منذ ظهور المسيحية واليهود يكيدون للمسيحيين على مختلف انتماءاتهم المذهبية فمنذ أن ظهرت المسيحية في روما في القرن الثالث الميلادي دس اليهود أفكارهم التوراتية في كثير من تعاليم المسيحية الأوربية لكن الكنيسة الكاثوليكية تشددت تجاه اليهود واعتبرتهم الأكثر عداوة للمسيح وقد ظلت الكنيسة الكاثوليكية تحمل اليهود دم المسيح وتشيع بين أتباعها هذه المقولات حتى قامت حرب دموية ضد اليهود في كثير من بلدان أوربا وخلال ألف وسبعمائة عام ظل موقف الكنيسة من اليهود موقفاً معادياً حتى الاجتماع المسكوني الثاني في الفاتيكان عام 1964م، وعلى إثر الضغوطات المستمرة عبر مئات السنين اضطر بعض اليهود لاعتناق المسيحية ودخلت الكنيسة ذاتها معترك الحياة الدينية من عدة أبواب فمن ناحية همشت روما القدس وأصبحت روما مركز المرجعية الدينية المسيحية الكاثوليكية بعد عام 590م، وانبثق عن ذلك موقف كنيسي معاد للسامية أساسه جعل اليهود يتحملون وحدهم دم المسيح كما قلنا وترتب عليه أيضاً نظرة خاصة للتوراة العهد القديم هذه النظرة تقوم على تفسير التوراة ولا سيما نبوءات الأنبياء تفسيراً رمزياً وليس حرفياً واعتبرت الكنيسة أتباعها أرقى عرقاَ وأرقى إنسانية ما دعم بروز تيارات قومية غربية تدعي التفوق والواقع أنه استناداً على هذه النظرة برزت حروب دينية شنتها الكنيسة الأوربية على الكفار أي المسلمين واليهود على حد زعمهم ففي الحروب الصليبية شن الغربيون حرباَ دموية ضد المسلمين واليهود على السواء وبدأت منذ ذلك الوقت سلسلة من المجازر الدموية والعنصرية ضد كل ما هو غير كاثوليكي ففي بريطانيا وفرنسا وإسبانيا شنت حملات تصفية لليهود أو طرد وكذلك فعلت روسيا القيصرية فكانت مسرحاً لمذابح كبرى لليهود عام 1684م، على يد القوزاق لقد نظرت أوربا لليهود نظرة عداء فبعد أن أجرت بحقهم مذابح عديدة رأى الغربيون أن لا خلاص لأوربا إلا بطرد اليهود كافة وخلاص البلاد الأوروبية منهم وقد جرت محاولات عديدة لإيجاد صيغة لطردهم من أوربا إلا أن اليهود الذين تنصروا ظلوا يدفعون باتجاه تغيير الموقف الديني الأوربي تجاههم وتجاه التوراة وبدأت الثورة التنويرية تعيد النظر في العلاقة بين العهد القديم التوراة والعهد الجديد وعندما ترجمت التوراة إلى اللغة الألمانية على يد مارتن لوثر بدأت الحركة البروتستانتية التي كانت قد قويت آنذاك تنظر إلى التوراة نظرة مغايرة للكنيسة الكاثوليكية وقد أصبحت التوراة في متناول الجماهير الأوربية الشعبية ولم تعد حكراً على رجال اللاهوت وهذا ما ساعد الحركة البروتستانتية على تفسير التوراة تفسيراَ حرفياً وليس رمزياًَ كما كان معهوداً لدى الكاثوليك وكنيسة روما لقد صار البروتستانت ينظرون إلى ما جاءت به التوراة نظرة قدسية خاصة فالوعد الإلهي بامتلاك الأرض الموعودة ومقولة الشعب المختار أصبحتا من أهم الأمور التي يؤمنون بها ومنذ بداية القرن السابع عشر راحت نداءات الحركة البروتستانتية تنتشر هنا وهناك وتبني لأفكارها صروحا قوية في بريطانيا خاصة حتى بدا الاتجاه القائل بشعب الله المختار وعودة المسيح واليهود إلى الأرض المقدسة من أقوى الاتجاهات المسيطرة على البرلمان البريطاني رغم معارضة ملوك بريطانيا له ويرى الكثيرون أن الصهيونية المسيحية بدأت في بريطانيا قوية منذ عام 1621، حين نشر الحقوقي الإنكليزي عضو البرلمان المدعو (هنري فنش) كتاباً بعنوان (البعث العظيم للعالم) أو نداء إلى اليهود وإلى جميع الأمم والممالك في الأرض للإيمان بالمسيح وهذا الكتاب يرفض التفسير الرمزي للتوراة ويوصي صاحبه بقراءة التوراة قراءة حرفية فيقول فيه (حينما تذكر إسرائيل ويهوذا وصهيون وأورشليم في التوراة فالله لا يعني بذلك إسرائيل روحية ولا يعني كنيسة الله تجمع في صفوفها الأمم واليهود المتنصرين ولكن يعني بإسرائيل تلك التي تحدرت من نسل يعقوب وقل الأمر نفسه فيما يخص العودة إلى أرضيهم وانتصارهم على أعدائهم فاليهود هم المعنيون حقاًَ وصدقاً بالتحرير وليس المسيح هو الذي يحرر البشر) وقد دان البرلمان الإنكليزي حينذاك هذا الاتجاه المتزمت القائل بعودة المسيح بعد ألف عام واعتبره الملك جلك الأول 1603-1625 أمراً خطيراَ ولكن هذا الاتجاه بقي حجر الزاوية في الصهيونية المسيحية وقي منتصف القرن السابع عشر تقريباًَ أصبحت السلطة البرلمانية في إنجلتراَ بيد البروتستانت المتزمتين المتعصبين واليهود وقد كانوا يسمون بالطهوريين ومنهم بدأت الهجرة إلى أميركا بشكل