شكل موضوع "القضية الفلسطينية عند رواد في الفكر المغربي المعاصر"، محور ندوة فكرية نظمتها مؤسسة "الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات"، وبثت على صفحتها بالموقع الاجتماعي "فايسبوك"، يوم السبت فاتح فبراير 2025 بمدينة سلا بمشاركة نخبة من الباحثين والمهتمين والفعاليات الداعمة للقضية الفلسطينية في المغرب. الفقيه البصري وفي هذا الصدد، أوضح أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أن الزعيم الوطني الفقيه البصري كان رجل الميدان والعمل في دعم كفاح الحركة الوطنية الفلسطينية، نظرا لمساره القيادي المتميز في جيش التحرير المغربي وفي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وذكر ويحمان في مداخلة له تحت عنوان: "القضية الفلسطينية في فكر وعمل المجاهد الفقيه البصري"، جهود الفقيه البصري وإسهامه في تأسيس إذاعة صوت فلسطين من الجزائر، وفي تأسيس الجمعية المغربية لدعم كفاح الشعب الفسطيني. وأشار المتحدث إلى أن الراحل كانت له صلة وصل بين قادة منظمة التحرير الفلسطينية والحكام في الجزائر والعراق وليبيا ومصر وإيران من أجل دعم وتدريب المقاومة التي اعتبرها الفقيه البصري "ليست خيارا بل قدر الأحرار". بنجلون وبن الصديق وبن بركة من جانبه، تحدث عبد الله الجباري الباحث في الفكر المغربي عن طبيعة حضور القضية الفلسطينية في الفكر المغربي من خلال ثلاث مقاربات وهي : مقاربة علماء الشريعة الربانيين من خلال نموذج فتاوى العلامة عبد العزيز بن الصديق في حرمة عقد اتفاق غزة- أريحا سنة 1994 وحرمة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وفي جواز العمليات الاستشهادية، ثم الاتجاه الثوري مع الزعيم المهدي بن بركة في مواقفه الكاشفة للتغلغل الصهيوني في إفريقيا ورؤيته التفسيرية لطبيعة المشروع التنموي الإسرائيلي باعتباره مشروعا زائفا لقيامه على التمويل والدعم الخارجي للقوى الاستعمارية، والاتجاه اليساري النقدي مع الأستاذ عمر بن جلون الذي أسهم من خلال صحيفة "فلسطين المغربية" في الكتابة حول فلسطين. كما ذكر الجباري بعض رؤاه التحليلية بخصوص غموض مواقف بعض النخب اليسارية المغاربية من الحق الفلسطيني، لتأثرهم بمواقف نخب من اليسار الفرنسي المتأثر بالسردية الصهيونية. علال الفاسي "القضية الفلسطينية في فكر الزعيم الوطني علال الفاسي"هو عنوان مداخلة حفيظ هروس، الباحث في الفكر الإسلامي، الذي بسط الرؤية التفسيرية للعلامة علال الفاسي من خلال العوامل الذاتية والموضوعية لاحتلال فلسطين (النكبة)، والتي أجملها في عجز الحكام والقادة العرب عن تحرير أرض فلسطين لبعدهم عن نبض شعوبهم ولتمكن "معجزة الارتجال" منهم، ثم لهيمنة الاحتلال الفكري على الكثير من النخب والمثقفين، وكذا لقوة حضور فكرة الدولة اليهودية لدى الحركة الصهيونية التي تسربت للأفكار والمؤسسات الغربية، سواء الليبرالية أواليسارية وحتى للكنيسة المسيحية. وذكر هروس بأن الزعيم علال الفاسي دعا إلى جعل القضية الفلسطينية ضمن الحلّ الإسلامي الأوسع من المقاربة القومية العربية، كما عرّج الباحث على الجهود العملية للزعيم الوطني في نصرة فلسطين، التي كانت آخر ما تحدث عنه قبيل وفاته المفاجئة في مكتب الرئيس الروماني في 20 ماي سنة 1974. عبد السلام ياسين أما عبد الصمد فتحي رئيس "مؤسسة القدس للدراسات والأبحاث والتدريب"، فقد أبرز في مداخلة له تحت عنوان "القضية الفلسطينية في فكر الإمام عبد السلام ياسين"، أن الإمام ياسين جمع بين النظر والعمل في رؤيته للقضية الفلسطينية التي تفاعل معها في مشروعه في أبعاد ثلاثة وهي: البعد الفكري