فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر الإصلاح الديني والتدخل العثماني على تطور الأوضاع في أوربا خلال القرنين 16 و 17: نهاية الحلم الامبراطوري

تعتبر الفترة الفاصلة بين 1519, تاريخ انتخاب ملك أسبانيا شارل الأول إمبراطورا للغرب المسيحي تحت اسم شارل الخامس أو شارل كانCharles Quint، و 1648, تاريخ توقيع معاهدتي وستفالياWestphalie الشهيرة عصرا غنيا بالأحداث التي تمس جوانب من تطور أوربا الحديثة. وقد رسمت هذه الأحداث تطور القارة ومعها مصير العالم.
خلال هذه الفترة اهتزت الوحدة المذهبية لأوربا التي كانت حتى ذلك التاريخ خاضعة لنفوذ الكنيسة الكاثوليكية، فتم تكريس مبدأ الإصلاح الديني، و رسمت تبعا لذلك خريطة مذهبية جديدة ومتعددة لأوربا.
و شهدت الفترة بسبب الحلم الإمبراطوري سلسلة من النزاعات لأسباب اسروية أو قومية أو دينية اشهرها نزاع فرنسا والقصر النمساوي ممثلا بأسرة الهابسبورغ التي يمتد نفوذها بين النمسا وألمانيا و أسبانيا و هولندا و شرق تخوم المملكة الفرنسية، أدت إلى نشوب حرب الثلاثين سنة الشهيرة المنتهية بموجب معاهدتي وستفاليا والتخلي عن فكرة تأسيس الإمبراطورية المسيحية.
و بموازاة هذه الأوضاع كانت السياسة الأوربية متأثرة بالتدخل العثماني في شرق أوربا، و أساسا بشبه جزيرة البلقان، و في جنوب البحر الأبيض المتوسط.
1- الإصلاح المضاد:
قامت الكنيسة الكاثوليكية بتحريم متزعم الإصلاح مارتن لوتر سنة 1520، وتمت دعوته للمثول أمام الإمبراطور والأمراء الألمان في الجمعية الرهبانية Diète لفورمسWorms سنة 1521. و برفضه الامثتال, وضع لوتر خارج حماية القانون, وحينها احتضنه دوق سكسونيا الذي منحه ملجأ في إحدى قلاعه بواربورغ.
استغل مارتن لوتر وقته في هذا الملجأ لترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية. و تعتبر هذه الترجمة سابقة في تاريخ الكتاب المقدس بأوربا، ذلك انه للمرة الأولى ينقل إلى لغة شعبية لم يتم تقعيدها بعد, كما انه لم يكن ممكنا و لا مسموحا به تداول الكتاب المقدس بلغة غير اللغة اللاتينية المستعملة رسميا في الكنيسة. و بالإضافة إلى هذه الترجمة قام لوتر بصياغة المبادئ الأساسية في مشروعه الإصلاحي. إن الوضع الجديد الذي انتهى إليه المجال المسيحي يتلخص في انشقاق الكاثوليك، و انشطار الإمبراطورية المقدسة على أساس مذهبي، وتكريس مبدأ الإصلاح الديني الذي لم يعد يهدف إلى الدفاع لفرض النظام والانضباط في صفوف رجال الدين وحسب بل أعاد النظر في المبادئ الرئيسية للمذهب الكاثوليكي.
لقد قامت البروتستانتية على ثلاثة مبادئ وهي:
* التبرير بالإيمان. ذلك أن الخلاص البشري، في منظور المذهب الجديد، يكون بالإيمان وحده، وليس بالإيمان والتقليد الكنسي كما تقول بذلك الكاثوليكية.
* الرهبنة الكونية. و تقوم على أن كل مؤمن هو راهب لنفسه فلا حاجة بالكهنوت القائم في الكاثوليكية، و لا حاجة إلى شروحه حول الكتاب المقدس.
* عصمة الكتاب المقدس وحده. ويعتبر هذا المبدأ ضربة موجهة لمكانة و وظيفة البابا الذي ينظر إليه الكاثوليك كحبر أعظم يتمتع بالعصمة.