واسع حيث اندمجوا مع اليهود المهاجرين مثلهم اندماجاً أشبه ما تكون بما جاءت به التوراة عن فتوحات يوشع والقادة العبرانيين في أرض كنعان فالتغييرات اللاهوتية في الحركة الدينية الجديدية البروتستانتية روجت لفكرة أن اليهود أمة مختارة ونادت كما رأينا بعودتهم إلى فلسطين فإعادة اكتشاف العهد القديم التوراة في الحركة البروتستانتية كعنصر أساسي في مفاهيم الحركة بعد أن كان مهملا من قبل الكاثوليكية قد عزز من النزعة اليهودية ودعم وجهة نظرها في الأوساط المسيحية الجديدة وأصبحت فلسطين بذلك أرضاً يهودية في الفكر المسيحي في أوربا البروتستانتية بدأ من وقتها الاهتمام بتحقيق النبوءات التوراتية ولا سيما ما يسمى بالعصر الألفي السعيد وهو الاعتقاد بعودة المسيح المنتظر الذي سيقيم مملكة في الأرض تدوم ألف عام وبدا أن القرن السادس عشر كان بداية التركيز على شخصية اليهود وقد استمرت الحركة في الانتشار عبر القرون اللاحقة إلى أن بلغت ذروتها في القرن العشرين مع مذهب (العصمة الحرفية) الأميركي الذي يقول بأن (إسرائيل) الحالية هي التحقيق الواقعي للنبوءة في العصر الحديث وعندما نعود إلى ما قلناه عن نفوذ اليهود والبروتستانتية في بريطانيا نرى أنه في عام 1649أرسل استرحام للحكومة الإنكليزية جاء فيه : (ليكن شعب إنجلتراَ وسكان الأراضي المنخفضة أول من يحمل أبناء وبنات إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم إسحاق ويعقوب لتكون إرثهم الأبدي) وكان اللذان بعثا الاسترحام هما (جوانا واينزر وكارترايت الإنجليزيين البيورتيانيين المقيمين في أمستردم) وكان أولفر كرمويل الذي بقي نحو عشر سنوات رئيسا للكومنولث البيورتياني 1649-1658- متعصباً دينياً وسياسياً يؤمن بالرائع ومن أجل حل مشكلة السماح لليهود بالعودة إلى إنجلتراَ دعا مؤتمر رابت هول عام 1655، لبحث مشروعية تلك العودة وظروفها والواقع أن المسيحية الصهيونية أبرزت أفكارها تجاه التوراة والنبوءات التوراتية من خلال منظورين الأول سياسي والثاني أدبي وقد ارتبط المفهوم السياسي بمتناقضين في الطرح فمن جانب يرى مؤيداَ الصهيونية وحرفية التوراة أن قيام وطن قومي لليهود يخلص أوربا من شرور اليهود وقد صرح بذلك مارتن لوثر نفسه حينما قال عام 1544: "من يمنع اليهود من العودة إلى أرض يهوذا لا أحد سوف نزودهم بكل ما يحتاجون إليه في سفرهم لا لشيء إلا لنتخلص منهم إنهم عبء ثقيل علينا إنهم مصيبة كبيرة على وجودنا". يقول روجيه غارودي "إن تلك الخلفية الفكرية التي كانت لدى لوثر أصل الصهيونية المسيحية هي نفسها التي كانت لدى وعد بلفور الذي وفر للصهيونية السياسية انتصارها الأول حينما كان آرثور بلفور رئيس وزراء إنجلترا وناصر قضية الحد من هجرة اليهود إلى إنجلترا وقد اتهمه المؤتمر الصهيوني السابع بمعاداته السافرة للشعب اليهودي" وهذه اللاسامية المتأصلة لدى وعد بلفور كانت تنفق تمام الاتفاق طوال حياته قبل عام 1905م،وبعده مع المطالبة بتخصيص أرض لليهود بغية تحقيق هدف واحد وهو إبعادهم عن إنجلترا وكان بلفور قد وعد اليهود منذ عام 1903بإعطائهم أرض أوغندا وفي عام 1917م، وانسجاما مع أهدافه في حربه مع ألمانيا كتب إلى اللورد روتشلد تصريحيه المتضمن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ومن جانب آخر فقد رأى منظرو الصهيونية غير اليهودية أن قيام دولة "إسرائيل" سيكون رأس جسر للزحف الاستعماري نحو الشرق لقد بدأت عملياً نظرة تجمع اليهود في فلسطين وإعادة بناء الهيكل في زمن نابليون بونابرت الذي أطلق عليه الباحثين نابليون الإمبراطور الصهيوني فقد أعطى اليهود بعد الثورة الفرنسية حق المواطنة ومنحوا الجنسية الفرنسية وقد أعدت حكومة الإدارة الفرنسية خطة عام 1798م، لإقامة كومنولث يهودي في فلسطين في حال انتصار الفرنسيين في الشرق وقد أصدر نابليون بمجرد وصول حملته إلى مصر بياناً حث فيه اليهود على الالتفاف حول رايته من أجل إعادة بناء (مملكة القدس) ثم وجه نداء آخر أثناء حصار عكا جاء فيه (من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين أيها الإسرائيليون أيها الشعب الفريد الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط) ويتابع بيانه (أدركوا أن عتقاء الله سيعودون لصهيون وهم يغنون وسيولد الابتهاج بتملكهم لإرثهم دون إزعاج فرحاً دائما في نفوسهم) ويقول (إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به والذي يقوده العدل ويواكبه النصر جعل القدس