الجماعات اليهودية المسيحية في أوروبا وامريكا: 1- الالفيون 2- شهود يهوه (تنظيم دولي محكم ونشاط دائب). 3- حركات العهد الجديد عام 2000 وبرج الدلو. لقد أدى الفساد الذي كانت تمر به الكنيسة الكاثوليكية الاوربية في روما في القرن السادس عشر الميلادي إلى تهيئة الأوضاع المناسبة لقيام حركة دينية احتجاجية، أطلقها أحد القساوسة الألمان في عام 1517م ويدعى (مارتن لوثر)، الذي اعلن انفصاله عن روما والفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية وأسس مذهبا جديدا اطلق عليه المذهب البروتستاني، ففي 31 أكتوبر سنة 1517 علق لوثر احتجاجاً صارخاً على باب كنيسة مدينة فيتنبرج، وقد ضم هذا الاحتجاج 95 اعتراضاً على كنيسة روما، ورفضها واستنكرها تماماً، وأدان صكوك الغفران، وأرسل مارتن لوثر صورة من هذا الاحتجاج إلى كبير أساقفة مدينة ماينس، وتناقل الناس هذه الاحتجاجات في كل مكان. واتسع نطاق احتجاج لوثر على كنيسة روما، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك فاحتج على سلطان البابا نفسه وعلى المجتمع البابوي، ورأى أن كل إنسان يجب ألا يخضع إلا لسلطان الكتاب المقدس وحده، ولم تسترح السلطو الكنسية إلى هذه الثورة واستدعته واستمعت إليه وأدانته وأتهمته بالإلحاد وحرمت مؤلفاته. حيث كان لوثر قد ألف كثيراً ونشر ذلك على أوسع مجال، ومن أهم أعماله كلها ترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية، وقد أدى ذلك إلى أن أصبح من السهل على أي إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس دون أن يعتمد على كهنة الكنيسة، ومن احتجاجات لوثر انه أنكر أن يكون القسيس أعزب مدى الحياة، ولذلك تزوج في سنة 1525 من راهبة وأنجبا ستة أطفال، ولم يكن مارتن لوثر أول من احتج على الكنيسة الرومانية، فقد سبقه إلى ذلك رجل أخر هو (يان هوس) في ولاية بوهيميا، وكذلك سبقه الباحث الإنجليزي (جون وايكليف) في القرن الرابع عشر وايضا العالم الفرنسي (بيير فالدو) في القرن الثاني، ولكن أثر هؤلاء المحتجين كان محليا. لقد كانت تلك الرسائل إعلاناً تاريخياً عن بدء الحركة الإصلاحية البروتستانتية التي أحدثت انشطاراً في الكنيسة الكاثوليكية التي يتزعمها بابا الفاتيكان في روما. وفي سنة 1520م أرسل مارتن لوثر خطاباً حاداً إلى البابا (ليو العاشر) جاء فيه : (إنك ترعى ما يسمى بهيئة الكهنوت الرومانية التي لا تستطيع أنت ولا غيرك أن تنكر أنها أشد فساداً من بابل وسدوم، وقد أظهرتُ احتقاري، وانتابني الغضب لأن الشعب المسيحي يخدع تحت ستار اسمك، واسم الكنيسة المسيحية، لهذا قاومت، وسأظل أقاوم ما وجد فيّ عرق ينبض بروح الإيمان. وفي عام 1523م أصدر مارتن لوثر كتاباً بعنوان (عيسى ولد يهودياً) قال فيه ((... إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم، إن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات مائدة أسيادها...))، كذلك دعا مارتن لوثر إلى تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على تعقيدات الطقوس الكاثوليكية، كما دعا إلى دراسة العبرية على أنها (كلام الله في الناس) ثم قام بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية. أما احتجاجه على الكنيسة فقد نما بالتدريج، ففي سنة 1510 سافر إلى روما، وصدمه ما رأى عليه أحوال رجال الدين، ولكن الذي صدمه أكثر هو تلك التجارة التي انشغلت بها الكنيسة، تجارة صكوك الغفران، فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تبيع الجنة للمؤمنين، فالكنيسة هي التي تبيع العفو عن الخطايا، وهي التي تقدر سلفاً فترات العذاب التي يقضيها المذنبون في النار، أو مدد النعيم في الجنة. كل ما سبق دفع الكنيسة الكاثوليكية إلى إصدار قرار الحرمان ضد مارتن لوثر، متهمة إياه أنه من اليهود الذين تنصروا من أجل هدم الكنيسة هذا وقد أثبتت الأيام تحالف (مارتن لوثر) مع اليهود حيث نشرت مجلة (كاثوليك جازيت) في عام 1936م وثيقة يهودية مهمة تبين دور اليهود في نشأة المذهب البروتستانتي، ومما جاء في تلك الوثيقة ((... والآن دعونا نوضح لكم كيف مضينا في سبيل الإسراع بقصم الكنيسة الكاثوليكية، فاستطعنا التسرب إلى دخائلها الخصوصية، وأغوينا البعض من رعيتها و قساوستها ليكونوا رواداً في حركتنا، ويعلمون من أجلنا.. أمرنا عدداً