لم يتوقع أحد من العالم المسيحي يوما أن يبادر بابا الفاتيكان إلى تقديم استقالته على طريقة أغلب السياسيين الغربيين الذين يعلنون استقالتهم بمجرد انفجار فضيحة يكونون أبطالها أو في حالة الإحساس بالعجز والضعف أمام المسؤولية التي يتولونها. المثير أنه في الساعة السابعة مساء بتوقيت غرينتش يوم 28 من الشهر الجاري ستبدأ مرحلة «الكرسي» الشاغر في الفاتيكان، وسيتم إسناد مسؤولية إدارة الكنيسة لأسقف روما في انتظار اختيار البابا الجديد رقم 267. وقد تعددت التحليلات وتباينت التوقعات بشأن الأسباب الحقيقية وراء إعلان الاستقالة، لكن المؤكد أن كرونولوجيا الوقائع طيلة الثماني سنوات الماضية تكشف بروز فضائح جنسية متعددة وصراعات لم يسبق أن تفجرت بهذا الشكل خلال العصر الحديث، فضلا عن الحالة الصحية المتدهورة للبابا. «التجديد» تنشر ملفا عن استقالة البابا التاريخية وتقرب قراءها من حيثيات ما يحصل في رأس هرم السلطة الروحية لأزيد من 1.1 مليار نسمة حول العالم. في خطوة مفاجئة؛ أعلن بابا الفاتكان بنديكت السادس عشر بداية الأسبوع الماضي أنه سيستقيل من منصبه اعتبارا من 28 من الشهر الجاري، وذلك في خطاب ألقاه أمام مجمع للكرادلة (جمع الكاردينال وهو مركز أسقف مسؤول في الكنيسة الكاثوليكية يأتي تحت البابا فورا ويتم تعيينه من طرفه) منعقد في الفاتيكان. وقال البابا الذي يبلغ 85 عاما، إنه لم يعد يملك «القوة» المطلوبة للبقاء على رأس الكنيسة بسبب تقدمه في السن، وأضاف أنه بعد مراجعة ضميره أمام الله توصل إلى قناعة بأنه لم يعد قادرا على القيام بواجبه على أكمل وجه على رأس الكنيسة الكاثوليكية. إعلان الاستقالة خلف «صدمة» لدى المسيحيين الكاثوليك الذين يتجاوز عددهم 1.1 مليار نسمة ويشكلون 16 في المائة من ساكنة العالم البالغ تعدادها 6.9 مليار نسمة، علما أن البابا سبق أن خلق «أزمة» مع الطوائف المسيحية الأخرى بإصدار مجمع العقيدة والأديان الذي يرأسه وثيقة سنة 2007 اعتبرت «أن كنيسة المسيح الوحيدة هي الكنيسة الكاثوليكية وأنها دون غيرها تمتلك جميع وسائل الخلاص»، ووصفت الكنائس الأرثوذكسية بأنها «كنائس معيبة» لأنها لا تؤمن برئاسة البابا، كما وصفت الكنائس البروتستانتية بأنها ليست كنائس حقيقية. بين المرض والفضائح في الوقت الذي أعلن البابا، أن استقالته المفاجئة جاءت بسبب الضعف الذي أصابه خصوصا أنه تجاوز عقده الثامن، وورود أنباء عن إصابته بأمراض خطيرة على رأسها السرطان والزهايمر، ربطت تحليلات كثيرة بين الاستقالة والفضائح التي تفجرت تباعا في عهده، خاصة أن الرجل قبل بهذا المنصب الروحي والسياسي سنة 2005 وعمره تجاوز الثامنة والسبعين. من بين هذه التحليلات ما ذهبت إليه مجلة «دير شبيحل» الألمانية في عددها لليوم الموالي من إعلان الاستقالة، حيث رأت أن الفضائح الجنسية والمؤامرات هم أسباب استقالة البابا، وأكدت وجود وثائق سرية وصفتها ب«فاتيليكس»، نسبة إلى «ويكيليكس» تكشف المؤامرات والصراعات على السلطة بين الكرادلة، و التي لم يستطع بنديكت إيقافها. كرونولوجيا ترؤس البابا للفاتيكان على مدار ثماني سنوات، تكشف بروز فضائح الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال داخل الكنائس من طرف قسيسين ورهبان، وهو الملف الذي فتحه البابا جون بول الثاني، ولكنه توفي قبل الخوض فيه، ولم يقم