هل تذكرون ذلك الحادث الذي وقع لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر عندما هاجمتْه امرأة في ذكرى ميلاد المسيح -عليه وعلى نبينا السلام- نهاية عام 2009م، وطرحته أرضًا إلى جانب آخرين؟ وهو مشهد بثَّتْه معظم القنوات الفضائية في العالم، وكان بابا الفاتيكان قد تعرَّض للسقوط وأُصيب برضوضٍ في الرجلين واليدين أكثر من مرة ونُقل للمستشفى، كما حدث في منتصف يوليو 2009م، إذا كان منَّا مَن يذكر ذلك فليتذكر أيضًا ما حدث قبل بضعة أسابيع عندما هاجم أحدُهم رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني وأدمى وَجهَه بلكمةٍ قوية، مما استدعى نقلَه إلى المستشفى. قبل الحادثتين دار جدلٌ طويل بين الكنيسة من جهة، وبرلسكوني وأطراف أخرى لها منطلقاتها الخاصة من جهة أخرى، وصل هذا الجدل إلى حد الحملات الإعلامية من الطرفين وتبادل الاتهامات بالشذوذ الجنسي، ليس ذلك فحسب بل إن الخلافات والصراعات لا تزال محتدمةً داخل جميع الكنائس الكاثوليكية، ولا سيما في الفاتيكان، والبروتستانتية، (بريطانيا) والأرثوذكسية (مصر، وروسيا، وصربيا، واليونان...) ففي 24 يونيو 2009 كشفت مجلة "بانوراما" الإيطالية الأسبوعية أن "أجواء الفاتيكان مشحونة" وأن هناك "تحركاتٍ لانتخاب بابا جديد" وأن هناك تنافسًا على المنصب بين رئيس مجمع العقيدة والإيمان الكاردينال جوزيف ليفادا (أمريكا) ورئيس مجمع العبادة الإلهية، أنتونيو كانيساريس (إسبانيا) وبين وزير ورئيس دولة الفاتيكان السابق الكاردينال أنجلو سودانو (إيطاليا) وسكرتير الخارجية السابق في الفاتيكان الكاردينال ستانسلاو تشيفيس (بولندا). شذوذ تحت أستار الكنيسة الصراع بين الكنيسة وأنصارها وبين الأطراف الأخرى في المجتمع الغربي لا يزال محتدمًا ومستمرًّا بقوة، رغم عدم ظهور هذا الصراع في أغلب الأحيان على السطح، وهو صراع مجتمعي في الأساس يأخذ في معظم الأحيان بُعدًا سياسيًّا وثقافيًّا وأخلاقيًّا، والعكس صحيح، أي أنه صراع سياسيّ بأبعاد اجتماعية وثقافية وأخلاقية، وهذا ما يعكس أيضًا القلق الكنسيّ من انتشار الإسلام ليملأَ الفراغ الأخلاقي في البنية الحضارية الغربية، بعد أن انغمس قادة الكنيسة في الدعارة والشذوذ، مما أدى -على حد وصف الأسقف روشستر- إلى "انحدار شديد في مستوى تأثير النصرانية على المجتمع، وفشل زعماء الكنائس في مواجهته بعد ذلك". ويصف أسقف "روشستر" الوضع كما هو: "ذاب الضمير المسيحي وتفككت العائلة، وارتفعت معدلاتُ تعاطي المخدرات والكحوليات، بجانب العنف الذي لا عقل له، والذي صار يملأ الشوارع" ويتساءل البعض عما يمكن أن تقدِّمَه النصرانية، والوضع كما وصفه ذلك الأسقف، والذي يعد متطرِّفًا في طلاسمه، لا سيما بعد فضائح الشذوذ الجنسي التي لا تزال تُرتَكب وتنتشر روائحها النتنة العفنة في كل مكان، ففي أيرلندا القريبة من بريطانيا خلُصت لجنة تحقيق حكومية إلى أن الأطفال الذين عاشوا في مؤسسات كانت تديرها الكنيسة الكاثوليكية في البلاد عانوا من رعبٍ يوميّ بسبب الاستغلال الجنسي لرجال الكنيسة لهم. وذكر التقرير أن العقاب الجسدي في مدرسة، أرتاني، التي تديرها مجموعة "الإخوان المسيحيين" يُشعر الأطفال بالخوف باستمرار وأنهم تحت التهديد، وأشار التقرير إلى أن الممارسات الجنسية الشاذة لم تكن حوادث معزولة أو قام بها شخص واحد، وإنما كانت عادة يومية استمرت 14 عامًا! وفي مدرسة القديس يوسف في ترالي، غرب أيرلندا ظل أحد الرهبان يُرعِب الأطفال ويرهبهم أكثر من 7 سنوات، وقالت لجنة التحقيق: إن الإيذاء الجنسي كان "وباءًا متوطنًا" بمدارس البنين التي يديرها الرهبان، وأن "الإيذاء الجنسي للأطفال بالمدارس التي تديرها