عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يجمع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ب"عوفير برونشتاين"، الشخص المغمور الذي ظهر أنه مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، في ما وصفت بأنها "جلسة سرية" على هامش المؤتمر الوطني للحزب الإسلامي، في الخامس عشر من يوليوز الماضي، أي قبل سنة من اليوم، وهي المصافحة التي شهدت "مصافحة تاريخية" بين قائد حماس أعدى أعداء "إسرائيل" والمسؤول الرفيع في الكيان الصهيوني. كان هذا الخبر مادة افتتاحية لجريدة "الصباح" المغربية، في يوم الاثنين 16 يوليوز 2012، عقب انتهاء المؤتمر السابع لحزب المصباح مباشرة، في الوقت الذي كان خالد مشعل لا يزال مقيما في أحد فنادق الرباط، وتسلم بنفسه نسخة من الجريدة مساء الأحد، وهو ما شكل صدمة ثلاثية لقيادة حزب العدالة والتنمية، ولزعماء حركة حماس الذين حلوا ضيوفا فوق العادة في المؤتمر، وللشعب المغربي الرافض للتطبيع، وخصوصا بين أنصار التيار الإسلامي. جريدة الرأي المغربية تقدم التفاصيل الكاملة لما أصبح يعرف ب"غزوة برونشتاين" شكل "اختراق" مؤتمر حزب العدالة والتنمية من طرف شخصية "صهيونية"، وفق تعبير البيان الصادر عن الحزب، صدمة لدى مناهضي التطبيع في المغرب، وخصوصا من أعضاء الحزب الإسلامي، فالأمر لا يتعلق بشخصية عادية، وإنما بمستشار رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق رابين، وحضوره للمؤتمر كان بدعوة رسمية وجهت إليه كما وجهت لباقي الضيوف الكبار في المؤتمر، وعلى هذا الأساس تمت معاملته، وحضر الفعاليات المغلقة التي خصصت لمثل هذه الشخصيات، لكن الأمر لا يقف عند ما ظهر من القضية، بل يحمل أسرارا تكشفها "الرأي" لأول مرة. كيف وصل عوفير برونشتاين إلى مؤتمر البيجيدي معززا مكرما؟ وهل رتب ابن كيران فعلا لقاء خاصا بينه وبين خالد مشعل؟ وما الذي تم في هذا اللقاء؟ تكشف المعطيات التي تحصلت عليها "الرأي" من مصادر عليمة بتفاصيل الملف أن شخصا مقربا من الحزب، كما كان يظهر حينها، يقيم بمدينة الدارالبيضاء، توجه إلى باريس إبان مرحلة الإعداد للمؤتمر، والتقى بممثل حزب العدالة والتنمية في فرنسا، وعرض عليه توجيه دعوة رسمية لمن وصفه بأنه "الناشط اليهودي المعادي للصهيونية"، عوفير برونشتاين، الحامل لجواز سفر صادر عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي الصفة التي لا تمثل مشكلا بالنسبة لقيادة البيجيدي. ابتلع محمد رضا بنخلدون، مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المصباح، الذي كلف بدعوة ضيوف المؤتمر، الطعم دون افتحاص الأمور، فجواز السفر الفلسطيني تمكن من تغطية الخلفية الصهيونية لبرونشتاين، كما أن الاقتراح تم من ممثلي الحزب في فرنسا، والذين يفترض أن لهم معرفة جيدة بالضيوف الذين يقترحونه، لكن التساهل أدى إلى نجاح عملية "الاختراق"، ووجهت الدعوة رسميا لبرونشتاين. هل كان برونشتاين هو الصهيوني الوحيد الذي حضر مؤتمر حزب العدالة والتنمية؟ قد يبدو السؤال في حد ذاته صادما لأنصار الحزب الإسلامي، لكن المفاجأة أن برونشتاين لم يكن الصهيوني الوحيد الذي حضر مؤتمر إخوان بنكيران، فلتكتمل أبعاد "الغزوة"، وتثبت بصور لا تدع مجالا للنفي، قام بنفسه بتوجيه الدعوة إلى صديق له، يعمل صحافيا بقناة "فرانس 24" وموقعها على شبكة الإنترنت، ويدعى "سيلفان أطال"، والذي قدم على عجل إلى المؤتمر، من أجل القيام بدور واحد "مرسوم" له، وهو التقاط صور برونشتاين إلى جانب الشخصيات الحاضرة في المؤتمر. الصحافي "سيلفان أطال" نزل بالطائرة في مطار الرباط – سلا، في الوقت الذي كانت فيه مراسيم حفل العشاء الرسمي المقام على شرف 150 من ضيوف المؤتمر، تجري في دار المريني في الرباط، ووصل على جناح السرعة إلى المكان، ليقوم بالتقاط صور برونشتاين، الذي ظل يسأل