بدأ البابا بنيديكت السادس عشر زيارة رسمية إلى الولاياتالمتحدة تدوم ستة أيام، ينتقل خلالها بين العاصمة واشنطن وولاية نيويورك، حيث سيزور موقع مركز التجارة العالمي الذي تعرض لهجوم إرهابي سنة ألفين وواحد. وقد خصص الرئيس الأمريكي استقبالا استثنائيا للبابا الذي يزور الولاياتالمتحدة لأول مرة منذ تقلده مهام منصبه سنة ألفين وخمسة. وقد هيمنت قضية التحرش الجنسي داخل الكنائس وحق المرأة في تقلد مناصب عليا داخل الكنيسة الكاثوليكية، على زيارة البابا الذي احتفل بعيد ميلاده الواحد والثمانين يوم الأربعاء الماضي في العاصمة واشنطن. لم يتردد مذيع قناة «السي إن إن» وولف بليتزر في إبداء استغرابه لإقدام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن على استقبال البابا بنيديكت السادس عشر بمطار أندرو العسكري الواقع في ضواحي العاصمة واشنطن بصفة شخصية، ذلك أن البروتوكول الرئاسي يقضي بأن يستقبل الرئيس الأمريكي ضيوفه الكبار داخل البيت الأبيض وليس على أرض المطار. الاستقبال الشخصي الذي خصصه الرئيس الأمريكي لرأس الكنيسة الكاثوليكية لم يكن سوى علامة على الاحتفاء الكبير الذي خصصه الأمريكيون لضيفهم الكبير الذي بدا سعيدا ومتفاجئا عندما نزل من طائرته الفخمة ووجد الآلاف من أتباع كنيسته يقفون على أسوار المطار لتحيته والترحيب به، لكن البابا الحالي، وعلى عكس البابا السابق يوحنا بولس الثاني، لم يسجد على أرض المطار لتقبيلها واكتفى فقط برفع ذراعيه لتحية مريديه. وقد اختار الرئيس الأمريكي أن يرافقه خلال مراسيم استقبال البابا على أرض المطار كبار رجال الدولة والجيش مرفوقين بأفراد عائلاتهم وعدد من المؤمنين الكاثوليك. إجراءات أمنية قال تقرير إخباري، نشرته صحيفة الواشنطن بوست يوم الأربعاء، إن الإجراءات الأمنية التي خصصتها الإدارة الأمريكية لحماية موكب البابا بنيديكت السادس عشر كانت استثنائية بجميع المقاييس، وكبدت خزينة الدولة ملايين الدولارات. وجاء في التقرير أن ألفا وثلاثمائة رجل أمن من الأجهزة السرية الخاصة كانوا في حالة استنفار قصوى لتأمين الحماية اللازمة للبابا، كما عمد المسؤولون في العاصمة واشنطن إلى إغلاق بعض المنافذ المؤدية إلى البيت الأبيض خلال حفل الاستقبال الرسمي الذي خصصه الرئيس الأمريكي للبابا صباح يوم الأربعاء الماضي، كما أقفلت قوات الشرطة الطرق التي كان يسلكها موكب البابا داخل العاصمة، سواء خلال رحلاته إلى مقر إقامته بمقر سفارة دولة الفاتيكان بحي السفارات، أو إلى الجامعة الكاثوليكية بحي جورج تاون، أو خلال زيارته للكنيسة الكاثوليكية في العاصمة واشنطن حيث أقام قداسا دعا فيه الولاياتالمتحدة إلى دعم جهود الدبلوماسية الدولية لتسوية النزاعات في العالم. وقد نقلت شبكات الكيبل بمختلف توجهاتها القداس الذي دام قرابة خمس وأربعين دقيقة، كما نقلت تفاصيل الكلمة التي ألقاها البابا والتي أعلن فيها عن احترامه للولايات المتحدة «لضمانها حرية العبادة لكل الديانات ودورها في نشر الديمقراطية»، كما أعرب البابا عن سعادته لأنه حل «ضيفا على الشعب الأمريكي الذي يكن له احتراما كبيرا بفضل تعدده واحترامه لحرية الاعتقاد والعبادة لمختلف أفراده». وحيى البابا نشاط الحياة الدينية في الولاياتالمتحدة، وشدّد على أن «الكاثوليك وكل المؤمنين في الولاياتالمتحدة تمكنوا من ممارسة الشعائر الدينية بحرية تامة»، كما عبر عن اعتقاده بأن الشعب الأمريكي «سيجد في إيمانه مصدر وحي لمواصلة الحوار الحكيم والمسؤول والرصين لبناء مجتمع أكثر حرية وإنسانية». عيد ميلاد البابا فاجأ آلاف الزوار الذين تحلقوا أمام حديقة الورود بالبيت الأبيض صباح الأربعاء الماضي لحضور مراسيم الاستقبال الرسمية التي أقامها الرئيس الأمريكي للبابا بنيديكت السادس عشر، الضيف الكبير، بأداء أغنية «هابي بيرثداي تو يو» احتفالا ببلوغ البابا عامه الواحد والثمانين. وقد تفاجأ الرئيس بوش وعقيلته لورا التي كانت تقف إلى جانبه بخطوة الحضور، كما تفاجأ بها الحبر الأعظم الذي توجه إلى الجماهير الغفيرة التي تجمعت لتحيته والغناء له وقام بتحيتها بدوره فرفع ذراعيه إلى السماء وشكرها على خطوتها العفوية بلغة إنجليزية رفيعة. وبهذه المناسبة، أصدر البيت الأبيض بيانا الأربعاء ذكر فيه أن الرئيس بوش أقام حفلة عشاء فاخرة