بقدر ما تتوالى السنوات وتتسع المسافة التي تفصلنا عن حدث فارق في التاريخ الحديث يصطلح عليه أحداث الحادي عشر من شتنبر، بقدر ما تتعاظم الأسئلة وتتكاثر الألغاز المحيرة حول حقيقة ما حدث. خاصة وأن آلاف الأسئلة ظلت منذ ذلك الحين معلقة دون أجوبة، وأن ذات الرواية الرسمية التي سارعت الإدارة الأمريكية إلى إمطار القنوات الإعلامية الدولية بتفاصيلها، باتت مساحات تآكلها وانحسارها في تزايد مستمر. فيوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر 2001، في الثامنة وخمسين دقيقة صباحا، “علّقت القناة الإخبارية CNN برامجها لتعلن أن طائرة ركاب قد صدمت البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي. ولأنه لم يكن لديها بعد أية صور للكارثة، فقد وضعت صورة ثابتة لأسقف مانهاتن تسمح برؤية نفثات الدخان وهي تتصاعد من البرج. للوهلة الأولى بدا الأمر وكأنه حادث طيران مذهل. شركات الطيران الأمريكية للنقل على حافة الانهيار، والصيانة فيها من سيئ إلى أسوأ، ولا يمكن الوثوق بالخدمة التي يقدمها المراقبون الجويون، وتسمح الفوضى العارمة بالطيران العشوائي فوق التجمعات السكنية. إذن، فقد حدث أخيرا ما كان متوقعا»، والحديث هنا ل«تيري ميسيان» مؤلف كتاب «الخديعة الرهيبة». كان المشهد مثيرا، جسدته طائرة أولى تتقدم في كل هدوء وثقة، يقابلها أحد برجي مركز التجارة العالمي، تقترب الطائرة بكل دقة وحسن توجيه، ترتطم بالبرج الشاهق لتخترقه من الجانب الآخر كتلة من اللهب، ثم طائرة ثانية تكرر المشهد، لتسري حرارة جهنمية في أعمدة البرجين وأساسيهما. لكن هذه الرواية تكاد تكون جزيرة الإجماع الصغيرة وسط بحر الأسئلة والألغاز المحيرة حول ما حدث في ذلك اليوم. مع توالي السنوات واستمرار الضبابية المحيطة بتلك الأحداث، نشأت بعض المنظمات والتيارات المدنية الطامحة إلى تعقب آثار الحقيقة في ما جرى، مستندة إلى بعض الأبحاث وجمع الدلائل والثغرات، لدحض الرواية الأمريكية الرسمية. تقرير صادر عن إحدى المبادرات المدنية الأوربية، حاول التوقف عند أهم خلاصات هذه الجهود، ملخصا إياها في تراجع الحريات الفردية عبر العالم، وتدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وتزايد خروقات حقوق الانسان والتعذيب... بموازاة ذلك، رضخت الإدارة الأمريكية، بعد تلك الأحداث، لمطلب عائلات الضحايا بتشكيل لجنة للتحقيق في ما جرى. ولم يتم ذلك سوى في 27 من نونبر 2002، أي أزيد من عام عن وقوع الأحداث. وأعلنت اللجنة منذ البداية، بقولها في تقديم تقريرها النهائي، إنها لم تأت لتحديد المسؤوليات الفردية، بل لوضع تقرير شامل حول الحادي عشر من سبتمبر. وأول ما يثير الانتباه في تقرير اللجنة تركيزه على مسألة اتهام أسامة بن لادن، حيث ورد هذا الاسم 800 مرة في هذه الوثيقة. واكتفت الصفحات الستمائة التي ضمها التقرير بترديد ما أعلنته الإدارة الأمريكية، خاصة وأن مديرها التنفيذي يعتبر أحد المقربين من كوندوليزا رايس. معاملات مالية مشبوهة قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تم تسجيل تعاملات مالية في البورصة حول أسهم شركتي الطيران اللتين ستستعمل طائراتهما في تلك الأحداث، ولوحظ أن مستوى تلك المعاملات ضاعف 25 مرة المستوى العادي، علما أن تلك الأسهم تضمن