أخرج الإصلاح الديني الكنيسة الكاثوليكية من مجموعة من المجالات شمال وغرب أوربا في وقت انتشرت فيه الطباعة وعرفت الكتب رواجا, وجعل الإصلاح من بعض رِؤساء الدول رؤساء للكنيسة كما هو عليه الحال في انجلترا.
لجأت الكنيسة الكاثوليكية إلى توحيد الصراع ضد الإصلاح البروتستانتي. فاتخذ البابا بولس الثالث ( 1534- 1549) في سنة 1542 قرارا للعمل من جديد بمحاكم التفتيش التي تم تراجع دورها في النصف الأول من القرن السادس عشر ماعدا في أسبانيا.
اعتمدت محاكم التفتيش على محكمة مركزية يسيرها الكرادلة الستة للمحكمة المقدسة، ومجموعات من المحققين موزعين في مختلف البلدان المسيحية بأوربا, وكانوا مقلدين بصلاحيات غير محدودة للبحث عن الأشخاص المشتبه فيهم.
ويعتبر هذا الإحداث إجراء استعجالي لمواجهة نمو وانتشار الإصلاح الديني، خاصة في ألمانيا وفرنسا وسويسرا.
لم يكن لهذه المحاكم دور في تحصين مجال النفوذ الكاثوليكي من انتشار أفكار الإصلاح الديني إلا في ايطاليا، حيث توجد البابوية و في أسبانيا التي استمرت في التوفر على هذه المحاكم بسبب الحاجة إليها في مطاردة الكاثوليك للمسلمين واليهود, و مراقبة مدى تنصيرهم، بعد التوحيد الكامل لشبه الجزيرة الايبرية تحت راية الديانة المسيحية، و في إطار مملكة واحدة.
ومن جهة أخرى فرضت الكنيسة فهرسا يضم كل المؤلفات المحرم على الكاثوليك قراءتها و لا سيما الكاثوليك الذين ليس لهم إطلاع واسع على الاقكار والمبادئ الكاثوليكية وهم الأغلبية في الوسط الكاثوليكي.
- مجلس طرانتي: لم يتوقف تدخل الكنيسة لمواجهة المد الإصلاحي، فقد اتجهت إلى القيام بإصلاح داخلي اصطلح عليه تاريخيا بالإصلاح المضادContre-Réforme. و استثمر البابوات في ذلك علاقاتهم بالملوك والأمراء، ليقفوا إلى جانبهم من اجل الصراع ضد البروتستانت من جهة وتطبيق مقررات مجلس طرانتي Concile de Trente من جهة أخرى
دعا البابا بولس الثالث إلى انعقاد المجلس الكهنوتي بمدينة طرانتي بالتيرول سنة 1545 بعد أن أصبح العالم المسيحي يرى ضرورة عقده, إذ يرى كل المسيحيون أن هذه الهيأة أصبحت منذ مجلس كونسطانسConcile de Constance المنعقد بين 1414 و 1417 لوضع حد للانشقاق الكبير، بمثابة وسيلة أساسية و وحيدة لحل الأزمات التي تعاني منها المسيحية.
وعلى الرغم من التحفظات التي كان يبديها البابوات من انعقاد المجلس الكهنوتي، فإن الظروف التي كان يمر منها العالم المسيحي المثمتلة في الانشقاق المذهبي المؤدي إلى استفحال الانفصام القائم داخل " أمة المسيح"منذ الاستقلال التام للكنيسة البيزنطية الأرتودكسية في القرن الحادي عشر، وسمته الإصلاح الديني الذي تغلغل في ألمانيا وفرنسا وسويسرا، واستقلال الكنيسة الإنجليزية في إطار الإصلاح الانجليكاني ابتداء من عهد الملك هنري الثامن، و التوغل التركي في شرق أوربا الذي بلغت جيوشه أبواب أوربا الوسطى، والصراع بين القصر النمساوي Maison d?Autriche في شخص أسرة الهابسبورغ ممثلة بالإمبراطور شارل كان وفرنسا في شخص أسرة الفاليين ممثلة بالملك فرانسوا الأول، والصراعات الدينية بين الإمارات الألمانية, كلها عوامل زادت في تازيم الأوضاع داخل أوربا وتسهل من مهام الجيش التركي خلال عهد الإمبراطور العثماني سليمان القانوني في التوغل داخل القارة العجوز لتحقيق مكاسب ترابية باسم الإسلام على حساب المسيحية.
