والاقتصاد سنة 2012 في حكومة عبد الإله بنكيران، ولن يغادرها إلا سنة 2013، لكن إلى منصب جديد لا يزال يشغله حتى اليوم، وهو رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. اختار نزار بركة التواري في هذا المجلس عن الصراعات داخل حزب الاستقلال، كما لو أنه يحسب لكل شيء مستعينا بالزمن وأفاعليه في الأشخاص والهيئات، وما إن لاح له في الأفق المؤتمر الوطني السابع عشر الذي أسدل الستار عن آخر فقراته أمس، حتى عاد إلى الواجهة الحزبية بشكل مفاجئ، معلنا عن قرار ترشحه بمقالة "رؤية أمل لإنقاذ حزب الاستقلال" نشرها في الصحافة. عودته المفاجئة كانت وراءها الكثير من التفسيرات، خاصة من قبل قيادات حزب الاستقلال نفسها؛ على سبيل المثال، ردّد حميد شباط، الآمين العام السابق، مرارا أن ترشيح نزار بركة للمنافسة على الأمانة العامة للحزب كانت ب"إيعاز من المخزن"، في حين ذهب امحمد الخليفة، أحد القادة البارزين لنفس الحزب، إلى أن إقدام نزار بركة على الترشح للأمانة العامة "تقف وراءه جهات من خارج الحزب"، وبين رأي شباط، ورأي الخليفة، لا يبدو أن هناك تناقضا. جامعي وقيادي في الحزب يسجل أن أحد التحولات التي طرأت على الحزب خلال ولاية شباط الماضية 2012-2017 تتمثل في "التحول من النمط الرئاسي في تدبير الحزب، حيث للآمين العام سلطات واسعة، إلى نمط القيادة الجماعية حيث أصبح كل شيء بيد اللجنة التنفيذية"، ويضيف أن نزار بركة سيجد نفسه "رهينة لهذا التحول"، الذي صنعه منذ البداية الأعيان الكبار في الحزب، وخاصة آل الرشيد في الصحراء وآل قيوح في سوس.