إن البشارات ببعثته صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب الموروثة عن الأنبياء قبله حتى تناهت النبوة إلى آخر أنبياء بني إسرائيل، وهو عيسى بن مريم عليه السلام. وقد قام بهذه البشارة في بني إسرائيل وقص الله تعالى خبره في ذلك وقال: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَاتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" [الصف، 6]. فإخبار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن ذكره موجود في الكتب المتقدمة فيما ورد عنه من الأحاديث الصحيحة كما تقدم وهو مع ذلك من أعقل الخلق باتفاق المواقف والمفارق يدل على صدقه في ذلك قطعا أنه قد انتشرت دعوته في المشارق والمغارب، وعمت دولة أمته أقطار الآفاق عموما لم يحصل لأمة من الأمم قبلها. لقد شاءت إرادة الله تعالى أن تكون معجزة كل رسول ملائمة لقومه ومن جنس ما برعوا فيه وتفوقوا. وحينما بعث الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان العرب قد بلغوا من الفصاحة والبيان شأوا بعيدا فكان من تدبير الله تعالى أن يجعل القرءان الكريم معجزة النبي الكبرى الخالدة تحدى أبلغ البلغاء، ومن يرون أنهم ملكوا ناصية الفصاحة وفنون المقال. وحينما قال المشركون بأن القرآن من كلام الرسول تحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله في قوله تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُومِنُونَ فَلْيَاتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ" [الطور، 31-32]. ثم تنزل وطالبهم بأن يأتوا بسورة واحدة فلم يقدروا ولم يحاولوا يقول عز وجل: "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [البقرة، 22]. وكيف يستطيعون الإيثان بشيء منه، وقد أخبر الله تعالى أنهم لن يستطيعوا في قوله جلت قدرته: "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَاتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْءَانِ لَا يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" [الاِسراء، 88]. يتبع في العدد المقبل..