أصبح المجلس الكهنوتي يفرض نفسه كمجلس كوني ?cuménique يحضره كل أساقفة العالم المسيحي، واشترط البروتستانت الذين تمت دعوتهم للحضور من أجل المساءلة أن يتمتعوا بحق التداول في القضايا التي يطرجها المجلس الكهنوتي, ولعدم الاستجابة لشرطهم هذا تغيبوا.
انعقدت أشغال المجلس على ثلاثة مراحل بين 1545 و 156 وقد لعب رؤساء الدول, و خاصة شارل كان إمبراطور الغرب المسيحي، و فرانسوا الاول ملك فرنسا دورا رئيسيا في توجيه مداولات المجلس.
طرح مجلس طرانتي مسالتين: مسألة مذهبية ومسألة تنظيمية. الأولى موجهة إلى العموم والثانية موجهة إلى رجال الكنيسة.
فعلى مستوى المذهبي، حدد المجلس المذهب الكاثوليكي في مبادئه التقليدية وشدد عليها. واعتمد البابوات1 على الأساقفة الإيطاليين والأسبان في مواجهة الآراء المعتدلة داخل المجلس. و تم التشديد على كل الأفكار والمبادئ الكاثوليكية التي استهدفها البروتستانت وهي:
* وقوف المذهب الكتوليكي على التقليد الكنسي إلى جانب الكتاب المقدس.
* للكنيسة وحدها، التي يوجد على رأسها بابا يتمتع بالعصمة، صلاحية شرح الكتاب المقدس.
* حصول الخلاص الإنساني بالإيمان والأعمال.
* تأكيد التقديسات السبع وعلى رأسها مريم العذراء.
* تأكيد استعمال اللاتينية كلغة رسمية للكنيسة ورفض الاعتراف بأي ترجمة للكتاب المقدس إلى لغة أخرى غير اللاتينية.
وعلى المستوى التنظيمي فرض المجلس الكهنوتي خضوع الرهبان، الذين كانوا جاهلين في اغلبهم بالكثير من مبادئ المسيحية والمذهب الكاثوليكي، لتكوين إلزامي يتم تلقيه في الحلقات الدراسية. كما فرض المجلس وجوب إقامة الأسقف أو الراهب في المجال الذي هو مختص به، و منع تراكم المهام لدى الشخص الواحد.
- اليسوعيون:كان للتنظيمات الدينية دور رئيسي في نجاح عملية الإصلاح داخل الكنيسة الكاثوليكية. فقد قام الاكليروس بعملية الإصلاح من الداخل و قامت بعض التنظيمات بالعودة إلى قاعدتها الأصلية كما هو حال بعض الجمعيات الفرانسسكانية. و ظهرت تنظيمات دينية جديدة مثل التياتينThéatins المهتمين بمعالجة المرضى و المساجين، و الخطباء Oratoriens المهتمين بالتعليم. و قد تزامن من هذا المنظور مع التجديد الروحي في الكاثوليكية.
وتكاثرت عملية كتابات مقالات الأدعية Traités d?oraisons. و تقوت هذه الحركة في أسبانيا فأصبح دير مونتسيرا بكاطالونيا محجا للكاثوليك، و زادت كتابات القديسة تيريزا دافيلا من هذه الميول الروحية. و بين هذه التنظيمات الجديدة كان اليسوعيونLes jésuites، و هم الطائفة التي أسسها اينياس دي لويولاIgnace de Loyola، بمثابة الاتجاه الأقوى.
