تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صهيو مسيحية أم صهيو أميركية؟
نشر في التجديد يوم 11 - 08 - 2004

ألقيت هذه الكلمة، تحت عنوان صهيو مسيحية أم صهيو أميركية؟، في ندوة فكرية في مركز الإمام الخميني الثقافي بيروت، في 8 أبريل 2003 ونشرت مع كلمات ومحاور أخرى في كتيب خاص ضمن سلسلة الندوات الفكرية التي يصدرها وينشرها المركز.
مقدمة
يسرني ويشرفي أن أكون هذا المساء ضيفاً على مركز الإمام الخميني الثقافي لأحدثكم عن موضوع من مواضيع الساعة في الوقت العصيب الذي يعيشه أهلنا الأعزاء في العراق ومعهم أهل فلسطين ولبنان وسوريا وكل البلدان العربية.
فالحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية وخليفتها إنكلترا على العراق هي حقا غزو استعماري جديد، لا أخلاقي، ولا شرعي، يطال ليس فقط الشعب العراقي بل أيضا جميع شعوب الشرق الأوسط ويهدد النظام العالمي والإستقرار في منطقتنا والعالم بأسره.
إن هذه الحرب التي أدانتها شعوب العالم بأسره بما فيه شعوب الدول المشاركة فيها والمؤيدة لها تتأسس على أيديولوجيا صهيونية استعمارية توسعية عنصرية، يرزح تحت آلتها العسكرية شعبنا في فلسطين، ويعاني من احتلالها جزء من أرض الشقيقة سوريا، وتصدت لها مقاومتنا اللبنانية الباسلة حتى دحرتها. وتتمثل تلك الأيديولوجيا الصهيونية في رموز السياسة الأميركية الحاكمة لا سيما في البيت الأبيض والبنتاغون، والتي قيل عن سيدها انه ينتمي الى تيار مسيحي أصولي يسمى صواباً أو خطأ تيارالصهيونية المسيحية. هذا التيار هو موضوع حديثي أمامكم ومعكم هذا المساء، وقد صيغ عن حكمة بشكل سؤال يبحث فيما إذا كانت الصهيونية هي صهيونية مسيحية أم هي صهيونية أميركية تتخذ من مسيحية هجينة وغريبة عن التراثات المسيحية الأصيلة غطاءاً دينياً لها تضفي به شرعية على سياساتها المشبوهة.
المنهجية العلمية الموضوعية تضطرني الى أن أبدأ بتعريف المصطلحات ومن ثم الى ابراز الجذور التاريخية واللاهوتية للصهيونية المسيحية منتهيا بالحديث عن تطبيقاتها السياسية وخطرها في آن معاً على المسيحية وعلى أمن وسلامة شعوب منطقتنا.
في التعريف والمصطلحات
تم تعريف الصهيونية المسيحية على انها الدعم المسيحي للصهيونية. وقد قيل أيضاً أنها حركة قومية تعمل من أجل عودة الشعب اليهودي الى فلسطين وسيادة اليهود على الأرض. ويعتبر الصهيونيون المسيحيون أنفسهم كمدافعين عن الشعب اليهودي وخاصة دولة اسرائيل ويتضمن هذا الدعم معارضة كل من ينتقد أو يعادي اسرائيل.
والتر ريغنز الأمين العام لما يسمى السفارة المسيحية الدولية وهي من أحدث وأخطر المؤسسات الصهيونية ومركزها في القدس، يعرف اصطلاح الصهيونية المسيحية بطريقة سياسية وعلى أنه -أي التعريف- أي مسيحي يدعم الهدف الصهيوني لدولة اسرائيل وجيشها وحكومتها وثقافتها الخ.
أما القس جيري فالويل مؤسس جماعة العمل االسياسي الأصولي المسماة الأغلبية الأخلاقية وهو الذي منذ فترة تكلم واتهم دين الإسلام بأنه دين إرهابي، فإنه يقول: إن من يؤمن بالكتاب المقدس حقاً يرى المسيحية ودولة اسرائيل الحديثة مترابطتين على نحو لا ينفصم، إن إعادة إنشاء دولة اسرائيل في العام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين لهي في نظر كل مسيحي مؤمن بالكتاب المقدس تحقيق لنبوءات العهدين القديم والجديد. سنتعرض لهذه المسألة بعد قليل، إنما وفي ختام التعريفات أقول إن الصهيونية المسيحية في نهاية المطاف تعبر، وكما جاء في بيان اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط في أبريل عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين (1986)، عن مأساة في استعمال الكتاب المقدس، واستغلال المشاعر الدينية في محاولة تقديس إنشاء دولة ما، وتسويغ سياسات حكومة مخصوصة.
