إن الكشف عن تراث الأمة العربية الإسلامية، والوقوف على رصيدها الفكري الغني المتمثل في هذه الملايين من المخطوطات التي لا تكاد تجد خزانة من خزانات هذا العالم، إلا وتحتفظ بنصيب منه هو من أبرز الشروط لمعرفة هذا التراث، وحتى تتم الإفادة والاستفادة منه، ومن أجل الوقوف على معالم ماضينا الثقافي، ولمسايرة ركب الحضارة المعاصرة، جاءت الفهرسة لوصفه وضبطه والتعريف بمكان وجوده تيسيرا للبحث وتسهيلا لمأمورية العالم المهتم بشؤون التراث، وقد أدرك الباحثون والعلماء أهمية ومكانة فهرسة المخطوطات، واعتبروها المفتاح للانتفاع بهذه الكنوز التي تحتفظ بالذخائر العلمية الهائلة التي أنجزت خلال العصور في ظل الحضارة العربية الإسلامية. واعتبارا لهذه المعطيات المتعلقة بالتراث المخطوط تعمل الخزانة المولوية على فهرسة ما لديها من آلاف المخطوطات، التي تعالج معظم المعارف والفنون التي عرفتها الثقافة العربية، وتبدأ هذا المشروع الكبير، بإعادة طبع فهرس المخطوطات التاريخية الذي يعتبر أول فهرس تم إنجازه في الخزانة المولوية، ولم يكن الكتاب الذي نقدمه اليوم للقراء طبعة أخرى لفهرس المخطوطات التاريخية الذي وضعه المرحوم محمد عبد الله عنان، بقدر ما هو تصحيح للأخطاء التي وقع فيها المفهرس واستدراك ما أغفله، أو فهرسة تلكم الكتب التي ضمت حديثا إلى الخزانة، كمجموعة خزانة زاوية تنغملت التي تم إهداؤها إلى المشمول برحمة الله جلالة المغفور له الحسن الثاني. وقد استدركنا على الخمسمائة مخطوط التي قام بفهرستها المرحوم محمد عبد الله عنان مجموعة أخرى تجاوز عددها المائتين، مع تصويب وتصحيح ما وقع فيه المفهرس السابق من سهو وهنات. وسيلاحظ القارئ أسلوبا وطريقة في فهرسة المجموعة المضافة، تختلف عن الطريقة المتبعة في المجموعة الأولى، وقد يعتبر هذا الخلاف شيئا عاديا إذا تصفحنا الفهارس العديدة التي صنعت للمخطوط العربي، وهذا مشكل لا نزال نعاني منه حتى اليوم في مختلف البلاد العربية، وقد خصصت له حيزا خاصا في المقدمة التي وضعتها لفهرس مخطوطات الأدب الذي تم إنجازه ويضم أكثر من ألف مخطوط. ومما يتميز به هذا الفهرس ذكر مصادر ومراجع ترجمة المؤلفين، وقد بذلنا فيها جهدا ربما تجاوزنا مهمة المفهرس مقتحمين مجال العالم بالمخطوطات "الكوديكولوجي" أو مجال المحقق العلمي، ثم ذكر بداية ونهاية المخطوط، وهي ظاهرة ظهرت لأول مرة في فهرس خزانة الإسكندرية الذي وضعه الشاعر اليوناني ومحافظ خزانة البطالسة كاليماخوس، في القرن الثالث قبل الميلاد، ونلاحظ هذه الظاهرة كذلك في كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة في القرن الحادي عشر الهجري الذي يعتبر واضع الببليوغرافيا الدولية العامة في التراث العربي الإسلامي. ومما يتميز به كذلك ذكر التعقيبة أو ما يسمى عند المغاربة بالرقاص أو الوصلة، وهي طريقة عتيقة وجدت عند الساميين لترتيب المؤلفات ولمساعدة المختصين في صناعة المخطوط كالمسفرين والمجلدين وغيرهم في ترتيب ملازم الكتاب، وقد تم ذكر أسماء النساخ مما يساعد على تقييم النسخة، فهي أصلية إن نسخها مؤلفها أو مهمة إن أشرف صاحبها على نسخها أو نسخها عالم كبير أو ناسخ مقتدر مشهور كابن سعادة أو غيره. وقد اهتممنا بذكر التقاييد والتملكات والوقفيات والطرر خدمة للنص، ومساعدة للكوديكولوجي الذي لا يغفل أي تعليق أو أية إشارة تمكنه من التعريف بمخطوط أو تاريخ مؤلف غير مؤرخ. وقد عملنا على إضافة النسخ التي أهملت أو تم نسيانها في الطبعة الأولى، وهي كثيرة كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، فعلى سبيل المثال ذكرت الطبعة الأولى إحدى عشر نسخة من كتاب "نفح الطيب" وهي ثلاث عشرة نسخة، كما ذكرت "لنزهة الحادي" للإفراني تسع نسخ وهي اثنتا عشرة نسخة إلخ... وقد عملنا على ذكر المخطوطات بعناوينها الأصلية خلافا لما وقع بالنسبة لمجموعة من المخطوطات في القسم الأول كما عملنا على إضافة مجموعة من الإجازات وخصصنا لها قسما خاصا، وأنهينا الفهرس بكشاف للأعلام وآخر للمصادر والمراجع المعتمدة، وهي كما هو معلوم أدوات أساسية هامة في الفهارس العلمية الحديثة. هذا ما يميز هذا العمل بالنسبة لفهرس محمد عبد الله عنان، أما باقي العناصر الضرورية في الفهرسة كتمييز خط النسخة وغيره؛ فإنه لم يغفل فيما استدرك على المجموعة الأولى من مخطوطات تاريخية، وقد يلاحظ القارئ خلو هذا الفهرس من ذكر بعض العناصر كالتسفير أو التجليد، ونوع مداد النسخة أو ما شابه ذلك نقول له إن مثل هذا العمل يتطلب إيجاد مختصين في ميدان التجليد كما يحتاج إلى خبراء ذوي تجربة كبيرة لتمييز نوع المداد وربما احتاج إلى إيجاد مختبر يستعان فيه بالنظريات الفيزيائية والتحليلات الكيماوية لتحديد مادة الحبر أو المداد المستعمل. ولتبرير ما أقول؛ فإن معظم الفهارس التي خصت بها المخطوطات العربية في مختلف خزانات العالم إلا نادرا تفتقر إلى هذه العناصر، كما تفتقر إلى أخصائيين في هذا المجال وأن الثقافة العربية تفتقر إلى دراسات ومؤلفات خاصة بهذه الموضوعات خلافا لما نقرأه ونعلمه في الثقافات الغربية، وقد يمكن التمييز بين التجليد الغربي والتسفير الشرقي، غير أننا عدلنا عن ذلك لقلة التسفيرات القديمة، وحتى لا نقع كما وقع غيرنا في الخلط بينهما أحيانا في بعض الفهارس العربية.