تكاد تجمع قضية حسن الكتاني وأبوحفص كل الاستثناءات التي عرفتها محاكمات 16 ماي الأخيرة، فهي أول محاكمة ينسحب منها الدفاع بشكل جماعي، وتستمر دون دفاع ولا مناقشة لموضوع القضية، وتصدر فيها الأحكام دون الاستماع إلى شهادة الشهود التي تمسك بها المتهمون طوال المحاكمة، واستعطف فيها الدفاع هيأة الحكم، عبر طلبات متكررة وبصيغ مختلفة، أن تستجيب لهذا الطلب. لكن ما أثار استغراب المتتبعين لهذا الملف هو إصرار المحكمة رغم كل ذلك على الحسم فيه وإنهائه، مهما كلف الأمر من تدافع قوي بين هيأة الدفاع وهيأة الحكم. إن الحرب النفسية التي عرفتها الهيأتان في هذه القضية ترجمت إلى حرب من نوع آخر، وهي حرب البلاغات والقرارات المضادة، فبينما أصدر الدفاع في هذه القضية بيانا يتهم فيه هيأة الحكم، بعد امتناعها عن استدعاء الشهود، بأنها قد «جردت المحاكمة من أهم ضمانات وشروط المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع الثابتة، وهو ما جعل مهمة الدفاع مستحيلة...». وأجابت غرفة الجنايات في قرار ردت به على الدفاع أنه «انسحب تلقائيا وبدون مبرر، محتجا على قرار المحكمة بضم طلب استدعاء الشهود إلى الجوهر، رغم أن ذلك يدخل في إطار سلطتها التقديرية... ولا يمكن في هذه الحالة أن تبقى مكتوفة الأيدي رهن إشارة الدفاع، الأمر الذي يستوجب مواصلة القضية بدون دفاع». ووصل التشنج بين الهيأتين إلى مدى بعيد أصبح من المستحيل معه الاستمرار في التفاهم والتعاون بينهما من أجل تحقيق العدالة، الهدف الأوحد الذي يجمع بينهما. المتهمون بدورهم تمسكوا بدفاعهم ورفضوا أن تعين لهم المحكمة محاميا آخر في إطار المساعدة القضائية، وظلوا خلال أطوار المحاكمة يرددون: «نريد مواجهة الشهود الذين صرحوا ضدنا»، لكن المحكمة لم تلتفت إلى مطالبهم. فقد صرخ أبو حفص مثلا في وجه النيابة العامة قائلا: «رفعت التحدي أمام النيابة العامة للإتيان بأدلة إدانة ضدي، وربحت التحدي أمام الجميع، فقد عجز الوكيل العام أن يأتي بربع دليل، واكتفى بما قاله فلان وعلان في حقي»، وخلص في النهاية إلى أنه حرم من أكبر دليل على براءته، وهو شهادة الشهود. وقال حسن الكتاني: «إن النيابة العامة منعتنا من حقنا في الاستماع إلى الشهود أمام المحكمة، واعتبرت كلامهم في المحاضر كأنه حق نزل من الله تعالى». بعض المحامين وأمام إصرار المحكمة في مواصلة جلسات المحاكمة في غياب مكون من مكونات جهاز العدالة بالمغرب وهو الدفاع، رأى أن مسار القضية توضح بشكل جلي قبل النطق بالحكم، هذا المسار هو إدانة المتهمين، وهو المبرر نفسه الذي دفع بالمحامين إلى الانسحاب، وصرح بعضهم أن المحاكمة أصبحت صورية. لذلك لم يتفاجأ البعض في إقدام المحكمة على إدانة أبي حفص ب30 سنة، وحسن الكتاني ب20 سنة سجنا نافذا، قياسا على إدانة بعض الشيوخ الآخرين، كمحمد الفيزازي وعمر الحدوشي وعبد الكريم الشادلي ب30 سنة سجنا. ولم يخف البعض الآخر أن الأحكام الأخيرة هي أحكام سياسية، بل هناك من اعتبر منذ البداية «أن القضية لها طابع سياسي، حيث جاءت متابعة الكتاني في سياق التنسيق بين جهات معينة من أجل إيهام الرأي العام الدولي بأن المغرب اتخذ قراراه النهائي في دعم الحملة الدولية التي تهدف إلى محاصرة التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي». وسبق أن صرح أحد المحامين أن "قضية حسن الكتاني عرضت على