مقراَ لقيادتي وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تعد ترهب مدينة داود) وفي ربيع 1977أصدر نابليون بياناَ طلب فيه من يهود إفريقياَ وآسيا أن يقاتلوا تحت لوائه لإعادة إنشاء مملكة القدس القديمة وكان الممثل الفرنسي للصهيونية غير اليهودية في حقبة نابليون المدعو آرنست لاهاران السكرتير الخاص لنابليون الذي يؤيد خطط نابليون الاستعمارية وقد عبر عن فكرته بإقامة مملكة اليهود الجديدة بقوله (يالهم من مثل يحتذي ويالهم من جنس إننا نحني رؤوسنا لكم أيها الرجال الأشداء لقد كنتم أقوياء بعد مأساة القدس لأنكم كنتم كذلك طول تاريخكم القديم وإن الباقين منكم ممكن أن ينهضوا من جديد ويعيدوا بناء بوابات القدس) وفي عام 1885قال الحاخام غودمان لهرتزل (كأنني أرى موسى بلحمه وعظمه ربما كنت ذاك الذي اصطفاه الله) في هذه الأثناء كان كثيرون من زعماء الصهيونية غير اليهود يتملقون هرتزل ويحضون على استعمار القدسوفلسطين فالقس وليم هتشلر الذي استحوذت على عقله نبوءة حزقيال بعدما فرغ من قراءة كتاب هرتزل الدولة اليهودية اقتحم مكتب هرتزل وقال (أنت هو الذي كتب انتظرتك أنت المسيح المنتظر) وكذلك الأب أغناطيوس عام 1837-1908 الذي تحمس للصهيونية وكان يتحدث دائماً عن بعث مملكة يهوذا ووصف هرتزل بقوله (هو يشوعكم الجديد الذي جاء لتحقيق نبوءة حزقيال إن الصهيونية هي تحقيق لكلمات حزقيال النبي و اليهودية هي الصهيونية والصهيونية هي يهودية الله) والقس هتشلر الذي اقتحم مكتب هرتزل قائلا (أنت المسيح المنتظر) جاء بصحبة هرتزل إلى مؤتمر بال بسويسرا عام 1897م، معتبراً نفسه سكرتير المسيح المنتظر وطالما كان يردد في الاجتماع "يحيا الملك" معتبراً مسيحيه هرتزل ملك الملوك وقد قال في إحدى مقالاته "استفيقوا يا أبناء إبراهيم فالله يدعوكم للرجوع إلى وطنكم القديم ويريد أن يكون إلهكم" وقد بشر هذا القس "إسرائيل" حسب فهمه للتوراة وتفسيره لنبوءاتها "أنها ستعود إلى فلسطين قبل عودة المسيح الثانية يأتي ملكاً مجيداً يتربع على عرش القدس ويحكم العالم هناك مالكا للملوك" وفي عام 1884م، أصدر كراساً بعنوان "إرجاع اليهود إلى فلسطين حسبما ورد في أسفار الأنبياء" وهو يرى أن عودة اليهود إلى "أرض الميعاد قد بدأت بالفعل ويؤيد هذه الرؤيا بآيات من العهد الجديد أخرجها بالتفسير والتأويل عن مدلولها الظاهر فإذا هي تعني ماضي فكره وتوافق هواه" قال "إن بعض نبوءات المسيح قد تحققت منذ قديم الزمان مثل الآية (ملوك الأمم يسودنهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين لوقا 22-25والآية (ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدرسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم) لوقا 21-24." وتظهر صهيونية القس الإنجيلي في حملة خريطة فلسطين وقوله لهرتزل يجب "أن تكون حدودنا الشمالية جبال كبادوكيا والجنوبية قناة السويس وشعارنا فلسطين داود وسليمان" وكثير من المسيحين الغربيين إن لم نقل أغلبيتهم قد آزروا الصهيونية لاعتقادهم بأن نبوءات التوراة حول عودة اليهود إلى فلسطين واقعة حتماً ولذلك قال وايزمان بإنشاء الوطن القومي اليهودي هو شعور الشعب البريطاني المتأثر بالتوراة وكان لفرنسا نصيبها من الصهيونيين المؤمنين بالعصر الألفي السعيد وكان ممثلهم البارز هو إسحاق لابيرير 1594-1676م، الذي كتب دعوة اليهود ودعا إلى إحياء "إسرائيل" بتوطين اليهود في الأرض المقدسة فلسطين على الرغم من اعتناقه المسيحية وقد بعث استرحامه إلى ملوك فرنسا ولكن رسالته لم تنشر إلا بعد قرنين من الزمن حين دعا نابليون إلى اجتماع السنهدريم اليهودي عام 1806م، وقد تنبأ قسيس فرنسي يدعى بيير جوريو بإعادة تأسيس مملكة يهودية في فلسطين قبل انتهاء القرن السابع عشر وقد ظهرت أفكار الصهيونية غير اليهودية في كثير من الإبداعات الأدبية وغدت أفكار العهد القديم التوراة أكثر مصادر الإلهام لفناني وشعراء العهد الجديد الإنجيل ليس في إنجلترا فحسب بل في القارة الأوربية كذلك وهكذا ظهرت معادلة فلسطين بكل مضامينها الصهيونية وكانت قصيدة ملتون الشهيرة "الفردوس المستعاد" قد تحدثت عن "عودة إسرائيل لعل الله يعرف الوقت المناسب جيداًَ سيذكر أبناء إبراهيم وسيعيدهم نادمين وصادقين وسيشق لهم البحر وهم عائدون مسرعين جذلين إلى وطنهم كما شق البحر الأحمر ونهر الأردن عندما عاد آباؤهم للأرض الموعودة إنني أتركهم لعنايته وللزمن الذي يختاره" واستعملت الصورة