عن أسماء بعينها من أجل التقاط الصور معهم، وهناك ظهرت صور أكثر من قيادي في الحزب الإسلامي رفقة المسؤول الصهيوني السابق. هذا الحفل الذي حضره العدد المذكور هو ما وصفته جريدة "الصباح" التي نقلت الخبر ب"اللقاء السري"، وأكدت وجود مصافحة بين برونشتاين وخالد مشعل، وصفتها بالتاريخية، لكنها عجزت عن إثباتها بالصورة، وعجز المصور "أطال" عن التقاطها، لأنها لم تتم أصلا، حسب ما تؤكد مصادر حضرت اللقاء، حيث ظل الحرس الخاص لخالد مشعل في حالة ترقب واستنفار، بعد علمهم بوجود شخص يحمل اسما يهوديا بين الحضور. ما هو الهدف الحقيقي من عملية "الاختراق"؟ ويؤكد عزيز هناوي، نائب منسق المبادرة المغربية للدعم والنصرة، أن "واقعة برونشتاين" شكلت بالفعل عملية "اختراق" لحزب العدالة والتنمية، وقد اعترف بيان اللجنة التحضيرية الصادر بعد انتشار القضية إلى ذلك، لكن الهدف من ورائها، حسب هناوي، تمثل في محاولة تصوير عبد الإله بنكيران على أنه تجاوز التطبيع مع الصهاينة إلى القيام بدور "العراب" في تحقيق مصافحة تاريخية بين حماس وإسرائيل، وهو ما لم يتم فعليا على أرض الواقع. ويضيف هناوي أن محاولة إضفاء صفة التطبيع على الحكومة الحالية لم تقتصر على "اختراق" مؤتمر البيجيدي، بل تجاوزته إلى عدد من الأحداث المتلاحقة التي تدفع نحو تشكيل هذا الانطباع، خصوصا في الأشهر الأولى من عمر الحكومة، مشيرا إلى ما زعمته إحدى القنوات الإسرائيلية من إجراء موفدها إلى مؤتمر "دافوس" الاقتصادي لسنة 2012 حوارا مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، اتضح فيما بعد أن الأمر يتعلق بعملية "دس" لميكروفون من طرف الصحافي، في خضم لحظة زحام على هامش الندوة. وأردف هناوي أن منظمة سويسرية تعنى ب"السلام وفض النزاعات" حاولت ترتيب لقاء مع وزير في الحكومة من قياديي الحزب الإسلامي، لكن تجربة برونشتاين أفضت إلى الوقوف على أن هذه المنظمة ما هي إلا واجهة لمؤسسة إسرائيلية تشتغل في نفس الخط. ويرى عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية أن هذا التزايد الملحوظ في ظهور نشاطات التطبيع السياسي والاقتصادي إعلاميا لا يمثل زيادة حقيقية في الواقع، وإنما يقتصر على محاولة جهات لم يسمها إظهار ذلك بشكل مفضوح، ويؤكد أن ما كان يتم في السابق بشكل سري أصبح يثار بشكل علني من أجل إحراج الحكومة. هل كان لقاء برونشتاين وابن كيران في مؤتمر البيجيدي الأول بينهما؟ لم يكن اللقاء الذي وثق بصورة تظهر مصافحة ضاحكة بين عبد الإله بنكيران وعوفير برونشتاين، هو اللقاء الأول بين الرجلين، بل كان هناك لقاء سابق بينهما، تشير مصادرنا إلى أنه ربما كان مقدمة لتوثيق عملية "الاختراق" وإظهارها على أنها تطبيع مقصود، حيث التقى الرجلان قبل ذلك في المؤتمر الوطني الخامس لحزب التجمع الوطني للأحرار، في 27 أبريل 2012، وأجلس برونشتاين إلى جانب بنكيران في الصفوف الأولى، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر. وهو ما يشير إلى احتمال ضلوع قيادات في حزب الأحرار في العملية. لكن وقائع أخرى تشير إلى أن هدف عوفير برونشتاين من حضور مؤتمر البيجيدي بتلك الطريقة كانت أكبر من عملية تطبيع مع الحزب الإسلامي، أو محاولة الظفر بمصافحة تاريخية مع زعيم حركة حماس، فقد صرح خلال استضافته من طرف إذاعة مغربية خاصة أنه ينحدر من أصول أمازيغية مغربية، وقال: "جدتي أمازيغية، جزائرية مغربية، والدي ازداد بتونس ووالدتي بمصر، هذا يعني أن جدتي ذات أصول مغربية وأني مغربي في الأصل". هذا الربط الذي قدمه برونشتاين بين هويته اليهودية وأصوله الأمازيغية المفترضة وامتدادها على طول منطقة شمال إفريقيا يظهر مسارا جديدا من محاولات اختراق نسيج المجتمع المغربي ككل، وبخاصة المكون الأمازيغي، بدت بوادره بشكل ملحوظ في محطات أخرى، نكشفها تباعا في تحقيقات قادمة.