لا أجد سوي شعار كلنا فلسطينيون أدعو إلي رفعه في الفضاء العربي, وترديده بأعلي صوت ممكن, في مناسبة الذكري الثانية لانتفاضة الأقصي, التي تحل يوم السبت المقبل28 سبتمبر, ولا أعرف كيف سيمر ذلك اليوم في عالمنا العربي, لكني أتمني وألح في الرجاء ألا نبخسه حقه, فنستقبله ونودعه كأي يوم عادي في زمننا المثقل بالأحزان, والمليء بالإحباطات والأحلام المجهضة. (1) أدري أن أشهر سبتمبر من شهور الأحزان في الذاكرة العربية عامة والفلسطينية بوجه أخص, فقد علقت عليه لافتة أيلول الأسود منذ شهدت بدايته الصدام الدامي بين الفلسطينيين والسلطة الاردنية, الذي وقع في الخامس من ذلك الشهر عام1970, واختلط سواد صفحته بلون الدم مغموسا في الأشلاء الفلسطينية حين شهد منتصفه مذبحة صبرا وشاتيلا قبل عشرين عاما, وانضافت إلي أجوائه جرعة حزن من العيار الثقيل بوفاة الرئيس جمال عبدالناصر, في نفس اليوم الذي اندلعت فيه الانتفاضة لاحقا28 سبتمبر لكني أزعم ان انتفاضة الأقصي تكاد تكون نقطة الضوء الوحيدة في عتمة ذلك الشهر, ولحظة الأمل في مناخه الذي تظلله الغيوم, والمسكون بالإحباط.. لماذا؟ لأن أحداث بقية الشهر اذا كانت تمثل انقضاضا علي الحلم الفلسطيني أو انحسارا له, فان الانتفاضة جاءت إشهارا لقيامة الشعب الفلسطيني وإصراره علي الدفاع عن الحلم, ليس ذلك فحسب, وإنما أزعم أن هذه الانتفاضة هددت الحلم الإسرائيلي ذاته, حين نقلت الخوف إلي قلب إسرائيل, التي ظلت منذ ظهرت إلي الوجود تصدر الخوف إلي الآخرين, مطمئنة إلي أنها وفرت الأمن لسكانها وحصنتهم ضد مظان الأذي. رب قائل يقول أن نشرات الأخبار وصحف الصباح تقول أن الإسرائيليين في ظل حكومة شارون بوجه أخص سحقوا الفلسطينيين ودمروا حياتهم وكسروا شوكتهم, هذا صحيح بصورة نسبية, لكني أذكر بثلاثة أمور من الأهمية بمكان, الأول أن الفلسطينيين لم يهزموا ولم يركعوا, والحروب جولات كما أن الأيام دول, والثاني أن هذه ليست نهاية الحلم ولانهاية التاريخ الفلسطيني, وانما هناك مستقبل ممتد ومفتوح لمختلف الاحتمالات, أما الأمر الثالث فهو انه مهما طال الأجل بالظلم, فلن يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف, وإلا انقلبت سنن الحياة واختلت موازين الكون. (2) لاخير فينا إن لم نقلها, وإذا كانت صحيفة لوموند قد صدرت في اليوم التالي للهجوم علي مركز التجارة العالمي في نيويورك بعنوان علي صدر صفحتها الأولي يقول: كلنا أمريكيون, فأولي بنا أن نبادر في ذكري الانتفاضة إلي الإعلان علي الملأ: كلنا فلسطينيون, وليس من شك أن عنوان الصحيفة الفرنسية كان تعبيرا عميقا ورشيقا عن التضامن, علي مابين فرنساوالولاياتالمتحدة من تباين واختلاف, فرضتها اعتبارات الثقافة والتاريخ والجغرافيا, وهو تباين لامكان له في الحالة الفلسطينية العربية, وإذا كان بوسع فرنسا أن تدير ظهرها لما يجري في الولاياتالمتحدة, وان تنآي بنفسها عنها تحت أي ظرف, فالأمر علي جانبنا جد مغاير, ذلك أن كل ما يصيب فلسطين مردود أثره علي العالم العربي, الذي