شملت الملاحقات الأخيرة لأعضاء العدل والإحسان مجموعة من المدن المغربية، وارتفعت وتيرتها إلى درجة أن بعض المصادر الإعلامية تحدثت عن وجود خطة أمنية أعدتها وزارة الداخلية خصيصا لمواجهة العدل والإحسان، فيما ذهبت تحليلات أخرى إلى أن السلطات المغربية تعبر بكثافة هذه الملاحقات عن تحول استراتيجي في التعاطي مع هذه الجماعة. في هذا الحوار، يرى محمد ضريف أن هذه الملاحقات لا تؤشر على أي تحول في الموقف من قبل السلطات العمومية حيال جماعة العدل والإحسان، وأنها على العكس من ذلك تكشف ضيق مساحة الخلاف بين الجماعة والدولة ما دام الطرفان معا يرفعان شعار الشرعية القانونية كمدخل لتعامل أحدهما مع الآخر، ويرجع كثافة الملاحقات الأخيرة إلى أن الدولة تريد أن تمنع العدل والإحسان من استعراض قوتها في الشارع، وألا نية للدولة في التصعيد مع الجماعة. من جهة أخرى يؤكد ضريف ما سبق في مناسبة سابقة من أن جماعة العدل والإحسان تتجه للانخراط في المؤسسات السياسية، وأن توجه دائرتها السياسية منذ دورة نونبر 2005 للتفكير في وضع تعديلات لبعض مقتضيات الدستور، وكذا انصرافها إلى وضع برنامج سياسي يندرج في إطار تحول خط الجماعة في اتجاه الاندماج في اللعبة السياسية. شملت الملاحقات التي طالت أعضاء من جماعة العدل والإحسان العديد من المدن، وارتفعت وتيرتها بشكل غير مسبوق. في نظركم في أي إطار تندرج هذه التضييقات؟ ينبغي التمييز هنا بين صنفين من الملاحقات: الصنف الأول: ويتعلق بالملاحقات التي تطال الجماعة عقب تنظيم بعض الوقفات الاحتجاجية أو التضامنية مع بعض قضايا الأمة على غرار ما وقع من تضامن مع محنة الفلسطينيين في قطاع غزة. هذا الصنف ينطبق عليه ما ينطبق على باقي التنظيمات الأخرى ولو كان معترفا بها، حيث تمنع من تنظيم هذه الوقفات التضامنية بدعوى عدم حصول الهيئات الداعية إليها على الترخيص القانوني. الصنف الثاني: ويتعلق بالملاحقات التي تطال الجماعة جراء عقدها لمجالس النصيحة أو بعض الأنشطة الأخرى. والملاحقة هنا يتم تبريرها بكون الأنشطة غير قانونية باعتبار أن الجماعة غير معترف بها. بالنسبة للصنف الثاني، يمكن اعتباره امتدادا لما دأبت عليه السلطات منذ ماي 2005 حيث اتخذت السلطات العمومية قرارا بمنع إقامة أنشطة للجماعة بدعوى عدم قانونيتها، في حين أن الصنف الأول من الملاحقات تروم من خلاله السلطات العمومية عدم التساهل في تنظيم مسيرات غير مرخص بها أو وقفات لا تسمح بها السلطات العمومية سواء تعلق الأمر بهيئات معترف بها أو غير معترف بها. بالنظر إلى وتيرة هذه الملاحقات وامتدادها لتشمل العديد من المدن، هل يمكن الحديث عن تحول استراتيجي في تعاطي الدولة مع جماعة العدل والإحسان؟ لا أعتقد أن هناك تحولا استراتيجيا سرع من وتيرة الملاحقات خاصة إذا كنا نقصد بهذا التحول الاستراتيجي ما يقال من تغير طبيعة سياسة الدولة اتجاه الجماعات الإسلامية بعد تفكيك شبكة بلعيرج. وللتذكير، فإن سلوكات السلطات العمومية القامعة لكثير من الوقفات والمسيرات سجل في المغرب منذ سنوات، فكثير من الوقفات والمسيرات لا علاقة لها بجماعة العدل والإحسان ورغم ذلك فهي إما تقمع أو تمنع. ولنأخذ على سبيل المثال ما كان يجري قبالة مقر البرلمان المغربي من تدخلات عنيفة في مواجهة حملة الشواهد والتي طالت حتى المكفوفين. لذلك، عندما نتفحص خريطة هذه الملاحقات سنلاحظ بأنها خريطة تشمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية. يبدو أن الدولة باسم احترام القانون تحاول أن تطوق كافة الوقفات والتظاهرات ولو أدى ذلك إلى تدخلات عنيفة وإلى اعتقالات. وكما سبقت الإشارة، فالملاحقات التي طالت أعضاء في جماعة العدل والإحسان هي مرتبطة إما