إذن لا يوجد مكان للصهيونية المسيحية في الشرق الأوسط، ويجب أن تنبذ من قبل الكنيسة العالمية، إنها تشويه خطير وانحراف كبير عن الإيمان المسيحي الحقيقي المتركز في السيد المسيح كما أنها تدافع عن برنامج سياسي قومي يعتبر الجنس اليهودي متفوقاً. وكما وصفها أحد القادة في الكنيسة الأنغليكانية:إن إعطاء وكيل عقارات إلى الله يحطم القلب...إنهم لا يكترثون بالمسيح أبداً. وبكلمات رجل دين فلسطيني محلي :إنهم أدوات تدمير وخراب، وهم لا يعطون أي اعتبار أو أهمية للمسيحيين الأصليين في هذه البلاد.
جذور تاريخية ودينية
نشأت الصهيونية المسيحية، وكما نعرفها اليوم، في انكلترا في القرن السابع عشر، حيث تم ربطها بالسياسة، ولا سيما بتصور دولة يهودية تتميماً حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، وانتقلت في مرحلة ثانية الى الولايات المتحدة الأميركية، حيث أخذت أبعاداً سياسية واضحة وثابتة كما أخذت بعداً دولياً.
سنتحدث باقتضاب عن هاتين الحقبتين في تاريخ الصهيونية المسيحية، ولكن قبل ذلك لا بد لي أن أشير الى الجذور الفكرية أو النظرية لهذا التيار وذلك ما قبل القرن السادس عشر.
الألفية كتمهيد للصهيونية المسيحية
الصهيونية المسيحية هي أيديولوجيا دينية رؤيوية سياسية حديثة العهد نسبياً، لكن جذورها تتصل بتيار ديني يعود الى القرن الأول للمسيحية ويسمى بتيار الألفية Millenarianism. والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين الذين هم من أصل يهودي، وهو يعود الى استمرارهم في الاعتقاد بالمشيحية الزمنية -المشيحية كلمة من أصل عبري وإلى تأويلهم اللفظي لما ورد في سفر رؤيا يوحنا - 20/,63 وهو أن المسيح سيعود الى هذا العالم محاطاً بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سُموا بالألفية. ولربما أن هرطقة مونتانوس الفريجي، حوالي عام مئة واثنان وسبعون، كانت التعبير الأكثر وضوحاً عن النتائج العلمية للحركة الألفية، فلقد اعتبر هذا الأخير أن حياة أعضاء الكنيسة الروحية والأخلاقية قد تدهورت كثيرا بسبب تأثير العالم السيء عليها، فأراد أن يرجعها إلى العصر الرسولي الأول، وقد ادعى أنه النبي الجديد الذي أوكل الله إليه هذه المهمة، فراح يبشر بقرب نزول أورشليم السماوية، ومجيء السيد الى فريجية العليا(آسيا الصغرى) لتأسيس مملكته الأرضية ذات الألف عام.
وبقيت الحركة الألفية في مد وجزر. ففي القرون الوسطى اعتنق الألفيون أكثر فأكثر عقائد مسيحية ابتعدت عن الإيمان القويم، كما أنهم وقفوا موقفاً معاديا لروما وللباباوية وللكثلكة. وابتداءً من نهاية القرن الحادي عشر، نرى الحركات الألفية تنضوي بكثرة تحت لواء الحملات الصليبية، لكن حتى القرن السابع عشر، لم تحمل الحركة الألفية (أي عودة السيد الثانية وحكمه ألف سنة) أي طابع يهودي يشير الى عودة اليهود الى فلسطين.
الصهيونية المسيحية البريطانية
إلا أن بوادر تفسير الكتب المقدسة تفسيراً حرفيا وربطها بالسياسة، ولا سيما بتصور دولة يهودية تتميما خحسب زعم الألفيين- لنبوءة الكتاب المقدس، فقد بدأت بشكل بارز في بريطانيا في القرن السابع عشر.
