طقس الأحد: أجواء باردة ونزول أمطار متفرقة في عدد من المناطق    المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بطنجة ينظم أول إفطار رمضاني لتعزيز الروابط بين القضاة    طنجة: جمعية السعادة توزع "قفة الصائم" لفائدة 300 أسرة معوزة في دورتها ال15    مستثمرة مغربية بأميركا تواجه احتيالًا صادمًا في مشروع مطعم بطنجة    إسرائيل تغتال القيادي صلاح البردويل    سطاتيون يدينون العدوان الصهيوني    من "الأبارتهايد" إلى الإبادة.. "أمنستي المغرب" تناقش حقوق الإنسان بفلسطين    البواري يتفقّد تقدم الموسم الفلاحي    أدوار "نظرية اللعبة" في تحليل الصراعات الدولية وتصرفات صناع القرار    أطفال يتنافسون بالقرآن في خريبكة    هدمٌ ليلي لبنايات قديمة بالمحمدية    "الميثادون" يعود إلى مراكز الإدمان    البطيوي أمينًا عامًّا لمنتدى أصيلة    الناخب الوطني يستدعي يوسف بلعمري لمواجهة تنزانيا لتصفيات مونديال 2026    ماذا استفاد الوداد من اعتراف بلقشور … ؟    ميناء طنجة المتوسط.. توقيف مواطن سويدي من أصول جنوب أمريكية موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية السويدية (مصدر أمني)    ميناء طنجة المتوسط.. توقيف سويدي من أصول جنوب أمريكية مطلوب دوليًا لتورطه في تهريب الكوكايين    بعد احتجاجات بطنجة وتطوان.. وزارة الصحة تعلن استئناف توزيع دواء الميتادون بالمراكز الصحية    نتائج مثيرة في الدورة 18 من القسم الثاني هواة شطر الصحراء    فريق موظفو السجن المحلي آيت ملول 1 يواصل تألقه وطنياً بإنجازات رياضية    دراجات نارية .. الرباط تحتضن الدورة الثانية من استعراض الأصدقاء    محاولات فرنسا لاحتكار سوق زيت الأركان: مغاربة يدافعون عن حقهم في ثرواتهم الطبيعية    بعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.. تقرير يدعو إلى إنهاء مهمة بعثة "المينورسو"    تصريحات تبون.. وعود وهمية في سوق الخبز والحليب والمزايدات الفلاحية    أكثر من 90 ألف متظاهر في فرنسا ضد العنصرية يرفعون شعارات داعمة لغزة    اليمين المتطرف في إسبانيا يعارض الاتفاق المغربي-الإسباني لتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية في مدارس الأندلس    'دمليج زهيرو' وتمغربيت في أبهى حللها    نشرة إنذارية.. ثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    انتخاب حاتم البطيوي أمينا عاما لمؤسسة منتدى أصيلة خلفا للراحل محمد بنعيسى    تحسين الوضع المالي لمهنيي الصحة    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    الولايات المتحدة.. إنهاء الوضع القانوني لأزيد من 500 ألف مهاجر من أمريكا اللاتينية    الركراكي يستدعي يوسف بلعمري لمواجهة تنزانيا    انطلاقة إحداث مصلحة جديدة لحوادث السير بصفرو وإعلان عن تعيينات في مناصب المسؤولية بمدن تازة وأكادير والداخلة وسلا وتطوان    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء إيجابي    معطيات أمريكية تكشف استيراد المغرب 7 ملايين طن من القمح    منتخب السكتيوي يجري مباراتين وديتين    غانا تدعم المغرب في مجال الفلاحة    وفاة أسطورة الملاكمة جورج فورمان عن 76 سنة    شراكة تعزّز الوعي بصحة الفم بالمغرب    اليماني يدعو أخنوش لتغليب المصلحة العامة للمغرب واستئناف أنشطة التكرير في مصفاة "سامير"    السّياحة في أكادير تُحافظ على وتيرتها التصاعدية والسُّياح