بقرار اتخذ منذ شهر ماي 2005 فيما يتعلق بعدم السماح بتنظيم أنشطة للجماعة بما في ذلك مجالس النصيحة أو منع الوقفات والمسيرات بدعوى أنها غير مرخص بها. وهنا مثلا، نشير إلى ما حدث في مدينة بنسليمان، بحيث أن الوقفة التضامنية مع قطاع غزة أفضت إلى اعتقال الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية. ولذلك، لا يمكن أن نتحدث عن تحول استراتيجي يتمثل في إعادة الدولة النظر في سياستها اتجاه الإسلاميين على خلفية تفكيك الشبكة الإرهابية (بلعيرج) أو ما يقال عن تداعيات هذا التفكيك المتمثلة، وإنما الأمر لا يعدو أن يكون متغيرا تكتيكيا يتمثل في عنصرين: حرص الدولة على حرمان جماعة العدل والإحسان من استعراض قوتها في الشارع. دفع وسائل الإعلام إلى تجاهل كل ما يتعلق بالجماعة وما يصدر عنها من وثائق كانت من قبل تثير جدلا صاخبا، ونموذج ذلك التجاهل الذي لقيته وثيقةجميعا من أجل الخلاص التي أصدرتها الدائرة السياسية للجماعة مؤخرا. لكن بعض نشطاء الجماعة، وكذا بعض المحللين السياسيين ينظرون إلى هذه الملاحقات باعتبارها استهدافا خاصا للجماعة؟ لا أعتقد أن الأمر يتعلق بسياسة بلورتها الدولة في مواجهة جماعة العدل والإحسان. ذلك أن حجم الملاحقات مرتبط أساسا بتحجيم أنشطة الجماعة. فعندما تعقد الجماعة على سبيل المثال مجلس النصيحة في مدن عديدة يترتب عن ذلك ملاحقات قد تتسع دائرتها، ويتصور البعض أنها حملة مكثفة تستهدف الجماعة وتعكس تحولا جذريا في التعامل مع الجماعة. لكن الأمر لا يندرج في هذا الإطار. إذا كانت السلطات قررت منع أنشطة الجماعة، فما هي المحددات التي تضبط علاقتها بهذه الجماعة؟ في تصوري، إن مساحة الخلاف بين الدولة والجماعة قد ضاقت. فالخطاب الذي ترفعه الدولة الآن هو خطاب احترام الشرعية القانونية، وهذا يشكل محددا للتعامل مع هذه الجماعة. والجماعة ترفع نفس الخطاب، فهي لا ترفض القوانين الجاري بها العمل كما لا تبيح لنفسها أن تنظم أنشطتها خارج دائرة القانون. نحن الآن لسنا أمام جماعة لا تعترف بالنظام القانوني القائم، ودليل ذلك أن الجماعة ما فتئت تدلي بأحكام قضائية صدرت عن محاكم مغربية تعترف بقانونية الجماعة، وفي إشارة رمزية ذات دلالة واضحة يمكن أن نضع ضمن هذا الإطار سلوك محمد العبادي القيادي في جماعة العدل والإحسان والذي لجأ إلى القضاء الإداري في مدينة وجدة للطعن في قرار السلطات العمومية بتشميع بيته. معنى هذا أن المحددات السياسية هي التي تحدد علاقتها بهذه الجماعة؟ الورقة القانونية تختزل في أحيان كثيرة المحددات السياسية لأنه إذا كان الخلاف بين الجماعة والدولة بنيويا على المستوى السياسي، فذلك ستكون له تداعيات على المستوى القانوني، وكون الورقة القانونية التي ترفعها الدولة (الشرعية القانونية) وكون الجماعة هي أيضا تدفع بقانونيتها فمعنى ذلك أن مساحة الخلاف السياسي قد تقلصت هي أيضا. هل يعني ذلك أن جماعة العدل والإحسان باتت أقرب إلى أن تندمج في المؤسسات السياسية؟ الخلاف الآن بين الدولة والجماعة ليس خلافا جوهريا، فالدولة ترغب في إدماج الجماعة في اللعبة السياسية وفق شروطها والجماعة ترغب بدورها في المشاركة في اللعبة السياسية لكن وفق شروطها. كثيرا ما يتداول في خطاب قياديي الجماعة مفردات مثل شروط الدولة وشروط الجماعة، ماذا تقصد الجماعة بهذه المفردات على المستوى السياسي؟ بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، فهي ترى بأن الدولة تطالبها بتغيير مواقفها من العديد من القضايا أشير منها إلى مسألة واحدة، فالدولة ترغب أن تتحول الجماعة إلى حزب سياسي وأن تلتزم بقانون الأحزاب وأن تعيد النظر في علاقة السياسة بالدين، ذلك أن هذا الشرط ضروري وأساسي في تعامل الدولة مع الجماعات الإسلامية، وعلى سبيل المثال: رفضت الدولة أن ترخص لحزب التجديد الوطني سنة 1992 إذ كانت ترى أن الإسلاميين إذا أرادوا الانخراط في العمل السياسي فعليهم الالتحاق بحزب سياسي قائم، في حين تريد جماعة العدل والإحسان أن تحافظ على كيانها كجماعة دعوية، وفي نفس الوقت أن تؤسس حزبا سياسيا مرتبطا بها، وهو ما أقدمت عليه بالفعل عندما أسست دائرتها السياسية. وهنا علينا أن نتذكر بعض ما ورد في المخطط الثلاثي الذي درس في الدورة العاشرة للمجلس القطري للدائرة السياسية والذي تضمن نقطتين دالتين تتعلق الأولى بالعمل على إخراج برنامج سياسي، وتتعلق الثانية بالتفكير في مقترحات تهدف إلى مراجعة الدستور وهو ما يعني عدم وجود رفض مطلق للدستور القائم، فهاتان النقطتان لهما أكثر من دلالة سياسية في اتجاه الانخراط في المؤسسات السياسية. لكن المكانة المركزية للأستاذ عبد السلام ياسين وما تشكله كتاباته التنظيرية التي تصنف النظم السياسية ضمن النظام الجبري وتدعو لإقامة خلافة على منهاج النبوة عبر بوابة القومة يطرح إشكالات والتباسات قد تشوش على هذه القراءة التي تقدمها عن مسار تحول الخط السياسي للجماعة؟ غالبا ما يلجأ المقاومون والمناهضون لجماعة العدل والإحسان لمثل هذه التبريرات، ذلك أنهم حين يريدون أن يبرزوا الوجه المتشدد للجماعة يحيلون على ما ورد في المنهاج النبوي. أكيد أن هذا الكتاب (المرجعية) يتضمن الأسس العامة للجماعة، ولكن ينبغي أن نطرح سؤالا حقيقيا في هذا الصدد: ماذا تبقى الآن من المنهاج النبوي؟ فعلى المستوى التنظيمي، تطورت البنية التنظيمية منذ بداية الثمانينات تطورا كبيرا بالقياس إلى ما جاء في المنهاج. ولذلك، نستطيع القول بأن ما يشكل جوهر المنهاج اليوم هو التربية، ثم إن الاعتماد على أدبيات الجماعة في بداية نشأتها للحكم عليها الآن يغيب معطى أساسيا هو التطور الذي حصل في مواقف الجماعة. ولماذا لم تعلن الجماعة عن مراجعاتها مع العلم أن الكثير من قيادييها وحتى فصيلها الطلابي لا زالوا يعلنون بأن المنهاج النبوي هو مرجعية الجماعة؟ في العمل السياسي، تكون عملية المراجعة أحيانا بطريقة غير مباشرة، وسأعطي مثالا واضحا يعبر عن هذا التحول، وهو الرسالة التي وجهها الأستاذ عبد السلام ياسين إلى الملك الحسن الثاني رحمه الله (مذكرة إلى من يهمه الأمر) يخطئ من يعتبرها امتدادا لرسالة (الإسلام أو الطوفان) وتجسيدا للخط المتشدد للجماعة. فالرسالة على العكس من ذلك تعكس بامتياز هذا التحول والتطور في مواقف الجماعة، فهي تخاطب الملك محمد السادس باعتباره ملكا شابا ونظيفا، ولا تفعل أكثر من مطالبته بتصحيح بعض الاختلالات التي قام بها سلفه. وهذا اعتراف من الأستاذ عبد السلام ياسين بشرعية المؤسسة الملكية، بل إن الرسالة لا تقدم الجماعة باعتبارها جماعة زاحفة على السلطة، وإنما جماعة تمثل قوة اقتراحية بإمكانها أن تساعد على إصلاح الأوضاع، بالإضافة على إعلان الرسالة موقفا واضحا من الديمقراطية، إذ تقبل منها بعدها المسطري المتمثل في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وترفض بعدها الفلسفي المتمثل في العلمانية وتتقاطع في ذلك مع ما صرح به الملك محمد السادس لجريدة البايس في الإسبانية يناير 2005 حين قال إن المغرب ليس دولة علمانية ولن يكون كذلك. وكيف تفسر هذا الإصرار على جعل المنهاج النبوي كمرجعية للجماعة؟ عندما كان المنهاج النبوي مرجعية تؤطر مسلكيات الجماعة كانت هذه المرجعية تتضمن ما هو مجمل أو عام، ولذلك يمكن اعتبار الكتابات التي أعقبت المنهاج باعتبارها تفصلا أو تخصيصا لما ورد فيه، ومن ثمة فلا يمكن قراءة المنهاج النبوي بمعزل عن هذه الكتابات التي جاءت بعد. ""