من أبنائنا بالدخول في جسم الكاثوليكية، مع تعليمات صريحة بوجوب العمل الدقيق، والكفيل بتخريب الكنيسة من قلبها، عن طريق اختلاق فضائح داخلية، ونكون بذلك قد عملنا بنصيحة أمير اليهود، الذي أوصانا بحكمة بالغة، دعوا بعض أبنائكم يكونون كهنة ورعاة أبرشيات من أماكن العبادة عند النصارى، فيهدمون كنائسهم، ومع الأسف الشديد، لم يبرهن جميع اليهود من أبناء العهد عن إخلاصهم للمهمة الموكلة إليهم، فخان كثيرون العهد، لكن الآخرين حافظوا على عهدهم، ونفذوا مهماتهم بشرف وأمانة. نحن أباء جميع الثورات التي قامت في العالم... ونستطيع التصريح اليوم بأننا نحن الذين خلقنا حركة الإحتجاج الديني للمسيحية. فكالفن الذي هو أحد القساوسة الذين أدوا دوراً مشابهاً لدور مارتن لوثر، كان واحداً من أولادنا، يهودي الأصل، أمر بحمل الأمانة، بتشجيع المسؤولين اليهود، ودعم المال اليهودي، فنفذ مخطط الإحتجاج الديني، كما أذعن (مارتن لوثر) لإيحاءات أصدقائه اليهود، وهنا أيضاً نجح برنامجه ضد الكنيسة الكاثوليكية، بإدارة المسؤولين اليهود وتمويلهم. ونحن نشكر البروتستانت على إخلاصهم لرغباتنا، برغم أن معظهم، وهم يخلصون الإيمان لدينهم، لا يعون مدى إخلاصهم لنا. إننا جد ممتنون للعون القيم الذي قدموه لنا في حربنا ضد معاقل المدنية والمسيحية، استعداداً لبلوغ مواقع السيطرة الكاملة في العالم...)). وفي عام 1544م نشر (مارتن لوثر) أفكاره الصهيونية عن عودة اليهود إلى فلسطين بحجة التخلص منهم، حيث ذكر في كتابه (اليهود وأكاذيبهم) ما نصه ((... من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى يهودا، لا أحد... إننا سنزودهم بكل ما يحتاجون لرحيلهم النهائي، لا لشيء إلا لنتخلص منهم، إنهم عبء ثقيل علينا...)) وهذا النص يعد على درجة من الخطورة لأنها المرة الأولى التي يدعو فيها قسيس مسيحي إلى عودة اليهود إلى فلسطين بجهد وتدخل من البشر، وعدم ترك ذلك إلى قدر الله، وهو ما كان يؤمن به اليهود، حيث كانوا ينظرون إلى النبوءة المزعومة الواردة في سفر التكوين من توراتهم المحرفة والمتعلقة بزعمهم أن الله سبحانه وتعالى قد خاطب إبراهيم عليه السلام ووعده أنه سيعطي فلسطين لنسله، كانوا ينظرون إلى أن تحقيق تلك النبوءة متروك لقدر الله، وليس للبشر حق في التدخل لتحقيق هذه النبوءة. وبذلك يكون (مارتن لوثر) أول من أطلق شرارة الصهيونية المسيحية والتي يعد ظهورها سابقاً على ظهور الصهيونية اليهودية بعدة قرون. ولد لوثرسنة 1483، وقد درس في الجامعة، وبتشجيع من والده درس القانون ثم حصل على الدكتوراة في اللاهوت أي في الشريعة المسيحية من جامعة فيتنبرج ثم عمل مدرساً بها، وتوفي لوثر في سنة 1546 أثناء زيارة لمدينة ايسلين الالمانية التي ولد فيها. وكلمة بروتستانتي في اللغات الأوروبية تعني الاحتجاج والمعارضة. وقد دعي بذلك لأن أتباع هذا المذهب احتجوا على بابا روما وعارضوه في أشياء عقائدية كثيرة. كرد فعل على الكنيسة الكاثوليكية التي تجاوزت الحدود في الفساد الأخلاقي والخروج على الإنجيل ومبادئ الدين المسيحي. وقد وصل الأمر بالبابا وكبار رجال الدين آنذاك إلى حد المتاجرة بالدين من أجل كسب المال بأي شكل. ومعلوم أن مارتن لوثر احتج بقوة على هذا الانحراف وبخاصة عندما أمر البابا ببيع صكوك الغفران من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المال من الشعب الألماني وبقية الشعوب المسيحية الأوروبية. وبما أن الشعب آنذاك كان فقيرا جاهلا ويخاف على آخرته ويطيع رجال الدين بشكل أعمى فإنه كان يشتري صكوك الغفران هذه لكي يحظى بالجنة ولا تذهب روحه إلى النار. وعندئذ ظهر مارتن لوثر وقال لهم: هذا كله كذب وافتراء الدين لا يشترى بالفلوس أو الجنة ليست لمن يدفع أكثر لبابا روما وبطانته الذين لا يشبعون من المال. الجنة هي للمؤمنين الحقيقيين الذين يخشون الله ويعملون صالحا ويرأفون بالفقراء ولا يبتزونهم ويسرقون اموالهم. وبالتالي فكل صكوك الغفران هذه لا تفيدكم شيئا فلا تشتروها إذن. وعندئذ غضب البابا غضبا شديدا على لوثر وكفّره وأخرجه من أمة المسيحيين. فكان أن رد عليه لوثر بالصاع صاعين وحرق فتاواه على مشهد من الناس، وقال لوثر للجميع((... إن بابا روما بشر مثلكم وليس معصوما أبدا. هذه كذبة كبرى لا تنطلي إلا على الفقراء والأميين. وعندئذ حاول البابا قتله ولكنه لم يستطع لأن الأمة الألمانية اجتمعت حول لوثر وحمته. وبدءا من تلك اللحظة ظهر الإصلاح الديني في أوروبا وتشكلت البروتستانتية التي أصبحت المنافس الأكبر للمذهب الكاثوليكي في أوروبا....)). المذهب البروتستانتي يشكل المذهب الغالب في الولاياتالمتحدة، من هنا زادت أهمية المذهب البروتستانتي على المذهب العالمي ولكن المذهب البروتستانتي انقسم هو نفسه إلى عدة تيارات فهناك أولا التيار اللوثري الذي يضم الآن خمسة وخمسين مليون شخص ومعظم أتباعه موجودون في ألمانيا وشمال أوروبا كالسويد والنرويج والدنمارك. يليه من حيث القوة تيار الفرنسي كالفن المؤسس الثاني للإصلاح الديني في أوروبا بعد لوثر وتعتبر مدينة جنيف العاصمة الرئيسية لكالفن وتياره. ويبلغ عدد أتباع هذا المذهب في العالم كله خمسين مليون شخص، وهم منتشرون في ألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وبلاد أخرى عديدة. وهناك أيضا التيار الإنجيلي بالمعنى الواسع للكلمة، وهو منتشر جدا في الولاياتالمتحدة وأميركا الشمالية. ويقدر عدد أعضائه بمئتي مليون نسمة. ثم هناك المذهب الانغليكاني السائد في انجلترا، ويبلغ عدد أعضائه سبعين مليون نسمة. ولكن هذا العدد مبالغ فيه. فالواقع أن عدد البروتستانتيين في العالم كله لا يتجاوز الخمسمئة مليون نسمة. وهذا يعني أن التصنيف السابق لا يمثل العدد الحقيقي وإنما يخلط بين عدة تيارات دفعة واحدة. ولهذا السبب تضخم العدد. مهما يكن من أمر فإن خمسمئة مليون نسمة ليس بالعدد القليل. خاصة أن البروتستانتيين موجودون في دول صناعية غنية، متقدمة جدا عموما. إنهم موجودون في الولاياتالمتحدة، وكندا، وأستراليا، وانجلترا، وألمانيا، والبلدان الاسكندنافية، وايرلندا، وهولندا، والشيء الأساسي الذي يميز البروتستانتيين عن الكاثوليكيين هو أنه لا يوجد فوق رأسهم بابا ولا فاتيكان ولا سلطة عليا إلا سلطة الكتاب المقدس أي الإنجيل. يضاف إلى ذلك أن رجال الدين عند البروتستانتيين يتزوجون وينجبون الأطفال على عكس ما هو حاصل عند الكاثوليكيين حيث يمنع الزواج منعا باتا. يضاف إلى ذلك أن البروتستانتيين يؤمنون بالقضاء والقدر وأن الله هو الذي يختار عباده الصالحين الذين سينجيهم في الدار الآخرة، وبالتالي فالأعمال الإنسانية ليست هي الأساس، إنها تجيء بعد الإيمان. أما الكاثوليك فيعتقدون بأن أعمال الإنسان هي التي تحسم مصيره في الدار الآخرة. فإذا عمل صالحا دخل الجنة وإذا عمل الشر دخل النار. وهذا يعني أن الإنسان مسؤول عن أعماله حقا أو باطلا. وهنا تبدو عقلانية المذهب الكاثوليكي بالقياس إلى المذهب البروتستانتي. فالأول يؤمن بأن الإنسان حر في حين أن الثاني يعتقد أن إرادة الإنسان لا تغير في الأمر شيئا. وتعود أصولية البروتستانتيين إلى كونهم يتمسكون بالكتاب المقدس بشكل حرفي ويرفضون تأويله على الطريقة المجازية. فإذا قال بأن الأرض مسطحة فإنهم يعتقدون أنها مسطحة، وإذا قال بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض فإنهم يتمسكون بحرفية النص ويرفضون نظرية كوبرنيكوس وغاليليو. ولكن هناك تيار ليبرالي عريض في البروتستانتية، وهو يفسر الكتاب المقدس بشكل مجازي لا حرفي ويحاول إقامة المصالحة بينه وبين العلم الحديث عن طريق التأويل التاريخي والعقلاني للنص. ومن الآثار البالغة للاحتجاج الذي قام به لوثر نشوب الحروب الدينية في أوروبا بعد ذلك. من بين هذه الحروب : حرب الثلاثين عاماً في ألمانيا التي استغرقت من سنة 1618 حتى سنة 1648، وكانت هذه الحروب جميعاً دموية صارخة، وكذلك الصراعات السياسية بين الكاثوليك والبروتستانت لعبت دوراً خطيراً في تشكيل السياسة الأوروبية طوال القرون التالية، كما ان البروتستانتية نفسها لم تكن متسامحة، فقد أدى التعصب لها إلى حروب دموية في ألمانيا نفسها بل كانت هذه الحروب أعنف من الحروب التي اشتعلت في بريطانيا. أن هذا الإحتجاج الديني كان له أثر فكري خطير في أوروبا الغربية، فقبل سنة 1517 لم تكن هناك سوى كنيسة واحدة مستقرة راسخة هي الكنيسة الكاثوليكية. وكان خلاف معها يوصف بأنه نوع من الزندقة والإلحاد ولكن بعد (الإصلاح) الذي تزعمه لوثر، وبعد أن قبلت كثير من الدول حرية التفكير الديني لم يعد هناك خوف من مراجعة كل الأفكار والنظريات القديمة.. أي الانطلاق في كل المجالات. أما في إنكلترا فإن رياح التغيير ضد الكنيسة الكاثوليكية كانت قد بدأت في القرن الرابع عشر الميلادي على يد (جون ويكلف) أستاذ علم الأديان في جامعة أكسفورد حيث قال ((... إن الشعب الإنكليزي أحق من البابا ومن فرنسا بأمواله، إن البابوية تستغل ثروات شعبنا وتقدمها إلى فرنسا لتحاربنا بأموال الكنيسة، تحت إشراف المارقين من رجالها...))