أثبتت خبرة نصف القرن المنصرم انه لن ينعم بالأمن والاستقرار, إلا اذا عاد السلام إلي فلسطين, مبنيا علي العدل والانصاف, ثم لاتنس انه ما من بلد عربي إلا وارتوي تراب فلسطين بدماء أبنائه, منذ عام1948 وحتي هذه اللحظة, ولاتنس أيضا أن الذين أقاموا إسرائيل في فلسطين لم تشغلهم أسطورة ارض الميعاد بقدر ما كانوا مشغولين بغرس خنجر في الخاصرة العربية, يمزق انسجة الجسم ويسبب له وجعا مستمرا. بسبب من ذلك فلعلي لا أبالغ إذا قلت أن فلسطينية العرب جذورها أعمق وأقوي بكثير من أمركة الفرنسيين, ليس ذلك فحسب, وانما اذا كان الفرنسيون قد قالوها مرة, في لحظة انفعال وتعاطف, ثم عادوا إلي حذرهم وحساسيتهم إزاء الأمريكيين واستخفافهم بثقافتهم, فإن فلسطين في الإدراك العربي حاضرة طول الوقت, بل ازعم أنها صارت مرآة العرب, من حيث أن انتصارها أو انكسارها لن يكون في حقيقته سوي انعكاس لقوة العرب أو هزيمتهم. أما لماذا يتعين علينا أن نقولها الآن, وفي أول فرصة, فردي علي ذلك هو ماذكرته في الأسبوع الماضي من أن القضية عادت إلي نقطة الصفر, وشارون نفسه هو من أعلن انه يواصل حرب الاستقلال من ثم فان انتصاره لن يكون إلا بتحطيم إرادة البشر, ووضع الفلسطينيين جميعا في معازل محكمة الاغلاق, فيما وصف بأنه أكبر سجن في التاريخ, ثم بتذويب الوطن وطمس معالمه. لايقف الأمر عند حد ابتلاع فلسطين والإجهاز علي قضيتها وانما هناك عنصر آخر في المشهد جعله أكثر اثارة وفجاجة, يتمثل في تلك الرعاية الأمريكية الصريحة, التي بلغت مدي غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, وهي الرعاية التي ابتدعت لأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية مبدأ إضفاء الشرعية علي حق المحتل في الدفاع عن نفسه ضد الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال, فضلا عن ذلك فقد أقرت لأول مرة أيضا مبدأ ضم الأراضي بالقوة المسلحة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد دافع عن وجود المستوطنات وقال إنها بنيت علي أرض حازها الإسرائيليون نتيجة حرب انتصروا فيها. وهذا المسلك وذاك يعد تحديا مدهشا لكل ما أقرته المواثيق والاتفاقات والأعراف الدولية, بقدر مايجسد الإذعان المشين للهوي والاستكبار الإسرائيليين. هذه الظروف في مجموعها تمثل اختبارا حقيقيا للإرادة العربية, فضلا عن الفلسطينيين بطبيعة الحال, لذلك زعمت أننا في قلب اللحظة التي ينبغي أن يرفع فيها شعار كلنا فلسطينيون علي لافتة تمتد بطول وعرض الأمة العربية, من المحيط إلي الخليج. (3) لتونا خارجين من مهرجان فرضه الأمريكيون علي العالم بأسره, في مناسبة الذكري الأولي لحادث الحادي عشر من سبتمبر, حيث تحولت الكرة الأرضية إلي سرادق كبير تبادلت فيه شعوب العالم العزاء واستعادت شريط ماجري, ولم تكف عن الجدل حول الحدث بوقائعه وتداعياته وعبرته, وإذ اعتبر الحادي عشر من سبتمبر تقويما جديدا, في مقام الهجري والميلادي والقبطي, وصار الحديث عن عالم مابعد سبتمبر أمرا عاديا كأنه حديث عن عصر