إن الناظر فيما أنجز من محاولات ببليوغرافية فردية كانت أو جماعية لفهرسة الأرصدة المخطوطة للخزائن العلمية بالمغرب، ليلمس مدى الجهد الكبير الذي بذل في سبيل تعريف الباحثين والمهتمين بذخائر هذه الخزانات التي ينتمي معظمها إلى مناطق متفرقة ببلادنا، دون أن ننسى ما تقتضيه عملية فهرسة المخطوطات العربية من واسع الإطلاع على تخصصات متعددة ومتنوعة، وهذا ما دفع بالعديد من المستشرقين ومنهم واضع فهرسة مخطوطات الإسكوريال (H. Derenbourg) إلى الاعتراف بجهله بمجموعة من الأجزاء الأساسية المتعلقة بهذا العلم وخاصة أنواع الخطوط المغربية، وحسب الأستاذ أحمد شوقي بنبين؛ فإن هذه العوامل وغيرها، أسهمت بشكل كبير في ظهور فهارس متعددة الأساليب والأشكال، مختلفة البيانات والصور من بلد إلى بلد، ومن خزانة إلى أخرى في البلد الواحد[1] ومن هنا كان لزاما في الوقت الراهن الوقوف عند بعض هذه الاختلافات، ومحاولة توحيد الجهود والرؤى، وهذا -على ما نعتقد- لا يتأتى إلا بتثمين ما تم إنجازه من أعمال على مستوى الوطني والجهوي، وخاصة تلكم الأعمال الببليوغرافية المنجزة حول خزائن منطقة سوس، والتي حاول أصحابها -ومعظمهم باحثين شباب- تحملوا الصعاب واقتحموا ميدان الفهرسة، وهو ميدان لا يخبره إلا من احتك بالمخطوطات ودخل عالم الخزانات التراثية، ففهرسوا لنا ما تبقى من مخطوطات بعض الخزائن العلمية بالمنطقة. وسنحاول إن شاء الله من خلال هذا المقال، إبراز واقع البحث الببليوغرافي بالمنطقة، والجهود المبذولة للنهوض به، وكذا السبل الكفيلة التي من شأنها أن تسهم في إحياء التراث العلمي والثقافي بهذه المنطقة. 1. الخزانات التي شملتها الفهرسة بمنطقة سوس أ- خزانة الإمام علي بتارودانت يبلغ رصيد هذه الخزانة من المخطوطات -إلى حد الساعة- (382) عنوانا أي بنسبة ٪ 2 من مجموع الوثائق. أما ما يتعلق بالمحاولات الببليوغرافية لفهرسة مخطوطاتها حسب ما نعلم فيبلغ عددها أربع محاولات: المحاولة الأولى: وهي بعنوان، "ببليوغرافية خزانة الإمام علي بتارودانت الحجم الكبير والمخطوطات"، وهو بحث لنيل شهادة الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر أكادير، إنجاز الطالب: البشير أمكين بإشراف الأستاذ: إدريس الودغير، السنة الجامعية:1991/1992. المحاولة الثانية: وهي بعنوان، "فهرس مخطوطات خزانة الإمام علي بتارودانت"، بحث لنيل شهادة الإجازة من شعبة الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، إشراف الأستاذ: أحمد فكير السنة الجامعية 1999/2000. وقد شملت هذه الفهرسة جل المؤلفات المخطوطة بالخزانة، وتم ترتيبها حسب الفنون، الفقه أولا ثم النحو والقراءات والتوحيد والعقائد... وقد سلك أصحاب هذه الفهرسة منهجا وصفيا، فبعد أن يتبثوا رقم المخطوط بالخزانة والفن الذي ينتمي إليه، يتم ذكر العنوان، واسم المؤلف، واسم الشهرة وتاريخ الوفاة إن وجدا، ثم بداية الكتاب المخطوط ونهايته، ونوع الخط، واسم الناسخ وتاريخ النسخ والتعريف بشكل مختصر بالكتاب المخطوط، وأخيرا الإشارة إلى طبعه إن طبع. المحاولة الثالثة: وهي بعنوان: "المخطوطات التاريخية بخزانة الإمام علي بتارودانت الفهرسة والتعليق، وهو بحث لنيل الإجازة في شعبة التاريخ والحضارة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، أنجزته الطالبة: رشيدة بلعواد، إشراف الأستاذ: شفيق أرفاك، السنة الجامعية:2007/2008. وقد اشتغلت صاحبة هذا البحث على المؤلفات المخطوطة المنتمية