«كيفاش ندير حتى نكمل الجامعة ونا خاصني باش نكري ونركب إلا ما درت فراشة في لعشيا ندخل منها شي بركة؟» الكلام هنا، لواحد من «الفراشة» حاول تبرير وجوده في الشارع مفترشا الأرض ويحاول كسب رزقه إلى جانب كم كبير من الباعة الذين احتلوا شوارع المدن المغربية. نبيل ليس سوى واحد من أزيد من 230 ألف بائع «يحتلون» شوارع وأرصفة المملكة، ويتمركز نحو 25 بالمائة منهم فقط بالعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء ولا يستغرب المرء حين قيامه بجولة بزنقة الشمال، أو قيسارية الحفاري، وعلى طول شارع محمد السادس أن يرى مشهدا واحد، يحيلك على مشاهد روايات الكاتب المصري نجيب محفوظ الحارة هناك، والأزقة هنا، لا شيء يختلف اكتظاظ و«استعمار» للأرصفة من قبل باعة يتذرعون ب«قلة الشي» و«فين هي الخدمة؟؟». أرقام مخيفة وفق دراسة سابقة كانت أنجزتها المديرية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط بجهة الدارالبيضاء، بناء على تحقيق أجرته حول هذه الظاهرة فإن عدد الباعة المتجولين يناهز 128 ألفا و572 بائعا متجولا، أي ما يمثل 10 في المائة من الأشخاص النشيطين بالجهة وتحتضن عمالة مرس السلطان الفداء بالدارالبيضاء لوحدها، أزيد من 13 ألفا و300 بائع متجول، وأوضحت الخلاصات التي توصل إليها التحقيق أن متوسط رأس المال المستخدم يناهز 3 آلاف درهم، في حين أن 45 في المائة من العدد الإجمالي للباعة لا يتعدى رأس مالهم 1000 درهم، ويقل عن 500 درهم بالنسبة إلى 22 في المائة منهم، بينما لا تتعدى نسبة الذين يصل رأس مالهم إلى 4 آلاف درهم، 18 في المائة. «التطبيع» مع «الفراشة» أصبحت «الفراشة» ظاهرة وعادة مألوفة في وقتنا الحالي، ولا يستغرب منها المواطنون رغم أنها تحتل جزءا كبيرا وحيويا من الملك العمومي وتفرض سياسة الأمر الواقع في بعض الأزقة والأحياء والشوارع في جل مدن المملكة وأصبح «ممتهنوها» ينافسون أرباب المحلات التجارية الذين يوجدون في وضع قانوني، إذ صاروا عاجزين عن بيع سلعهم بسبب هذه المنافسة غير الشريفة التي تكبدهم خسائر مهمة. إستفحل الأمر وتفاقم وإزداد سوءا على أصحاب المحلات التجارية، ففي شارع محمد السادس بالدارالبيضاء مثلا وبالضبط في أحد الأزقة المعروفة بزنقة « الشمال « و» قيسارية الحفاري « ثار أصحاب المحلات التجارية في أكثر من مرة والتجؤوا إلى مراكز الشرطة ووضعوا شكايات ضد ممارسي « تجارة الرصيف»، لكن هذه الظاهرة استطاعت الحفاظ على ذاتها والمقاومة من أجل البقاء واحتلال هذا الشارع الذي أصبح فضاء تجاريا عشوائيا بامتياز، ما أدخل الباعة المتجولين في لعبة كر وفر مع أفراد القوات المساعدة وأعوان السلطة، الذين أصبح البعض منهم أمام خيارين، إما الانصياع للتعليمات أو الجري وراء ما يجود به عليهم أصحاب هذا الكسب غير المشروع . « الاحتلال الجديد» يعرض «الفراشة» صباح مساء كل ما يحتاجه المستهلك ابتداء من الملابس، بكل أنواعها وألوانها، ثم المعدات المنزلية والكهربائية، مرورا بالسكاكين الحادة والسواطير والمسنات و«الشوايات» و«المقاد»... التي تزامنت مع دخول عيد الأضحى، والعطور وأدوات الزينة وإنتهاء بالمعلبات الغذائية، محولين بذلك الشوارع والأزقة التي يحتلونها إلى أسواق شعبية، حيث يتعالى صراخهم وأحيانا يستعملون حتى الأهازيج والأغاني الشعبية يبثونها من أجهزة بالية لتبعث أصوات صاخبة، القصد منها جذب الانتباه . الواقع أن ظاهرة الباعة المتجولين عرفت في الدارالبيضاء بالذات خلال السنوات الأخيرة تناميا لافتا، سواء في أعدادهم أو الأمكنة التي يستغلونها، حتى باتت الشوارع الرئيسية للعاصمة الاقتصادية اليوم مسرحا لعشرات الآلاف من الباعة الذين يفرشون بضائعهم على الأرض فوق