كان اينياس دي لويولا المنحدر من بلاد الباسك، والمولود سنة 1491، ضابطا في الجيش الاسباني. و في سنة 1521 أصيب بجروح بليغة، فترك الجندية و درس اللاهوت قي الجامعات الاسبانية. و في 15 غشت 1534 أسس مع مجموعة من رفاقه جمعية دينية أطلق عليها في سنة اسم رفاق المسيح La compagnie du Christ، و في سنة 1540 اعترف البابا بالجماعة.
فرض اليسوعيون على جماعتهم ضوابط صارمة و شددوا شروط الالتحاق بهم، و أصبحوا في الخدمة إزاء البابا. أسسوا هيئات تعليمية في شكل مدارس تعطي صنفا جديدا من التعليم و استقطبوا إليها أبناء الأسر الملكية و الأميرية و النبلاء. و حددت الحركة لنفسها مهاما منها التصدي لمواجهة الإصلاح الديني فنجحت في إيقاف هذا المد في البلدان المهددة بانتشار البروتستانتية وخاصة بجنوب بلاد فلاندرة.
2- الحروب الدينية:
أصبح تقدم اللوثرية يشكل تهديدا على وحدة الإمبراطورية. و اعتبر شارل كان نفسه معنيا بالوحدة الدينية لألمانيا. حاول في البداية التوفيق بين اللوثريين والكاثوليك في منتدى، بتقديم تنازلات للوثريين. اعترض شارل كان على فكرة عقد مجمع ديني لا يرغب اللوتريون في انعقاده إلا إذا تمتعوا بالمساواة في النقاش مع الكاثوليك، ثم استدعى الجمعية الرهبانية بسبير ستة 1529 من اجل إقامة سلم دينية. و في سنة 1530 أحدث ملانكتون, و هو احد تلاميذ لوثر، شهادة اوغسبورغ التي أصبح معمولا بها داخل الكنائس البروتستانتية.
و في سنة 1531 اندلعت الحرب بين الأمراء البروتستانت، موحدين في رابطة سمالكالد، و الأمراء الكاثوليك. لم تتوقف الصراعات داخل ألمانيا الا مع إبرام عهد اوغسبورغ سنة 1555 بين الكاثوليك والبروتستانت، لكن هذا العهد كرس تجزئة ألمانيا.
تخطت أفكار لوثر حدود و بلغت البلاد الاسكندنافية ألمانيا و الأراضي المنخفضة ، و فرنسا وسويسرا.
و لم تسلم فرنسا من الصراعات الدينية التي ستتسبب في اشعال فتيل ثمان حروب دينية، اعد رحيل الملك هنري الثاني.
أدت الوفاة المفاجئة لملك فرنسا هنري الثاني إلى إضعاف السلطة الملكية. و خلفه فرانسوا الثاني رغم تمتعه بسن الرشد القانونية، تخلى عن الكم لصالح حاشيته وكانت هذه الحاشية منقسمة الى جماعات متنافسة. منها جماعة محيطة بالملكة الأم كاترين دي ميدتشي المبعدة عن الحكم ايام زوجها الراحل هنري الثاني والطموحة الى القيام بدور سياسي، ومنها الجماعة القوية لعائلة الكيز المنحدرة من منطقة اللورين وهي العائلة التي تنتمي اليها ماري ستيوارت زوجة الملك فرانسوا الثاني، ومنها اخيرا الجماعة البروتستانية المنتمية الى قصر البوربون، وعلى راسها انطوان دب بوربون ملك النافار.مات فرانسوا الثاني بعد سنة من حكمه سنة 1560 وفرض صغر سن الوريث تنصيب وصاية على التاج الى غاية رشد الملك القاصر اسندت الى كاترين دي ميدتشي. وقد واجهت الوصية صعوبات بسبب افتقادها وسائل التحكم في الوضع.
استفحلت هذه الازمة سبب القوة التي كان يتمتع بها المعسكر البروتستنتي الذي كان يتوفر على 2000 كنيسة.