تعويضا بملايير الدولارات من شركات التأمين. و في شهر أبريل من العام 2001، عرف برجا مركز التجارة العالمية تغييرا في مالكهما للمرة الأولى منذ ثلاثة وثلاثين عاما. حيث قام لاري سيلفيرستاين، رجل الأعمال الشهير، بدفع 3,2 مليار دولار مقابل البرجين وإدارة المركز لمدة 99 سنة. ثم قام بتأمين البرجين، مضيفا بندا ينص على حصوله على 3,5 مليار دولار في حال تعرضهما لاعتداء إرهابي، وذلك ستة أسابيع فقط قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بينما طالب بمضاعفة هذا التعويض بعد الهجوم، لكون البرجين تعرضا لهجومين وليس واحدا فقط. لا حياة لمن تنادي ما بين 11 و14 تحذيرا تم توجيهه إلى الإدارة الأمريكية من طرف حكومات أجنبية، حول احتمال تعرض أراضي الولاياتالمتحدة لهجوم. وفي يوليوز 2001، طلب مدير المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت لقاء كوندوليزا رايس، ليبلغها مخاوفه من قرب القيام بهجمات ضد بلاده، بينما توصل جورج بوش يوم 6 غشت بتقرير من ال”سي آي إي” عنوانه “بن لادن مصمم على مهاجمة الولاياتالمتحدة”. من هم القراصنة؟ بعد ثلاثة أيام من وقوع الاعتداءات، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بنشر لائحة تضم 19 اسما، قال إنهم منفذو تلك الهجمات، قبل أن يقوم المكتب بنشر تلك اللائحة رفقة الصور. لكن سرعان ما أعلنت صحيفة “لوس أونجليس تايمز” أن خمسة ممن وردت أسماؤهم في اللائحة أحياء يعيشون حياتهم العادية في بعض الدول العربية، دون أن تكون لهم أي علاقة بالهجوم. ولم تعلن الإدارة الأمريكية ما يثبت أن أيا من أفراد تلك اللائحة كان فعلا على متن إحدى الطائرات. من جهة أخرى، تداولت الصحف الأمريكية تفاصيل حياة هؤلاء “القراصنة” المفترضين، حيث كان مثلا محمد عطا يقيم في ولاية فلوريدا مع بائعة هوى، ممعنا في استهلاك المخدرات والخمور. كما ثبت أن عطا وعددا من “القراصنة” ترددوا مرارا على بعض الملاهي الليلية حيث كانوا يصرفون مئات الدولارات. الهجوم الفرجة! أول الألغاز المحيطة بما جرى في ذلك اليوم «الأسود» أن عملية ضرب الدولة العظمى والإمبراطورية الأكبر في تاريخ البشرية، تم بإخراج تلفزيوني غير مسبوق، أمام عدسات كاميرات عدد من القنوات التلفزيونية، والتي تم توجيهها نحو البرجين إثر الاصطدام الأول وما خلفه من اشتعال للبرج الشمالي. فكان الملايين من المشاهدين عبر العالم يتفرجون على المشهد في ذهول طال الأصدقاء والخصوم. وعندما تم الإعلان عن هجمة أخرى استهدفت البنتاغون، انهار البرج الجنوبي من مركز التجارة العالمي، وشوهد على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون، ثم انهار البرج الشمالي في العاشرة و29 دقيقة وغطّت منهاتن سحابة الغبار. المهاجمون «هواة محترفون»! يقول خبراء الطيران إن استهداف وإصابة البرجين يتطلب مهارات عالية وخبرة وحنكة تتجاوزان معارف طيارين مبتدئين، كما قالت الرواية الأمريكية الرسمية عن الخاطفين. كما أن إصابة البرجين تتطلب انخفاض الطائرتين بشكل كبير قبل أن تصلا إلى نيويورك، لكون رؤية أي مدينة من أعلى لا تسمح بالتمييز بين بناية وأخرى. ومع العلم أن عرض البرجين هو ثلاثة وستون مترا وسبعون سنتيمترا، والمسافة الفاصلة بين طرفي جناحي الطائرتين هو سبعة وأربعون