الصهيونية عن القدس اليهودية الجديدة في ترانيم القرن الثامن عشر وأبرزها تلك الفترة التي كتبها تشالس وزلي وقرب نهاية القرن الثامن عشر خاطب وليم بليك اليهود بهذه الأبيات (استيقظي يا إنجلترا استيقظي استيقظي فأختك القدس تناديك لماذا ينام هؤلاء المؤمنون كالأموات ويغلقونها عن جدرانك القديمة) أما في القارة الأوربية فقد ظهرت موضوعات عبرية توراتية في الأدب الفرنسي وكان العهد القديم التوراة مصدراً لموضوعات دجين باتبيست راسين الفرنسي الكلاسيكي ولا تزال "مأساة إستير" التي كتبها عام 1689تعد واحدة من أهم الدراما الفرنسية وسارت فلسطينوالقدس واليهود جنباً إلى جنب في الأفكار الصهيونية وقد صور برستلي "فلسطين أرضاَ غير مأهولة بالسكان أهملها مغتصبوها الأتراك ولكنها مشتاقة مستعدة لاستقبال اليهود العائدين" وتظهر دولة "إسرائيل" المستقبلية في كتابات جان جاك روسو وهو مواطن من جنيف ينحدر من أسرة بروتستانتية فقد جاء في كتاب روسو عن التعليم عام 1762م، (لن نعرف الدوافع الداخلية لليهود أبداًَ حتى نكون لهم دولتهم الحرة ومدارسهم وجامعاتهم) وكتب باسكال إن (إسرائيل هي البشير الرمزي للمسيح المنتظر) وقد كان للصهيونية غير اليهودية في الولايات المتحدة الدور المهم في تأييد الكيان الصهيوني ودعمه ماليا ً ومعنوياً فأكثرية الأمريكان من البروتستانت المتأثرين إلى حد بعيد "بنبوءات التوراة وعودة اليهود إلى فلسطين" حتى أن رجال الكنيسة البروتستانتية أخذوا يتدخلون متشددين لتأييد اليهود ففي عام 1945م، وقع نحو خمسة آلاف قسيس منهم مذكرة رفعوها إلى الحكومة طالبين فيها فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية ولعل أكثر من ألقى الضوء على علاقة الصهيونية الإنجيلية مع الصهيونية اليهودية الكاتبة الأمريكية غريس هالسل في كتابها المسمى "النبوءة والسياسة" وقد سلطت الضوء بشكل قوي على تلك العلاقة باعتبارها من المستشارين الهامين لبعض الرؤساء الأمريكيين فهي على صلة وثيقة بخفايا السياسة الأمريكية ومواقفها تجاه الصراع العربي الصهيوني تقول في معرض تعريفها لكتابها (ولكن قلة قليلة تدرك أن التحالف الصهيوني الأمريكي الفريد والخاص يرجع بالإضافة للعوامل السابقة وفي المقام الأول إلى دوافع وأسس دينية عميقة الجذور في البنية الثقافية المسيحية وإلى الخليفة التوراتية في العقل الأمريكي كما أن قلة قليلة من المثقفين تدرك أن الفكرة الصهيونية قد ولدت في أحضان المسحية البروتستانتية قبل هرتزل بقرون) ويمكن أن ندرك ذلك خلال ما قاله الرئيس السابق ريغن عام 1984في كنيس يهودي في نيويورك (جميعنا هنا اليوم من أحفاد إبراهيم وإسحاق ويعقوب أبناء وبنات الإله نفسه) وتسلط هالسل الضوء على كتاب خطير اسمه (آخر أعظم كرة أرضية) الذي بيع منه 18مليون نسخة في السبعينيات وتكمن خلاصة الكتاب في قول مؤلفه هول لندسي "إن لله قضى علينا أن نخوض غمار حرب نووية هرمجدون" والخطر هنا أن لندسي يوظف نبوءات الكتاب المقدس لتأصيل نظريته هذه وترى الكاتبة أن أصول نظرية هرمجدون تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع سايروس سكوفيلد وجون داربي اللذين أسسا مفهومهما عن المسيحية على أساس النبوءات التوراتية والإنجيلية واستنتجا "أن لله مخططا على الأرض من أجل إسرائيل ومخططا من السماء من أجل خلاص المسيحيين" تذكر الكاتبة هالسل أن البروتستانت الأصوليين يعتقدون "أن النبوءة الإنجيلية تقضي بأن على اليهود أن يدمروا المسجد الأقصى ويبنوا الهيكل مكانه" ويعتبرون الإرهابيين اليهود الذي حاولوا مراراًَ تدمير الأقصى أبطالا ويدعمون الحركات الصهيونية الإرهابية التي تخطط للعدوان على المقدسات الإسلامية كما يعتبر هؤلاء أن قيام الكيان الصهيوني وإعادة بناء الهيكل المزعوم وبناء ما يسمى بإسرائيل الكبرى شرط لعودة المسيح ليحكم الأرض ألف سنة في جنة أرضية تنعم بالسلام المطلق وتورد الكاتبة على لسان المدعو فوفويل زعيم منظمة الأكثرية الأخلاقية الأمريكية وأحد أقطاب حتمية الدمار النووي في هرمجدون قوله "أنت وأنا نعرف أنه لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط إلى أن يأتي يوم يجلس المسيح على عرش داود في القدس" وفي حديث إلى الإنجيلي هارولد برتسون أكد ريغن "أن إعادة توحيد القدس تحت العلم الصهيوني هو تحقيق لنبوءة إنجيلية" وفي عام 1980م، قال ريغن أمام مجموعة من القادة اليهود "إسرائيل هي الديمقراطية الثابتة الوحيدة التي يمكن أن نعتمد