وقد تسارع هذا التطور إبان العصر الطهري البيوريتاني، بعد أن كانت تلك المعتقدات الألفية قد تراجعت في العهد الإلزابيتي. فمن هذا الإتجاه نذكر:
- استعمال العبرية لغة للصلاة في الكنائس.
- نقل يوم ذكرى قيام السيد المسيح من يوم الأحد الى يوم السبت اليهودي.
- مطالبة بعض البيوريتانيين الحكومة بأن تعلن التوراة أي العهد القديم دستوراً لبريطانيا.
- ونجد في العام ألف وخمسمائة وثمانية وثمانين (1588) رجلاً بريطانيا من رجال الدين واسمه بريتمان (1607/1562)، يدعو الى إعادة اليهود الى الأراضي المقدسة تتميماً لنبوءة الكتاب المقدس.
- وفي العام ألف وستماية وخمسة عشر (1615) دعا البرلماني البريطاني السير هنري فينش الحكومة الى دعم عودة اليهود الى فلسطين حيث كتب:ليس اليهود قلة مبعثرة، بل إنهم أمة، ستعود أمة اليهود الى وطنها، وستعمر كل زوايا الأرض..وسيعيش اليهود بسلام في وطنهم الى الأبد. إلا أن الركيزة الدينية /السياسية/ الأيديولوجية الأولى للصهيونية المسيحية في بريطانيا قامت على يد أوليفر كرومويل، فقد كان هذا الأخير على مدى عشر سنوات (1959/1949) رئيسا للمحفل البيوريتاني، وهو الذي دعا الى عقد مؤتمر عام ألف وستمائة وخمسة وخمسين (1655) للتشريع لعودة اليهود الى بريطانيا، أي إلغاء قانون النفي الذي اتخذه الملك إدوارد. ففي هذا المؤتمر تم ربط الصهيونية المسيحية بالمصالح الاستراتيجية لبريطانيا، ومن خلال عملية الربط تلك تحمس كرومويل لمشروع التوطين اليهودي في فلسطين منذ ذلك الوقت المبكر.
بعد العام ألف وثمانمائة برزالقس لويس واي الذي صار مدير الجمعية اللندنية لترويج المسيحية بين اليهود في العام ألف وثمانماية وتسعة (1809)، وقد تحولت الجمعية بجهوده قوة كبرى في التعبير عن عقائد الصهيونية المسيحية بما فيها عودة اليهود الى فلسطين.
شخصية أخرى ساهمت في تطوير هذا الاتجاه في بريطانيا هو الشريف هنري دارموند عضو مجلس العموم البريطاني. فقد تخلى دارموند عن عمله السياسي بعد زيارة الأرض المقدسة ونذر حياته لتعليم الأصولية المسيحية والكتابة عنها وعن صلتها بعودة اليهود الى فلسطين.
أما اللورد شافتسبوري (1885/1818)، وهو من أكابر المصلحين الاجتماعيين الإنجيليين البريطانيين، وقد عمل لتخليص بريطانيا من العبودية، ومن ممارسات تشغيل الأحداث الظالمة، فقد كان من الألفيين المتحمسين والمناضلين من أجل عودة اليهود الى فلسطين، وكانت نظرته تتسم الى حد بعيد بالعداء لليهود، إذ كان يفضل رؤيتهم يقيمون بالأراضي المقدسة بدلا من أنكلترا.
وأشد الصهيونيين المسيحيين البريطانيين ضلوعاً في السياسة فهو القس ويليام ه هشلر(1931/1845). فقد عمل في السفارة البريطانية بفيينا ونظم عملية تهجير اليهود الروس الى فلسطين. وفي العام ألف وثمانمائة وأربعة وتسعين (1894) نشر كتاباً عنوانه عودة اليهود الى فلسطين وطرح هذه العودة على قاعدة تطبيق النبوءات الدينية الواردة في العهد القديم، والأهم من كل ذلك أنه كان من المؤمنين المتحمسين لأبي الصهيونية تيودور هرتزل وقد أتاح هشلر الدعم السياسي والاتصالات لهرتزل خلال المرحلة الحاسمة، وبذل مساعيه في اللوبي من أجل القضية الصهيونية لمدة تناهز الثلاثين سنة.