مابعد ميلاد السيد المسيح, فإن الأمريكيين في نجاحهم الذي حققوه علي صعيد عولمة الحدث, ذهبوا إلي حد اقناع العالم بأن الإرهاب خطر يهدد الكون, متقدما علي الفقر والجوع والايدز والملاريا, وغير ذلك من المصائب الحقيقية التي تحصد الملايين كل عام, ولكن لأنهم ليسوا أمريكيين ولا من الجنس الأبيض, فقد تراجعت اهميتهم, بعدما عمم علي الكافة شعار لاصوت يعلو فوق صوت الحزن الأمريكي. لقد أنستنا القوة السياسية الأمريكية والقدرة الإعلامية الجبارة التي توافرت لهم حقيقة أن ماجري في11 سبتمبر هو حدث أمريكي بامتياز, وإذا كان بعض العرب والمسلمين قد تورطوا فيه, فان الدائرة تتسع قليلا لتشمل أولئك الذين يثبت ضلوعهم فيما جري, هم وجماعتهم التي ينتسبون إليها, في أبعد الفروض, وبعد ذلك لا علاقة لعموم العرب أو المسلمين بالموضوع, وليس هناك مايبرر شعورهم بالذنب بسببه. كما انه ليس هناك مايسوغ إشاعة التوتر وتعميم الحزن علي الجنس البشري من جرائه. لقد جري تشويه الوعي العام, إلي الحد الذي فرض علي الناس في بلادنا ان ينشغلوا بالحزن الأمريكي عن قائمة همومهم واحزانهم الطويلة, ولست هنا أقلل من شأن الحزن الأمريكي, فما جري في11 سبتمبر كارثة وفجيعة بكل معيار, لكنني فقط أشدد علي أمرين, الأول أن موقفنا ازاء ماجري هناك لايتجاوز حدود المواساة والمشاطرة التي تفرضها المشاعر الانسانية الطبيعية, والثاني ان لدينا كوارث وأوجاعا أشد وأنكي مما حدث في أمريكا, شاخصة امام أعيننا في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير.. الخ, ذلك فضلا عن همومنا العالمثالثية التي سبقت الإشارة إليها الفقر والجوع والتصحر والملاريا والايدز والتلوث وغير ذلك. أن الأمريكيين أقاموا الدنيا وأقعدوها لأن ثلاثة آلاف شخص قتلوا في الهجوم علي نيويورك, ولكن حين قتل ثلاث آلاف هندي, وتسمم200 ألف آخرون, بسبب الإهمال الذي ادي إلي تسرب الغاز من مصنع للأسمدة يملكه أمريكيون في مدينة بوبال الهندية عام1984, حين وقعت تلك الواقعة فإن الأمر مر بهدوء وعولج بأعصاب باردة, ولاتزال الولاياتالمتحدة ترفض تسليم المتهم الرئيسي في الكارثة, وهو رجل أعمال أمريكي, ولامقارنة بين الهستيريا التي أصابت العالم من جراء الهجوم علي البرجين الأمريكيين, وبين ذلك الهجوم الذري الذي شنته الولاياتالمتحدة علي المدينتين اليابانيتين هيروشيما ونجازاكي في الحرب العالمية الثانية, وهو ما أدي إلي إبادة أكثر من260 ألف شخص وإصابة أجيال اليابانيين في المدينتين بتشوهات مازالت مستمرة إلي الآن. (4) احتفظ باستطلاع مصور نشرته مجلة المجلة اللندنية في شهر مارس الماضي سجل احتفال الأمريكيين بأبطال سبتمبر من الكلاب, وهي الكلاب الملحقة بأقسام الشرطة والنجدة في نيويورك ونيوجيرسي, وشاركت بشجاعة في البحث عن ضحايا انهيار مركز التجارة العالمي, وقد أقيم الاحتفال الكبير في حديقة ميدان ماديسون بمانهاتن لتكريم من بقي حيا من أولئك الأبطال شارك فيه أبرز نجوم السينما الأمريكية, الذين ظهروا في الصور وقد احتضن كل