كانت الكنائس البروتستانتية موزعة بشكل اساي في منطقة باريس واللوار، والدوفيني، وبروفانس، وفيفاري، واللانكدوك السفلى، وبواتيي ولاروشيل. وفي سنة 1559 اجتمع في باريس اول مجمع كنسي وطني للكنائس المصلحة، وقام بصياغة وثيقة حول الايمان على طريقة كالفن.
وقد توغل الاصلاح الكالفيني في اوساط الفلاحين بعد ان اعتنقه الحضريون من الاوساط البورجوازية واصحاب الحرف، وانتظم البروتستانت في كنائس خاضعة لضوابط المجمعات الدينية ودخلوا في حماية النبلاء مثل انطوان دي بوربون ملك النافار اخ الاميرال كوليني الاميرال والقائد العسكري.
وفي مقابل البروتستانت ظل الكاثوليك يتمتعون بالتفوق العددي، وطالبوا من الملك حماية الدين مستنكرين التسامح الذي ابداه بعض الساسة إزاء الهراطقة ، أي البروتستانت. واعتمد الكاثوليك على التحالف التقليدي بين الملكية والكنيسة، وقد وجد على راسهم بدورهم اقطاب مثل اسرة الجيز.
حاولت كاترين دي ميدتشي اتباع سياسة توافق ومصالحة، فنظمت خلال شهري غشت وشتنبر 1565 منتدى بواسي لتقريب الاطروحات اللاهوتية للطائفتين لكنها تعارضا في المسالة الافخارستية وبموازاة هذا المنتدى ، صدر مرسوم ملكي في 1 يناير 1562 يسمح للبروتستانت بممارسة شعارهم خارج المدن، اعترض عليه الكاثوليك . وبالعثور على بروتستانت يمارسون طقوسهم داخل مدينة واسي بشامبانيا، قام الكاثوليك بقيادة فرانسوا دي كيز بمذبحة.
أدت هذه المذبحة الى نسف سياسة المصالحة التي كانت تنهجها الملكة الام الوصية على التاج كاترين دي ميدتشي، فقام البروتستانت بعملية مضادة مستولين على مجموعة من المدن داخل فرنسا. وحدثت بين المعسكرين معركة درو في شهر دجنبر 1562 التي تعتبر اولى المعارك 2 تلاها حتف زعيم معسكر الكاتوليك امام اورليان في شهر فبراير 1563 . وفي 15 مارس 1563 صدر مرسوم امبواز الذي اوقف المواجهات.
انطلقت المواجهات من جديد بعد محاولة كوندي الانقضاض على الملك في مو بين 26 و 28 شتنبر 1567 حصلت المواجهات حول مدينة باريس، ومنها مواجهة سان دوني في شهر نونبر 1567، وتوقفت الحرب بعد سلسلة من المفاوضات. وعادت المواجهات في شهر مارس 1569 وتوقفت في اتفاق السلام بسان جرمان في شهر غشت 1570، وفي 24 غشت 1572 وقعت مجزرة سان بارطلمي وهي محاولة من الملكية من اجل اشعال مواجهة دينية تكون مناسبة لتصفية القادة العسكريين والسياسيين للبروتستانت وحدثت المواجهات الخامسة بين نونبر 1574 وماي 1576 وانتهت بتوقيع سلام بوليو، والمواجهة السابعة بين نونبر 1579 ونونبر 1580، وحدثت المواجهة الثامنة التي هددت فيها الرابطة المملكة بين يوليوز 1585 ويونيو 1598، في هذه المواجهات لقي ملك فرنسا هنري الثالث حتفه يوم 1 غشت 1589 . وفي مارس 1590 انتصر هنري دي نافار في معركة ايفري التي فتحت الطريق الى حصار مدينة باريس .
بعد هذا الانتصار اعتنق هنري دي نافار الكاثوليكية من جديد فمهد لنفسه لكي يتوج ملكا في شارتر في فبراير 1594، وأصدر مرسوم نانت في شهر ابريل 1598. ويعتبر مرسوم نانت بمثابة نهاية مسلسل دموي شهدته فرنسا بسبب الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت أعطى ضمانات للبروتستانت الذين يعيشون فوق التراب الفرنسي.