وأخيراً، لا بد من ذكر اسم اللورد آرثر بلفور مهندس وعد بلفور الذي صدر في العام ألف وتسعمائة وسبعة عشر (1917). لقد كان بلفور من الألفيين ومن الصهيونيين المسيحيين، وقد أدت لقاءاته بكل من تيودور هرتزل وحاييم وايتزمان الى ما يقارب الانسجام، رغم أنه كان معروفاً عنه بمواقفه المعادية لليهود.
نهاية العالم على الطريقة الأميركية
انتقلت في القرن العشرين الصهيونية المسيحية الى الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما بعد إنشاء دولة اسرائيل وترجمت بعض الآيات الدينية بعد ان حرفت تفاسيرها الروحية ترجمةً سياسية مباشرة صبت بقوة في دعم دولة اسرائيل. واستخدم الصهيونيون المسيحيون الأميركيون وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل منقطع النظير لنشر أفكارهم وأوهامهم وأحلامهم ومعتقداتهم.
فإذا أخذنا على سبيل المثال، نهاية العالم كما تتصوره الصهيونية المسيحية، وجدنا فيه بعض الملامح التي ترافق الغزو الأميركي الحاصل حاليا على العراق، وقبل ذلك، بعض الملامح هي رد الإدارة الأميركية الحالية على أحداث الحادي عشر من شتنبر ألفان وواحد (2001)، وذلك بشن حملة إرهاب في العالم أجمع تصدياً على حد زعمها للإرهاب الذي طالها.
هذا وإن نهاية العالم على الطريقة الأميركية الصهيونية تستند شكلاً على بعض أسفار العهد القديم، كسفر حزقيال وسفر دانيال، ومن العهد الجديد على سفر رؤيا يوحنا، وتستنتج أن العالم كما نعرفه قد أشرف على النهاية، وأن ألفا من السنين سيبدأ بعد هذه النهاية، وهو يتميز بالسلام ووفرة الخيرات والأخوة بين الناس، وسيحل السلام بين الحيوانات أيضاً. العالم آت الى نهاية - حسب زعمهم- لا بفعل جنون جنرال أو سياسي يشعل الحرب النووية، بل لأن هذا هو قصد الله. نهاية العالم ليست مدعاة للقلق بنظر الألفيين لأنها تمهد لمجيء المسيح الثاني. لكن قبل هذا المجيء على بعض الأحداث أن تقع، إنها علامات الأزمنة أي تبشير العالم، وعودة اليهود، وإعادة بناء دولة اسرائيل وظهور المسيح الدجال وموجة من الصراعات. كل هذا يتوج بمعركة هرمجدون وهي قرية مذكورة في سفر الرؤيا، وتقع إلى شمال القدس حيث تزج الأمم الكبيرة في معركة بين الحق والباطل وعند اقتراب إفناء العالم يظهر المسيح. وهناك أكثر من رواية تفصيلية لهذا الحدث الانقضائي، لا مجال لذكرها هنا، لكن المهم في هذا التصور الرؤيوي أن السلاح النووي يصبح عندئذ أداة لتحقيق مقاصد الله، وأن الميل
الى تفسير أحداث السياسة الدولية بمنظور نهاية العالم يصبح مشروعاً، لا بل ضرورياً، علماً بأن دعاة الألفية مجمعون على اعتبار الشرق الأوسط مسرحا للحرب-الكارثة المذكورة أعلاه.
نقطة الإرتكاز اللاهوتية القدرية
معظم المسيحيين الأصوليين هؤلاء، إن لم يكن كلهم، يسلمون بمذهب القدرية أو كما يسميها البعض أيضاً التدبيرية. والقدرية هي محاولة لتفسير تاريخ علاقة الله بالبشر بأحوال وأحقاب مخصوصة.
يقول س.أي.سكوفيلد، من أكابر الناطقين بهذا المذهب: كل قدر دور من الزمان يمتحن فيه البشر حسبما أوحاه الله من وحي مخصوص.
ويجمع منظرو القدرية في معظمهم على سبعة أقدار أو حقبات زمنية تدل على تطور علاقة الله بالبشر، حيث يمتحن الله الجنس البشري في إطاعة إرادته. القدر السادس من هذه الأقدار هو الحقبة الحالية، أي دور الكنيسة والنعمة، وينتهي بعودة المسيح لإقامة مملكته الألفية، وهذا هو الدور السابع.