القضاء من جهة غير مختصة بتنسيق مع جهات قضائية بالمحكمة". وانسجاما مع هذا الرأي قال يوسف فكري المحكوم عليه بالإعدام في رسالة بعثها لجريدة التجديد في وقت سابق: "إن المخابرات (المغربية) ساومتني مرارا وعرضت علي إغراءات من أجل أن أورط هؤلاء المشايخ (الكتاني، أبو حفص ،الحدوشي، وغيره)، ولكن لم يحصل هذا الأمر ولن يحصل"، والتصريح نفسه صرخ به فكري أثناء محاكمته في نهاية الصيف الماضي. وتأكيدا على الطابع السياسي للمحاكمة، وفي أول تصريح له بعد الإفراج عنه في فبراير الماضي، أكد حسن الكتاني "أن اعتقاله كان بإملاءات أمريكية". وهناك من يعتبر هذه المحاكمة محاكمة للرأي والفكر، لذلك قال محام آخر في تصريح سابق «إن المحاكمة لا تستند إلى وقائع جرمية، وأن جهات الاتهام تبحث في وقائع لا يمكن أبدا أن تعتمد أساسا للتجريم، فضلا عن العقاب»، ويعتقد هذا المحامي أن هاذين المتهمين يؤديان ضريبة تعبيرهما عن آرائهما، و»أن السلطات أرادت أن تختلق من وقائع عادية وقائع جرمية تؤدي إلى إدانتهما وزجرهما». وفي رأي آخر يعتبر أن اعتقال «الكتاني هو اعتقال رجل رأي وفكر كان يجاهر بنبذ العنف، ويرشد الشباب». وبالنسبة لعائلة حسن الكتاني، فإنها تعتبر الإدانة سبة في حق العائلة، وهو ما عبر عنه الشيخ الكتاني نفسه أثناء محاكمته، وكما جاء أيضا في بيان سابق لهذه العائلة أن اعتقال ابنها يعد «استفزازا صارخا وعدوانا مقيتا علينا كأسرة، وعلى المجتمع المغربي عن طريق إهانة وجوهه، وضرب رموز الإسلام فيه». وبدأت فصول هذه القضية عندما تم استنطاق الشيخ الكتاني، وبشكل دقيق، بداية هذا العام حول خرجة قام بها بعض الشباب المتدين الذين يقطنون بحي الواد بمدينة سلا، إلى غابة معمورة بعد عيد الأضحى الماضي، والتي تضمن برنامجها أنشطة متنوعة كالرياضة والأناشيد، وحضرها أيضا أبو حفص، وحسب مصالح الأمن، فإن تلك الخرجة تعد معسكرا تدريبيا، يهدف إلى غرس فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة سلا وفاس، وقد حضر هذه الخرجة أحد رجال المخابرات بصفته شابا ملتزما، هذا الأخير قام نفسه باستنطاق الكتاني فيما بعد. وبعد ذلك قطعت هذه القضية عدة أشواط، انتهت يوم الخميس الماضي بالإدانة. فبتاريخ 4 فيراير 2003 استدعت الشرطة القضائية بمدينة سلا الكتاني لاستجوابه حول شكاية تقدم بها سكان من حي وادي الذهب بسلا يتهمونه فيها بأنه يخالف المذهب المالكي في الآذان والصلاة يوم الجمعة، مما جعلهم يتركون الصلاة في مسجد مكة بنفس الحي ويتوجهون للصلاة في مسجد آخر. وأحيل الكتاني رفقة 10 متهمين آخرين على النيابة العامة في وقت لاحق من ذلك التاريخ، فقررت حفظ الملف يوم السابع من فبراير 2003 والإفراج عنه. وبعد ذلك تداولت الصحف نبأ اعتقال المتهمين مرة ثانية وإجراء البحث عن الشيخ الكتاني، فتأكد تسليم هذا الأخير نفسه للوكيل العام للملك يوم 18 فبراير 2003 , لتوجه إليه تهمة تكوين عصابة إجرامية والمساهمة فيها والإخلال بوقار العبادة وانتحال صفة خطيب الجمعة وعقد اجتماعات غير مرخص بها. أما إدانة الكتاني ليلة الخميس الماضي بعشرين سنة سجنا نافذا، فكانت نتيجة اتهمامه بكونه أحد مؤطري السلفية الجهادية، الذين قالت النيابة العامة إنهم أثروا بأفكارهم ودروسهم وخطبهم في الخلية الانتحارية التي فجرت عدة أماكن بمدينة الدارالبيضاء في 16 ماي الأخير. عمر العمري