داخل القاعة الشرفية بالبيت الأبيض احتفالا بعيد ميلاد البابا حضرها نحو خمسمائة من أرفع مسؤولي الدولة وكبار رجال الدين، غير أن البابا نفسه لم يحضر الحفل وتوجه إلى إقامته بمقر سفارة دولة الفاتيكان وخلد للراحة، وقالت مصادر صحفية إن الأمر عادي لأن البابا لا يتناول طعامه أمام الناس العاديين! التحرش الجنسي بالأطفال رغم الاحتفاء الرسمي الكبير بالبابا بنيديكت السادس عشر خلال زيارته الأولى إلى الولاياتالمتحدة، إلا أن قضايا تحرش كهنة بالكنيسة الكاثوليكية بالأطفال الصغار هيمنت على وسائل الإعلام، التي ألقت الضوء على حالات التحرش التي راح ضحيتها عشرات الأطفال. ورغم أن البابا صرح للصحافيين المرافقين له في طائرته الخاصة، خلال رحلته إلى الولاياتالمتحدة، بأنه يشعر بالخجل مما قام به بعض الكهنة الكاثوليك من أعمال غير أخلاقية، ورغم أنه تعهد بالعمل على مكافحة الظاهرة عبر تشديد العقوبات القانونية في حق رجال الدين المتحرشين وطردهم من الكنيسة، إلا أن الجمعيات المدافعة عن حقوق الأطفال ضحايا التحرش الجنسي قالت إن ذلك غير كاف، وإن اعتذار البابا، بوصفه رأس الكنيسة الكاثوليكية، ضروري من أجل أن يتم تجاوز الموضوع. وكانت وسائل الإعلام الأمريكية كشفت، خلال السنوات العشرين الماضية، عن حالات تحرش جنسي قام بها كهنة كاثوليك ضد أطفال صغار، مما دفع جمعيات الدفاع عن حقوق الأطفال إلى رفع قضايا تعويض أمام المحاكم. واشتهرت تلك القضايا بعدما حكم القضاة لصالح الجمعيات وقضوا بتغريم الكنائس المُتابَعة بمئات الملايين من الدولارات، بل إن مصادر صحفية قالت إن المبلغ الإجمالي الذي دفعته تلك الكنائس يفوق ملياري دولار! قضية أخرى ألقت بظلالها على زيارة البابا بنيديكت السادس عشر إلى الولاياتالمتحدة، هي حق المرأة في تقلد مناصب عليا داخل الكنيسة الكاثوليكية. فقد عمدت نشطات نسويات ورئيسات عدد من المنظمات الدينية التي تدعو إلى المساواة داخل الكنيسة الكاثوليكية إلى تنظيم مسيرات احتجاج أمام البيت الأبيض خلال حفل الاستقبال الرسمي الذي أقامه الرئيس الأمريكي على شرف البابا، كما قامت نساء، يطالبن بحق المرأة بتقلد منصب الكهنة داخل الكنيسة الكاثوليكية، إلى الاحتجاج خلال القداس الذي أقامه البابا في مدينة نيويورك ترحما على أرواح الضحايا الذين قضوا خلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقامت نشطات نسويات متدينات بقراءة لائحة طويلة بأسماء نساء يتمتعن بجميع المواصفات لتقلد مناصب عليا داخل الكنيسة لكنهن مُنعن من ذلك بسبب جنسهن. وقامت النشطات بقراءة لائحة الأسماء بالتزامن مع قراءة البابا لتراتيله المقدسة. بين الكاثوليك والبروتستاتت سلطت زيارة بابا الفاتيكان إلى واشنطن الكثير من الأضواء الكاشفة على الجانب الديني للأمريكيين، الذين يدين خمسة وسبعون في المائة منهم بالديانة المسيحية، لكن الغالبية العظمى تدين بالكنيسة البروتستانتية التي انقسمت عن الكنيسة الكاثوليكية ورفضت الكثير من تعاليمها الكهنوتية العتيقة. غير أن دراسة حديثة نشرت الأسبوع الماضي داخل الولاياتالمتحدة، أشارت إلى تصاعد عدد الأمريكيين الكاثوليك الذين يبلغ عددهم حاليا قرابة سبعين مليون شخص. وأرجعت الدراسة السبب إلى ارتفاع عدد المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية الذين يوصفون بأنهم متدينون كثيرا ويتبعون الكنيسة الكاثوليكية. وقد اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية كثيرا بالكيفية التي استقبل بها الرئيس الأمريكي جورج بوش، المعروف بتدينه الكبير ورحلة «إيمانه» المثيرة بعد سنوات طويلة من الإدمان على شرب الخمر. وكان السبب وراء كل ذلك الاهتمام كون الرئيس الأمريكي يتبع المذهب البروتستانتي وليس الكاثوليكي، لكنه تصرف رغم ذلك كمؤمن خاضع أمام قداسة البابا، وظهر وكأنه يبحث عن «غفران ما» بين أيدي رأس الكنيسة الكاثوليكية الذي وضع معارضته للحرب الدائرة في العراق جانبا واكتفى بالطلب من مضيفه «الخاضع» الاهتمام بالمسيحيين العراقيين الذين قال إنهم تعرضوا للتهجير والتقتيل وحرق الكنائس، وكأنما مئات الآلاف من العراقيين المسلمين السنة والشيعة والعراقيين من باقي الديانات والمذاهب المختلفة، الذين ابتلعت حياتهم نار الحرب المندلعة هناك، لا يستحقون الذكر!