عليها موقعاًَ لحدوث هرمجدون" ولعل الفصل السابع من كتاب غريس هالسل هو الأهم من بين الفصول فيما يتعلق بموضوع القدس وتبين كيف يعد الصهاينة العدة لتدمير المسجد الأقصى ومسجد الصخرة وبناء الهيكل مكانهما وكيف أعدوا مواد البناء والتحف التي تستعمل في الهيكل وتسجل الكاتبة هنا "أن الصهاينة المسيحيين يعتقدون أن إعادة بناء الهيكل هي نبوءة توراتية إرادة إلهية لابد أن تحدث وإن على المسيحيين يصرون على أن الله يريد أكثر من بناء معبد روحي إنه يريد معبداَ حقيقياَ من الإسمنت والحجارة يقام في الوقع الذي توجد فيه الصروح الإسلامية" وتتحدث الكاتبة في الفصل الثامن حول الجهود المحمولة التي يقوم بها المسيحيون الصهاينة لمساعدة الإرهابيين الصهاينة على تدمير المقدسات الإسلامية في القدس وتتحدث فيه عن المنظمات التي أنشؤوها لجمع التبرعات من الأمريكيين لهذا الغرض ومنها بناء المعبد ومنظمة الأغلبية الأخلاقية والسفارة المسيحية الدولية وتذكر المؤلفة أن منظمة مؤسسة معبد القدس قد قدمت أموالاَ كبيرة للمحامين الذين دافعوا عن 29إرهابياً صهيونياً حاولوا نسف المسجد الأقصى عام 1983م، وأن هذه المنظمة تقدم الدعم المتواصل لمعهد ميشيفا اليهودي الذي يعد الكهنة للخدمة في الهيكل الذي يخططون لإعادة بنائه. وتناول الكتاب في الفصل العاشر المؤتمر المسيحي الصهيوني الأول الذي عقد عام 1958م، برعاية السفارة المسيحية الدولية وحضره 589 شخصاً من المسيحيين الصهاينة من 27دولة وحث هذا المؤتمر في توصياته جميع اليهود إلى الهجرة إلى الكيان الصهيوني وحث العدو الصهيوني على ضم الضفة الغربية وطالب المؤتمر الولايات المتحدة وجميع الدول العالم بالاعتراف بضم القدس ونقل سفاراتها إليها وتؤكد الكاتبة في خاتمة كتابها أن الطريق الذي يسير فيه التحالف المسيحي الصهيوني واليهودي الصهيوني ينذر بحدوث كارثة نووية تدمر العالم القرار الأمريكي بشأن القدس تمهيد لهدم الأقصى: ليس مفاجئاً ولا مفاجأة أن يقرر الكونغرس الأمريكي بأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني وليس غريباً أن يصادق على هذا القرار الرئيس الأمريكي بالسرعة المطلوبة فللتصديق عليه أبعاد ودلالات وحيثيات وفي توقيته أكثر من معنى وأكثر من دلالة فالمسألة تعود إلى الوراء كثيراَ وليست بنت ساعتها ماذا يعني هذا القرار؟ وماذا يعني التصديق عليه؟ في غمرة الأحداث التي يعيشها العالم ويعيشها العرب والمسلمون بدأت خطوات عملية أميركية لتحطيم كل من يعارض السياسة الدولية الأمريكية بدأت بأفغانستان على أيدي قوات أمريكية وأخرى متحالفة معها وتوحشت في فلسطين على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني وانتقلت إلى العراق وما بين هذه الخطوات تمتد الأصوات صارخة بإنزال أشد العقوبات بالمسلمين الذين يقفون وجهاًَ لوجه مع العولمة الأمريكية وتسود الأغنياء والعنصريين من صهاينة وأنكلوساكسون الولايات المتحدة أقامت الكيان الصهيوني في عام 1948م، بعد أن بدأت مشروعها بقرار التقسيم حيث رفعت العصا بوجه أعضاء الهيئة الدولية كي يقروا بإقامة دولة يهودية إن شاؤوا وإن أبوا ومنذ ذلك الوقت نفخت الولايات المتحدة الروح في الكيان الصهيوني وأمدته بكل مقومات الحياة والقوة حتى أصبح قوة ضاربة في الشرق الأوسط وحين نقرأ العقل الأمريكي بشكل جيد ندرك أن اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني على المستوى العلمي حاصل وفعلي ليس من اليوم بل منذ زمن بعيد وعلى أقل تقدير عام 1967م، أما على المستوى النظري فتعود المسألة إلى زمن سيطرة التيار الأصولي المسيحي البروتستانتي على السياسة الأمريكية والغربية بشكل عام منذ القرن السادس عشر حتى اليوم عندما قامت حرب حزيران عام 1967م، واستولى الصهاينة على كامل القدس والمسجد الأقصى رأت المسيحية الصهيونية الأمريكية في ذلك دليلاًَ آخر على قرب نهاية الزمان لأن الله حسب زعمهم سيحقق نبوءات العهد القديم التي تنص على إقامة الهيكل اليهودي وقد كتب "نيلسون بل" في كبرى الصحف الإنجليكانية "إن وقوع القدس اليوم للمرة الأولى منذ ألفي سنة في أيدي اليهود ليهز دارس الكتاب المقدس ويمنح إيماناَ متجدداًََ في دقة الكتاب المقدس وصحته" ويقول رونالد ريغان الرئيس الأمريكي السابق "إن إعادة توحيد القدس تحت العلم الصهيوني هو تحقيق لنبوءة إنجيلية" وفي عام 1980فتحت السفارة المسيحية أبوابها في القدس في احتفال حضره آنذاك تيدي كوليك رئيس ما يسمى "بلدية القدس" وممثلون عن حكومة بيغن وكانت غايتها إنشاء سفارة في القدس من أجل مسيحيي العالم الذين يودون تأييد سياسات الكيان الصهيوني ولم تتوان حكومة الولايات المتحدة في عهد معظم الرؤساء الأمريكيين عن الإعلان عن عزيمتها إقامة سفارة في الولايات المتحدة في القدس وكانت حكومة الكيان قد حددت المكان الذي ستقام عليه السفارة على الرغم من أن الأرض التي ستقام عليها هي ملك للفلسطينيين وليس ملكا لأحد ولكن سياسة الصهاينة أساساً تقوم على مبدأ أن الأرض فلسطين هي "ملك لليهود حصراً" إذا فقرار بوش والكونغرس بالاعتراف بالقدس بما فيها الأماكن الإسلامية المقدسة عاصمة للكيان الصهيوني هو قرار قديم لم يكن مفاجئاً أو طارئاً ماذا يعني توقيت القرار إن القارئ للأحداث يدرك أن الولايات المتحدة حددت توقيتاً خاصاًَ جداً للإعلان عن القرار فبعد سنة على أحداث 11أيلول وبعد أن شنت الولايات المتحدة حرب الإبادة على المسلمين في أفغانستان والعراق وجدت نفسها عاجزة عن تحقيق أهدافها المعلنة في القضاء على التيارات الإسلامية المعادية لها وفي الوقت نفسه اشتدت الحملة الصهيونية على أبناء فلسطين وراح الجيش الصهيوني يطبق سياسة الأرض المحروقة فنسف آلاف المنازل ودمر الأراضي واعتقل الآلاف من أبناء فلسطين واغتال وقتل الآلاف الآخرين وفي نفس الإطار بدأ التوجه الأميركي نحو التلويح بتغير بعض الأنظمة العربية التي تدعى أميركا أنها تغذي الإسلام الإرهابي على حد زعمها وبمعنى من المعاني فإن الحملة الأميركية الصهيونية المتعددة الاتجاهات استمرت وتستمر بوتيرة متصاعدة سياسياَ وعسكرياً وبعد أن درست أميركا ردود الأفعال العربية والإسلامية وجدت أن العرب والمسلمين أصبحوا بلا إرادة ولا حول لهم ولا قوة وستبقى ردود أفعالهم أقل بكثير من الحد الأدنى وهذا هو الوقت المناسب للإعلان عن اعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وحتى تكون عملية الإذلال للعرب المسلمين أكبر وأشد طعنا فقد اختارت التوقيت الذي يحتفل فيه المسلمون والعرب بذكرى الإسراء والمعراج المرتبطة بالمسجد الأقصى والقدس فهذه الذكرى الهامة في حياة الأمة الإسلامية تربط المسلمين بالمسجد الأقصى وتجعلهم في الحد الأدنى يفكرون بالمصير الذي ينتظر مقدساتهم وأهمها المسجد الأقصى فأرادت الولايات المتحدة أن تبعث رسالة لهذا العالم العربي والإسلامي مفادها التهديد والوعيد والإذلال القرار تمهيد لنسف الأقصى وعندما ننظر إلى ردود الأفعال العربية والإسلامية على القرار الأميركي ندرك أن الولايات المتحدة نفضت يدها من أي التزامات مع العرب والمسلمين خاصة هؤلاء الذي يرون فيها صديقة وحليفة وقد أثبت الواقع أن أمريكا بطبيعتها الصليبية الصهيونية لا يمكن أن تكون صديقة لأحد سوى الكيان الصهيوني فإذا كانت ردود الأفعال العربية والإسلامية على هذا المستوى الضعيف جداً فإن ذلك يعطي الضوء الأخضر للخطوة القادمة وهي هدم المسجد الأقصى وإقامة ما يسمى الهيكل الثالث فوق أنقاضه وعندها ماذا يفعل العرب والمسلمون لن يفعلوا شيئا لأنهم فقدوا الإرادة وعشش في نفوسهم الوهن والرعب وحب الدنيا والحفاظ على مكتسباتهم الدنيوية القابلة للزوال إن عاجلاً أو آجلاً. أما الموقف الأمريكي تجاه هدم الأقصى فسيكون موقف المؤيد والمتحمس والدافع لتشييد الهيكل ومحو أي أثر إسلامي فأتباع الصهيونية غير اليهودية في أميركا يعتقدون "أن إعادة بناء الهيكل هي نبوءة توراتية وإرادة إلهية لابد أن تحدث وأن على المسيحيين أن يساعدوا اليهود لتهديم الأقصى وبناء الهيكل ويرون أن الله يريد أكثر من بناء معبد روحي إنه يريد معبداًَ حقيقياَ من الإسمنت والحجارة ويقام تماماً في الموقع الذي توجد فيه الصروح الإسلامية" ويرون "أن لله مخططاًَ على الأرض من أجل إسرائيل ومخططا في السماء من أجل خلاص المسيحيين" ويرى في هذه المقولة أن على اليهود تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه الكيان الصهيوني الحليف البديل عندما أصدر الكونغرس الأميركي قراره وصادق عليه بوش كانت أميركا تقوم بأكثر من تحرك سياسي في أوربا وهيئة الأممالمتحدة لم تكن صحيحة بالقدر الكافي فبريطانيا حسمت أمرها منذ البداية فهي حليف لأمريكا بكل الأشكال ولكن بريطانيا ليست رئيس الوزراء وحده فهناك في مجلس العموم تتزايد الأصوات المنددة بالحرب على العراق والشعب البريطاني منقسم على نفسه في هذا الإطار حتى إن مسيرة الأربعمائة ألف التي جرت في لندن قالت