[email protected] تتجه الحكومة نحو معالجة ملف «الليزينغ» بتعويم القضية وإلهاء الرأي العام بقضايا أخرى وكأن شيئا لم يقع! منذ حوالي شهر، انتفض الرأي العام والإعلام (أو جزء منه) والمهنيون ضد قرار الحكومة، وانتقضت كذلك عدة فرق برلمانية، ومنها فرق الأغلبية (الاتحاد الاشتراكي كنموذج)، في ما يشبه إجماعا. وهو الإجماع الذي فاجأ الحكومة، بل زعزع موقفها وصار هناك حديث عن تراجع ممكن عن هذا القرار الكارثة الذي خلق سابقة عالمية بفرض ضريبة بأثر رجعي. لكن ما إن ظهرت قضية خلية بلعيرج المتهمة بالإرهاب، حتى تم تركيز الأضواء على هذا الملف السياسي وتوارت إلى الخلف الملفات الاجتماعية والاقتصادية. إذا كان الأمن من أولويات البلد، وهذا لا جدال فيه، فإن الأمن الغذائي يمكن أن يكون أحيانا أولوية الأولويات، فلا يمكن لشعب يمس يوميا في قدرته الشرائية أن يظل صامتا إلى ما لا نهاية. إن أولئك الذين يضربون القدرة الشرائية للمغاربة لا يعون جيدا خطورة الموقف. وكما في كل شعوب العالم، هناك فئات مجتمعية مختلفة: هناك فئة الفقراء التي يجب أن يؤخذ بيدها لإخراجها من آفة الفقر التي تعيشها والتي تضع المغرب في رتب يندى لها الجبين، ومع ذلك فإن الزيادات المتتالية في الزيت والسكر والدقيق تقوض حتى المستوى الهزيل الذي تعيشه. وهناك الفئة المتوسطة والتي تعتبر في كل دول العالم صمام الأمان لأنها حلقة الوصل بين الطبقة الفقيرة والطبقة الراقية، أي بعبارة أخرى هي التي تمنع التصادم بين الفقراء والأغنياء. كل الدول التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي، يقاس نجاحها في إنجازه بمستوى الفئة المتوسطة. فما الذي يقع عندنا؟ كلما احتاجت الحكومة أو الدوائر المسؤولة بشكل عام إلى مزود لميزانيتها، فإن أول ما تفكر فيه هو الضريبة.. وأي ضريبة. وإذا أردنا أن نسرد النماذج، يكفي أن نشير إلى الضريبة على القيمة المضافة لتوظيفات البورصة. لقد قلنا في هذا العمود إنه من غير المنطقي التعامل مع الحاملين الصغار بمنطق الذين يوظفون مئات الملايين أو حتى الملايير، وبالتالي وجب وضع أسقف للإعفاء. لا حياة لمن تنادي! ولأن لأي مواطن من الفئة المتوسطة الحق في اقتناء سيارة بقرض إيجاري (الليزينغ) فإن الدولة قررت أن تلهف 20 % من هذا الاستثمار على شكل ضريبة على القيمة المضافة. وعندما فشلت الحكومة في مواجهة تكتل شركات القروض والبنوك، وجهت سهامها إلى المواطن البسيط والمتوسط وطبقت عليه الضريبة. وإمعانا في احتقار الفئة المتوسطة، فإن الحكومة تطبق عليها واحدة من أعلى ضرائب الدخل في العالم والتي تبلغ 42 %. تصوروا الحكومة تقسم مع هؤلاء المواطنين أجورهم ! هل هناك «حكرة» أكثر من هذه. وبعد ذلك، يأتون إلى التلفزة ليلقوا علينا خطبا إنشائية. إذا كانوا يعتقدون أن الأحداث السياسية ستغطي على الملفات السوسيو – اقتصادية، فهم واهمون. واهمون لأن السيل بلغ الزبى ولأن الفئة المتوسطة باستطاعتها أن تعبر عن احتجاجها بالوسائل الحضارية التي يكفلها لها الدستور. ثم ألا يقولون إن الضغط يولد الانفجار. أما الضغط فقد تجاوزنا مداه، وأما الانفجار.. فلا يسعنا إلا أن نقرأ اللطيف ليتجنبه هذا البلد «الآمن».