عشية المعرض الدولي للفلاحة بمكناس.. تنعقد مناظرة حول الفلاحة، يعقد عليها الفلاحون آمالا عريضة لإنقاذ قطاع يعاني من اختلالات وصعوبات، تراكمت بفعل غياب القرار السياسي للإصلاح. فهل تلبي توصيات «ما كنزي» انتظارات جميع القطاعات الفلاحية في المغرب أم تجري التضحية ببعضها في سبيل تركيز البعد التصديري للفلاحة، علما أن الدروس العالمية تؤكد مؤخرا على ضرورة إيلاء أهمية قصوى للمزروعات التي توفر الأمن الغذائي للبلدان؟ «لا نريده نسخة من معرض باريس، نتطلع إلى معرض مغربي»، هكذا أجاب أحد الفلاحين الكبار عندما سألناه عن انتظاراته من المعرض الدولي للفلاحة الذي تحتضنه منذ ثلاث سنوات مدينة مكناس.. هو يعتقد أن المعرض، إذ يحاول مخاطبة الفلاحين الكبار الذين يوجهون ما ينتجونه للتصدير، لا يؤدي الرسالة التي يفترض أن يضطلع بها، فالفلاحون المغاربة الكبار «يحجون» إلى المعرض الفلاحي بباريس الذائع الصيت، وهم ليسوا في حاجة للقدوم إلى معرض مكناس كي يتعرفوا على آخر المستجدات والاختراعات في المجال الفلاحي.. هذا رأي لن تعدم من بين الفلاحين من يردده، عندما تسأله عن انتظاراته تجاه المعرض الدولي للفلاحة بالعاصمة الإسماعيلية، لكن ما الذي ينتظره الفلاحون المغاربة من الدورة التي ستعقد في الأسبوع الأخير من أبريل الجاري؟ هفوات وعبر المعرض سيحتضنه فضاءا هري السواني وجنان بنحليمة اللذين جرت تهيئتهما لاحتضان فعاليات الدورة الثالثة للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، لكن ما يميز هذه الدورة هو تأسيسس جمعية للملتقى في دجنبر الماضي، برئاسة طارق السجلماسي، الرئيس المديرالعام للقرض الفلاحي وعضوية وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش وحسن أوريد والي جهة مكناس تافيلالت، هذا الأخير الذي وقف عن كثب، خلال السنة الفارطة، على الهفوات التي ميزت التنظيم، نتيجة تعدد مراكز القرار، فبعض التفاصيل الصغيرة التي لم يجر الانتباه إليها، تركت انطباعا سيئا عن التنظيم، من قبيل المراحيض المرتجلة في فضاءي السواني وبن حليمة، والتي حولت الإعجاب الذي تتركه الأروقة في النفوس إلى استياء.. تلك تفاصيل تنظيمية يمكن تجاوزها، إذا ما استخلصت العبر من الدورتين السابقتين، لكن بعض المهنيين لم يخفوا شيئا من التحفظ على تشكيل الجمعية، التي ستتولى التنظيم، فهي لا تضم ممثلين لجمعيات فلاحية يمكن أن تكون فعالة في التنظيم، بل إن مصدرا مطلعا أكد أن الجمعية لم تجد بدا من الاستنجاد بوزارة الداخلية، «تساعد في التنظيم وتوفر، عبر الجهات والجماعات المحلية، الموارد المالية التي يقتضيها تنظيم هكذا معرض، لكن المشاكل التنظيمية قد تهون إذا شذت الدورة الثالثة عن الدورتين السابقتين، بالنظر إلى الآمال العريضة التي يعقدها العديدون على المعرض الدولي، في أن يكون مناسبة للإعلان عن تفاصيل السياسة الفلاحية الجديدة التي تعتزم الدولة الانخراط فيها.. يترقب العديد من الفلاحين ما سيوصي به مكتب الخبرة الدولي «ماكنزي» لإصلاح حال الفلاحة المغربية، فقد أسند إليه أمر وضع مخطط «انبثاق للقطاع الفلاحي»، ويبدو أنه انتهى من مرحلة التشخيص و مر إلى مرحلة إعداد المحاورالرئيسية للإصلاح. أحد المهنيين أكد أنه استشير بصفته الشخصية، وليس كمسؤول في جميعة فلاحية وازنة، وهو يعتقد أن ما يعتبر تسريبات للصحافة حول قناعات تكونت لدى خبراء «ماكنزي»، حول محاور الإصلاح، مجرد بالونات اختبار للفلاحين، ترسلها جهة ما إليهم، لكن التسليم بقيام خبراء ما كنزي برسم معالم مستقبل القطاع الفلاحي في المغرب لا يعفي في نظر المهندس الزراعي، محمد بوعزيز، من إبداء بعض التحفظات، حول