، ولقد أدى تململ الشعب الإنكليزي من الكنيسة الكاثوليكية إلى تهيئة الأجواء أمام رياح التغيير البروتستانتية، لذلك فقد قام الملك الإنجليزي (هنري الثامن) في القرن السادس عشر الميلادي بعدة خطوات نتج عنها انفصال الكنيسة الإنكليزية عن التبعية للكنيسة الكاثوليكية، وبالتالي انتقال الكنيسة الإنكليزية من المذهب الكاثوليكي إلى المذهب البروتستانتي وهو ما عُبر عنه بقانون السيادة الذي صدر في عام 1534م والذي ينص على أن الملك هو الرئيس الأعلى للكنيسة، وأن الولاء هو للملك في سلطتيه الدنيوية والدينية وبمرور الوقت تمكن ساسة انكلترا من نشر المذهب البروتستاني بالقوة في كل من اسكتلندا، والجزء الشمالي من إيرلندا، وبذلك أصبحت بريطانيا المكونة من إنكلترا، واسكتلندا، وشمال إيرلندا أقوى دولة بروتستانتية في غرب أوربا. على أية حال، فقد أدى انتقال بريطانيا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية إلى تقديس التوراة، وبالتالي الإيمان المطلق بكل ما فيها، وفي ذلك تقول المؤرخة اليهودية (بربارا توقمان) في كتابها الكتاب المقدس والسيف ((... إن ملك إنكلترا حينما أمر في عام 1538م بترجمة التوراة إلى اللغة الإنجليزية، ونشرها وإتاحتها للقراءة من قبل العامة، كان بذلك يضع اليهودية، تاريخاً وعادات وقوانين، لتكون جزءاً من الثقافة الإنكليزية، ولتصبح ذات تأثير هائل على هذه الثقافة على مدى القرون الثلاثة التالية، وصار يطلق على التوراة المترجمة، التوراة الوطنية لانكلترا، والتي أصبح لها من التأثير في روح الحياة الإنكليزية أكثر من أي كتاب آخر، وذلك ما جعل قصص التاريخ اليهودي المادة الرئيسية في الثقافة الإنكليزية، والمعرفة التاريخية للإنكليز...)) وبالفعل فقد أدى ذلك الغزو الفكري التوراتي الجارف للبروتستانتية إلى قيام فكر صهيوني يعد امتداداً لفكر (مارتن لوثر) الذي فسر نبوءة عودة اليهود إلى فلسطين عودة حقيقة مادية، وليست عودة مجازية معنوية كما كان يردد الكاثوليك. ومن ذلك ما كان في عام 1649م حين رفع اثنان من علماء الأديان الإنكليز خطاباً إلى حكومتهم جاء فيه ((... ليكن شعب إنكلترا أول من يحمل أبناء إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، لتكون إرثهم الأبدي...)). كذلك قام العالم الصهيوني إسحاق نيوتن بوضع جدول زمني للأحداث التي سوف تؤدي إلى عودة اليهود إلى فلسطين انطلاقاً من نبوءات العهد القديم كما توالت صيحات العلماء والأدباء والشعراء الذين اعتنقوا الصهيونية المسيحية بعد حركة الإصلاح الديني من أجل تدخل الحكومة البريطانية لإعادة اليهود إلى فلسطين، غير أن تلك الصيحات لم يتسن للساسة البريطانيين العمل على تطبيقها إلا في القرن التاسع عشر الميلادي، عندما بدأ الضعف يدب في أنحاء الدولة العثمانية، حيث تمكنت بريطانيا في عام 1838م من إنشاء أول قنصلية بريطانية في القدس لتكون بذلك مقدمة للهيمنة البريطانية على فلسطين، وفي السنة نفسها دعا وزير البحرية البريطانية الدول البروتستانتية في شمال أوربا وأمريكا إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسي قورش الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين. ولعل أخطر ما حصل في القرن التاسع عشر الميلادي هو إشراف الصهيونية المسيحية البريطانية على ولادة الصهيونية اليهودية، وهو ما تجسد في المؤتمر الصهيوني اليهودي الأول الذي انعقد في بال في سويسرا عام 1897م برئاسة (تيودور هرتزل)، وذلك أن اليهود كانوا يرفضون تدخل البشر في مساعدتهم من أجل استيطان فلسطين، ويتركون ذلك لمشيئة الله، ولكن الضغط المتواصل للصهيونية المسيحية أفلح أخيراً في ولادة الصهيونية اليهودية. تقوم المسيحية اليهودية على تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على الطقوس الكاثوليكية بالإضافة إلى دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كلام