أظهر التجمع الأخير الذي عقده بابا الفاتيكان، واستمر أسبوعين كاملين من دون الخروج باتفاق، أن الكنيسة المسيحية في أوروبا وباقي أرجاء العالم تجتاز أزمة عقائدية كبيرة، وذلك لأول مرة منذ عدة عقود، نتيجة الفجوة العميقة التي تتسع باستمرار بين نمط الحياة الأوروبية العلمانية المتنامي، والعقيدة المسيحية كما تنص عليها الكتب المقدسة، مما دفع البابا الحالي إلى الدعوة إلى عقد مجمع خاص لإعادة نظر جذرية في بعض ثوابث العقيدة المسيحية، خاصة ما يتعلق منها بالمثليين الجنسيين، الذين ترفضهم العقيدة المسيحية وتعتبرهم أنجاسا. وقد ظلت هذه المواقف مستقرة لدى الكنيسة، لكنها قررت مؤخرا إعادة النظر فيها، بسبب الانتقادات الكثيرة التي توجه إلى الكنيسة من لدن الجمعيات الحقوقية المناصرة للمثليين. ففي الأسبوع الماضي، صادق مجمع الأساقفة، المعروف باسم «سينودوس»، على التقرير النهائي للمناقشات التي دامت أسبوعين، لكن من دون أن يتمكن الأساقفة من الاتفاق حول مسائل شائكة هي موقف الكنيسة من المطلقين المتزوجين ثانية والمساكنة والمثليين. ويقدم التقرير عرضا للمشاكل المتنوعة التي تواجه العائلة الكاثوليكية في القارات الخمس، مثل احتضان الكنيسة للأشخاص الذين يعيشون في اتحاد حر، والمثليين والمطلقين المتزوجين ثانية، وذلك في إطار عملية انفتاح يريد البابا القيام بها، لكنلا يستسيغها المحافظون المسيحين. وقال جون ماري غوينوا، الخبير الفرنسي في الديانة المسيحية، في حوار مع يومية «لوفيغارو» الفرنسية هذا الأسبوع، إن المجمع الأخير كشف أن هناك أزمة خطيرة داخل المسيحية، وذلك «بالمعنى القديم» للأزمة، مما يعني أن ما تعيشه المسيحية اليوم شبيه بالأزمات القديمة التي عرفتها، وعلى رأسها قضية الاعتراف ببشرية المسيح قبل عدة قرون، وهي القضية التي قسمت المسيحية في ذلك الوقت ونتجت عنها صراعات عسكرية. وظهر واضحا خلال الاجتماعات الماراطورنية أن هناك اختلافا واسعا ما بين المسيحيين القادمين من مختلف المناطق في العالم، فبينما كان هم الأساقفة الأوروبيين القاطنين بالشمال الدفاع مثلا عن زواج المثليين، وزواج المطلقين سابقا، وفقا للعقيدة المسيحية، طرح أساقفة قادمون من البلدان النامية مواضيع كثيرة، مثل الزيجات بين الأديان (خصوصا مع المسلمين) والفقر المذقع والإدمان على الكحول والمخدرات التي تؤدي إلى الانفصال وانهيار العائلات بسبب الهجرة. ودعت الوثيقة النهائية، التي صودق عليها في ختام الاجتماع، إلى الإصغاء «إلى السياق الاجتماعي والثقافي الذي تعيش فيه عائلات اليوم، والنظر في الآفاق الرعوية مع وضع المسيح وإنجيله المتعلق بالعائلة نصب أعيننا»، وتم التشديد في الوثيقة على العائلة كواقع مقرر وثمين «يتضمن الأفراح والمحن والعواطف والعلاقات بين الأشخاص التي لا تخلو أحيانا من الجراح، كما أن العائلة هي مدرسة تربي على الإنسانية ولا بد من الإصغاء إليها بكل تعقيداتها، مع إيلاء اهتمام خاص بالمشاكل التي تعاني منها الأسرة في عالم اليوم شأن هشاشة المشاعر والفردانية المفرطة، وعدم توفر فرص عمل ثابت ناهيك عن مشاكل أخرى تعني الإنسانية برمتها شأن الإرهاب والعنف والحروب والهجرة والانحطاط وغيرها».وشددت الوثيقة أيضا على أهمية «النظر إلى إنجيل المسيح والتأكيد على الاتحاد بين الرجل والمرأة غير القابل للانحلال»، لافتة أيضا إلى أهمية «تبني بعد جديد لرعوية العائلة يكون أكثر نضوجا حيال المشاكل المتعلقة بالزواج المدني ومسؤوليات الوالدين حيال أبنائهم». وفي إشارة إلى الإرادة في تغيير بعض توابث المسيحية لفت أحد الكاردينالات، في تصريحات لإذاعة الفاتيكان، إلى أن المساكنة وما يُعرف باتحادات الأمر الواقع «لا تنبع دائما من رفض القيم المسيحية إنما تأتي كخيار نتيجة الأوضاع الاقتصادية وعدم توفر فرص العمل الثابت». وحول المثليين جنسيا أشار التقارير إلى أن «المثليين جنسيا لديهم هبات ومزايا جيدة يمكن أن يقدموها للمجتمع المسيحي».