البريطانيون في المقدمة    "مغربيات ضد التطبيع" تدين تخاذل وتواطؤ الدول العربية وتدعو للضغط على الحكومات    المغرب يتقهقر للمركز 89 في "مؤشر السعادة" العالمي    مبعوث ترامب: الأوضاغ في غزة قد تؤدي إلى انهيار الأنظمة في مصر والأردن والسعودية (فيديو)    انطلاق فعاليات "زهرية مراكش"    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر لهذه السنة    المجلس العلمي الأعلى يحدد قيمة زكاة الفطر لعام 1446 ه في المغرب    رحيل مخرج "وادي الذئاب" "دموع الورد".. نهاية أسطورة الدراما التركية    تنظيم منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام بسيدي إفني    أبحاث جديدة تفسر سبب صعوبة تذكر الذكريات الأولى للأطفال    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    الصيام بين الفوائد الصحية والمخاطر    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    من أجل فلسفة جذرية    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البابا يعترف بالخطأ والرجوع إلى الحق
نشر في المساء يوم 01 - 05 - 2008

إن الكنيسة الكاثوليكية هي أقدم «مؤسسة» دينية في العالم، رغم أن هناك ديانات أقدم مثل اليهودية، وديانات روحية وإنسانية أخرى. ولكننا نعني قدمها كمؤسسة، مثلها مثل الدولة والحكومة والجامعة والجيش والشركة، ومن حيث إن لها هيكلا تنظيميا، وتسلسلا قياديا، وأنظمة ولوائح، وقواعد للانضمام إليها، والترقي في مراتبها والعقاب شطباً وخلعاً وشلحاً وطرداً. وفي قمة هذه المؤسسة العتيدة، يتربع «البابا»، أو الأب الأكبر، على «العرش البابوي»، ويليه تنازلياً، مجموعة من «الكرادلة» (ومفردها كاردينال)، ثم «الأساقفة» (ومفردها أسقف)، ثم القساوسة (ومفردها قسيس)، ثم «الرعاة» (ومفردها راعي)، ثم «الشمامسة» (ومفردها شماس)... وهكذا. ويخضع الانضمام إلى هذه المؤسسة الهرمية لشروط دراسية وسلوكية صارمة. فمن حيث الدراسة، تتضمن المناهج مواد في اللاهوت والتاريخ واللغات السامية القديمة التي دونت بها التوراة (العهد القديم) والإنجيل (العهد الجديد)، فضلاً عن اللاتينية، التي هي لغة الكنيسة الأم، وهي الكاثوليكية الرومانية.
وتقوم «المؤسسة الكنسية» هذه برعاية وهداية أتباعها، أي أبنائها من المؤمنين بالمسيح عليه السلام وبالرسل والقديسين، كما تحددهم الكنيسة في روما، أي الفاتيكان الذي يجلس على عرشه البابا، والذي هو دولة مستقلة ذات سيادة، تصل مساحتها إلى حوالي عشرة كيلومترات مربعة، ووسط مدينة روما، التي هي نفسها عاصمة إيطاليا. ولدولة الفاتيكان هذه حرسها الخاص، وسفراؤها لدى دول العالم. كما أن هذه الأخيرة تبعث سفراء خاصين إلى دولة الفاتيكان. ومن ذلك أن معظم دول العالم يكون لها سفيران في روما، أحدهما للدولة الإيطالية، والثاني لدولة الفاتيكان. وتحكم العلاقة بين دولة الفاتيكان (وهي الأقدم) والدولة الإيطالية (وهي الأحدث) معاهدات مفصلة، بسبب الطبيعة الخاصة لدولة الفاتيكان، التي لها سيادة ولكن ليس لها مواطنون، ولا قوات مسلحة ولا أجهزة أمنية أو خدمية. وواقع الأمر أن دولة الفاتيكان تعتمد على الدولة الإيطالية في كل شيء دنيوي، تقريباً، وهذا في مقابل الكسب المعنوي والأدبي والروحي والسياحي، الذي يحققه احتضان الدولة الإيطالية لدولة الفاتيكان. وضمن شروط هذه العلاقة الفريدة من نوعها، هو عدم تدخل الفاتيكان في شؤون الدولة الإيطالية.