الله، ووصلت محاولة استمالة لوثر لليهود من أجل الدخول في مذهبه حدا قال فيه يوما أمام عدد من اليهود الذين كانوا يناقشونه ((... إن البابوات والقسيسين وعلماء الدين ذوي القلوب الفظة تعاملوا مع اليهود بطريقة جعلت كل من يأمل أن يكون مسيحيا مخلصا يتحول إلى يهودي متطرف وأنا لو كنت يهوديا ورأيت كل هؤلاء الحمقى يقودون ويعلمون المسيحية فسأختار على البديهة أن أكون خنزيرا بدلا من أن أكون مسيحيا...)). وتشير الكثير من المصادر التاريخية إلى أن رغبة مارتن لوثر الجامحة في إعادة الاعتبار لليهود وتمسيحهم كانت تعود لإيمانه العميق بضرورة وجودهم في هذا العالم تمهيدا لعودة المسيح واعتبرت دعواته تلك انقلابا على موقف الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تنظر لليهود على أنهم حملة لدم المسيح عيسى بعدما صلبوه، حيث دأبت الكنيسة الكاثوليكية على تحميل اليهود المسؤولية الكاملة عن مقتل المسيح. وكان بعض المسيحيين في أوروبا يحتفلون بمقتل المسيح عن طريق إحياء طقوس عملية الصلب، بل وكان سكان مدينة تولوز الفرنسية يحرصون على إحضار يهودي إلى الكنيسة أثناء الاحتفال ليتم صفعه من قبل أحد النبلاء بشكل علني إحياء لطقس الضرب الذي تعرض له المسيح من قبل اليهود. كما أن هناك نصا في إنجيل متى يحمل اليهود مسؤولية مباشرة عن مقتل المسيح ويذكر بالتفصيل كيف غسل بيلاطس الحاكم الروماني للقدس آنذاك يديه بالماء معلنا براءته من دم المسيح الذي كان اليهود على وشك صلبه قبل أن يصيح فيه اليهود قائلين (ليكن دمه علينا وعلى أولادنا). ومارتن لوثر عمل على تهويد المسيحية عندما أصر على اعتماد التوراة العبرانية بدلا عن كتاب العهد الجديد وقد قام عدد من رجال الدين البروتستانت مثل القس الإنكليزي جون نلسون داربي بإعادة قراءة العقائد المسيحية المتعلقة باليهود، ومنحهم مكانة متميزة حتى أصبحت الكنيسة البروتستانتية هي حاملة لواء الصهيونية المسيحية أينما حلت. وقد حصل انشقاق داخل الكنيسة البروتستانتية نفسها بسبب اليهود فبينما أعرب بعض البروتستانت الإنكليز عن اعتقادهم بأن اليهود سيعتنقون المسيحية قبل أن تقوم دولتهم في فلسطين، ذهب بعض البروتستانت الأميركيين إلى أن اليهود لن يدخلوا في المسيحية حتى لو قامت إسرائيل وأن عودة المسيح هي الشرط النهائي لخلاصهم وتوبتهم ودخولهم في الدين الذي جاء فيهم أصلا، وقد تزعم القس نلسون داربي هذا الفريق وينظر إليه على أنه الأب الروحي للمسيحية الصهيونية قبل أن يعمل العشرات من القساوسة على نشر نظريته تلك. ونشر وليم باكستون الذي كان من أشد المتحمسين الأميركيين لأطروحة داربي كتاب (المسيح آت) سنة 1887 وترجم الكتاب إلى عشرات اللغات وركز فيه على حق اليهود التوراتي في فلسطين. وبلاكستون كان وراء جمع 413 توقيعا من شخصيات مرموقة مسيحية ويهودية طالبت بمنح فلسطين لليهود وتم تسليم عريضة التوقيعات للرئيس الأميركي آنذاك بنيامين هاريسون، أما القس سايروس سكوفيلد فيعتبر من أشد المسيحيين الصهيونيين تشددا وقام بوضع إنجيل سماه (إنجيل سكوفيلد المرجعي) نشره سنة 1917 وينظر إليه اليوم على أنه الحجر الأساس في فكر المسيحية الأصولية المعاصرة. تتباين المراجع التاريخية في تقييم ما قام به مارتن لوثر، فهناك من ينظر إليه على أنه ثائر إصلاحي خلص الكنيسة الكاثوليكية من الكثير من الأساطير اللاهوتية التي أفسدتها، وهناك من يرى أنه أفسد العقيدة المسيحية بمنحه اليهود مكانة رفيعة جعلتهم يستعملون المذهب البروتستانتي لتحقيق أهدافهم الخاصة، غير أن الكثير من المصادر تتجاهل حقيقة عودة مارتن لوثر عن الكثير من مواقفه وآرائه خاصة تلك المتعلقة منها باليهود. وقد كتب مارتن لوثر في آخر أيامه كتاب (اليهود وأكاذيبهم) أعرب فيه عن خيبة أمله من اليهود وأقر بالفشل في استقطابهم لعقيدته الجديدة. كما أقر في شبه استسلام تلقفه اليهود قبل غيرهم بأن دخول اليهود في الدين المسيحي لن يتم إلا عبر عودتهم لأرض فلسطين وعودة المسيح الذي سيسجدون له ويعلنون دخولهم في الدين المسيحي حتى يعم السلام العالم. الجماعات اليهودية المسيحية في أوروبا وامريكا في أوروبا تزيد الجماعات الدينية الطائفية على الثلاثمئة، ويستحيل الإحاطة بهذه الجماعات في كتاب أو مقال مطول، إنما ذلك عمل يصلح لتؤلف حوله موسوعة خاصة يتعاون عليها جماعة من الخبراء والمهتمين. يمكن الاقتصار على أهم الجماعات، لكن ضمن تصنيف ثنائي يقسم الظاهرة المدروسة إلى قسمين كبيرين: الجماعات المنحدرة من الجذع اليهودي المسيحي، والجماعات المستوردة من الشرق الغنوصي الآسيوي. الجماعات الأولى أيضاً يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أقسام: الألفيون، وحركات اليقظة، والمجموعات العلاجية. 