إن هذا المذهب يرتكز على افتراضين:
الافتراض الأول هو الفصل ما بين اسرائيل (أي الشعب اليهودي،شعب الله على الأرض) والكنيسة (أي شعب الله في السماء).
أما الافتراض الثاني فهو وجوب تفسير الكتاب المقدس دائماً بطريقة حرفية.
وهكذا يؤدي هذا المذهب الى أقله نتيجتين:
الأولى: أن الأرض هي ملك للشعب اليهودي
والثانية:أن النبوءات المتعلقة برجوع اليهود في الشتات الى الأرض قد تحققت ثانية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
من هنا نتبيين كم أن هذا المذهب هو من جهة تحريف للمسيحية، ومن جهة ثانية أيديولوجيا سياسية عنصرية.
السفارة المسيحية والبعد الدولي للصهيونية المسيحية
إن التأييد المسيحي الأصولي لإسرائيل يستند عند الكثيرين كما رأينا الى رؤية للعالم، أو بالأحرى لنهايته، تفترض تبشير اليهود. ولكن، هل أن تبشير اليهود يرضي اليهود؟ وأنا دائما أسأل هذا السؤال. يبدو أن هذا الأمر لا يثير مشكلة كبيرة لدى الساسة الصهاينة، ولو أنه يزرع الشك في نفوس بعض المتشددين اليهود، ذلك أن أولوية كسب التأييد السياسي لدولة اسرائيل تغلب الاعتبارات الدينية الصرفة.
مع ذلك، فإن مواقف أصولية مسيحية صهيونية، ورغبة منها بتطمين اليهود، راحت تقول بعدم تبشير اليهود، بل بالوقوف الى جانبهم - تعزيتهمعلى حسب ما جاء في سفر أشعياء في التوراة - 2401 عزوا شعبي يقول إلهكم، طيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهازها قد كمل.
أبرز ممثلي هذا التيار وأخطرهم اليوم هم جماعة السفارة المسيحية العالمية في القدس. تأسست هذه السفارة في العام ألف وتسعمائة وثمانين (1980) رداً على سحب ثلاثة عشرة دولة سفاراتها من القدس استنكاراً لإعلانها عاصمة لإسرائيل، ولهذه السفارة فروع في خمسين دولة في العالم، ولها في الولايات المتحدة الأميركية عشرون مكتباً قنصلياً. المكاتب تقوم بعمل دعائي من مختلف الأنواع، وتجمع المساعدات المالية والعينية وتسوق البضائع الإسرائيلية. من نشاطات السفارة المؤتمر الدولي للقادة المسيحيين الصهاينة الذي عقد في بازل (سويسرا) خلال شهر غشت عام ألف وتسعماية وخمسة وثمانين (1985) والذي انتهى الى إصدار بيان، يضيف الى تكرار المواقف التقليدية المؤيدة لدولة اسرائيل و التائبة عن اللاسامية، تهنئة لدولة اسرائيل ومواطنيها على إنجازات الأربعين سنة الأخيرة، ودعوة للاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وبيهودا والسامرة (الضفة الغربية) كأجزاء من أرض إسرائيل، وتحذيراً للأمم التي تعادي الشعب اليهودي.
لقد أدان مجلس كنائس الشرق الأوسط هذا البيان بشدة. إن السفارة المسيحية في القدس هي مثال واضح ومفضوح لانحياز التيار المسيحي الأميركي الأصولي لدولة إسرائيل، و لتوظيف الدين توظيفاً مغرضاً في السياسة.
وهناك عدة أصناف من السلوك تصف الصهيونيين المسيحيين كأصدقاء لإسرائيل ومنها:
1تشجيع الحوار ما بين اليهود والمسيحيين
2مقاومة معاداة السامية
3التعريف بالأصول اليهودية للإيمان المسيحي والتركيز عليها لدرجة تبدو فيها المسيحية وكأنها إحدى الطوائف اليهودية.
4العمل الإنساني بين اللاجئين اليهود.