ولم يكن هذا الفصل التام والصارم قائماً إلا في القرون الأربعة الأخيرة، التي بدأت
ب «الإصلاح الديني»، و«عصر النهضة»، ثم «عصر التنوير» وميلاد الدولة القومية الحديثة. فمنذ القرن الثاني الميلادي، وتحديداً بعد أن ثبتت الإمبراطورية الرومانية المسيحية كدين رسمي لها، إلى القرن السادس عشر كانت الكنيسة الكاثوليكية هي المؤسسة الأقوى، وهي التي تضفي الشرعية على الأباطرة والملوك في كل البلدان التي وجدت لها أغلبية مسيحية كاثوليكية. كما كانت تلك الكنيسة تملك أراض ومناجم ومحاجر ومتاجر ومصانع وعقارات، وتجمع الأموال وتبيع «صكوك الغفران» لأتباعها من الكاثوليك المؤمنين. وكان هذا النفوذ الكنسي المطلق على شؤون الدين والدنيا مدعاة لتسرب الفساد في جسم الكنيسة ورجالها، فسادت بينهم الأطماع المادية، ثم الممارسات الجنسية المحظورة على رجال الكنيسة، الذين كانوا قد أخذوا عهد الرهبنة (أي عدم الزواج أو النكاح).
وانفجرت ثورة داخل الكنيسة، قادها أحد الرهبان الشباب عام 1517، وهو مارتن لوثر، وعُرفت ثورته هذه «بالحركة الاحتجاجية»، أو «البروتستانتية» ، والتي طالبت بالإصلاح الشامل لشؤون الكنيسة، لاهوتاً وعبادات وممارسات، كما طالبت الحركة بإلغاء صكوك الغفران، وإباحة زواج القساوسة منعاً للممارسات الجنسية الشاذة من وراء ستار. وانشقت الكنيسة الكاثوليكية، حيث رفض الفاتيكان مطالب الإصلاح، وطرد المحتجين، ثم طاردهم في كل أوروبا، وهو ما أدى إلى حروب دينية طاحنة، بين المسيحيين أنفسهم، تضاءلت بالنسبة إليها الحروب الصليبية قبل أربعة قرون. وانقسم ملوك وأمراء أوروبا أيضاً، حيث انتصر بعضهم لبابا الفاتيكان، وانتصر آخرون لمارتن لوثر وحركته الاحتجاجية. ودامت هذه الحروب مائة وخمسين عاماً تقريباً. وظهر مذهب ديني جديد هو المذهب البروتستانتي، ونشأت له كنيسة، ثم كنائس بروتستانتية متعددة. وكان هذا هو الانشقاق الثالث الكبير في العالم المسيحي، بعد انشقاق كنيستي القسطنطينية (الأرثوذكسية) والإسكندرية (القبطية)، وهو ما كان قد حدث في القرن الأول الميلادي.
المهم لموضوعنا، أن الكنيسة الكاثوليكية كانت الأقوى والأكثر بين الكنائس الثلاث طوال أربعة عشر قرناً، ثم حينما وقعت الثورة البروتستانتية، أصبحت هناك كنيسة رابعة هي الكنيسة البروتستانتية، التي استحوذت على نصف مسيحيي أوروبا (ألمانيا وبريطانيا واسكندنافيا) الحالية، ولكن لأن هذه الأخيرة كانت منذ بدايتها ضد أن يكون لها «بابا» أو «رأس» ذو قداسة، فقد تفرعت إلى عدة كنائس، وتحرر أعضاء كل منها من الخضوع لسلطة روحية مقدسة واحدة، تتوسط بين الفرد وبين ربه (الله سبحانه وتعالى)، كما تخلى رجال هذه الكنائس البروتستانتية عن «الرهبنة»، فأصبحوا يتزوجون، وينكحون، وينجبون، وبالتالي اختفت أو تقلصت الانحرافات الجنسية بين القساوسة، وبينهم وبين من يرعونهم من أتباعها.