بصوت مرتفع لا لتحالف بلير مع واشنطن ولا بد لهذا الاعتراض من أثر على سياسة الحكومة البريطانية وإن لم يظهر عاجلا فإنه لابد أن يؤثر أجلاَ بينما أفصحت فرنسا وكذلك ألمانيا عن رفضهما القاطع للحرب ضد العراق ما شجع روسيا للميل نحو رفض الحرب على الرغم من وضوح قلق ما على السياسة الروسية تجاه الأزمة إن كل تلك المواقف دفعت الولايات المتحدة أكثر نحو الكيان الصهيوني على اعتباره الأكثر استجابة للتوجه الأميركي والأكثر للمغامرة في حربه ضد العراق والأمة العربية وكان لابد من هذا السياق من إن تمنح الولايات المتحدة مكافأة للكيان الصهيوني على موقفه ولم تجد أميركا سوى الاعتراف بأن القدس عاصمة لهذا الكيان وهذا ما يمهد الطريق أمامه للإقدام على خطوة قاصمة وهي تدمير المسجد الأقصى والشروع ببناء ما يسمى الهيكل على أنقاضه والواقع أن المصالح جميعها تتباين فلكل مصلحته تجاه ما يحدث بريطانيا لها مصلحة وكذلك فرنساوروسيا وغيرهما ولكن المصلحة الكبرى تأتي لصالح الكيان الصهيوني وهذا ما لا يخفى على الولايات المتحدة فساسة الصهاينة يدفعون منذ زمن بعيد باتجاه الحرب وإشراكهم فيها ونعتقد أن ما يجري في فلسطين لا ينفصل ولا يبتعد عما يجري في العراق على اعتبار أن التوجه الأميركي تجاه المنطقة ومستقبلها لا يفصل ما يحدث في فلسطين عما يحدث في العراق أو غيرها إن إقدام الولايات المتحدة على إصدار قرارها بشأن القدس يعني في حسابات السياسة الأميركية تأكيد التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني دون سواه وما عدا ذلك فقد أصبح على هامش هذه السياسة ليس مهماً بالنسبة لأميركا إن رضي العرب أو احتجوا فكل رضاهم وكل احتجاجاتهم لا تبلغ الحد الأدنى من الرد على أميركا وسياستها تجاه العرب والمسلمين حركات دينية يهودية وإنجيلية ربطت نفسها بما يسمى الهيكل : لاشك في أن الحركة الصهيونية بما حوته من تيارات فكرية دفعت باتجاه الربط المتواصل بين اليهود وبين ما يسمى بالهيكل وعلى الرغم من أن العلمانيين الصهاينة لا يستندون كثيراَ على البعد الديني في سلوكهم وتعاملهم الحياتي إلا أنهم جميعا سياسيين ومفكرين وجدوا في الحركات والأحزاب الدينية رصيداَ هائلا في تثبيت دعائم الفكرة الصهيونية في التوسع والعدوان وقد دفعوا ببعض الفئات الصهيونية لتربط نفسها فكرياًَ واستراتيجياً بما يسمى الهيكل وإعادة بناء المجد اليهودي الغابر من خلال هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل اليهودي مكانه وقد ظهرت هذه الحركات الصهيونية منذ قرون ولم تقتصر على اليهود بل برزت وبشكل قوي إبان الحروب الصليبية وعظم شأنها وأصبحت في طور من الأطوار منظمات مؤثرة في مسيرة التوجه الاستعماري الصليبي منظمة فرسان الهيكل : وهذه المنظمة أسسها فرسان صليبيون في القدس عام 1118م، وهي منظمة دينية عسكرية ادعت بأنها أنشئت لحماية الحجاج والقبر المقدس والذين أسسوها تسعة فرسان وخلال 200عام أصبحت هذه المنظمة من أقوى الكيانات التنظيمية نفوذاً في أوربا وقد قطع أعضاء هذه المنظمة عهداَ على أنفسهم أن يكرسوا سيوفهم وسلاحهم وأرواحهم للدفاع عن أسرار الديانة المسيحية كما فسرها البابا ومن العهود التي قطعوها عدم السماح لأنفسهم بالاستسلام أو التنازل عن شبر من الأرض إلى الأعداء وعدم التراجع حتى لو كان العدو يفوقهم عدداً اختاروا اسم فرسان الهيكل تسمية لهم وذلك باسم الهيكل الذي يدعون أن النبي سليمان قد شيده في القدس حيث خصص لهم الملك مقرات للمرابطة بالقرب من ذلك الهيكل وقد شاركوا في الحرب الإبادية ضد حجاج المسلمين بشكل عام وقاتلوا يوم حطين إلا أن سمعتهم العنصرية وأعمالهم الدموية الإجرامية دفعت بصلاح الدين والمسلمين لإبادة أكثر جنودهم حركة أمناء الهيكل : تعتبر من أخطر الحركات الصهيونية اليهودية المعاصرة ألفت نواة هذه الحركة بعد عام 1967م، وبدأ نشاطها العملي الإرهابي بشكل واسع منذ بداية الثمانيات وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة وتقوم نظريتها على أن إعادة بناء الهيكل مهمة ملحة وأولية لدى اليهود وهذا يتطلب تدمير المسجد الأقصى ومسجد عمر وجميع المقدسات الإسلامية في القدس وقد ركزت هذه الحركة جهودها على الأماكن المقدسة في الأرض المحتلة أعمال هذه الحركة قامت مجموعة يقدر عددها ب54عضواً ومن بينهم عشرة مجندين بمحاولة للتسلل إلى المسجد الأقصى في الساعة العاشرة والنصف ليلاً من خلال نفق يمتد عبر الحفريات من الناحية