يؤكد إدريس قصوري، محلل سياسي، أن تداعيات حدث إلقاء القبض على شبكة بلعيرج الإرهابية لن تطال الحركة الإسلامية وحدها، وإنما المشهد الحزبي بشكل عام، ويتوقع قصوري في هذا الحوار أن مستقبل المغرب في الأمد القريب سيتقاسمه خطان متوزايان: خط التنمية المتمثل في سياسة الأوراش، والخط الأمني الذي سيشتد أكثر خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية، ويقول قصوري أن تحذير وزير الداخلية من اختراق الأحزاب جاء رد فعل على موقفها المتحفظ إزاء الرواية الرسمية في البداية، واعتبر أن الدولة مارست سياسة الهروب إلى الأمام، فيما يلي نص الحوار: ما هي التداعيات الممكنة لحدث إلقاء القبض على خلية بلعيرج الإرهابية على المغرب سياسيا؟ كيفما كان الحال، فردود الفعل المعبر عنها من قبل الطبقة السياسية أو المتتبعين والمهتمين بقضايا الإرهاب، تؤكد أن ما وقع يظل استثنائيا وفريدا من نوعه، وذلك عندما نقارنه مع جميع الملفات والعمليات التي تكتسي طابعا إرهابيا والتي عالجها المغرب من ذي قبل. في السابق نجد أن المغرب تعامل قانونيا مع هذه الظاهرة عبر سنّ قانون الإرهاب، وكذا على مستوى الاعتقالات والمحاكمات الواسعة، و كانت محاكمات 61 ماي حول قضايا الإرهاب قاسية جدا، بمعنى أن المغرب عُرف عنه المعالجة الصارمة والمواجهة القاسية في هذا الباب، على غرار دول عربية عرفت نفس الظاهرة مثل العربية السعودية ومصر، التي اعتمدت المعاملة بالمرونة والحوار في البداية، لكنها لجأت إلى المواجهة الحادة في السنوات الأخيرة، أما المغرب فقد تعامل بقسوة منذ البداية، وهذه المنهجية تأكدت مع الملف الحالي، بحيث كل من ثبت تورطه أو اشتبه فيه، إلا ويعتقل، بل وتكون اعتقالات واسعة وكبيرة، ولمختلف الأطراف دونما تريث، هل هناك أدلة صارمة، أم مجرد قرائن أم مجرد ذكر اسم في التحقيقات، وهي أسئلة تبقى معلقة إلى حين الكشف عن محاضر التحقيق وتمحيصها من قبل القضاء وأكيد أن هذه المنهجية ستلقي بظلالها على المستوى الداخلي، ذلك أنها منهجية خاصة. هل تتوقع أن تؤدي هذه المنهجية إلى مراجعة العلاقة بين الحركة الإسلامية والدولة؟ هناك اتجاهان محتملان، اتجاه إيجابي يوفر شروط الاندماج في الحياة العامة وتوسيعه، وما تقتضيه من انتخابات شفافة ودون تزوير، والاحتكام لصناديق الاقتراع ولإرادة الجماهير، وبالتالي فسح المجال لهذه الحركات لإدارة الشأن السياسي، وهذا اتجاه أعتقد أن حظوظه ضعيفة إن لم تكن منعدمة، ولو كان ممكنا لوقع في السابق، رغم ما شابها من توتر في 16 ماي، إلا أن الذي اتضح هو أن العلاقة بقيت كما كانت في حدود مرسومة، وبقدر ما أظهرت هذه الحركات نوع من العقلانية والواقعية في التعاطي مع الشأن الوطني بديمقراطية والعمل في إطار القانون والمؤسسات، إلا أن انفتاح الحكم لم يرقى إلى هذا المستوى وبقي متوجسا وجامدا على مواقفه السابقة في العديد من الحالات. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه سلبي حيث أتوجس أن تعرف الأيام المقبلة نوعا من التشدد، اتجاه الحركات الإسلامية بشكل عام، انطلاقا من المعطيات الحالية، خاصة بعد الاشتباه في علاقة تيار سياسي هو البديل الحضاري مع ما هو إرهابي، وبتمويلات كبيرة جدّا، وشبكة تتكون من أطر ورجال أعمال، فهذه الشبكة ستكون تلك الشمّاعة التي ستعلق عليها كل الآمال في استهداف التعامل الإيجابي مع الحركات الإسلامية ، وأعتقد أن التداعيات لن تطال هذه الحركات وحدها، وإنما ستطال المشهد الحزبي بشكل عام، على اعتبار أن الأحزاب مخترقة، وأنها غير مؤهلة، وقد يجنح البعض للقول بأنها لا تستحق تعاملا ديمقراطيا، وهذا مسار إن وقع سيكون محكوما بالهاجس الأمني، أكثر من هاجس توسيع هامش الديمقراطية والاحتكام إلى القانون ولمقتضيات المواطنة، منهنا أرى أن المستقبل بالنسبة للمغرب، سيتقاسمه خطان متوازيان، خط التنمية كما نراه اليوم المتمثل في سياسة الأوراش، والخط الأمني الذي سيسود في المرحلة المقبلة، وسيشتد أكثر خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية. لو توقعنا أن القضاء سيبرئ المعتقلين من القادة الحزبيين، ما آثار ذلك على الدولة ومصداقية روايتها الرسمية؟ في تقديري يستحيل أن يبرئ القضاء المعتقلين الستة، فهم أدينوا قبل ذلك، كزعماء سياسيين مشهود لهم من قبل الطبقة السياسية كلها بسلوكهم السياسي الديمقراطي وخطابهم المعتدل ، وأدينوا مسبقا حين تم تشميع مقرات حزب البديل الحضاري وحظر الحزب، وأدين العديد من أتباعهم بالاستنطاقات والاعتقالات التي يتعرض لها مناضلي الحزبين، وأقل ما يمكن أن يتابعوا به، هو علمهم بوجود تنظيم إرهابي دون أن يبّلغوا به، وبأن هناك سلاح لدى جهات وتم التستر عنه، ومن تم فحزب البديل الحضاري مارس خدعة تكتيكية تجاه الدولة، وأن أصوله هي إرهابية. إضافة إلى ذلك، فالقضاء المغربي كما يعرف الجميع غير مستقل، وكذا الظرفية السياسية، فلا يمكن أن يأتي القضاء بعد وزير الداخلية الذي وجّه اتهامات مباشرة، وأثبت العلاقات بين الحزبين وهذه الخلية الارهابية، وشدد عليها، ثم أتى مرسوم للوزير الأول الذي أكد أن هناك قرائن، هي التي اعتمدت في حلّ حزب البديل الحضاري، ثم بعد كل هذا يثبت القضاء عكس كل ذلك، وإن وقع فهذه ستكون سابقة في بلادنا، فالقضاء لن يؤكد إلا ما ذهبت إليه وزارة الداخلية، وأتمنى أن يكون الرأي العام الوطني والحزبي والسياسي في خانة واحدة هذه المرة للدفاع عن رموز وفاعلين سياسيين معروفين، إلا إذا ثبت أن هناك دلائل قاطعة التي لا يرقى إليها شك، حينها يكون للقضاء كلمته. يعني ألا تتوقعون أن يكون لموقف الأحزاب المساندة للمعتلقين أي أثر على المتابعة القضائية؟ لا أتوقع ذلك، والداخلية تعرف مثلما يعرفه الفاعل السياسي، أنه كلما مرّ الوقت على قضية كلما فتر الناس عنها ونسوها، وكان الضحية هم المعتقلون، واليوم حتى المثقفون والسياسيون بدؤوا ينأون عن ما عبّروا عنه في البداية من استغراب واندهاش، أن يعتقل سياسيون معروفون، ويتهمون بالإرهاب، فهذه الأحزاب بدأت تتجه نحو تقبل الرواية الرسمية. ورد في خطاب وزير الداخلية أن الخلية كانت تعتزم اختراق المجتمع المدني ما الدلالات السياسية لهذا التحذير؟ هو بالفعل ما دام وزير الداخلية له قرينة معينة، فهو حذّر من ذلك، لأن المجموعة التي ألقي القبض عليها، أحد عناصرها مثلا والذي له ماض في الشبيبة الإسلامية هو عضو في اليسار الاشتراكي الموحد حاليا، بمعنى هناك علاقات معينة هي التي تجعل وزير الداخلية ينبّه الأحزاب إلى الاحتياط من أي اختراق، لكن أعتقد أن وزير الداخلية بهذا التحذير مارس سياسة الهروب إلى الأمام، ففي الوقت الذي لم تصدق العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية مجموع عناصر الرواية الرسمية، واستغربت تجاه الاتهامات الموجهة للبديل الحضاري، نجد أن وزير الداخلية والسلطات الأمنية يدفع في اتجاه معاكس، ويحذر من الاختراقات. وعلى العموم هذه ليست مهمة الأحزاب، بل هي مهمة الأمن في ضبط أي عنصر إرهابي يريد التسرب إلى الأحزاب أو غيرها، وقانون الأحزاب يعطي الصلاحية القانونية لوزارة الداخلية، سواء أثناء تأسيس حزب ما أو في المؤتمر، ضبط المؤسسين من خلال سجلاتهم العدلية، كما أننا نعلم أن الأحزاب السياسية ليس لها الإمكانيات ولا الوسائل لتتأكد من هوية الراغبين في الانخراط هل هم إرهابيون أم لا، وليس وظيفتها التجسس على هويتهم بل تأطيرهم. زعيم الخلية له جنسية بلجيكية، والموقف البلجيكي بدا متحفظا وحذرا من الرواية المغربية، ألا يمكن أن يؤثر ذلك على المغرب الذي سيكون تحت المراقبة والمتابعة من الخارج؟ هذا يؤكد أن بلجيكا لا تشتغل بالطريقة نفسها التي يشتغل بها المغرب، هناك ملف مفتوح، وهناك متهم مزدوج الجنسية، ورغم ذلك لا يمكن أن يبني البلجيكيون موقفهم بناء على تصريحات رسمية مغربية مثلا، حتى لو كانت تلك التصريحات هي للمتهم الرئيسي بلعيرج نفسه، فالطريقة البلجيكية تعتمد الضبط والمرونة وتجمع المعطيات الحقيقية، وليس توجيه التهم بناء على قرائن أو شكوك أو ما إليها، وحين يتخذ القضاء البلجيكي الحكم يكون القانون فوق الجميع، ولذلك فهم لم يتسرعوا ولم يأخدوا الرواية المغربية بانفعال. في خطاب وزير الداخلية تمت الإشارة إلى أكثر من دولة، لبنان بخصوص حزب الله، والجزائربخصوص الجماعة السلفية للدعوة والقتال،ثم اليهود المغاربة، ما هي قراءتكم لتداعيات هذا الحدث على مستوى علاقات المغرب الدولية؟ الرواية الأمنية دائما تهول من الحدث، رغم أنها على المستوى الداخلي تعالج الحدث بصمت، ولا تعلن عن المعلومات الكافية، أولا حزب الله ليس له أية علاقة بما حدث، وكون أن بلعيرج صرّح بأنه كانت له نية للذهاب إلى التدريب في قواعد المقاومة التابعة لحزب الله، فهذه تبقى نيّة متهم فقط، ولا يمكن تأكيد وجود علاقة بناء على تصريحات معتقل، وما صرّح به وزير الداخلية يعبر عن رغبة في تدويل الملف، وعن توجيه رسالة بأن المغرب له من الحزم ما يكفي لإفشال مخططات إرهابية، بالمقارنة مع دول أخرى تقع بهما أحداث عنف مستمرة يذهب ضحيتها العشرات، دون أن تكون لها القدرة على كشفها وإفشالها منذ البداية أما حديث وزير الداخلية عن اليهود المغاربة، وأنهم كانوا مستهدفين بأعمال من قبل الخلية التي ألقي القبض عليها، فقد يكون ذلك صحيحا، لكن الأمن المغربي يضخم من هذه النقطة، لأسباب معروفة، وربما من أجل مكاسب دولية معينة، وهذا في تقديري إضرار باليهود المغاربة في حد ذاته، لأن الإرهاب يبقى إرهابا بغض النظر عن المستهدفين به.