بعد حوالي ست سنوات يبدو أن مسار قضيتي الشيخين عبد الوهاب رفيقي وحسن الكتاني وكأنه قد ولد من جديد ليفتح الباب لإجابات ظلت معلقة حول ما جرى في تفجيرات 16 ماي، ويتيح إمكانيات كبيرة لفتح صفحة مؤلمة من التاريخ الحديث للمغرب، خاصة وأن المسافة الزمنية التي تفصل بلادنا عن تلك التفجيرات توفر شروطا إيجابية لذلك. لقد كشف سير جلستي الجمعة الماضية والتي سبقتها بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أن عددا من المعطيات التي ارتكزت عليها الإدانة لم تكن صحيحة كلية، ومنها شهادة الشهود الذين اعتمد عليهم في الإدانة، حيث أن ستة من الشهود الذي تقدموا نفوا ما سبق أن نسب إليهم، وإذا ما سار نفس التوجه بالنسبة لبقية الشهود، فإن آفاق انفراج جديد في الملف ستكون راجحة، فضلا عن أن المغرب يجد نسفه اليوم مع فرصة ثمينة لطي ملف كلفه الكثير في مسار تطوره الحقوقي والسياسي. لقد سبقت انطلاقة عملية إحضار الشهود للمحاكمة تصريحات إيجابية دالة وخاصة من قبل الشيخ أبو حفص الذي أكد مواقف سابقة له بخصوص رفض النهج التكفيري أو اعتماد العنف في الإصلاح، أو لجوئه لتبني خيار الخروج على المؤسسات، كما عبر صراحة أن لا مشكل له مع الملكية، وهي التصريحات التي صدرت يوما قبل انطلاق المحاكمة وذلك بعد أن تعثرت هذه الأخيرة طيلة 12 جلسة بسبب من عدم إحضار الشهود، ونعتبر أن مثل هذه المواقف والتي تضاف لمواقف عبر عنها الشيخان في الماضي وأهمها البيان الذي صدر بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية حيث كانت إدانتهما لها صريحة واضحة، كل ذلك يساعد على توفير شروط بدء حوار مغربي وطني لمعاجلة الأرضية الفكرية التي تسببت في بروز توجهات الغلو والتطرف وتحولها إلى استهداف الأمن العام. لكن المثير هو تحرك البعض لمحاولة نسف هذا المسار بدعوى التشكيك في وجود صفقة، ومحاولة الإيهام بأن ذلك ستكون له آثار على مجموع المعتقلين في ملفات ما يسمى بالسلفية الجهادية، وهو ما يذكرنا بما حصل عند انطلاق إرهاصات حوار قبل أشهر بعد مبادرة منتدى الكرامة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لإيجاد تسوية إنسانية، واليوم نجد نفس الخطر الذي يجسده توجه يريد الإبقاء على جعل المغرب رهينة لمنطق أمني ضيق في تدبير ملف معقد يحتاج أكثر من غيره لمقاربة شمولية. الواقع أن الإرادة لبدء صفحة جديدة برزت والخوف هو أن يخرج البعض لإجهاضها، وإبقاء المغرب نشازا في محيط إقليمي ودولي يتجه لطي هذه الصفحة.