5مقاومة المواقف اليهودية المعتدلة التي تسعى الى التفاوض بموجب مبدأ الأرض مقابل السلام
الصهيونية المسيحية في ميزان الكنائس الأميركية
تقول الكاتبة هيلينه كوبان: قرأنا جميعا التحليلات الإخبارية التي تشير الى ان أقوى دعم سياسي حصل عليه أرييل شارون في الولايات المتحدة الأميركية لم يكن من الطائفة اليهودية الأميركية، ولكن من الجمعيات القوية لليمين المسيحي، هل هذا يعني أن جميع المسيحيين تقريبا في الولايات المتحدة أصبحوا ضد المصالح الفلسطينية والإسلامية والعربية؟ وهل يعني هذا أن المجتمع الأميركي على وشك أو تسيطر عليه الرغبة القوية ليحول مواجهة دولته مع المجتمع الإسلامي الى حملات صليبية عدائية؟
وتجيب الكاتبة على هذا التساؤل الذي هو حقا في مكانه قائلة:لحسن الحظ فإن الحالة داخل المجتمع الأميركي ليست سيئة لهذا الحد. فمع أن جمعيات اليمين المسيحي قوية الا أنها ليست على وشك أن تسيطر على كل المجتمع الأميركي ومن المفيد ان نذكر هنا أن نسبة صغيرة فقط من المسيحيين الأميركيين تدعم برنامج الشرق الأوسط للجمعيات التابعة لليمين المسيحي، غير أن المشكلة تكمن في أن اليمين المسيحي هو في أفضل درجات التنظيم، وله تأثير فعال في العمل السياسي بينما الطوائف والجمعيات المسيحية غير اليمينية ليست بذات التنظيم الكبير، لكن هذا الوضع يجب أن يتغير.
ما تقوله هيلينه كوبان هو عين الصواب. ففي الواقع تمثل الصهيونية المسيحية عدديا نسبة ضئيلة ما بين الكنائس الأميركية، لكنها نسبة فاعلة جدا، وتقود جماعات الصهيونية المسيحية جمعيات من المعمدانيين الجنوبيين Southern Baptists، هذا ويشكل المعمدانيون بمجملهم مع الكنائس الأخرى ذات التوجه اليميني وليس فقط المعمدانيون الجنوبيون نسبة تبلغ حوالي الستة عشر بالمئة فقط من السكان، أما الطوائف البروتستانتية الأربع الكبيرة غير المعمدانية أي المثوديست واللوثريون والمشيخيون والأنغليكان أو الأسقفيون فإنها تشكل نسبة خمسة عشر بالمئة من عدد السكان، ومن الأهمية بمكان أن هذه الطوائف الأربع بالإضافة الى الكاثوليك والطوائف الأرثودوكسية هي متعاطفة عموماً مع القضية الفلسطينية وجميعها حتى كنيسة الميثوديست التي ينتمي اليها شكلاً الرئيس جورج دبليو بوش قد أصدرت بيانات نددت فيها بالحرب على العراق ووصفتها بأنها حرب لا أخلاقية ولا شرعية ومدانة مسيحيا.
كيف نواجه الصهيونية المسيحية؟
إذا كانت الإدارة الأميركية الحالية يطغى عليها الصهاينة واليهود، من أعلى مستويات السلطة الى العديدين من المستشارين، وإذا كان الرئيس الأميركي الحالي هو أكثر الرؤساء افتتاناً بالنظريات الرؤيوية للصهيونيين المسيحيين، وأكثر بكثير مما كان عليه الرئيس جيمي كارتر والرئيس رونالد ريغان، فهل بات تصويب الأمور أمراً مستعصياً؟ وهل الصهيونية والصهيونية المسيحية قدر حتم علينا أن نتلقى ضرباته ونستسلم لحق القوة الذي ينتصر به على قوة الحق؟
كلا! وعلينا أن نقاوم. علينا أن نقاوم لأننا أصحاب حق ولأننا أبناء الحق والعدل والسلام. وكما أن المقاومة اللبنانية الباسلة قد دحرت الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبارة علينا كل من موقعه أن يلتزم مقاومته! أجل ، كل منا، الدولة والأحزاب وهيئات المجتمع المدني والكنائس و.. وهنا اسمحوا لي أيها الأعزاء أن أحدثكم باختصار شديد بما قام ويقوم به مجلس كنائس الشرق الأوسط للتصدي لمشكلة الصهيونية عامة والصهيونية المسيحية خاصة.