البابا الحالي بالتطرق إليه، خاصة بعد أن اختفت في ظروف غامضة الكثير من الوثائق من الفاتيكان، وكان بنديكت كلّما سئل عن الملف يقوم بالمراوغة وتجنب الإحاطة بالسؤال، كما يكشف ذلك حادثة جامعة راتيسبون الأمريكية في شتنبر 2006 عندما سئل من طرف أحد الطلبة عن علاقة الأديان بالعنف فراح يقول «أروني ماذا قدّم محمد، لن تجدوا غير الفساد واللاإنسانية»، ولم يعتذر أبدا بابا الفاتيكان عن إساءته لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، رغم أنه عاد في محاضرة أخرى، وقال، بأنه يحترم الأديان الكبرى ومنها الإسلام. تغطية البابا بنديكت السادس عشر على الفضائح الجنسية والأخلاقية لرجاله رغم الاحتجاجات العارمة التي عرفتها مدن أوروبية وأمريكية، جعلته يحاصر حيثما حل و ارتحل، حتى صار صاحب ما يسمى ب «الكرسي الرسولي» يستهل برامج رحلاته بالتصريحات المتأسفة بسبب فظائع رجال الكهنوت. ففي زيارته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في أبريل 2008 –مثلا- استقبلته جموع ساخطة من المحتجين، الذين تظاهروا ضده لتورطه في التغطية على جرائم اعتداء وتحرش جنسي ارتكبها رجال دينه بحق القاصرين والفتيات، كما لم تكن رحلته إلى أستراليا في نونبر من السنة التي تلتها بأفضل حالا من جولته الأمريكية، حيث سبقت البابا اعتذاراته لرعية كنائسه في تلك القارة التي تفجرت فيها سلسلة من الفضائح الجنسية لكبار قساوستها. الفضائح الجنسية التي تفجرت في عهد البابا شملت حتى حاجبه الذي تزعم شبكة دعارة للشواذ جنسيا، بعد أن ظهر اسمه في نصوص اتصالات هاتفية سجلتها الشرطة الإيطالية في إطار تحقيق في فساد عقود لبناء أشغال عامة، حيث كان بين أربعة أشخاص اعتقلوا سنة 2010 في فضيحة الفساد، بينهم أيضا مستشار إنشاءات للفاتيكان، وهو عضو في جوقة مختارة تضم حجابا يستدعون للعمل في القصر الرسولي للفاتيكان في مناسبات مهمة مثل استقبالات البابا لرؤساء دول أو عندما يرأس البابا مناسبات كبيرة، وأفراد تلك الجوقة هم الذين حملوا نعش البابا يوحنا بولس أثناء مراسم جنازته في 2005. تجدر الإسلام من جهة أخرى، ربطت تقارير إعلامية متطابقة، بين اعتناق 30 شخصا من كبار الأساقفة والقساوسة بالفاتيكان الدين الإسلامي، تجري محاكمتهم بشكل سري، وبين الاستقالة، حيث أكدت أن البابا وقف عاجزا أمام تغلغل الإسلام في محيطه، في الوقت الذي أكدت الهيئة الإسلامية العالمية للإعلام، ظهور وثيقة «خطيرة» تم تسريبها لم تنشر بعد، هي وثيقة فاتيكانية عن الرسول عليه السلام، تحتوي على نسخة قديمة من الأناجيل فيها اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. الفاتيكان يبحث تسريع اختيار بابا جديد أكد الفاتيكان، أن الاجتماع المغلق لاختيار خليفة للبابا بنديكت السادس عشر قد يبدأ قبل 15 مارس إذا حضر عدد كاف من الكرادلة إلى روما لانتخابه، وقال المتحدث باسم الفاتيكان، إن القواعد الكنسية التي تنظم مواعيد الاجتماعات المغلقة يمكن تفسيرها بشكل مختلف هذه المرة بسبب الظروف الفريدة للاستقالة التاريخية للبابا بنديكت، رغم أنه قال في وقت سابق إن الاجتماع سيبدأ بين 15 و20 ومارس بموجب القانون المنظم لاختيار بابا جديد. وأضاف المتحدث، أن الأحداث يمكن أن تمضي بسرعة أكبر نظرا لأن الكنيسة تتعامل مع استقالة معلنة وليس وفاة مفاجئة للبابا.