نجم أو نجمة منهم كلبا, كما شاركت في الاحتفال بعض الشركات الكبري وبعض محطات التليفزيون, التي تبنت حملة دعائية واسعة النطاق لجمع الأموال من اجل رعاية أولئك الأبطال وحسن تدريبهم, لكي يؤدوا دورهم في تأمين المجتمع وحراسته, وأثناء الاحتفال وفي خلفيته, رفع شعار نحن نحب الكلاب جنبا إلي جنب مع الشعار الذي رفع عقب الهجوم, وكانت كلماته تقول أنا أحب نيويورك. ومع حلول ذكري11 سبتمبر, وقبل عدة أيام من الموعد, نشرت صحيفة نيويورك تايمز موضوعا حول المشاكل التي تواجه المدرسين الأمريكيين في تحديد ما الذي يجب قوله للتلاميذ في11 سبتمبر, وهو ما علق عليه توماس فريدمان الكاتب بنفس الجريدة, مقترحا إلقاء ثلاثة دروس تجيب علي ثلاثة أسئلة هي: من فعلها؟ ومن نحن؟ ولماذا يدين العديد ما جري ولكنهم يكرهون أمريكا؟ أمثال هذه الممارسات تمثلت في جانب منها محاولة للاجابة علي السؤال: كيف يكون الاحتفال بكل عناصر المناسبة, وكيف يزرع الحدث في وجدان الأجيال الجديدة, وهي تفترض انه قبل تكريم الكلاب جري تكريم كل البشر الذين اسهموا في عملية الانقاذ, كما تفترض أن المجتمع كله قد تمت تعبئته واستنفاره واذكاء وعيه بالحدث, وبقي أن تكتمل الدائرة بتلقين تلاميذ المدارس دروسا حول ماجري في11 سبتمبر, وتلك كلها مراحل متقدمة عما نفكر فيه مع حلول ذكري السنة الثانية لاندلاع الانتفاضة, ناهيك أن بعض ممارسات الأمريكيين تعد من قبيل الترف الذي لانملكه, ومن ثم لايحظر لنا علي بال. علي صعيد اخر فإنه يحز في نفس المرء أن يقول بأننا لم نبلغ بعد مرحلة طرح السؤال كيف؟ وإنما ليست لدينا اجابة واضحة ينعقد من حولها الإجماع, في صدد السؤالين هل؟ ولماذا؟ الأمر الذي يجسد جانبا من محنة النخبة في بلادنا, التي تشرذمت وانفرط عقدها, حتي اختلفت في أصول الوطن ناهيك عن فروعه. (5) ليس عندي كلام مع الذين يطرحون السؤال هل خصوصا أولئك الذين يمطون شفاههم وهم يتحدثون عن الانتفاضة, ويعتبرونها حماقة ارتكبها بعض المتطرفين وشارك فيها نفر من الإرهابيين الذين ضيعوا فرصة السلام وساعدوا علي مجيء شارون في نهاية المطاف, فهؤلاء ليسوا طرفا في المناقشة التي نجريها, بل انهم ليسوا مشمولين بخطابنا أصلا, اذ هم ليسوا فلسطينيين بالمعني الذي ندعو إليه, لكن هناك مايمكن ان نضعه بين أيدي الذين هم علي استعداد للاقتناع, ممن يطرحون السؤال لماذا؟. أزعم أن هذه الانتفاضة لها خصوصية تميزها عن سابقاتها تبرر الحفاوة بها, وهذه الخصوصية تتعلق في شق منها بالملابسات التي أحاطت بها, وفي شق آخر بوقائعها والنموذج الذي قدمته, وهو ما يحتاج إلي بعض الشرح والتفاصيل. * فيما يخص الظروف, أشرت قبل قليل إلي عنصر الرعاية الأمريكية الصريحة للاحتلال والاستيطان, وهي التي كانت في السابق مقصورة علي الدولة الإسرائيلية ومبدأ وجودها, وتبدي بعض التحفظ علي مايتجاوز تلك الحدود, وأضيف هنا ملابسات أخري منها تراجع الدور الأوروبي, الذي أشعر الفلسطينيين بأنهم يقفون وحدهم, إذ رغم تمايز موقف بعض الدول الأوروبية ازاء بعض