3- سياسة معادية للاتراك:
اصبحت الامبراطورية العثمانية طرفا رئيسا في المعادلة الاوربية . فالجيوش التركية المتوغلة في البلقان، والتي اصبحت تهدد فيينا اعتبرت بمثابة خطر على اسرة الهابسبورغ التي ينتمي اليها الامبراطور شارل كان.
وقد اعتبرت فرنسا الوضع في صالحها ، فبحثت عن مساندة من الاتراك في الصراع بين فرانسوا الاول والامبراطور شارل كان.
بدأ الهابسبورغ يبحثون بدورهم عن تحالف مع فارس ، وقام الاتراك بحملة تهم داخل هنغاريا، ولم يقدم الامبراطور الدعم اللازم للمسيحيين في هذه المواجهة . ويرى المؤرخ الفرنسي هنري لابير بأن شارل كان كملك اسبانيا كان حذرا إزاء العمليات في البحر الابيض المتوسط 3
حقق الاتراك انتصارات فاستولوا على بلغراد في 1521، وعلى ردوس في 1523. وفي 1529 حاصر الاتراك فيينا وليم يستطيعوا الاستيلاء عليها، ويعزو هنري لابير 4 هذا التقدم الى الصراع بين الهابسبورغ والفالوا، وهم الاسرة التي ينتمي اليها فرانسوا الاول ملك فرنسا.
وقع الاسبان هدنة نيس وكون شارل كان رابطة مع البابا بول الثالث والبندقية، واصطدم اسطول هذه الرابطة مع الاسطول العثماني في بريفيزا. ويرى فرنان بروديل أن هذه المعركة هي التي اعطت الاتراك الهيمنة على البحر الابيض المتوسط 5 . وقد نجم عن هذه السيطرة التركية تواطؤ بين القوتين البحريتين الفرنسية والتركية فأدى ذلك الى انتفاضة كورسيكا التي كانت تابعة لجنوة وتحالفها مع ملك فرنسا. واستولى الاتراك على مجموعة من المراكز بالبحر الابيض المتوسط، يقول هنري لابير:" إذا ما تم تأمل المرحلة بكاملها، فان الميزان كان لصالح الاتراك، الغزوات بالمجر ، تراجع البندقية باليونان واسبانيا بافريقيا، التحكم في البحر بواسطة الاسطول العثماني، انطلاق القرصنة الشمال افريقية. والملك الاقوى خلال العصر ليس هو شارل كان، ولكن سليمان القانوني» 6.
غير أن هذا التفوق التركي لن يستمر فبعد الانتصار الذي تحقق في المواجهة مع المسيحيين سنة 1560 واندحار الاسطول المسيحي الذي كان يقوده نائب ملك صقلية اساسا. وفي سنة 1565 حقق الاسطول المسيحي الذي تقوى من جديد انتصارا على الاسطول التركي في المواجهة على الساحل الافريقي .
وقد قام الباب ّ ابي الخامس" بدعوة اسبانيا والبندقية الى التوحد في رابطة، بالرغم من انشغال اسبانيا بالمشاكل بفلاندرة. جهر المتحالفون اسطولا من 200 قطعة حربية و 100 سفينة نقل و 50 الف محارب، واتجهت قوى التحالف المسيحي نحو الجزر الاغريقية. وفي 7 اكتوبر 1571 وقعت معركة لبانتي التي كانت فيها الخسائر كبيرة في الجانب التركي .
4- حرب الثلاثين سنة:
كانت تطورات القرن 16 مخاضا للازمة الاوربية خلال النصف الاول من القرن 17 . فارمبراطورية كانت مطوقة من الشرق بالاتراك ومطوقة من الشمال بالمعارضة البروتستانتية التي شخصها بعض الامراء الالمان ومن الغرب بالقوة الفرنسية التي كانت تتمتع بثقل على الساحة الاوربية. وفي هذه التربة المتسمة بالصراع من اجل النفوذ، اندلعت حرب الثلاثين سنة.