الكنيسة والرهبان مشكلةٌ مزمنة". وذكرت صحيفة "إيريش تايمز" أن "التقرير تم إنجازه بعد نحو تسع سنوات من التحقيق برئاسة القاضي "شون رايان"، والذي انتقد التقرير الذي نشرته لجنة مكافحة الإيذاء الجنسي للأطفال "الإخوان المسيحيين" و"راهبات الرحمة" مشيرًا إلى أن "الأطفال عاشوا في رعب يومي"، ويمكن ضرب مثال بالراهب أوليفير شانتي في ميونيخ، والذي ثبت أنه اغتصب 4 أطفال 314 مرة، وفرَّ إلى سنغافورة ثم إلى إسبانيا ففرنسا، واعتقل في البرتغال، والتي سلمته لبلده ألمانيا، وضحاياه اليوم يبلغون من العمر 18، و19، و20، و21 سنة، وكان متزوجًا في السِّرّ وهو يمارس الكهانة، وأعلن عن أنه أبٌ لابن بعد فترة، لأن ابنه كان يرغب في الاعتراف به. أين مصداقية الكنيسة؟! لقد أدت جرائم الكنائس إلى انفضاض الناس عنها، وجعلها عرضةً للبيع والتأجير، وإضراب الكهنة عن الطعام، فقد أقدم كاهن بلدة كامبيغو (شمال إيطاليا)، إيروس ماريو على الإضراب عن الطعام لأن الناس لا يحضرون قداس الأحد لديه، بل إن أسقفًا إنجيليًّا يقرُّ بأن "بريطانيا لم تعد دولة مسيحية" وقال: إن "كنائس إنجلترا ربما تتلاشى في غضون 30 عامًا من الآن". وأوضح الأسقف، بول ريتشاردسون أن "تدني أعداد مرتادي الكنائس، وازدياد أعداد المنحدرين من ثقافات متنوعة معناه أن بريطانيا ماتت" وأن "الكنيسة فقدت ما يربو على عثشر روادها المواظبين بين 1996 و2009، حيث انخفض عددُهم من أكثر من مليون شخص إلى 500 ألف"، وتشهد الكنيسة البروتستانتية كتلك الكاثوليكية فسادًا في أعلى هَرَمِها مثل الأسقف توميسلاف فلاجيتش، والذي مارس الجنس مع راهبة تعمل في كنيسة كاثوليكية وتدعى دفيتسا ماريا. ومن البروتستانتية إلى الكاثوليكية التي عرفت كنائسها أفظع الاعتداءات الجنسية بحقّ عشرات الآلاف من الأطفال في القارات الخمس، مما حدا ببابا الفاتيكان الحالي إلى تقديم اعتذارٍ رسمي أثناء زيارتِه لأمريكا. ولذلك لم تَلقَ دعوة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر للهوية المسيحية الاستجابة الكاملة، وكنيسته غارقةٌ في أوحال الرذيلة، فقد حذر في خطاب سابق له الأوروبيين من انحسار ما وصفها بالهوية المسيحية في ظلّ انخفاض معدل المواليد، وزيادة عدد المهاجرين المسلمين (وهي استراتيجية يغلِّفُها بتكتيك الدفاع عن المهاجرين، بمكافيلية منحطة، ونفاق مقرف) مطالبًا بضرورة تأكيد الهوية المسيحية لأوروبا، خاصة وأنها تعاني من هجر الطقوس الكنسيَّة وقلة المواليد وثقافة تجاوزت السيطرة، على حد تعبيره. وقال البابا: "إن مستقبل أوروبا كئيبٌ وينذِر بالخطر، خاصةً إذا لم تنجبوا الأطفال وتقيموا شريعة الرب"، وذلك مع ارتفاع نسبة غير المؤمنين؛ ففي إيطاليا تتعادل نسبة (المؤمنين) وفق تعريف الكنيسة والملحدين وهي 25 بالمائة، حسب مجلة فوكوس، بتاريخ 29 مارس 2009 م. وقد عرَّض بابا الفاتيكان نفسَه للسخرية من قِبل الكثير من الأطراف، حتى من المثليين الذين لاحظوا حال الكنيسة الغارقة في الشذوذ، وإعلان رأسِها بأنه يناهِض المثلية الجنسية، ومن ذلك ما ذكرتْه صحيفة الإندبندنت البريطانية على لسان الممثلة الكوميدية الإيطالية من أن "بابا الفاتيكان سيدخل جهنم لسوء معاملته للشواذ" وهو ما سيعرِّضُها للعقوبة القانونية لأن نقد بابا الفاتيكان جريمة يعاقب عليها القانون، وليست حرية تعبير!! الكنيسة والسياسة تبحث الكنيسة عن دور سياسي من خلال التحالف مع بعض الأنظمة الحاكمة المستبدَّة، لتحقيق أهدافها التكتيكية، كما تتحالف مع الحكومات اليمينية المتطرفة، والأحزاب القومية الشيفونية في الغرب، والمهووسين بالصراع الحضاري ضد الإسلام، مثل ما أعلنه بابا الفاتيكان في زيارته المشئومة