أعرب الشيخ محمد الفزازي، أحد أبرز الوجوه السلفية بالمغرب، عن موافقته الكاملة ل"الفتوى" التي صدرت عن المجلس العلمي الأعلى حول عقوبة المرتد عن الإسلام، والتي أثارت جدلا بين من رفضها خاصة من طرف عدد من الحقوقيين، ومن وافق على مضامينها سيما من لدن دعاة سلفيين. وأثنى الفزازي، في مقال من جزءين توصلت به هسبريس، على المجلس العلمي الأعلى لقوله الحق، مشيرا إلى أن الشيء الواحد الذي لم يتفق عليه هو عدم بيان أن تنفيذ حكم الردة هو من اختصاص القضاء وليس من اختصاص الناس، قبل أن يطالب المعترضين على شريعة الإسلام بالتزام الصمت. وفيما يلي مقال الفزازي* كما توصلت به هسبريس: بعد صدور فتوى المجلس العلمي الأعلى حول حرية المعتقد والتدين في الشرع الإسلامي، قام بعض دعاة التغريب في بلادنا بالاعتراض على الفتوى، وليس بالرد عليها. لأن الرد إنما يكون بمقارعة الحجة بالحجة راجعين إلى نفس المرجعية ومستعملين أدوات الاستنباط العلمية ووسائل الاستقراء الفقهية... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] أما عندما يكون التنازع بين جهتين متنازعتين لهما مرجعيتان مختلفتان إلى حد التضاد، فإن التصادم بين هاتين الجهتين حتمي وصارخ. ما معنى الفتوى؟ الفتوى هي إعمال نص شرعي في واقعة معينة. أو إظهار معرفة الحكم الشرعي في نازلة محددة. يقوم بها مؤهل في العلوم الشرعية. فإذا كانت الفتوى صادرة عن مجمّع فقهي ذي أهلية راسخة فإن الاطمئنان إليها يكون أقوى. وعندما نستحضر شروط الفتوى والمفتي على السواء، وندرك أن المفتي موقّع عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو على دراية تامة بالعلوم الشرعية، وبقواعد اللغة وشروط الاستنباط زيادة على إلمامه التام بالنازلة رهن الإفتاء... عندما نستحضر ذلك، لا يكون أمام المسلم حينها إلا الإذعان والانقياد. والطاعة حينها واجبة لأنها تدخل من الباب الواسع في قوله سبحانه {... وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } . الفتوى في واقعة الأمر لا تكون إلا في مجالات معقدة ومستعصية على الفهم، سواء في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك... أم في مجالات الكشف عن حكم شرعية من حيث الحليّة والحِرمة أو الجواز من عدمه في قضية بعينها. فلا نستفتي المفتي مثلا في عدد ركعات صلاة المغرب مثلا أو في حرمة شرب الخمر وما إلى ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة... فجاهل هذه الأحكام إن وجد، حقه أن يسأل ليس إلا {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] بعد هذا أعود إلى ما صدر عن المجلس الأعلى في موضوع حرية الاعتقاد والتدين. فأقول: إن ما صدر عن المجلس ليس فتوى مبنية على اجتهاد معين في نازلة لا نص فيها، فاجتهد في ذلك ليخرج علينا بحكم معين قد يخالفه مجتهد آخر باستحضار نصوص أخرى وما شابه. أبدا ، نحن أمام حكم شرعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لم يزد المجلس العلمي الأعلى على أن اعتمده فيما سمي بالفتوى. وأن ما قاله هو الحق المبين الذي لا يختلف فيه عالمان ولا ينتطح في عنزان. وما على عامة المسلمين إلا أن يقولوا [سمعنا وأطعنا] وأنا أتفق مع الفتوى جملة وتفصيلا، نصا وروحا، قلبا وقالبا... إلا في شيء واحد. وهو عدم بيان أن تنفيذ حكم الردة ليس من شأن أحد من أعيان الناس وعامتهم. وذلك حتى لا يفتئت مفتئت ويقوم بالتنفيذ بيده... التنفيذ شأن القضاء. شكرا للمجلس العلمي الأعلى على قول الحق. وما على المعترضين على دين الإسلام وشريعته إلا الصمت. *الجزء الأول