1- الالفيون هي جماعات تؤمن بنهاية العالم القائم وبداية عالم جديد يمتد ألف عام تكون هي أسعد الأيام في حياة البشر، وبعدما يأتي يوم القيامة، ولذلك أطلق عليهم لقب الألفيون؛ لقولهم بالألفية السعيدة وهم يجعلون العهد القديم كتابهم المعتمد ويفسرونه تفسيراً حرفياً ظاهرياً، خاصة كتاب القيامة الذي يتنبأ بقدوم المسيح المخلص الذي يملأ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، وليؤسس مملكة عالمية جديدة، ووجدت هذه الأقوال صداها خاصة في زمن كثرت فيه الكوارث البيئية الطبيعية والبيئية التي أحدثها التدخل الإنساني في النظام العام للكرة الأرضية، مثل: كوارث بوبال في الهند، وتشيرنوبيل في الاتحاد السوفييتي، وثقب الأزون، وانقراض حيوانات وكائنات ونباتات، وتلوث مياه، وحروباً تستعمل فيها الأسلحة البيولوجية والنووية المحرمة بالقانون الدولي...، ويصاحب ذلك زلزال اجتماعي انعدم فيه الأمن وكثرت فيه الجرائم والتنظيمات الدولية الخطيرة المتخصصة في القتل والسرقة والمتاجرة في الجنس البشري، وغيرها، وعندما تتعزز هذه المعطيات والوقائع بالاستبداد السياسي والاقتصادي الدولي وتجديد أساليب الهيمنة والاستعمار من لدن الدول الصناعية الكبرى في حق دول العالم الثالث، مع ارتفاع نسب البطالة في العالم، يصبح سهلاً على النفوس أن تتقبل أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأوضاع لن يكون إلا بانقلاب تام وقريب متبوع بتحرير شامل ينجزه مخلص سماوي وإلهي، وهذا ما يفسر النجاح المتزايد -في القارات الخمس- لنبوءة جماعة شهود يهوه التي تعلن حتمية قيام معركة هارمجدون المتبوعة بمملكة ثيوقراطية ليهوه، كما يفسر ذلك توسع بعض الجماعات الألفية قبيل الألفية الثالثة. في القرون الميلادية الوسطى كانت بعض المجموعات الدينية تؤمن بالألفية السعيدة، حيث تطلعت إلى من يخلص الجماهير المسحوقة من لدن كبار الإقطاعيين ويحسن لها وضعيتها، وفي البلدان المستعمرة بالمناطق الأفريقية السوداء غيرت مجموعات دينية لون المسيح المخلص من الأبيض إلى الأسود ليكون مررا لإخوته المقهورين، وفي عصرنا اعتنقت الفكرة مجموعات مقهورة اجتماعيا ونفسياً. واستمدت الجماعات المعنية فكرة الألفية والانقلاب الكوني والسياسي من مقاطع الإنجيل خاصة كتب دانييل وكتاب سفر الرؤيا، وهي الكتب التي تتردد في الأذهان عند كل أزمة كبيرة واضطراب عظيم وسط المسيحيين، ووفرت للمجموعات الدينية الحجج لتحديد تاريخ نهاية العالم وعودة المسيح والقضاء على الأشرار والعيش السعيد مدة ألف عام متواصلة. اليوم تتجسد هذه المجموعات في كنيسة الرب الكونية، و جماعات عشاء الرب، وجماعة ماهيكاري اليابانية، وعدد من المجموعات الإنجيلية الصغيرة والمتطرفة، وهذه الإعلانات تغذي الخيال وتوقظ في كل فرد أسطورة الفردوس المفقود. 2- شهود يهوه (تنظيم دولي محكم ونشاط دائب) هذه جماعة نموذجية للجماعات المنحدرة من الجذع المسيحي اليهودي، وطريقتهم الملحة في الدعوة والانتشار بطرق الأبواب والزيارات المتكررة والمواجهة المباشرة في الطرقات والساحات أصبحت مألوفة معروفة لدى الجميع في الدول الغربية والدول المسيحية في كل بقاع العالم. والجماعة من الناحية العقائدية أقرب ما تكون إلى اليهودية منها إلى المسيحية خاصة في تصورها للذات الإلهية (العهد القديم)، وتعد في ذات الوقت جماعة أصولية بسبب قراءتها الحرفية للإنجيل. مؤسس حركة شهود يهوه يُدعى تشارلز تاز روسل من مواليد 1852 من أبوين ينتميان إلى كنيسة الأدفنتست (أي السبتيين). لما كان في السادسة عشرة تأثّر بالواعظ جوناس واندل الذي كان قد حدّد موعد مجيء المسيح الثانية بنظرية غريبة عام 1842، إلاّ ان المسيح، وكما نعلم لم يأتِ. ثمّ عاود الكرّة فَلمَّ شمل فريقه تحت اسم (المجيئيين) محددا عام 1980 للمجيء الثاني للمسيح، إلا أنه فشل أيضاً. ترك روسل المجيئيين عام 