الممارسات, إلا أنها لم تعد مستعدة لأن تتحرك في النهاية بعيدا عن الموقف الأمريكي. من تلك الملابسات أيضا ربما كان أهمها أن الانتفاضة انطلقت بعدما أعطيت كل الفرص لما سمي بالمسيرة السلمية, وثبت بما لايدع مجالا للشك أن إسرائيل غير جادة في احلال سلام يلبي الحد الادني من المطالب الفلسطينية, وأنها تستخدم المسيرة لتكريس التوسع وتقنين الاحتلال كانت محادثات كامب ديفيد الثانية, التي عرضت فيها لأول مرة مسألة تقاسم المسجد الأقصي, قد فشلت في التوصل إلي اتفاق حول التسوية النهائية, وعقدت المباحثات في يوليو2000 والانتفاضة انطلقت في شهر سبتمبر في ذات العام. * في الشق المتعلق بوقائع ومشاهد الانتفاضة نجد أنها تميزت بأمور عدة في مقدمتها: أنها استمرت مدة أطول من أي انتفاضة سابقة, في حين أن انتفاضات التسعينيات كانت كل واحدة منها تستمر لأشهر معدودة, ثم أنها اتسمت بدرجة عالية من الاصرار والتضحية والفداء, وهو ماجسده الارتفاع غير المسبوق للعمليات الاستشهادية120 عملية حتي يوم الاربعاء الماضي9/18 أوقعت625 قتيلا إسرائيليا, الأمر الذي لم يحدث من قبل في أي مرحلة من مراحل الصراع. ليس ذلك فحسب وإنما يحسب للانتفاضة أيضا انها نقلت المعركة والخوف معها كما قلنا إلي قلب المجتمع الإسرائيلي لأول مرة, في الوقت ذاته فإن عمليات المقاومة الفلسطينية اتسمت بدرجة عالية من الكفاءة والثقة والقدرة علي تحدي السلاح والصلف الإسرائيليين, وهو ما شهدت به معركة جنين الخالدة من ناحية أخري فيحسب لهذه الانتفاضة أنها غدت محل إجماع ومشاركة فعالة من جانب كل القوي الوطنية الفلسطينية, وهو مايحدث لأول مرة, ليس ذلك فحسب, وانما اعتمدت تلك القوي أسلوب العمليات الاستشهادية سبيلا إلي المقاومة وردع العدو كتائب الأقصي التابعة لفتح والجبهة الشعبية ولم تعد تلك العمليات مقصورة علي حركة حماس والجهاد الإسلامي, وهذا التطور بالغ الأهمية هز المجتمع الإسرائيلي وقلب حسابات النخبة الحاكمة, وأثار انزعاج الإدارة الأمريكية حتي تولي الرئيس بوش قيادة الحملة العالمية ضد العمليات الاستشهادية هذا الإجماع الوطني الفلسطيني الذي افرز تلك الدرجة العالية من الكفاءة وفاعلية الاداء كان له صداه القوي في الشارع العربي والإسلامي الذي شهد اجماعا اخر غير مسبوق, مما دعانا إلي القول بأن الانتفاضة اعادت تعريب القضية الفلسطينية, وأخرجتها من الإطار القطري الضيق الذي حشرت فيه طيلة العقد الأخير علي الأقل. والأمر كذلك, فلست أبالغ اذا قلت ان انتفاضة الأقصي تشكل نقطة ضوء, بل علامة فارقة, في مسيرة النضال الفلسطيني والعربي بعامة, وهو مايفسر إلي حد ما المحاولة الإسرائيلية والأمريكية الشرسة لسحقها. وفي مناسبة حلول الذكري الثانية لتلك الانتفاضة, لا أقل من أن نعلن وقوفنا معها في اللحظة التي يحاولون إجهاضها وخنقها, فنهتف جميعا قائلين: كلنا فلسطينيون, وحين يتحقق ذلك, فإنه سوف يشجعنا علي أن نتساءل في وقت لاحق: ماذا سنقول لتلاميذ مدارسنا صبيحة الثامن والعشرين من سبتمبر؟ فهمي هويدي