تتحدد اسباب الحرب في تقادم سلام اوغسبرغ، وعدم تمتع الكالفنيين بوضع في هذه المعاهدة، بحث لم يكن معترف بهم كمذهب وكطائفة داخل المانيا. وزادت من هذه الازمة استئساد الكاثوليك الألمان بدعم من أسرة الهابسبورغ.
وقد تشكلت الرابطة الإنجيلية التي تجمع اللوتريين والكالفنيين في سنة 1608 لمواجهة المصاعب الي يطرحها المد الكاثوليكي المدعم من طرف الأسرة الإمبراطورية. وتشكلت رابطة مضادة تضم الكاثوليك بزعامة دوق بافاريا في سنة 1609. دخلت الرابطتان في صراع وسجل الكاثوليك أول انتصار لهم في الجبل الأبيض سنة 1620.
اعتبرت الأسبانية الحرب فرصة، فأعلنت الحرب على هولندا، وتدخل البلجيكي تيلي لقيادة الجيوش البافارية، فاكتست الحرب بعدا أوربيا بعد أن انطلقت لأسباب دينية ترتبط بألمانيا.
تدخلت الدانمرك كدولة بروتستانتية في الحرب لرد الخطر الذي يشكله التهديد الكاثوليكي بقيادة البلجيكي تيلي قائد الجيوش البافارية، لكن الهزيمة فرضت عليها توقيع معاهدة سلام في لوبيك سنة 1629. واستغلالا لهذا التقدم الكاثوليكي في الحرب، أصدر الإمبراطور فرديناند الثاني مرسوما يلزم الامراء البروتستانت بإعادة ممتلكات الكنيسة التي حصلوا عليها سنة 1552. وفي سنة 1630 فرض على الناخبين المجتمعين براتسبون تعيين ابنه فرديناند ملكان أي وريثا للعرش الامبراطوري.
تدخلت السويد ، وهي بدورها دولة بروتستانتية، في الحرب من اجل السيطرة على بحر البلطيق، وكان تدخلها في المانيا بين 1631 و 1632 بمثابة تغيير في ميزان القوة، وتدخلت فرنسا في 1635 معلنة الحرب على اسبانيا والامبراطورية.
طبعت الحرب انتصارات وهزائم في صفوف المعسكرين أهمها انتصارات فرنسا في فرايبورغ سنة 1644، ونورلدنجن مما فتح طريق الدانوب وتحقيق انتصار آخر في زوسمار هوزن سنة 1648، واصبحت فيين مهددة كما تم تدمير كل الفيالق الاسبانية بهولندا سنة 1648.
انتهت حرب الثلاثين سنة بتوقيع معاهدات وستفاليا Westphalieسنة 1648، كان من نتائجها الاعتراف بالتعددية الدينية داخل ألمانيا، وتقليص نفوذ الإمبراطورية، واقتطاع أجزاء من مجالها، وتوسع كل من مملكة فرنسا ومملكة السويد اللتين خرجتا منتصرتين من الحرب.
وكان من نتائج هذه الحرب أيضا التخلي النهائي عن حلم تكوين الإمبراطورية المسيحية والى الاعتراف بسيادة الدول، وستصبح معاهدات وستفاليا مرجعا في مفهوم سيادة الدول-الوطنية واستقلالها في القرار.
وستصبح تركيا الهدف الرئيسي للنمسا، بعد ان تراجعت أطماعها في ألمانيا خلال القرنين السابع والثامن عشر.
> هوامش:
1 - بين 1545 و 1563، وهي فترة مجلس طرانتي، توالى على راس الكنيسة الكاثوليكية أربعة بابوات: بولس الثالث بابا بين 1534 و 1549, و يوليوس الثالث بين 1550 و 1555، و بولس الرابع بين 1555 و 1559, و بي الرابع بين 1559 و1565.
2 Jean François Dubos- : Huit guerres qui ont déchiré la France, les collections de l?Histoire, N 17, Octobre 2002, P- 3 -Henri Lapeyre, les monarchies européennes au XVI siècle , Puf, Paris -4- Ibid, P 146 - 5- Ibid, -6- Ibid, P 147


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.