استقبلت البرازيل في الشهور الماضية البابا بنديكتوس السادس عشر، وهي الزيارة الأولى له لأمريكا اللاتينية، لوقف الزحف البروتستانتي تجاه الكنائس الكاثوليكية! وتعتبر أمريكا اللاتينية القلب النابض للكاثوليكية في العالم، حيث تضم نصف كاثوليك الكرة الأرضية، أي حوالي 415 مليونا..وكان البابا قد سماها قبل أيام من موعد زيارتها بقارة (الأمل) أو(الرجاء). وتعد البرازيل من أكبر الدول الكاثوليكية، فمنذ 10 سنوات كان 88% من سكانها يدينون بالكاثوليكية، وتراجع الرقم حاليا إلى 64% حسب إحصائية مؤسسة “داتافوليا”. وتشهد الحالة الدينية في البرازيل تنوعا كبيرا، فكل ما يعرض على أرضها من عقائد ومذاهب وديانات وأيديولوجيات وتيارات فكرية متنوعة يلقى رواجا وأنصارا وأتباعا، ولو أن المسلمين أحسنوا عرض دينهم وتطبيق أخلاقه على أرضية الواقع لكان الإسلام أكثر الأديان انتشارا، وهذا ما لم يحدث للأسف، ومازالت نسبتهم لاتتعدى 1% .. ويعود تاريخ الديانة الكاثوليكية في البرازيل وأمريكا اللاتينية إلى اكتشاف القارة على يد”كريستوف كولومبس” وأخذت في التوسع إبان الاستعمار الإسباني والبرتغالي والهجرة الإيطالية..إلا أنها بدأت تتقلص بعد ذلك بسبب الانحراف الذي طرأ على الكنيسة والقائمين عليها من رجال الدين، وبهذا أفقدت قوتها الجماهيرية بعد أن أصبح أتباع هذه الكنائس يجدون الملاذ في عتبات الكنائس البروتستانتية والأرثوذوكسية والبوذية والمعابد اليهودية والمساجد الإسلامية، الأمر الذي أقلق بابا روما السابق “يوحانابولس الثاني” فتوالت زياراته إلى البرازيل؛ فكانت الأولى في عام 1982، والثانية في عام 1986، والثالثة في عام 1991 لحث أتباعه على التمسك بمذهبهم وعقيدتهم الكاثوليكية . ولازالت الكنائس الإنجيلية (البروتستانتية) تحقق نجاحات كبيرة في جذب الأتباع، خصوصا في مدن الصفيح الفقيرة في ضواحي المدن البرازيلية الكبيرة. ومن المؤسف جدا أن الكنائس البروتستانتية (الإنجيليون الجدد) بدأت تسيطر عليهم النزعة الأصولية المتطرفة تجاه الإسلام والمسلمين، بحيث أقنعتهم بعض الأيادي الخفية والتي لها المصلحة في تطاحن الأديان مع بعضها البعض، بأن السيد المسيح عليه السلام سيعود قريبا إلى مسقط رأسه ووطنه (فلسطين) لكن فلسطين- كما أوهموهم- محاصرة بالأعداء والكفار من المسلمين، ومن ثم لابد من مساعدتهم على تحريرها وإيجاد مناخ وظروف دولية وسياسية واقتصادية ونفسية وعسكرية وأمنية ملائمة لعودة السيد المسيح إلى وطنه سالما غانما. فجند هذا الفصيل المسيحي جميع قدراته المادية والمعنوية والإعلامية في خدمة قضية أرض الأجداد والميعاد، وأعلن عداءه الشديد للإسلام والمسلمين وجميع المذاهب المسيحية الأخرى..هذا التوجه الجديد في الحقل الديني المسيحي بالبرازيل وأمريكا اللاتينية بدأ يسيطر سيطرة تامة، فبعد 20 سنة من ظهوره أصبح يملك كبريات الكناس في جميع المدن البرازيلية، وخاصة مدينة ساوباولو، وريوديجانيرو، وبرازيليا، وفوزدي كواسو، وكوريتيبا..وغيرها من المدن، ويقدر أتباع هؤلاء بالملايين، الأمر الذي أدخل الرعب في قلوب المذاهب المسيحية الأخرى، وخصوصا المذهب الكاثوليكي الذي كان يعتبر قارة أمريكا اللاتينية قارة كاثوليكية بدون نزاع .. وبسبب الفراغ والضعف الذي نجم عن تراجع دور الكنيسة الكاثوليكية نشطت تيارات جديدة وغريبة، فقد وجد أتباع (شهود يهوه) وحركة (عباد الشيطان) وجمعيات الشواذ، بجانب العشرات من الجماعات البوذية والروحانية وغير ذلك من الأفكار والأيديولوجيات التي لا تعد ولا تحصى.. ولعزوف الشباب البرازيلي عن التدين وانغماسهم في الشهوات والملذات، وبعدهم عن الكنيسة، اجتمع البابا السادس عشر في زيارته الأولى إلى البرازيل مع ما يزيد عن 40 ألف شاب كاثوليكي في ملعب كرة القدم بمدينة ساوباولو، دعاهم من خلال هذا التجمع إلى مقاومة فخاخ الشر والعنف والمخدرات..كما حذرهم من ممارسة الجنس خارج إطار الزواج الشرعي، ودعا الفتيات الكاثوليكيات إلى المحافظة على بكارتهن، لكن هذه الخطابات التقليدية للبابا قوبلت بالرفض من طرف الكثير من المثقفين والسياسيين والحقوقيين ..متهمين إياه بالشرطي العالمي الجديد الذي يراقب أنفاس الناس وحركاتهم وسكناتهم، كما قامت الكنيسة البروتستانتية بتنظيم تظاهرة حاشدة في مدينة ساوباولو، نددت فيها بتصرفات البابا وخطاباته اللامسؤولة –حسب رأيهم- البعيدة كل البعد عن التسامح والحرية في الاختلاف والاعتقاد الذي يضمنها القانون البرازيلي لكل مواطنيه. لقد أصبح الإسلام والمسلمون حقيقة واقعة في المجتمع البرازيلي خصوصا واللاتيني عموما، وهذا ما أقربه رئيس جمهورية البرازيل في عدة مناسبات، بحيث اعتبر الهجرة العربية إلى البرازيل، بمثابة اللبنة الأساسية والمهمة في إعمار أرض البرازيل وبناء حضارتها وازدهار اقتصادها.. وأن ما وصل إليه العرب من نجاح في هذه البلاد، يعود إلى عدة أسباب منها: طيبوبة الشعب البرازيلي وحبه للآخر، بالإضافة إلى حرية العقيدة الذي يكفلها القانون، ناهيك عن الدور الرائد والجبار لبعض المراكز والجمعيات في رعاية الجاليات من تقديم الخدمات والرعاية الاجتماعية والدينية من بناء المعاهد والمدارس والمساجد والمستشفيات. (*) مدير مركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية/البرازيل رئيس مؤسسة الإمام مالك للأوقاف والشؤون الإسلامية/البرازيل [email protected] النوافذ: • اجتمع البابا السادس عشر في زيارته الأولى إلى البرازيل مع ما يزيد عن 40 ألف شاب كاثوليكي، دعاهم إلى مقاومة فخاخ الشر والعنف والمخدرات..كما حذرهم من ممارسة الجنس خارج إطار الزواج الشرعي، ودعا الفتيات الكاثوليكيات إلى المحافظة على بكارتهن.