لمنطقة الشرق الإسلامي؛ حيث أعرب عن "شكره للرب لامتلاك اليهود أرض أجدادهم!". وفي المقابل هناك من الأحزاب في الغرب من يَضرِب على وتر التحالف مع الكنيسة من أجل تحقيق شعبية توصله إلى سدة الحكم، وقد حقق الفاتيكان بعض المكاسب، مثل الإبقاء على الصُّلبان داخل مؤسسات الدولة والمستشفيات والمدارس، بعد التقدم بطلب لإزالتها لأن فيها غير النصارى، لكن الفاتيكان لم ينجح في كل سياساته، ولم يستطعْ تمريرَ كل مقترحاته مثل المطالبة بتضمين الدستور الأوروبي إشارة إلى النصرانية، كما لم تنجح كل تحالفاته. ويعدّ رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني أحد السياسيين الذين تحالفوا مع الكنيسة، وكال أثناء "زواج المصلحة" مع الفاتيكان الاتهامات للإسلام لإرضاء الكنيسة، ولكن ذلك التحالف لم يدُمْ طويلًا، فقد رأت الكنيسة النأيَ بنفسها عن برلسكوني بعد أن توالتْ مغامراته الجنسية، وفضائحه مع فتيات صغيرات، ليس ذلك فحسب بل انخرطت في مهاجمته، وهو ما دفع برلسكوني للردّ بالمثل، فأطلق العنان لإمبراطوريته الإعلامية لمهاجمة الكنيسة ورموزها، معتبرًا الاتهامات التي وجِّهت له بأنها "شائعاتٌ وظِّف فيها الخيال والتلفيق بشكلٍ مزوَّر بعيد عن الحقيقة" لكنه عاد واعترف بشكلٍ ساخر قائلًا: "ماذا نفعل؟! نحن نحب النساء، ولسنا شواذًّا جنسيًّا" في إشارة لفضائح الكنيسة. وكتبت صحيفة "جورنالي" التي يملكها برلسكوني مقالًا اتهمت فيه رئيس تحرير صحيفة "أفينري" التي يصدرها مجلس الأساقفة بالشذوذ الجنسي، وأنه من أنصار المثلية الجنسية، وكانت صحيفة "أفنيري" قد انتقدت برلسكوني وشنَّعَت على علاقاته النسائية، ونشرت بالصور والفيديو لقطات من حياته الماجنة، وقال برلسكوني (73 سنة) وهو يلحن على الكنيسة: "ماذا نفعل؟! نحب النساء، ولسنا شواذًّا جنسيًّا" في إشارة إلى فضائح الكنائس مع الأطفال تحت أستار الكنائس، أو (جسد المسيح) حسب تخرُّصهم، وفقًا لبولس، وقال برلسكوني: "الإيطاليون يحبونني كما أنا!". التحالف والصراع داخل الكنيسة، والصراع بينها وبين الجهات السياسية، وصل إلى ألمانيا، حيث هاجمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بابا الفاتيكان شخصيًّا بسبب إنكار أحد المحسوبين عليه، ريتشارد وليامسون لما يُعرف بالمحرقَة، وانتقدتْ بشدة موقف الفاتيكان من الزواج، مما جعل منسوبيه يميلون للمثلية الجنسية والاعتداء على الأطفال داخل الكنائس، وطالب رئيس أساقفة كولونيا الكاردينال "يواخيم مايسنر" المستشارة الألمانية بالاعتذار من بابا الفاتيكان. الحرب ضد الإسلام الحربُ السياسية التي تخوضها الكنيسة، وجِّه معظمُها لصد تقدم الإسلام، بل لتعطيل أحكامه، ومن ذلك الوثيقة التحضيرية للمؤتمر الكنسي العام لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، والذي سيُعقد في أكتوبر القادم، والذي يسمح للكنيسة بالتدخل في الشئون الداخلية للمنطقة الإسلامية، والبحث لها عن دورٍ من خلال محاولة الهيمنة على نصارى الشرق، في حين تبدي انزعاجَها من خلط المسلمين الدين بالسياسة على حد تعبير الوثيقة، وكان أحد مستشاري بابا الفاتيكان، والذي يترأس المجلس البابويّ لحوار الأديان، قد طالب المسلمين بإلغاء الجهاد! ونقلت صحيفة، الجارديان، البريطانية عن توران قوله: "بينما يدين أغلب علماء الإسلام الأعمال الإرهابية، فإنهم في حاجة ليتخذوا موقفًا أكثر وضوحًا بشأن الجهاد الذي تكرَّر ذكره كثيرًا في القرآن الكريم، وهو ما يعني أن يتخلى المسلمون عن الدفاع عن أنفسهم في وجه الغزو! إن الجهاد أوسع من كلمة القتال، فمنه جهاد النفس ومنعها عن الظلم والسقوط في الرذيلة، وهو ما تحتاجه كنيسته بداهة!!