أولاً: لقد وضع مجلس كنائس الشرق الأوسط في أولى اهتماماته الالتزام بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي والحوار الإسلامي المسيحي في سبيل إنماء العيش المشترك لا بل العيش الواحد. وجميع هذه المواضيع تصب في خانة مواجهة الصهيونية أكانت اسرائيلية أم مسيحية أم غيرذلك. وهكذا كثف مجلسنا، لا سيما في السنوات الأخيرة، عمله بشكل استثنائي مع الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي بإقامة الندوات المحلية والإقليمية والدولية لمعالجة آثار صهينة السياسة العالمية، وأذكر من هذه الندوات أهمها فقط:
مسلمون ومسيحيون معاً من أجل القدس، يونيو 1996
التراث الإبراهيمي والحوار الإسلامي المسيحي، يوليو 1998
العيش المشترك والتوترات الدينية، مارس 2000
رفع الحصار المفروض على العراق، أكتوبر 2001
مسلمون ومسيحيون معاً في مواجهة التحديات الراهنة، ديسمبر 2002
هذا بالإضافة الى لقاءات وتحركات كتلك التي قمنا بها إبان إصدار القانون الأميركي المتعلق بموضوع الاضطهاد الديني وغير ذلك، وحينها ذهبت الى الكونغرس لأشهد على عدم صحة ما تقوله الإدارة الأميركية من اضطهاد ديني في الشرق الأوسط.
ثانيا: أما في ما يتعلق بمواجهة الإعلام الصهيوني الذي يطغى على الإعلام الغربي، لا سيما في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، فيحرف الحقائق ويكوّن رأياً عاماً منحازاً لإسرائيل، فإن مجلس كنائس الشرق الأوسط يعمل عبر قنوات محددة يستطيع من خلالها مخاطبة الرأي العام الغربي ولو جزئياً لتصحيح ما أمكن من ملامح الصورة المشوهة عن أبناء الشرق الأوسط والمسلمين والإسلام والعرب. هذه القنوات تتمثل بشكل رئيسي بشركاء مجلس كنائس الشرق الأوسط أي مجالس الكنيسة العالمية والإقليمية والمحلية.
وهكذا فقد تم تشكيل ما يسمى بمجموعات عمل حول الشرق الأوسط قمنا بها لكي تكون موازية في عملها للسفارة المسيحية الصهيونية في القدس وذلك في عدد من الولايات في أميركا الشمالية، وتقوم هذه المجموعات باستقبال وفود عربية، وبشكل خاص فلسطينية لتسمع منها ما يجري حقيقةً على الساحة الشرق أوسطية، كما قام أيضاً مجلسنا بدعوة وفود من معظم تلك المجالس الكنسية لزيارة بلدان الشرق الأوسط للتعرف عن كثب على حقيقة واقعنا، وهكذا أصدرت تلك الوفود الغربية بعد عودتها بيانات وجهتها ليس فقط الى أبناء كنائسها، بل أيضا الى جميع مواطنيها، وتضمنت صورة مختلفة أقله جزئياً عن تلك التي يحملها الرأي العام الغربي عما نحن عليه فعلا وعما نريده من حق وعدل وسلام. وكمثال عن هذه الوفود هناك خمسون أميركياً جاؤوا تقريبا منذ سبعة أشهر إلى هنا، عدد كبير منهم كانوا من الجماعة الإنجيلية لا يعرفون أين هم مع اليمين المسيحي المتطرف أم المعتدل، هؤلاء بعد زيارتهم يوم كامل برعاية حزب الله في ذلك الوقت وبعدما رأوا وسمعوا قالوا هل نستطيع أن نبقى في الجنوب لثلاثة أيام؟ وعادوا بفكر مختلف تماماً عما صور لهم قبل مجيئهم إلى لبنان وقبل ذهابهم إلى
الجنوب.
أريد أن أقول البعض حذرهم ليس فقط من الذهاب الى الجنوب، بل المجيء الى لبنان، وأنهم قد يقومون بقتلهم لأنهم إرهابيون ومجرمون. هذه الصورة تغيرت. نحن نريد أشخاصاً هكذا ليعلموا الغير ما يحدث فعلاً ويصححوا الصورة المشوهة.
