ترك وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، لدى أغلب من استمعوا إليه خلال المناظرة الأولى حول الفلاحة التي شهدتها مكناس في أبريل الماضي انطباعا حسنا، فقد تمكن، بعربية سليمة وبثقة بدت كبيرة، من تقديم الخطوط العريضة للمخطط الأخضر الذي يفترض أن يتضمن السياسة الفلاحية الجديدة للمغرب. بعض الحاضرين، ممن استطلعت آراؤهم في تلك اللحظة، أبدوا الكثير من التفاؤل بمستقبل الفلاحة الوطنية، هذا التفاؤل ما فتئ يخفت في الأيام التي تلت المناظرة، إذ لاحظوا أن تفاصيل المخطط الأخضر يلفها الكثير من الكتمان في الوقت الراهن، خاصة أن الوزير لم يتجشم عناء الشرح والتفسير والتحسيس، الذي يجيب عن التساؤلات التي تتناسل هنا وهناك في صفوف الفلاحين والمراقبين، هؤلاء الأخيرون الذين يتساءلون كثيرا عن مدى مساهمة المخطط في تحقيق الأمن الغذائي للمغرب، في ظل غلاء الغذاء في العالم. وزير الفلاحة والصيد البحري سيمثل يومه الاثنين أمام لجنة الإنتاجية بمجلس النواب، وينتظر أن تنصب أسئلة ممثلي الأمة على «المخطط الأخضر»، حيث يفترض، حسب أحد المصادر، أن يقدم الوزير توضيحات حول الظروف التي أعد فيها المخطط، خاصة أنه أنجز في ظرف ستة أشهر، وهي، في نظر البعض، مدة قصيرة لا تتيح الإحاطة بتفاصيل القطاع الفلاحي المغربي، ثم إن بعض المهنيين في القطاع الفلاحي يتساءلون عن طبيعة الاستشارات التي قام بها معدو السياسة الفلاحية الجديدة، خاصة في ظل تأكيد العديد من الهيئات المهنية أنها لم تستشر ولم يطلب رأيها... مصدر جد مطلع، فضل عدم ذكر اسمه، يعتبر أن لجوء الوزير إلى التواصل بإعادة التذكير بما عرضه خلال المناظرة، لن يلبي انتظارات المهنيين في القطاع الفلاحي، فهم ينتظرون نقلة نوعية في طريقة تواصل الوزير، يستطيعون من خلالها الانخراط في نقاش بناء يهيئهم لتبني المشروع، خاصة أن الخطوط العريضة التي تضمنها خطاب الوزير في مكناس تستدعي تغييرات على مستوى الإنتاج والتنظيم، مادام المخطط يهدف إلى تعبئة السلاسل الإنتاجية حول قطب مجمع، وهو السبيل الوحيد من أجل الحصول على حصص معتبرة في السوقين المحلي والخارجي، حيث يتساءل مصدرنا عن شروط الالتفاف حول هذا القطب ومدى استفادة الفلاحين الصغار من ذلك في المستقبل من خلال توفير مداخيل مجزية، ضاربا على ذلك مثالا بقطاع النباتات الزيتية الذي يتطلع المغرب إلى رفع مساهمتها في إنتاج الزيوت في المغرب. خلال المناظرة، جرى إبرام خمسة عقود برامج واتفاقيات مع بعض القطاعات الإنتاجية، وهي المبادرة التي بدأت تثير بعض التساؤلات وسط البعض، من قبيل: هل مضامين تلك العقود والبرامج تستوعب الأهداف التي يسعى إليها المخطط الأخضر؟ ثم إن هناك من يطلب توضيحات حول الاتفاقية التي أبرمتها الدولة مع المكتب الشريف للفوسفاط حول قطاع الحبوب، حيث مازال الدور الذي يرتقب أن يضطلع به المكتب في هذا المجال غير واضح، فهل سيلعب دور القاطرة في تحديث القطاع الفلاحي؟ أي هل سيضطلع بدعم الإنتاج والتسوق والمساعدة في عملية التحويل؟ وما هو دور الفاعلين المؤسساتيين الآخرين في قطاع الحبوب؟ هذه أسئلة تنضاف إلى تلك التي يثيرها المخطط بخصوص التطلع إلى مساهمة الإنتاج الوطني في توفير ما بين 60 و80 في المائة من الحبوب، حيث يترقب الكثيرون الاطلاع على الطريقة التي سيتحقق بها هذا الهدف في ظل التأخر الذي سجله المغرب في هذا المجال على مدى الخمسة عقود الأخيرة. الخطوط العريضة التي قدمها الوزير خلال مناظرة الفلاحة حول المخطط الأخضر، لم تتضمن تصورا لكيفية التعاطي مع إشكالية الجباية في القطاع الفلاحي المعفى من الضريبة على الدخل إلى غاية 2010، خاصة أن تحقيق أهداف المخطط ستمتد على مدى العشر سنوات القادمة، مما يستدعي، في نظر البعض، توضيح ما إذا كانت نية الدولة تتجه نحو تمديد الإعفاء بعد 2010 أو إلغائه انسجاما مع السياسة التي سارت عليها الإدارة الضريبية في السنوات القادمة. ومن شأن الحسم في مسألة الجباية أن توضح الرؤية للمستثمرين الذين يطلب منهم المخطط إنجاز استثمارات بقيمة عشرة ملايير درهم في السنة. اعتبر المخطط أن نجاح الاستراتيجية الجديدة يبقى رهينا بتحقق أربعة شروط، يتمثل الأول في إحداث وكالة وطنية تسهر على التنفيذ وتتولى التتبع، ويتجلى الثاني في المضي في عملية التعاقد مع سلاسل الإنتاج عبر إنجاز 16 مخططا جهويا و8 عقود برامج، ويخص الشرط الثالث تحرير 700 ألف هكتار من الأراضي التابعة للدولة، وينصب الشرط الرابع على الانخراط في خوصصة تدبير الماء من خلال تفويت القطاع، ومساهمة الدولة ب50 مليار درهم من ميزانية الدولة على مدى عشر سنوات، غير أن ظلالا من الغموض مازالت تحيط بدور الوكالة ومدى اتجاه النية لخلق فروع لها في الجهات المغربية، وتقاطع مهامها مع المكاتب الجهوية للاستثمار، في نفس الوقت الذي يجري فيه التساؤل عن الهامش الذي تتوفر عليه السلطات العمومية لتوفير 50 مليار درهم على مدى عشر سنوات في ظل الصعوبات الموازنية التي يعاني منها المغرب. يضع المخطط توقعات مرقمة للاستثمارات التي يفترض إنجازها في القطاع حتى يتمكن المغرب من زيادة الإنتاج الفلاحي بما بين 70 و100 مليار درهم، غير أن العديد من المراقبين يربطون تحقيق ذلك بسلوك سبيل الشفافية عبر إطلاع المعنيين على تفاصيل السياسة الفلاحية الجديدة، بل إن بعض المهنيين في القطاع الفلاحي يتخوفون من أن يجري التعامل معهم بالطريقة التي جرى التعاطي بها مع القطاعات الصناعية عند تقديم مخطط «إيمرجانس»، حيث مازالت القطاعات المعنية به تجهل الكثير من تفاصيله.