الجنوبية للمسجد خارج الأسوار وكانت الغاية من هذه المحاولة وضع اليد اليهودية على المسجد الأقصى تمهيداَ للسماح للمتدينين اليهود بالدخول إليه وتقسيمه على الأقل أو هدمه نهائياً إن أمكن وإقامة حجر أساس لبناء الهيكل الثالث المزعوم ويؤكد ضلوع سلطة الكيان الصهيوني وتورطها في هذه المؤامرة مع حركة أمناء الهيكل على المسجد الأقصى تلك الرسائل التي بعثت بها الحركة لكل من رئيس الوزراء ووزير الداخلية وإلى عدد من قادة الشرطة الصهاينة في القدس تطلب السماح لأعضائها بالدخول إلى المسجد الأقصى للاحتفال بما يسمى عيد الفصح ولإقامة الصلوات اليهودية فيه وكان من أعنف المحاولات ماحدث يوم 9/8/1981م، الذي يصادف ما يسمى ذكرى خراب الهيكل حيث حاولت مجموعة كبيرة من شبان الحركة التسلل أكثر من مرة ومن عدة أبواب إلى دخول المسجد الأقصى لإقامة الصلوات اليهودية فيه وقد كسروا باب المغاربة وحطموا قفل الباب وصعدوا إلى بناية التنكزية ولكن المسلمين تصدوا لهم وحالوا دون دخولهم وقد جاءت المحاولة ضمن خطة مرسومة لفرض الأمر الواقع اليهودي على المسجد وذلك على غرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل وفي 1/2/1983م، تمكن بعض أفراد هذه الحركة من الوصول إلى المسجد الإبراهيمي وإقامة صلوات يهودية فيه في هذه الأثناء كانت الصحافة الصهيونية تطالب ضمن مقالاتها وتعليقاتها بالسماح لليهود بإقامة الصلاة في المسجد الأقصى المبارك وفي 2/3/1983م، قامت مجموعة من حركة أمناء الهيكل وعدد أفرادها 15فرداَ مسلحين بالبنادق الرشاشة والسكاكين باقتحام باب السلسلة ومنه المسجد الأقصى بعد أن اعتدوا على أحد الحراس وطعنوه بالسكاكين ودخلوا إلى المصلى الذي يقع بين المغاربة والمسجد الأقصى وحدثت اشتباكات عنيفة بينهم وبين الحرس وقد أسفرت المواجهات عن إخلاء المقتحمين وقد أثار الاعتداء موجة عارمة من السخط في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة وشهدت مدينة القدس إضراباً شاملاًَ كما تظاهر المواطنون الفلسطينيون في نابلس وبير زيت ورام الله وغيرهما من المدن والقرى الفلسطينية وقد حاولت مجموعة من هذه الحركة الدخول إلى المسجد الأقصى بتاريخ 10/4/1983م، فتصدى لها حراس المسجد واستغل ذلك جندي صهيوني يدعى جودمان فاقتحم المسجد الأقصى وهو يطلق النار ما أدى إلى استشهاد اثنين من العرب وهما محمد اليماني 56عاماً وجهاد بدر 21عاماً ثم واصل إطلاق النار على المصليين ما أدى إلى سقوط 120جريحاً وحدوث حرائق في سجاد قبة الصخرة وإلى أضرار مادية جسيمة وفي ليلة الجمعة الموافق 27/1/1948م، قامت مجموعة يهودية مسلحة تنتمي لحركة أمناء الهيكل بمحاولة نسف المسجد الأقصى بعد اقتحامه من الناحيتين الشرقية بالقرب من باب الرحمة وقد نصبوا السلالم من الحبال وبدءوا محاولة الصعود إلا أن الحرس تصدوا لهم فلاذوا بالفرار تاركين وراءهم قنابل ومتفجرات وبعض الأقنعة وقد تبين من التحقيقات التي نشرت الصحف جانباً منها أن أفراد هذه المجموعة ينتمون إلى جماعة دينية متطرفة تطلق على نفسها اسم أبناء يهوذا وتشترك معها عناصر من حركة أمناء الهيكل وتتخذ من خرائب قرية لفتا العربية مقراً لها ومن بين أعضائها الذين نشرت الصحف أسماءهم يهوذا ليامي 31عاماَ وعوزي محسيا حمعليون 46عاماً وقد اعترف وزير الداخلية في الكيان الصهيوني آنذاك في جلسة الحكومة بأن كل القنابل والمتفجرات التي عثر عليها لدى المجموعة اليهودية هي من صنع الجيش الصهيوني وهذا يدل بشكل قاطع على أن عناصر قيادية في الجيش هي التي تمد المنظمات الدينية اليهودية في الكيان أما المجزرة التي قامت بها الحركة يوم الاثنين 8/10/1990م، فقد دبرت مسبقاَ حيث إن الحركة الدينية "أمناء الهيكل" كانت قد حضرت حجراً لوضعه في ساحة المسجد ليكون حجر الأساس لإقامة الهيكل وكانت الشرطة وعناصر الجيش تعرف مسبقاً بذلك وتعرف أن المسلمين لن يسكتوا على ذلك فإذا ما حاولوا منع أعضاء الحركة اليهودية فإنهم سيطلقون النار على المسلمين وفعلاًَ فقد حدث ذلك وحين بدأ العرب برشق جنود الحركة وأفراد عصابتها انهالوا مع أفراد الجيش والشرطة على المسلمين بإطلاق النار والغاز ما أدى إلى استشهاد 23مواطناً وجرح أكثر من أربعمائة حسب بعض المصادر وقد انتشرت الجثث في ساحة المسجد وسالت الدماء هنا وهناك وعلى الرغم من ذلك فإن حركة أمناء الهيكل وعلى لسان حاخامها صرحت أنه يجب العمل على طرد الفلسطينيين بأي وسيلة ولو كانت الإرهاب والقتل.