أخيراً لا آخراً وفيما يتعلق بالصهيونية المسيحية بالذات، فلقد أدرك مجلس كنائس الشرق الأوسط تمام الإدراك خطورة هذا التيار ليس فقط على القضية الفلسطينية بل أيضا على العلاقات الإسلامية المسيحية، وعلى المسيحيين الشرقيين، وهكذا كان مجلسنا أول من أدان المؤتمر الصهيوني الذي عقدته السفارة المسيحية في أبريل من عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين (1985)، والذي ذكرناه سابقاً ومما جاء في بيان اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط: إننا ندين سوء استعمال الكتاب المقدس والتلاعب بمشاعر المسيحيين في محاولة لتقديس إنشاء دولة من الدول وتسويغ سياسات حكوماتها. وقد ألّف المجلس فريق عمل خاص بالصهيونية المسيحية، وأصدر في العام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين (1988) كتيباً باللغة الإنكليزية يعرف بهذا التيار ويفند مزاعمه ويفضح أطروحاته ويدين أهدافه المشبوهة. ولقد صدرت ترجمة هذا الكتيب الى العربية في العام واحد وتسعين (1991) وقد نفذت هذه الطبعة ونعمل على إصدارها من جديد.
خاتمة
ختاماً أود التاكيد أمام حضرتكم على المسائل التالية:
أولاً: إن ما يسمى بالصهيونية المسيحية لا يمت بصلة الى المسيحية بجميع كنائسها وطوائفها. إنها اقتناص للمسيحية لوضعها رهينة في خدمة مصالح الصهيونية، وهي تشويه مشبوه الغايات لبعض ما جاء في أسفار الكتب المقدسة.
ثانيا: إنها مؤامرة حيكت ضد المسيحيين عامةً في العالم والمسيحيين العرب خاصة، فهي تضرب كل مشروع حواري ما بين المسيحية والإسلام، وتبرر أطروحات صراع الحضارات والأديان، ولا سيما المسيحية والإسلام، وهي تستهدف ضرب العيش المشترك الإسلامي المسيحي في دنيا العرب، ذلك العيش الذي مارسناه معاً وما زلنا بحلوه ومره منذ بداية الإسلام وحتى أيامنا هذه وبدون انقطاع.
ثالثاً : إن هذا الأمر يطرح علينا جميعاً تحديا كبيرا وهو بناء الوعي الذي يمنع تزييف الدين واستخدامه في تبرير سياسات الظلم والعدوان أو إضفاء القدسية على أحلام وأوهام مدمرة.
رابعاً: ولما كان منظمو هذه الندوة قد وضعوا لمحاضرتي هذه ،عنوان:صهيو مسيحية أو صهيو أميركية؟ فلعلني بحديثي هذا قد أجبت على هذا التساؤل، وإذا ما استعدت ما قلته ووضعته في جملة أو جملتين، فإني أقول الصهيونية والمسيحية نقيضان، كما العنصرية والاصطفاء والاستعمار والاستكبار والظلم على نقيض مع المحبة والتواضع والأخوة والعدل والحق والسلام. أما أن تستخدم الصهيونية الأميركية المسيحية قناعاً ووسيلة وتبريراً لمشاريعها فإن هذا الأمر حاصل للأسف اليوم في أميركا ويمكن لا سمح الله أن يحصل في أي بلد آخر. الكلمة الفصل فيما يعنينا نحن المسيحيين هي قول السيد المسيحمن ثمارهم تعرفونهم.
خامساً وأخيراً : ولما كنا في هذه الأيام العصيبة نعيش مأساة أهلنا في العراق ونخشى أن تطال هذه المأساة شعوب منطقتنا، كما نخشى أن تعطى لهذا الصراع أبعاد ليست هي أبعاده الحقيقية كالحرب الصليبية، أنوّه هنا بالتقدير لجميع قيادات بلدنا سياسيين ودينيين الذي يعملون على تعميق الوحدة الوطنية والتضامن والتصدي لانحرافات محتملة قد تفسد وحدتنا وتضامننا، وأخص بتقديري سماحة السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله الذي قال منذ أيام امام عشرات آلاف اللبنانيين:لنفتش عن شعار آخر لهذه الحرب الأميركية على العراق غيرالحرب الصليبية.
أجل ، لنفتش معاً عن الشعارات الحقيقية لهذه الحرب، التي كشفت الوقائع ظلمها، ولنعمل معاً لرد هجمة حق القوة، ولنصرة قوة الحق، وإن الله الذي هو على كل شيء قدير لسميع مجيب. وشكراً للجميع .
الدكتور القس رياض جرجور
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
خدمة ل"التجديد"-مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية/لندن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.