قطع بلاستيكية أو يجرون عربات يضعون عليها سلعهم ومع أن السلطات المحلية في بعض المدن حاولت تنظيم نشاط الباعة المتجولين عبر « أسواق نموذجية « وتنظيم حركة البيع طبقا لجدول أسبوعي، فإن جميع هذه المحاولات باءت حتى الآن بالفشل وقوبلت بالرفض القاطع من طرف الباعة. منافسة حادة حاولت الدولة منذ سنوات طرح حلول وبدائل للحد من ظاهرة « الفراشة « عبر خلق أسواق نموذجية، إلا أن هذا المشروع مات في المهد وأصبح في خبر كان ولا يمكن للمرء وهو يتجول وسط الحرفيين والتجار إلا أن يلمس نوعا من عدم الرضى حول هذه الظاهرة والذي يبدو جليا من خلال ملامحهم، شمس الدين أشباني 42 سنة مهني ومكتري محل داخل سوق اليوسفية النموذجي التابع لجمعية النهضة والمحاذي للمحطة الطرقية أولاد زيان يحكي ل «المساء»، أن هذا السوق فتح أبوابه الأولى خصيصا لذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب التجارة غير المنظمة، من أجل تحسين وضعيتهم الاجتماعية والهروب من لعبة الكر والفر التي تواجههم من قبل السلطات المحلية، ولكن للأسف الشديد هؤلاء الباعة المستفيدون من هذه المحلات قاموا مباشرة بعد تسليمهم المفاتيح ببيعها للتجار المهنيين والرجوع إلى ما كانوا عليه، نظرا لعدم قبولهم بالموقع الذي هو بعيد عن أعين الزبائن والذي لم ينتج لهم سوى الخسارة في المستقبل، وأضاف أشباني أن المشكل العويص في هذا السوق يرجع أصله إلى السلطات المحلية التي قامت بمنح العديد من أصحاب « الفراشات « محلات داخله والسماح لهم بالرجوع إلى تجارة الرصيف. . غير بعيد عن هذا السوق وبالضبط بزنقة المعمورة المعروفة ب«قيسارية الحفاري «عبد الله 33 سنة، صاحب «فراشة» يرى أن هذا المكان معروف بالتجارة منذ زمن طويل خاصة تجارة الرصيف التي تعرف إقبالا متزايدا لدى المواطنين المغاربة وتستجيب لمتطلباتهم، بحيث جل مستهلكي هذه التجارة أصبحوا يعرفون هذا المكان ويتوافدون عليه من كل حدب وصوب، وأضاف بأن جل السلع المعروضة فوق الرصيف هي بضاعة المحلات التجارية، وأكد كذلك أن «الفراشة» هي لكتخلي أصحاب المحلات يبيعوا سلعتهم، فحنا لكروجوها ليهم ونجيبوا ليهم الزبائن»، من جهته يرى زكرياء صاحب «فراشة» في زنقة «الشمال»، بدوره أن العديد من أصحاب المحلات التجارية أصبحوا يستغلون الأماكن العمومية المقابلة لمحلاتهم التجارية بوضع سلعهم ومنتجاتهم وأن الكثير منهم صاروا يكترون هذه الأماكن لأصحاب الرصيف تحت دافع الاستثمار الممنهج الهادف إلى الربح السريع، إذن فكيف يعقل لأصحاب التجارة المنظمة كما يدعون بأن يقوموا بهذه الأفعال المخالفة للقانون...!؟ . عبد الرحيم من ساكنة درب السلطان: « لا يعقل أن يستمر الوضع بهذا الشكل خاصة وأن العديد من هؤلاء الباعة لا يحترمون الغير ولا يفكرون سوى في مصلحتهم، حيث يخلفون وراءهم أكواما من النفايات « . كل الطرق تؤدي إلى الملك العمومي غير بعيد عن المكان لا يمكن للمرء إلا أن يلاحظ وجود عدد كبير من التاجرات في مجموعة من أحياء وأزقة شارع محمد السادس، اللائي اضطرتهن الظروف للخروج إليه وعرض سلعهن فوق الرصيف، خديجة صاحبة «فراشة»، تتحدث «أنا زوجي عاطل وأم لخمسة أطفال، فإذا لم أخرج لم نجد ما نأكله وأولادي لن يتعلموا، ليس عيبا الخروج لممارسة هذا النوع من التجارة في غياب بديل حقيقي، علما بأنني أكسب منها بعرق جبيني، فهو نشاط شريف كباقي الأنشطة الأخرى». من المؤكد أن المتضرر الكبير، في ظل انتشار ظاهرة البيع في الشارع العام، هم التجار القانونيون أصحاب الرخص الذين يتكبدون ثقل الفواتير المتتالية، حيث يقول أحد التجار «يجب تدخل الجهات الرسمية للحد من هذه الظاهرة التي هي في تزايد خطير، وذلك بإحداث مراكز تجارية بأثمنة معقولة