[email protected] كيف تصبح مليارديرا بالمغرب في سبعة أشهر؟ هذا السؤال غير البريء، الذي يحيلنا على الكتب التي كنا نتهافت عليها في صغرنا والتي تعلم أبجديات اللغات الحية، يذهب بنا إلى سبر أغوار اقتصاد الريع الذي يضرب أطنابه في الاقتصاد المغربي. هناك من يتساءل لماذا لا يتقدم المغرب؟ والذين يرون الوضع أكثر قتامة يؤكدون أن المغرب يتراجع، وفي العرف الاقتصادي وغيره... الذي لا يتقدم يتراجع! والمغرب يتراجع فعلا، وليست رتبنا المخجلة على سلم الأمم في التنمية والتعليم والصحة والقضاء هي ما يحيل على ذلك وحسب، بل الواقع الذي نعيشه ونراه ونحسه كل يوم يدل على ذلك أيضا. فدلوني على بلد واحد يمكنك فيه أن تقتني عشرات الهكتارات من الأراضي الفلاحية بسعر لا يتعدى 300 درهم للمتر المربع الواحد لتحصل بعد ذلك بأشهر قليلة (سبعة على وجه التحديد في منطقة معروفة) على ترخيص الوكالة الحضرية بإلحاق المنطقة بالمدار الحضري. ماذا يعني ذلك؟ بكل بساطة أن سعر المتر المربع الواحد سينتقل من 300 درهم إلى 3000 درهم أي عشرة أضعاف! وتعالوا «نتسلى» بعملية حسابية لنقف على حجم الدمار الذي يلحق بالمال العام. فالأرض المذكورة، والتي تبلغ حوالي ثلاثين هكتارا، كان سعر شرائها هو تسعة ملايير سنتيم ليصبح هذا الرقم هو تسعون مليار سنتيم بعد سبعة أشهر. ألا يستحق هذا الاستثمار أن يدخل موسوعة غينيس. وللتذكير فقط، فإن الذي كان سعيد الحظ واقتنى هذه الأرض التي كانت مملوكة للدولة، لم يكن فلاحا يريد زرع البطاطس بها وإنما منعشا عقاريا معروفا. وإذا عرف السبب بطل العجب! الآن، يتم الحديث عن بناء مدينة متكاملة فوق تلك الأرض والبقية.. لكم واسع الخيال لتضعوا لها نهاية سعيدة على شاكلة الأفلام الهندية. أمام هذه المصيبة، لا يجب على المرء أن يكون متخصصا في مجال التعمير وتصاميم التهيئة والكلمات الكبيرة ليعرف أن أي وكالة حضرية لا يمكن أن ترخص لمثل هذه العملية لأن برامج التصاميم وتحويل المجال العمراني توضع على سنوات وليس داخل أجل سبعة أشهر.. ومع ذلك..؟ هذا نموذج فقط لإهدار المال العام في بلد سكانه يعانون من الأمية ومستشفياته تشكو خصاصا في المعدات والأطر الطبية وبنياته التحتية متهالكة وطرقه هي الأخطر في العالم وإدارته نخرتها الرشوة! الصورة قاتمة بالفعل والقلم الذي يكتب ذلك ينزف دما وحسرة، لكن هذا هو واقع مغرب يقال عنه ظلما إنه أجمل بلد في العالم. لقد تحدثتنا كثيرا عن بارونات مقالع الرمال الذين يدمرون البيئة وثروة البلد من أجل اغتناء حفنة من المحميين وأصحاب الامتيازات العينية الممنوحة ذات اليمين وذات الشمال دون وجه حق، لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي، وكأن المال العام أصبح ملكا خاصا للذين يوزعون هذه الامتيازات حسب مزاجهم. ويكفي أن أي وزير لم يستطع، حتى الآن، أن يقدم للرأي العام لائحة المستفيدين من الامتيازات العينية التي تجر المغرب إلى الوراء، ومع الأسف، حتى الوزراء التقدميون الذين مارسوا (ومازال بعضهم) ضمن «عشرية» التناوب لم يستطيعوا فك الحصار عن هذه اللائحة التي يبدو أنها من أسرار الدولة! المغرب بلد غير بترولي ولا غازي.. ومع ذلك، بإمكانه أن يكون أفضل من دول نفطية كثيرة. بدون بترول ولا غاز، يمكن للمغرب أن يتقدم بثبات في شتى المجالات ويصبح نموذجا في منطقته، فليست كل الدول التي بنت «مجدها» الاقتصادي دولا بترولية.. والحديث هنا طبعا ليس عن الدول المتقدمة، بل عن نماذج مماثلة للمغرب.. في بداياتها. المغرب بحاجة إلى وصفة (ليست سحرية) لبلوغ ذلك، وهذه الوصفة تتأسس على دعامة بدورها تقف بخرسانة لا محيد عنها. أما الدعامة فهي ترشيد نفقات البلد واستغلال كل ثرواته من شبر الأرض حتى آخر رخصة لسيارة أجرة صغيرة، وذلك للبناء الحقيقي وليس لمغرب النماء كما تقدمه القناة الأولى للمغاربة. أما الخرسانة فهي الديمقراطية، فلا نمو ولا تطور ولا ترشيد للنفقات من دون ديمقراطية حقيقية، لأنه وبكل بساطة لا يمكن لأي مسؤول مهما كانت درجته في ظل نظام ديمقراطي حقيقي أن «يتبرع» على خواص من أموال الشعب. المال العام خط أحمر.. بل مقدس ومن أراد أن يهب الخيرات فليفعل ذلك من جيبه الخاص. في دروس الاقتصاد الأولى، درسونا أنه في الأنظمة غير المتوازنة 20% من المواطنين يمتلكون 80% من الثروة، وفي المغرب 1% من المغاربة يمتلكون 99% من الثروة! هذا هو الدرس المغربي.