1872 متخبطاً محتاراً بأمر مجيء المسيح. فترك كل أعماله، وتفرَّغ مع مجموعة من الشباب إلى إقامة ملكوت الله على الأرض وإلى دراسة الكتاب المقدَّس محاولةً منهم إستشفافَ الموعد الدقيق لمجيء المسيح.. وفعلاً، فقد حدّدها في 1874، لكنه فشل، ولكي يغطي فشله هذا إدّعى بأنّ المسيح جاء بصورة سريّة غير منظورة، لكن لم يلتفت إليه أحَّد. ثم عاد فحدّدها في عام 1914 آملاً بأن تُصيب ضربته الهدف هذه المرة. وكانت في السنة ذاتها الحرب العالمية الأولى، فراح كثير من الناس إلى الأخذ بهذه النظرية، فنصحهم بترك أموالهم تحت تصرّفه بحيث لم يبقَ لديهم من المال إلاّ ما ظنّوه كافياً إلى الوقت المحدَّد. إدّعى روسل بإتقانه للغة اليونانية (اللغة التي كتب بها العهد الجديد). فكان يسرد الآيات أثناء إلقائه لمواعظه باللغة اليونانية ثم يترجمها على مزاجه وهواه بلغة المخاطَبين. واتّهم الكنيسة الكاثوليكية أكثر من مرّة بتحريفها للنصّ الأصلي، فقُدِّم إلى المحاكم عام 1913 واعترف أنه لايعرف حتى حرفاً واحداً من الأبجدية اليونانية. وابتداء من سنة 1879-1880م أنشأ مجموعات رهبانية تحت اسم دارسو الإنجيل (تحولت في 1931م إلى شهود يهوه) بعد موته، خلفه كل من رادرفورد (1869-1942م) وكنورت (1905-1977م) وفرانز الرئيس الحالي. في سنة 1992م كان عدد الأعضاء 4472787 عضو، وأكثر من 11 مليون متعاطف أي عضو لكل 475 نسمة بفرنسا، وواحد لكل 375 نسمة ببلجيكا، وواحد لكل 297 نسمة بإيطاليا، وواحد لكل257 بكندا... نسبة النمو على الصعيد العالمي هي +5. 4 بالمئة (في فرنسا + 2. 1 بالمئة)، تعتقد الجماعة بأن على كل راغب في أن يكون من أعضائها أن يؤمن بكل الحقائق الإنجيلية، وتعتقد الجماعة أن أكبر قضية تطرح على البشرية هي مشروعية هيمنة (يهوه)، وبسبب هذه القضية سمح يهوه بوجود الشر، والمسيح له وجود سابق على الإنسان، وهو مسبوق بأبيه السماوي، واليوم يوجد عبد مخلص ومتبصر على وجه الأرض عهدت إليه كل المصالح الدنيوية للمسيح، وهذا العبد يجسده حالياً المقر المركزي لجماعة شهود يهوه. وحدهم المسيحيون المختارون هم الذين سيتلقون الجزاء العلوي، ولن يتجاوز عددهم 144000، أما هارمجدون معركة اليوم العظيم للرب فقد اقتربت، وهي معركة ستتبعها مملكة المسيح الألفية التي ستجعل من هذا العالم جنة أرضية، ولسوف يكون أول داخل إليها أعضاء الحشد الكبير من دون أنعام المسيح الأخرى. ومن عقائد الجماعة توحيد الرب، والاجتهاد المتواصل لتجديد هذا التوحيد بعد أن شابه الشرك في الأيام القرون الثلاثة الأولى لظهور المسيح، ورد الاعتبار للاسم الحقيقي له، ألا وهو يهوه. قيل عنهم ((... إن شهود يهوه حركة صهيونية شيوعية سرية، من أهدافها تدمير جميع الأمم على الأرض في معركة هرمجدون وإزالة جميع الفوارق والحدود بين القوميات، وفرض شريعة يهودية صهيونية على الجميع، تدّعي العمل بفرائض الدين، وليس لها أقل علاقة بدين ما، إنما تتخذه ستاراً لتحقيق مراميها واستغلال نشاطها، إنهم يتسترون بوشاح الكتاب المقدس لهدم كنيسة المسيح، وهم يُعلّمون ديانة سهلة المنال والممارسة، لأنها لا تحوي عقائد إيمانية ولا شرائع ولا وصايا ولا واجبات ينبغي العمل بمقتضاها والألتزام بها...)). وكان قد أطلق في بادئ الأمر على أتباع شهود يهوه اسم فجر الحكم الألفي ثم تلامذة التوراة ثم برج المراقبة ثم حركة روسل وأما اليوم فيطلقون على أنفسهم اسم شهود يهوه. يدّعي شهود يهوه أن إبليس هو منبع هذا التعليم، ومصدره خرافات تعود إلى البابليين والمصريين القدماء، وقد أدخلت في الديانة المسيحية. يقولون ((... لا وجود لكلمة ثالوث في كل الكتاب المقدس، من أول سفر التكوين إلى آخر سفر الرؤيا، وإن كلمة ثالوث لم تتسرب إلى الكتابات والمؤلفات الدينية إلا في أواخر القرن الثاني ميلادي، وفي مجمع نيقية بالذات، المنعقد سنة (325)، جعل الثالوث العقيدة المركزية للديانة المسيحية، التي اعتُرف بها يومئذ ديانة رسمية للحكومة، وأيد عقيدة الثالوث، الإمبراطور الوثني قسطنطين، الذي كان رئيساً لذلك المجمع، وعلاوة على الاعتبارات السياسية التي حدت بالإمبراطور إلى مناصرة عقيدة الثالوث، فإنه استسهل أمر تأييدها لأنها جزء من فلسفة أفلاطون الوثنية المنتشرة في ذلك الحين....))