إلى علم التاريخ، وحاولت تقديم فهرسة مفصلة تختلف من حيث الأساليب والبيانات عن الفهرسة الأولى. المحاولة الرابعة: بعنوان: "فهرسة المخطوطات الصوفية الموجودة ببعض الخزائن العلمية بمنطقة سوس"، ومنها خزانة "الأمام علي"، وهو بحث لنيل شهادة الماستر من شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، ظهر المهراز فاس، أنجزه صاحب هذا المقال الطالب محمد الهاطي، بإشراف الأستاذ عبد الرحيم العلمي السنة الجامعية: 2009/2010، وقد سلكنا في هذا العمل منهجا وصفيا تحليليا، عرضنا فيه المعطيات الخارجية المرتبطة بالمخطوط، وذلك بتشخيص حالة الورق ونوعية الخط... ثم ننتقل بعد ذلك إلى مضمون الوثيقة، فنعرف بالكتاب المخطوط مع الإشارة إلى الفضاءات الموازية له من تمليكات وتحبيسات إن وجدت، مع ذكر طبعه إن كان مطبوعا. ب- الخزانة المحجوبية أصبحت محتويات هذه الخزانة من وثائق وألواح منذ مطلع سنة 2009، كما أشرنا إلى ذلك في المقالات السابقة في حيازة إدارة "الخزانة الوسائطية" التابعة للجماعة الحضرية لمدينة تزنيت، بعدما أقدم نجل مؤسس الخزانة السيد الحاج محمد بن علي بن الطاهر المنذوبي على تحبسها لفائدة هذه الأخيرة. أما يتعلق بالمحاولات الببليوغرافية لفهرسة الرصيد المخطوط بهذه الخزانة فيبلغ عددها 3 محاولات. المحاولة الأولى: بعنوان، فهارس الخزانة المحجوبية بقبيلة رسموكة بتزنيت، من إنجاز الطالبة خديجة كمايسن. المحاولة الثانية: بعنوان، "مخطوطات العلوم الشرعية بخزائن سوس" محاولة ببليوغرافية من إنجاز الطلبة: محمد بن الطالب ومسعود الحامدي والعربي البوهالي، بإشرف الأستاذ الحسن الباز، بكلية الشريعة بأكادير، السنة الجامعية: 1988/1989ه، وللإشارة فقط فهذه الفهرسة لم تشمل مخطوطات العلوم الشرعية بجميع فنونها، وإنما تم الاقتصار على القرآن وعلومه والحديث وعلومه والفقه وأصول الفقه ثم السيرة، مع إغفال المخطوطات التي تنتمي إلى العقيدة والتصوف وغيرها. المحاولة الثانية: بعنوان، "فهرسة المخطوطات الصوفية ببعض الخزائن العلمية بسوس" ومنها الخزانة المحجوبية، إنجاز صاحب هذا المقال، ويمكن اعتبار هذا العمل مكملا للعمل الأول. ج- الخزانة العثمانية تعرضت مخطوطات هذه الخزانة لعدة محاولات ببليوغرافيا، إلا أن معظم هذه الأعمال لم ترق إلى مستوى الفهرسة المعروفة، باستثناء محاولتين: الأولى بعنوان: "مخطوطات العلوم الشرعية بخزائن سوس" محاولة ببليوغرافية، وقد سبق ذكرها، والثانية بعنوان: "فهرسة المخطوطات الصوفية ببعض الخزائن العلمية بسوس" وقد سبق ذكرها هي الأخرى، وللإشارة فقط فهذه الخزانة تحتوي على العديد من المخطوطات المترجمة إلى الأمازيغية والمكتوبة بالحرف العربي. د- الخزانة الأدوزية كنا قد أشرنا إلى أن الجزء الأكبر من مخطوطات هذه الخزانة، يوجد بحوزة الأستاذ أحمد بن عبد الرحمن فكري بمنطقة ماسة، وقد تمت فهرسة مخطوطاتها المنتمية إلى العلوم الشرعية. ه- الخزانة الأزاريفية توجد محتويات هذه الخزانة في ملكية الفقية الحاج محمد الشابي، وتمت فهرسة مخطوطاتها المنتمية إلى العلوم الشرعية هي الأخرى. و- الخزانة المسعودية وهي كذلك من بين الخزائن التي تمت فهرسة مخطوطاتها المنتمية إلى العلوم الشرعية. ز- الخزنة التدسية قامت كل من الباحثتين بشرى الترناوي وزهرة كونكة بفهرسة الأرصدة المخطوطة التي تحتوي عليه هذه الخزانة، وهذا العمل بعنوان "خزانة تيدسي محاولة فهرسة"، وهو عبارة عن بحث لنيل الإجازة في شعبة الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بإشراف الأستاذ الحسن الباز السنة الجامعية: 1411/1412ه. 2- مستقبل البحث الببليوغرافي بمنقطة سوس والسبل الكفيلة للنهوض به تبين من خلال الجولات التي قمنا بها إلى العديد من الخزانات العلمية بالمنطقة وخاصة التي شملتها الفهرسة، أن المشهد الببليوغرافي في جهة سوس، في أمس الحاجة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاستعجالية تهم بالدرجة الأولى، معالجة شاملة للبنيات التحتية لهذه الخزائن، وكذا النهوض بالبحث الببليوغرافية من خلال العمل على برمجة "مادة التوثيق" و "تقنيات فهرسة المخطوطات" ضمن مقررات جميع شعب كليتي الآداب والشريعة بمدينة أكادير. أ - البنيات التحتية لا يجدل أحد من المهتمين بالتراث المخطوط بمنطقة سوس، أن الوضعية المزرية التي أصبحت تعيشها الأرصدة المخطوطة القابعة في خزانات ما تزال مفتقرة إلى أبسط الشروط، تفرض تكاثف جهود جميع المتدخلين في الميدان، من جهات معنية بالقطاع، وباحثين مهتمين، وغيورين على التراث العملي بهذه المنطقة، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فمنذ الاستقلال إلى الآن تقلص عدد هذه الخزانات بشكل كبير إلى أكثر من النصف بفعل استمرار القرصنة الأجنبية، كما أدت عملية توارث وانتقال بعض الخزانات الخاصة من فرد إلى مجموعة أفراد، إلى تشتت أرصدتها في أماكن متعددة، أضف إلى ذلك تحجر عقلية بعض الورثة الذين يقدسون الوثيقة فيقدمون على إقبار خزاناتهم مما يجعلها عرضة للرطوبة والأرضة... ب- البحث في تقنيات فهرسة المخطوطات تأتي أهمية هذا الحقل من الدراسة في اعتباره آلية فعالة تسهم بشكل كبير في الرقي بالبحث البيبليوغرافي، والحفاظ وصيانة التراث المخطوط بشكل عام، وهذا وما دفع بالعديد من الغيورين على هذا التراث منذ وقت مبكر إلى المناداة بتدريس "مادة التوثيق" و "تقنية الفهرسة"، واعتمادهما ضمن البرامج التعليمية المقررة في الجامعات المغربية. وعلى ما يبدو؛ فإن العديد من المؤسسات الجامعية بالمغرب أصبحت تولي اهتماما متزايدا بهذا الميدان من الدراسة، ومن بينها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير التي نظمت العديد من اللقاءات والندوات حول التراث المخطوطات بالمنطقة الجنوبية، ودعت إلى ضرورة إعطائه المكانة التي يستحقها، كما عمل عدد من أساتذة هذه المؤسسة على توجيه طلبتهم إلى إنجاز بحوثهم في إطار فهرسة مخطوطات عدد من الخزائن العلمية بالمنطقة، ولعل ما ذكرناه من محاولات الببليوغرافية أنجزها بعض طلبة هذه الكلية تحت إشراف ثلة من الأساتذة الجامعين أكبر دليل على ذلك. وعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة في هذا الإطار، وخاصة ما بدل على المستوى المحلي، يبقى هذا المجال من الدراسة مفتقرا إلى المزيد من تعميق البحث، لإبراز مجموعة من الخصوصيات التي يتميز بها المخطوط العربي بجهات سوس ودرعة والصحراء المغربية، وخاصة ما يتعلق بتنوع الخطوط وتطورها بهذه المنطقة، كالخط السوسي والخط الحاحي والدرعي والصحرواي وغيرها من الخطوط المتفرع عن الخطوط المغربية، وكذلك البحث في تاريخ النساخة والنساخين، وكل ما يتعلق بالوراقة والوراقين بهذه المناطق. ---------------------------- 1. للمزيد من الإطلاع على هذا الموضوع ينظر كتاب، "دراسات في علم المخطوط والبحث الببليوغرافي" للأستاذ أحمد شوقي بنبين، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.