لا تفصلنا سوى أيام عن الذكرى الخامسة للتفجيرات الإرهابية لـ 16ماي، والتي شكلت منعطفا في التاريخ الحديث للمغرب، ما تزال آثاره مستمرة إلى غاية اليوم، بعد أن كشفت عملية استدعاء الشهود في محاكمة كل من الشيخين أبي حفص والكتاني، عن وجود فراغات كبيرة في هذه القضية، وعن أخطاء جسيمة ارتكبت في تحريك المتابعات الأمنية، مما حال دون معرفة الحقيقة. مباشرة بعد التفجيرات انبعث مشروع استئصالي عبر عن نفسه منذ ما قبل أحداث 11 شتنبر 2001 في بعض وسائل الإعلام الفرنسي، وكانت تفجيرات نيويورك وواشنطن مناسبة له لتوفير تغطية دولية لهذا المسعى، ثم جاءت تفجيرات البيضاء 16 ماي 2003, ونجم عنها رد فعل انفعالي لم يترك الفرصة لمعرفة ما وقع؟ وكيف وقع؟ ومن يقف وراءه؟ وهي الأسئلة التي لا يتوفر المغرب إلى غاية اليوم إلا على أجوبة جزئية ومحدودة لها، مع فراغات كبيرة، ومع ذلك نهض خطاب إعلان نهاية الاستثناء المغربي، واستغل ذلك لتجريب وصفة استئصالية هددت بشكل كبير التميز المغربي في الاندماج السياسي للحركة الإسلامية، وقبل ذلك خلفت الآلاف من ضحايا الانتهاكات الحقوقية الجدد، فضلا عن استمرار المئات من المعتقلين ممن وضعوا الدولة ومؤسساتها الحقوقية أمام سؤال الإنصاف والمصالحة من جديد. ثمة تقدم مسجل تجاه الوعي بهذا المشكل، خاصة مع نجاح تجارب دول عربية متعددة في احتواء المشكل واستيعابه، وطرح مقاربات جديدة قائمة على الحوار والمصالحة، وحققت فيها نجاحات مقدرة، ثم تطور الأمر مع المراجعة الغربية عموما والأمريكية تحديدا لملف ما كانت تسميه إدارة بوش بـالحرب على الإرهاب، بل وأقدمت على فتح ملفات التعذيب في خطوة مؤلمة، لكنها ضرورية للحفاظ على ما يسميه الرئيس الأمريكي الجديد بالقيم الأمريكية، وللأسف ما يزال المغرب بعيدا عن ذلك، بالرغم من أن آثار هذا الفتح المتنامي للملفات السوداء لهذه الحرب تمتد إلى المغرب وتضعه هو الآخر أمام امتحان الإنصاف والمصالحة. طيلة السنوات التي مضت خرجت إلى العلن معطيات حول ما حصل، وآخرها شهادة عدد من الشهود ممن تمت محاكمتهم وإدانتهم بالتفجيرات، وقبلها ما نشر من وثائق منسوبة إلى وزارة الدفاع الفرنسية حول مواقف ورؤى عدد ممن تحملوا مسؤولية تدبير تلك المرحلة على مستوى وزارة الداخلية، والتي لم يصدر نفي رسمي لها، وكشفت أنه جرى استلهام تجربة العهد الأوفقيري، والأكثر من ذلك أنه تم اللجوء إلى خيار التصفية الهادئة للإسلاميين وبمختلف الوسائل، وهي تصريحات نسبت إلى الوزير المنتذب السابق في الداخلية فؤاد عالي الهمة، كما نسب إلى الجنرال حميدو لعنيكري المدير العام للأمن الوطني السابق استعداده من أجل الانخراط في الحرب ضد ما تسميهم تلك المذكرات بالإسلاميين، وذلك بفترة سابقة عن التفجيرات. اليوم ثمة حاجة إلى وقفة شجاعة في هذا الملف، فهل ستكون مناسبة الذكرى الخامسة محطة الإعلان عن ذلك؟