، وهم ينكرون الوهية المسيح يسوع، مستندين بذلك على ترجمتهم للنص اليوناني، الواردة في الآية الأولى من الفصل الأول من إنجيل يوحنا ((... في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة اللهت. يقولون أن يسوع لم يقم بالجسد، بل أنه قام بالروح أو بالأيمان فقط، مدّعين بأن الرُسُل رؤوا يسوع بعيون الإيمان، أما جسده فبقي في باطن الأرض، في مكان ما مجهولاً عن الجميع. كما انهم يعلنون بأن الباب للدخول إلى السماء قد أغلق، إلا على القلّة الباقية من النافذين منهم. وينادي شهود يهوه بملكوت الله الأرضي المخصص للصف الأرضي، وإن الدخول إليه بسيط جداً، ليس عليك سوى اعتناق تعاليمهم، والانتساب إلى نظامهم الجديد. 3- حركات العهد الجديد عام 2000 وبرج الدلو يتميز موضوع العهد الجديد (المستوحى من الثقافة الأنجلوساكسونية) بالاقتناع بأن الإنسانية أوشكت على الدخول في مطلع العصر الفلكي المسمى (القوس)، حيث يتجدد الوعي الروحي العالم والانسجام والنور والتحولات النفسية العميقة. عصر سيشهد عودة ثانية للمسيح بدأت معالمها في الظهور بين الناس. ويعتقد أصحاب هذا المذهب أن الكون خاضع لتغيرات كبرى عند مطلع كل ألفية وفق قانون قاهر لا يمكن الفرار منه، وأن الألفية الثالثة هي حافلة بالانعطاف الجماعي الدولي نحو التدين والروحانيات، بحيث تتجسد الإرادة العليا في الأجسام البشرية دون إرادة أو شعور، وهذا التوجه لا يزال في بدايته ويتوسع هو الآخر شيئاً فشيئاً ليضم بين طياته عدداً من الجماعات المتشابهة. ومن مراجعه بلافاتسكي، وأليس بايلي، وغودجيف، ور. شتاينير، ور. غينون، وأوروبيندو، وتيلار دوكاردان الكلمات وهذه المصطلحات المتداولة داخل هذه الأوساط تحمل دلالات رمزية تستخدم بمثابة كلمات السر بين المؤمنين، مثل الانسجام والوحدة والحب والنور والذبذبات والوعي بالذات والتصوف وتلقين المعرفة وولادة المتحولين وظهور المغامرين الروحانيين الجدد وانبعاث الكائنات الناجية من الانقلاب الكوني الوشيك والمجموعات المنتمية إلى هذا المذهب كثيرة جدا ومتنوعة، لكنها كلها تقترح طرقاً روحية ليصبح العضو كائناً متحققاً (أو مسيحاً). والعبور من مجموعة إلى أخرى سهل جداً ومتداول وهي مجموعات غربية خالصة، مثل الصليب الوردي، الأخوة العالمية البيضاء، غرآل، وأركان، ومجموعات تستورد التجربة الآسيوية البوذية والهندوسية، مثلراجا يوغا، والتأمل المتصاعد ومجموعات تطوير الطاقة الكامنة في الإنسان، أو علاجه، ومجموعات الكائنات الفضائية. طموح هذه المجموعات يتركز في اقتراح ديانة عالمية تعلو وتسود في برج الدلو، الألفية الثالثة مثلما سادت الديانة البابلية برج الثور، والديانة الموسوية برج الحمل، والديانة المسيحية برج الحوت، وحتى يحدث ذلك سريعاً، يستعجل هؤلاء اندثار المسيحية الحالية، وسيكون العصر الجديد عصر (إنجيل جان) بعد أن ساد (إنجيل بيير)، عصر المسيح الغنوصي الخفي، بعد مسيح الكنيسة الظاهر، وبما أن عودة المسيح الجديد قد أوشكت، في زعمهم، فإن كل واحد مدعو إلى تحقيق المسيح الذاتي الباطني، ولهذا السبب يدعي كثير منهم أنه المسيح المنتظر في العصر الجديد. بالإضافة إلى المجموعات المذكورة سلفاً، تزخر الخريطة الدينية بمجموعات أخرى، مثل (منتظرو اليوم السابع) وهي جماعة أصولية حرفية تعتقد أن المسيح المنتظر أوشك على الظهور، وتحرص كثيراً على التطهر من أجل لقاء رفيع معه، وهناك (أصدقاء الإنسان) المنحدرون من طائفة شهود يهوه والذين زعموا أنهم تلقوا رسالة يعلمونها للناس، وهي معرفة الحياة الخالدة على وجه الأرض؛لأنهم يعتقدون أن الجنة ليست في السماء، ولكنها في الأرض الحالية، وأن مهمتهم بناؤها ودعوة الناس إليها، وهناك شيعة (صليب دوزولي الممجد) التي تزعم أنها تلقت رسالة عام 1972م من أم لخمسة أطفال بمنطقة كالفادوس تعلن قرب عودة المسيح ممجداً معززاً مكرماً بعد اضطرابات كونية كبيرة، وهناك (كنيسة الرب الكونية) الأمريكية القريبة من شهود يهوه، وهي معروفة ببرنامجها الإذاعي (العالم القادم)، ومجلتها المجانية (الحقيقة الخالصة) وفيها اكثر من 8 مليون مشترك، وهناك شيعة (المورمون أو كنيسة المسيح لقديسي الأيام الأخيرة)، وأسسها شاب مراهق أمريكي جوزيف سميث سنة 1830م، زعم أنه تلقى زيارة من ملائكة دلته على كتاب غريب يروي قصة تاريخ شعب الله بأمريكا، حيث ظهر المسيح أول مرة. يتبع..