يزداد الكأس فراغا، وتزداد أوضاع المواطنين السوسيو-اقتصادية صعوبة حتى لا نقول يأسا. وإذا كان البعض يحلو له أن يرى فقط نصف الكأس المملوء، فلا يجب أن يلومنا على التركيز على النصف الفارغ... الذي لم يعد نصفا بل أكثر من ثلاثة أرباع! فالأوضاع الاقتصادية عامة ليست على أحسن ما يرام والقادم من الأيام ينذر بالأسوأ. ففي ظرف ثلاثة أشهر فقط ارتفع سعر اللتر الواحد من الزيت بأزيد من 30% والكيلوغرام من السكر ب12% والكيلوغرام من الدقيق ب12.5% والكيلوغرام من العدس ب50% وحليب الأطفال بحوالي 20%.. واللائحة طويلة. الكارثة أن الحكومة تبدو عاجزة أمام هذا الوضع ولا تقدم حلولا، لا مرحلية ولا هيكلية، وكل ما تجده لتبرر به تكالب الزيادات وضربها للقوة الشرائية هو ارتفاع المواد الأولية في الأسواق العالمية. ويحتار المرء أمام هذه التبريرات على اعتبار أن الزيادة عالمية، وبالتالي تهم كل الأسواق والاقتصاديات الشبيهة بالمغرب كتونس والأردن ومصر التي صنفها تقرير الأممالمتحدة الاقتصادي في وضع أفضل من المغرب! فما الذي يجعل تلك الدول، التي تربطنا بها معاهدة اقتصادية، في وضع أفضل من المغرب في عيون الهيئات العالمية؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تجيبنا عنه الحكومة، وإن كنا نشك في قدرتها على ذلك. الارتباك الحكومي طال المجال الضريبي كذلك عندما تقرر خفض الضريبة على الشركات بشكل عشوائي جعل المستفيدين الأساسيين هم كبريات الشركات والمقاولون «العظام» الذين هم أصلا غير محتاجين إلى هذه الهدية الجبائية! ودائما على منوال العشوائية، نجح صلاح الدين مزوار، وزير المالية، في تحطيم الرقم القياسي للاشعبية الذي كان بحوزة سلفه فتح الله ولعلو، وذلك في زمن قياسي. وكل الذين تابعوا مهزلة الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة عن «الليزينغ» عرفوا مدى العشوائية التي تتخبط فيها الحكومة التي أرادت أن تلقي المسؤولية على شركات «الليزينغ»، فكان العذر أدهى من الزلة. فصلاح الدين مزوار بدا محرجا وهو يقول لتلك الشركات إنه ما كان عليكم أن تطبقوا الزيادة على المواطنين، ناسيا أن النصوص التطبيقية لتلك الزيادة لا تنص على تحملها من طرف تلك الشركات. صلاح الدين مزوار، وهو المقاول قبل أن يكون الوزير، يعرف جيدا أن أول ما تفعله المقاولة هو عكس أي زيادة على المستهلك، لذلك لم يكن خطابه تجاه مهنيي قطاع «الليزينغ» جادا وكان يبحث عن مشجب يعلق عليه «الزبلة» التي ارتكبها ومررتها الحكومة وبرلمانها. وكأن كل تلك الأمور لا تكفي، فإن نسب الفائدة على القروض البنكية سترتفع هي الأخرى ليصبح العقار، مرة أخرى، حكرا على شريحة دون أخرى، فيما ستبقى الأجور، بالطبع، وفية لمستواها لا تتزحزح، صامدة أمام عواصف الأسواق العالمية وإعصارات «نبوغ» بعض الوزراء وحنكتهم» في الضربات تحت الحزام والتي ليس أقلها ما سردناه أعلاه. اللوحة سوداء! نعم، هي كذلك. ولا يهم أن ينعتنا البعض بالسوداويين أو حتى بالظلاميين، الأمر سيان، فعلى الأقل في لغة الاقتصاد هناك شيء يُغني الكل عن التعليق وهو.. لغة الأرقام. ولا أعتقد أن هناك مسؤولا مغربيا واحدا سيجرؤ على انتقاد تقارير الأممالمتحدة والبنك الدولي التي تضع المغرب في مستويات متدنية حتى إن دولا، كالسعودية والكويت، صنفت أفضل من المغرب في تدبير حرية الأعمال! هناك شيء خطير يقع الآن في بلادنا، وإذا لم يعالجه الذين بيدهم القرار سيتجه المغرب نحو كوارث لا قدر الله. الخطير في بلادنا أن الكل يتحدث عن هذه الكوارث، الجميع يعرف أولئك الذين يستزفون ثروة المغرب في واضحة النهار وكيف أن اقتصاد الريع مازال يضرب أطنابه في اقتصادنا، والأسماء تُتداول بالصحافة ومسؤولونا يصمون آذانهم عن ذلك! لكن إلى متى، وبعد إيه؟ سنرى.