ولكن الكنيسة الكاثوليكية الأم ظلت على حالها تقريباً، رغم الثورة الإصلاحية لمارتن لوثر. ومن لم يكن يعجبه ممارساتها أصبح في إمكانه مغادرتها والانضمام إلى إحدى الكنائس البروتستانتية الأخرى. ومع بقاء الكنيسة الكاثوليكية على حالها، ظلت نفس المشكلات، التي كان مارتن لوثر قد ثار بسببها عام 1517، قائمة تحت السطح. ولكن في السنوات العشر الأخيرة بدأت هذه المشكلات تطفو فوق السطح، مرة أخرى، ثم تنفجر كألغام مائية. وقد حدث ذلك بشكل خاص بين الكاثوليك الأمريكيين، حيث باح علناً من تعرض منهم أو منهن لاعتداءات أو تحرشات جنسية بواسطة القساوسة، وقوبل ذلك في البداية بالتجاهل أو الإنكار، ثم إلى تحقيقات كنسية داخلية، ثم في النهاية إلى محاكمات علنية، أدانت وعاقبت مرتكبي هذه الانتهاكات من القساوسة بعقوبات صارمة، وغرامات مالية فادحة، أدتها الكنيسة الأم.
ولكن الأضرار الأدبية والمعنوية التي ترتبت على هذه الفضائح، في عصر العولمة والفضائيات وثورة المعلومات، هددت الكنيسة الكاثوليكية بمزيد من الشروخ والانشقاقات، التي لا تقل عن تلك التي حدثت قبل خمسة قرون. وقد تزامن انفجار هذه الفضائح مع تولي بابا جديد، هو «بنيديكث السادس عشر» للعرش الرسولي في الفاتيكان. وهذا البابا، هو من أصل ألماني، وجاء خلفاً للبابا «جون بول»، ذي الشعبية العالمية الواسعة. وشاء حظ البابا الجديد أن تتزامن بداية عهده أيضاً بمشكلات مع المسلمين، بسبب الرسوم الدانمركية المسيئة لرسولهم الكريم (ص)، ثم الفيلم الهولندي المسيء للإسلام، بل إن البابا الجديد نفسه بدأ ولايته بمحاضرة ألقاها في إحدى الجامعات الألمانية عن العلاقة بين الدين (الروحاني) والعلم (العقلاني)، وجاء فيها فقرة تساءل البابا فيها عن البدايات العنيفة (الغزوات والحروب) للإسلام، وهو ما فُهم وقتها على أنه هجوم على الإسلام، بربطه بالعنف، واحتج كثير من المسلمين في أوروبا وخارجها على ذلك.
ولكن يُحمد للبابا بنيديكث السادس عشر سُ رعة اعترافه بالخطأ وفضيلة الرجوع إلى الحق، ويُعتبر هذا ثورة في حد ذاته. فالبابا يتمتع تقليدياً بقدسية تعصمه عن الخطأ، في نظر أتباعه من الكاثوليك، الذين يصل عددهم إلى أكثر من مليار نسمة، ومن ذلك اعتذاره للمسلمين عما اعتبروه هم إساءة لهم ولنبيهم الكريم.
كذلك يُحمد لهذا البابا مبادرته بزيارة للولايات المتحدة، منذ أيام كان غرضها الأول اللقاء بضحايا الانتهاكات الجنسية، وتهدئة خواطرهم، والصلاة بهم، وطلب صفحهم عمن أساءوا لهم في رحاب الكنيسة. أي أن هذا البابا، الذي جاء إلى العرش الرسولي بسمعة محافظة متزمتة، قد فاجأ أتباعه والعالم بالاستعداد لفتح الملفات المنسية أو المسكوت عنها بشجاعة أدبية نادرة بين أسلافه من الباباوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.