مترا وستون سنتيمترا، فإن إصابة البرجين بكل دقة وفي مركزهما تحديدا بكل تلك السرعة التي تطير بها الطائرة تتطلب مهارة استثنائية. بن لادن ينفي.. بن لادن يتبنى في السادس عشر من سبتمبر، صدر بيان منسوب إلى أسامة بن لادن يقول فيه إنه يعلن عدم مسؤوليته عن تلك الهجمات، مرجحا تنفيذها من طرف أشخاص لهم أغراض شخصية. وفي اليوم ذاته، أصر الرئيس الأمريكي جورج بوش على أن بن لادن هو المتهم الأول، ليعلن في اليوم الموالي أنه يريده حيا أو ميتا. ورغم ما تم بثه بعد ذلك من تسجيل يبدو فيه أسامة بن لادن متحدثا عن الأحداث بما يفيد التبني، إلا أن الرافضين للأطروحة الرسمية لا يستبعدون إمكانية فبركتها. التجارة العالمية هدف أم ذريعة؟ في مقال نشرته جريدة «نيويورك تايمز» يوم 4 نونبر 2001، قيل إن برجي مركز التجارة العالمي ربما لم يكونا مجرد هدف مدني، بل إن بعض طوابقهما وأقبيتهما ربما كانت تخفي قواعد سرية لوكالة المخابرات المركزية. قواعد كانت منذ عقد الخمسينيات تتخصص في التجسس على البعثات الأجنبية في الأممالمتحدة. ليتوسع نشاطها على عهد إدارة كلينتون ويشمل التجسس الاقتصادي في مانهاتن. وذلك في إطار تحول الاستخبارات الأمريكية من مهام الحرب الباردة إلى المهام الاقتصادية. و«إذا عدنا إلى الماضي، يمكننا أن نتساءل عما إذا كان الانفجار الذي جرى في مركز التجارة العالمي في السادس والعشرين من فبراير 1993، والذي أدى إلى سقوط ستة قتلى وحوالي 1000 جريح، قد استهدف تلك المحطة السرية لوكالة المخابرات المركزية، رغم أنها لم تكن في تلك الفترة على نفس الدرجة من التطور» يقول تيري ميسان. أين غاب آلاف الموظفين يومها؟ تقارير التنظيمات الأوربية المتكتلة لتفنيد الرواية الأمريكية لما جرى تقول إن عدد الأشخاص الذين كانوا موجودين في البرجين التوأمين لحظة وقوع الاصطدام الأول كان يتراوح بين ثلاثين وأربعين ألف شخص، وأن عدد الطوابق في كل برج هو مائة وعشرة، وبالتالي فإن متوسط عدد الأشخاص في الطابق الواحد مائة وستة وثلاثون كحدّ أدنى. الطائرة الأولى صدمت البرج الشمالي بين الطابق الثمانين والطابق الخامس والثمانين. وهلك جميع الموجودين في هذه الطوابق على الفور. إما بتأثير الاصطدام، أو أثناء الحريق الذي تلاه، ووجد الأشخاص الموجودون في الطوابق العليا أنفسهم محتجزين، إذ إن الحريق امتد نحو الأعلى. بعضهم فضّل أن يرمي بنفسه في الهواء على الهلاك حرقا، وانهار الهيكل المعدني في نهاية الأمر، ولقي كافة الأشخاص الموجودين في الطوابق الثلاثين الأخيرة حتفهم، وفقا للحساب المتوسط، كان ينبغي أن يبلغ الحد الأدنى لعددهم أربعة آلاف وثمانون شخصا! وعلما أن العدد الإجمالي لضحايا أحداث الحادي عشر من شتنبر هو 2843، كما أعلنته بلدية نيويورك في 9 فبراير 2002، وضمنه أيضا الضحايا من ركاب الطائرتين وطاقمهما ومنفذي العملية ورجال الشرطة والإطفاء الذي قتلوا بعد انهيار البرجين... يتضح أن منفذي الهجوم لم يكونوا يهدفون إلى إيقاع عدد كبير من الضحايا، وتطلب الأمر، تحضيرا مسبقا كي يتغيب العديد من الأشخاص، خاصة أولئك الذين يعملون في الطوابق العليا. فرار الحكام بدل حماية البلاد الرواية الرسمية التي تحدثت عن إجراءات أمنية مستعجلة لتأمين حياة الرئيس ونائبه والمسؤولين الكبار، تعود