الجدوى من ذلك، فهو يحيل على الدراسات والندوات والتوصيات التي تناولت إصلاح حال الفلاحة المغربية، لكنها تراكمت على مدى عقود دون أن يؤبه بها، نفس الرأي يعبر عنه أحد رؤساْء الجمعيات الوازنة.. إصلاح بلا تفعيل فهو مازال يتذكر مناظرة القنيطرة قبل عشرين سنة تقريبا، إذ دعي الجميع إلى اللقاء والتزم الجميع بالإصلاح، لكن لا شيء من الإجراءات التي اتفق عليها جرى تفعيلها.. فقد احتضنتها الرفوف كما الكثير من الخطط التي أعلن عنها من أجل إصلاح حال القطاع الفلاحي بالمغرب. الجميع يتطلع إلى ما ستتضمنه الدراسة التي سيعلن عنها ماكنزي خلال المعرض الدولي لمكناس، لكن هذا لا يمنع البعض من التعبيير عن بعض الضيق من إسناد مهمة الإعداد لمستقبل هذا القطاع إلى مكتب خبرة.. الباحثون ما زالوا يتذكرون المخطط الذي أعده الحبيب المالكي، وزير الفلاحة الأسبق، في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، لقد صاغ مخططا يرسم مسار الفلاحة المغربية في أفق 2020، لكن ذلك المخطط ولد ميتا ولفه النسيان بسرعة، بحيث ما عاد من يهمهم أمر القطاع الفلاحي في المغرب يسترشدون بذلك المخطط الذي أعدته أطر وطنية، ثم إن ثمة من ينبه إلى الدراسة الاستشرافية التي أعدتها المندوبية السامية في التخطيط، التي حاولت رسم السبل التي يمكن عبرها تطوير الفلاحة المغربية، في ظل الانفتاح الذي يفرضه انخراط المغرب في العديد من اتفاقيات التبادل الحر. لكن الجميع لن يجد بدا في الأخير، حسب مصدر مطلع، من التسليم بالأمر الواقع، وإن أبدى بعض التحفظات، فالمهم هو أن يجري تدارك التأخر الحاصل في مسايرة التحولات التي طرأت في السنوات الأخيرة، والتي تفرض إصلاح وإعادة تأهيل القطاع الفلاحي المغربي.. مسؤول في إحدى المنظمات المهنية الوازنة، أكد أن المقاربة التي اعتمدها «ماكنزي» تبشر بإمكانية الوصول إلى تشخيص حقيقي للواقع على اعتبار أنه دعم المعطيات التي توفرت لديه، بتحقيقات وأبحاث اقتربت عبرها من الفلاحين، لكنه لم يخف تخوفه من أن يجري التعاطي مع الفلاحين بنفس الطريقة التي جري بها التعامل مع المهنيين عند تقديم مخطط «إيمرجانس» الذي أعده مكتب ماكنزي للصناعة المغربية، فالعديد من الإجراءات التي تضمنها هذا الأخير ما زال المعنيون بها يجهلونها، بحيث لم يطلعوا على تفاصيل الخطة الجديدة التي يفترض أن يسترشد بها الصناعيون المغاربة.. رد السلطات العمومية الذي بررت به حجب بعض الإجراءات التي جاء بها إيمرجانس جاء حاسما، إذ لا يمكن كشف جميع الأوراق التي يسعى المغرب إلى لعبها، حتى لا يطلع عليها المنافسون للمغرب. رد مفحم، جعل الكثير يسلمون سلاح النقد.. هذه السابقة تدفع بعض المهنيين في القطاع الفلاحي إلى التساؤل حول ما إذا كانت السلطات العمومية ستنهج سبيل السكوت عن بعض الإجراءات التي قد تعتبر من الأسرار التي لا يجب أن يطلع عليها المعنيون بها. المشاكل الأساسية وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، قال إن الدراسة التي يجري إعدادها تروم وضع استراتيجية تقود إلى ملاءمة الفلاحة الوطنية مع ما يشهده محيطها من تغيرات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، بحيث ستأخذ بعين الاعتبار المعطيات المناخية والجهوية.. فهي تسعى إلى أخذ بعين الاعتبار البعد الجهوي ومختلف فئات الفلاحين في إطار تحليل تقاطعي يأخذ بعين الاعتبار عوامل الإنتاج و سياسة الدعم وضرورة الحفاظ على الثروات الطبيعية.. لقد انتهت مرحلة التشخيص وجرى الانتقال إلى وضع الخلاصات حول مختلف التصورات والسيناريوهات... تلك مقاربة يؤيدها بعض المهنيين، لكنهم يترقبون ما سيجري الإعلان عنه. فالكثيرون