النظري، فالبعد التربوي التعليمي، ثم البعد التنظيمي التأسيسي. وفصل فتحي في خصائص النظرة المنهاجية التي تتأسس على : الرؤية القرآنية، والمستقبلية في الاستشراف، استرشادا بالهدي النبوي وبوعد الآخرة القرآني، ثم على الشمولية التي تعتبر الصراع في فلسطين هو العنوان الأبرز للمعركة بين الإسلام وروح الصهيونية التي تسري في قوى الاستكبار العالمي، وأن تحرير فلسطين مرتبط بتحرر الأمة من قيود الاستبداد والهيمنة الاستعمارية وأن النصر قرين للإيمان والعمل الصالح الذي يعد الأخذ بالأسباب من لوازمه. عبد الكريم الخطابي عبد الإله المنصوري الباحث والإعلامي فقد كانت مداخلته تحت عنوان: "شذرات من أوراق الأمير الخطابي الفلسطينية"، حيث اعتبر بأن القضية الفلسطينية أسهمت في تشكل الوعي السياسي للمجاهد الخطابي في اقتران مع قيادته للثورة الريفية المسلحة ضد الاحتلال الإسباني سنة 1921. وذكر المنصوري بقوة الروابط بين الشعبين الفلسطيني والمغربي عبر التاريخ المشترك في الكفاح ضد المحتل، إذ خرج الشعب الفلسطيني في مظاهرات عارمة في مدينة قلقيلية دعما لجهاد الخطابي، كما أن الأخير جمع تبرعات من القبائل الريفية لفائدة الفلسطينيين الذين كانوا يخوضون معارك ضد الاحتلال البريطاني بقيادة الشيخ عز الدين القسام. وختم المتحدث ورقته بذكر التقدير الكبير الذي كان يخصه كلّ من مفتي القدس الشيخ محمد الأمين الحسيني والقائد الفلسطيني أحمد الشقيري للمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي لجهاده ونصرته العملية للكفاح الفلسطيني، من خلال دعوته للجهاد في فلسطين وإسهامه مع الوطنيين المغاربة في توجيه خمسة آلاف متطوع لفلسطينالمحتلة، كان منهم المهدي بنونة والهاشمي الطود الذي أرّخ في مذكراته لمشاركة المغاربة في مواجهة العصابات الصهيونية في معارك سنتي 1947 و1948. الطرح الفلسفي الإسلامي الطرح الفلسفي الإسلامي عن القضية الفلسطينية كان حاضرا في هذه الندوة، من خلال مداخلة أحمد الفراك، أستاذ الفلسفة بجامعة عبد المالك السعدي عن رؤية الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن للقضية الفلسطينية من خلال كتابه الأبرز في هذا المضمار: "ثغور المرابطة: مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية،" الصادر سنة 2018. كما حدّد الفراك في عناوين ثلاثة مميزات طرح طه عبد الرحمن عن الصراع الإسلامي والإنساني مع الكيان الإسرائيلي في فلسطين، المؤسس على اعتبار الكيان يمثل تحديا للإنسانية بوصفه شرا مطلقا ينهج فعل الأذى والإيذاء للإله والأرض والإنسان، وأن المقاومة هي واجب أخلاقي، وأنها من تجليات المرابطة المقدسية المتعالية عن السياق الزماني والمكاني، لارتباطها العميق بالأسس الائتمانية المتسمة بالإيمان وأداء الأمانة والانتصار لقيم الفطرة، ثم تحميله المثقفين مسؤوليتهم في تمثل المرابطة المقدسية المعنوية، وبالأخص في أداء واجب رفض التطبيع لمخاطره في التمكين للاحتلال الصهيوني في الإذلال والأذى والإيذاء للإنسان الفلسطيني وللأمة الإسلامية والإنسانية. وكان عبد الباسط المستعين عن مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات، قد اعتبر في مستهل اللقاء، أن تنظيم هذه الندوة يندرج ضمن البرنامج العلمي للمؤسسة، وكذلك ضمن تفاعلها المعرفي مع قضية فلسطينالمحتلة، وبالأخص في سياق معركة طوفان الأقصى، معتبرا أن الندوة هي تذكير وإبراز لجهود ثلة من أعلام المغرب المعاصر في سبيل دعم تحرر فلسطين من الاحتلال الصهيوني، لكي تتعرف عليها الأجيال الشابة وتتمثل انحيازها للمبادئ والقيم المناصرة للحق الفلسطيني.