لتسقط تحت آلة النقد في كتاب تييري ميسان «الخديعة الرهيبة»، ف«شهادة نائب الرئيس تهدف إلى تحديد التهديد: طائرات انتحارية تتوجه إلى البيت الأبيض وإلى الطائرة الرئاسية... متخيلا الطائرة الانتحارية وهي تدور حول واشنطن بحثا عن هدف معين. إلا أننا نجد صعوبة في تقبل ألا يفكر الجهاز السري إلا بنقل نائب الرئيس إلى ملجأ، بدلا من تفعيل الدفاع الجوي. بل هناك ما هو أكثر إثارة للسخرية، حيث يخترع تشيني طائرة ركاب ثانية تلاحق الطائرة الرئاسية كفارس من أفلام الوسترن الأمريكي، وتحاول الاصطدام بها أثناء طيرانها تحت الأنظار العاجزة للسلاح الجوي الأمريكي». فإذا كان التهديد قد اقتصر على الطائرات الانتحارية، لماذا تمت حماية الرئيس من طلقات محتملة يطلقها قناصة على الطرقات الإسفلتية في القواعد الاستراتيجية؟ كيف أن القاعدة استطاعت أن تتواجد في أماكن محمية بهذا الشكل؟ هل من طائرة ضربت البانتاغون؟ البانتاغون أو مقر وزارة الدفاع الأمريكية، هو المبنى المركزي لوزارة الدفاع، أكبر معمار إداري في العالم، وحيث يعكف أزيد من عشرين ألف موظف مدني وعسكري يوميا، على بلورة السياسة الحربية والدفاعية لأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ. وأسامة بن لادن القابع في أكواخ أفغانستان وكهوفها قام برأي الأمريكيين باختطاف طائرة إضافية لضرب هذا الموقع الأكثر حماية وتحصينا، والذي يدخل نظام حمايته ضمن أخطر الأسرار العسكرية في العالم. قيادة الدفاع الجوي في الشمال سوف تصدر أوامر فورية لطائرتين حربيتين من طراز إف 16 بالانطلاق لاعتراض طائرة البوينغ المختطفة. وبما أن سلاح الجو الأمريكي كان يجهل مكانها فإنه اعتقد بأنها سوف تقوم باعتداء آخر على نيويورك، وأرسل المقاتلات إلى الشمال. فواصلت الطائرة مسارها بكل ثقة نحو مبنى البانتاغون! الانهيار الخارق برجا مركز التجارة العالمي تعرضا لهجوم بطائرتين بفارق ربع ساعة، لكن أحدهما سينهار بعد 56 دقيقة، والثاني بعد 102 دقيقة. لكن المثير في هذا الانهيار أنه وقع بسرعة تكاد تساوي سرعة الجاذبية، أي حوالي عشر ثوان لتسوية أزيد من 110 طوابق بالأرض. لتثبت تجارب علمية قامت بها بعض المعاهد أنه من المستحيل حدوث هذا الانهيار بفعل النار وحدها، وأن وجود قنابل في أساسي البرجين ضروري. وهو ما أكدته بعض الشهادات حول سماع أصوات انفجارات قبل الانهيار. غوانتانامو.. خارج الشرعية والقانون عندما قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بغزو أفغانستان، وبدأت في أسر مقاتلي حركة طالبان وشبكة القاعدة، لم تعمد إلى إحداث محكمة أفغانية خاصة بهم، ولا هي أحالتهم على عدالتها لتنظر في أمر حملهم السلاح في وجه جنودها. بل إنها أضافت الى تاريخ البشرية أحد أسوأ معتقلاتها، كإحدى تداعيات هجمات الحادي عشر من شتنبر. لذلك الغرض، اختارت واشنطن موقعا في أقصى جنوب شرق كوبا، أي بعيدا عن التراب الأمريكي وسلطاته القضائية والقانونية. ليحتجز فيه المقاتلون والمشتبه في قربهم من أسامة بن لادن وطالبان، يقبعون فيه لسنوات دون محاكمة. ومن هناك، انطلقت العديد من رحلات المخابرات المركزية الأمريكية، على متن طائرات وسفن تحمل سجونا سرية، لتجوب بقاع العالم الذي فتح صفحة جدد فيها العهد مع أساليب التعذيب والتنكيل.