بعد الشريط الذي أقدم فيه الشيخ السلفي عبد الحميد أبو النعيم على تكفير لشكر، وجماعة من العلمانيين (الجابري، العروي، عصيد)، على إثر خرجة طائشة، طالب فيها لشكر بمراجعة أحكام الإرث، وبمنع تعدد الزوجات، قامت الفرقة الولائية للشرطة القضائية بالدار البيضاء باستدعاء الشيخ السلفي، و التحقيق معه لأزيد من خمس ساعات في الاتهامات التي صدرت عنه. ومثل هذا الإجراء عاد وطبيعي ومطلوب، لعدة اعتبارات، منها: أولا: أن التكفير عموما، وتكفير المعين خصوصا، حكم شرعي خطير، يترتب عليه ما يترتب، وهو اختصاص حصري للقضاء، وليس من حق أفراد الأمة، ولو كانوا مشايخ وعلماء، لأن من شأن ذلك لو حصل أن يفتح باب الفتنة على مصراعيه، وفي الحديث: (أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما). (البخاري ومسلم عن ابن عمر). ثانيا: أن في البلد مسؤولين وأولي أمر، ومؤسسات مسؤولة ومخولة في هذا الشأن، فالمجلس العلمي الأعلى موكل بالاجتهاد والفتوى، ومؤسسة القضاء مكلفة بإحقاق الحق، وإقامة العدل، وبالزجر والعقاب، وإذا تخلفت هذه المؤسسات عن القيام بواجباتها، والنهوض بمسؤولياتها، فإنها تسأل عن ذلك أمام الله، ولا يحق لأفراد الأمة أن يتطفلوا على مهامها أو ينصبوا أنفسهم مكانها. ثالثا: أن المسؤول شرعا عن إقامة فروض الكفاية، التي يندرج ضمنها حكم التكفير، هو من تعهد إليه الأمة بذلك، وليس من ينصب نفسه أو ينصبه غيره ممن ليس أهلا لذلك، حتى لا يتحول الأمر إلى تسيب وفوضى، وحتى لا تتعدد الولاءات داخل الجماعة، ولا يفضي الأمر إلى التنازع والخلاف، فينفرط عقد الأمة، وتتفرق كلمتها، وتذهب ريحها. ولكن ما ليس عاديا ولا طبيعيا في الموضوع، هو أن يحاسب طرف من أطراف القضية دون الآخر، أعني أن يتابع الشيخ السلفي بتهمة التكفير، ويترك لشكر بعذر "حرية التعبير"، مع أن ما صرح به كلام خطير، ينتهك حرمة الدين، ويمس بمرجعية الشريعة، ويستفز مشاعر ملايين المغاربة، ويفسح المجال للعبث بأحكام الشرع، ويفتح باب الفتنة على مصراعيه، ويتطاول على مهام المؤسسات المختصة، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية: أولا: أن ما صرح به الرجل يدخل في باب الاجتهاد والفتوى، وهو ليس من أهل الاجتهاد، ولا يتوفر فيه شرط واحد من شروط الفتوى، وبذلك يكون قد تطاول – هو الآخر – على وظيفة الفتوى، ومهمة الاجتهاد، التي هي اختصاص حصري للمجلس العلمي الأعلى. ثانيا: أن من سوء حظ الرجل أن تصريحاته تناولت أحكاما شرعية صريحة قطعية الثبوت والدلالة، لا تحتمل التأويل، ولا خلاف بشأنها بين العلماء، بل تدخل ضمن المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا النوع من الأحكام، هو محل عمل وتنفيذ، وليس محل اجتهاد وتأويل. ثالثا: أن لشكر نفسه لا يكف عن "تكفير" خصومه السياسيين من الإسلاميين، بلغته "الحداثية"، فلا يفتأ ينعتهم بالرجعيين والظلاميين في كل مناسبة، ومثل هذه البذاءة والإسفاف لا يمكن أن يكون من حرية التعبير، بقدر ما هو من "حرية التغرير". فإذا كان لا بد من متابعة قضائية، فليتابع الرجلان معا، الأول بتهمة التكفير، والثاني بتهمة الإساءة إلى دين الأمة، واستفزاز مشاعر المغاربة، والتطاول على أحكام شرعية قطعية، والاجتهاد من غير أهله، وفي غير محله، خصوصا وأن لشكر كان البادئ، والبادئ أظلم، وإلا أخلي سبيل الطرفين، وفسح المجال لفوضى التعبير، ولحرية الكفر والتكفير، في انتظار فتنة جديدة، خاصة بعدما وجد بعض التافهين والمغمورين، في التطاول على شرع الله، أقرب طريق إلى الشهرة الزائفة، وأيسر مطية إلى النجومية الكاذبة. عبد الكبير حميدي: عضو الهيئة العلمية لمركز المقاصد للدراسات والبحوث