يتساءلون مثلا عن مدى اعتزام السلطات العمومية إعطاء معطيات مرقمة تتيح التعرف على المكانة التي يفترض أن تحتلها الفلاحة في النسيج الاقتصادي الوطني.. لكن قبل ذلك يتطلع القطاع إلى التركيز على المشاكل الأساسية، ذات الصلة بضعف التمويل وتدبير الماء والوضعية القانونية للأراضي الفلاحية.. تلك في نظر البعض تحتاج إلى قرارات جريئة لا تذعن لضغوط اللوبيات التي قويت شوكتها خلال العقود الأخيرة، وقبل ذلك يفترض أن يجري التركيز على المكانة التي يتوقع أن تحتلها الحبوب في السياسة الفلاحية، في ظل توالي السنوات الجافة وارتفاع أسعار الحبوب في السوق الدولية واتفاقيات التبادل الحر التي أبرمها مع العديد من الدول. لكن مصدرا مطلعا عبر عن تخوفه من أن يخلف المغرب موعده مع الإصلاح، فقبل حوالي عشرين يوما من موعد المعرض الدولي أعلنت وزارة الفلاحة عن تنظيم المناظرة الوطنية الأولى للفلاحة، عشية المعرض، وهو موعد شذت به عما سارت عليه في الدورتين السابقتين.. المناظرة التي ستعقدها السلطات سيحضرها ما بين1000 و1500 مشارك، من بينهم مستثمرون مغاربة وأجانب وممثلو الجمعيات والغرف المهنية وممثلو البنوك، إذ سيجري النقاش حول السياسة الفلاحية الأمثل، على ضوء محاور الإصلاح التي ستقترحها الدراسة التي سيعلن عن نتائجها مكتب ماكنزي.. غير أنه في الوقت الذي كان يرتقب أن يجري توقيع حوالي أربعة عقود برامج، تأكد أنالتوقع لن يتم سوى مع قطاعي الدواجن والسكر، في الوقت الذي لن ستستثنى قطاعات الزيوت والحوامض واللحوم الحمراء من ذلك، بل إنها قد لا تحظى باتفاقيات عامة تعلن عن «نوايا» غير مرقمة، إلا إذا قادت ضغوط اللحظات الأخيرة إلى غير ذلك. فهل سيخلف المغرب موعده مع إعطاء انطلاقة حقيقية لإصلاح قطاع يشغل أكثر من 40 في المائة من الساكنة النشيطة، ويساهم بما بين 15و 20 في المائة في الناتج الداخلي الخام؟ وهل ستتوجه السياحة الفلاحية إلى السواد الأعظم من الفلاحين أم تكون في خدمة كبار الفلاحين؟ مؤشرات وأرقام حول الفلاحة في المغرب { مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام لا تتعدى 15 في المائة، والقطاع يشغل 40 في المائة من اليد العاملة النشيطة. { حسب توزيعه على النشيطين في القطاع، يظل الناتج الفلاحي المغربي الأضعف في البحر الأبيض المتوسط، بحيث لا يتجاوز 1252 دولارا للفرد في السنة، مقابل 33494 دولار في فرنسا و16530 دولارا في إسبانيا و2448 دولارا في تونس و2071 دولارا في الجزائر. { لا تتعدى مردودية الهكتار الواحد من الحبوب 12 قنطار، بحيث بالكاد زاد الإنتاج بأربع قناطر في الهكتارالواحد خلال 50 سنة. { الأراضي القابلة للزراعة لا تتعدى مساحتها 9.3 مليون هكتار، بحيث لا تمثل سوى 13 في المائة من التراب الوطني. التقديرات تشير إلى أن كل نشيط فلاحي يتوفر على 2.3 هكتار مقابل 15.2 هكتارا في تونس و22.8 هكتارا في فرنسا، { متوسط مساحة الاستغلاليات لا يتعدى 6.1 هكتارات، و71في المائة من المليون ونصف وحدة إنتاجية التي يتوفر عليها المغرب لا تتعدى مساحتها 5 هكتارات، وتحتل ربع المساحة القابلة للزراعة. { 70 في المائة من الاستثمار العمومي في الفلاحة تذهب إلى السقي الكبير، الذي يستفيد منه الأغنياء والاستغلاليات الكبيرة، { استعمال الأسمدة لا يتعدى 37 كيلوغراما في الهكتار في السنة، مقابل 90 كيلوغراما في العالم. والبذور المختارة لاتستعملها سوى 16 في المائة من الاستغلاليات، فيما يخصص جرار واحد ل225 هكتارا،ضعف التمويل تشير إليه مساهمة القرض الفلاحي التي لا تتعدى ما بين 14 و20 في المائة من حاجيات التمويل، مقابل 3 في المائة بالنسبة إلى الأبناك التجارية.