في كل صباح، يستيقظ عمر على دقات الساعة السابعة، ليتوجه مباشرة إلى محلبة في محطة التاكسي في مدينة برشيد، ليجد محمدًا في انتظاره، وبعدما يتناولان إفطارًا سريعًا، يستقلان سيارة أجرة، متوجهين إلى مدينة الدارالبيضاء، وبالتحديد إلى منطقة كراج علال، حاملين بضاعتهما، من الملابس النسائية لعرضها للبيع في أزقة قيسارية الحفاري الشهيرة، بمنطقة درب السلطان الشعبية. اعتاد الصديقان، اللذان دخلا لميدان التجارة من بابه الضيق منذ خمس سنوات، ذلك، حيث استطاع عمر التوصل إلى اتفاق مع أحد أصحاب المحلات التجارية هناك لاستئجار مكانًا مقابلا لمحله، بسومة كرائية يومية تقدر ب100 درهم، ويقول عزيز إن مثل هذه الاتفاقات هي الجاري بها العمل في سوق قيسارية الحفاري، والأماكن التجارية الأخرى المجاورة. كل البضائع متوفرة في منطقة درب السلطان ينتشر مئاتٌ من الباعة، الذين يُطْلَقُ عليهم مجازًا جوالون، يعرضون سلعهم باختلاف أنواعها، على الأرض، وفي الساعات الأولى من صباح كل يوم يبدأون في ترتيب بضائعهم، منتظرين الأفواج الأولى من المواطنين الذين يفدون بالآلاف إلى هذه المنطقة للشراء، ويعرض الباعةُ المتجولون بضاعةً مختلفةً، تبتدئُ من ملابس الأطفال والنساء والرجال، مرورًا بالأواني المنزلية، والأواني الخزفية المستوردة من الصين، وصولا إلى المواد الغذائية والفواكه والنعناع. وابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال تتكاثر الوفود البشرية، في نفس الوقت الذي يتزايد فيه عدد الباعة المتجولون، وهو ما أصبح يتسبب في خنق حركة المرور بشارع محمد السادس، فقبل سنتين كانت الأرصفة هي الأماكن التي يشغلها الباعة المتجولون، أما اليوم فقد وصلوا إلى الممر الثاني من أصل الممرات الأربع، المخصصة لمرور السيارات في الجانب الأيسر من شارع محمد السادس في اتجاه وسط المدينة!. سوق الشمال وفي سوق الشمال على الخصوص، تُعْرَضُ موادٌ غذائيةٌ مهربة من مدينتي سبتة ومليلية، بأسعار زهيدة، وفي غياب توافر أدنى الشروط الصحية، وهو ما يشكل آخر نقطة ضمن قائمة اهتمامات أصحابها، اللذين يفد إليهم الزبائنٌ من ذوي الدخول الضعيفة، للاستفادة من الأسعار الزهيدة لهذه المنتجات، ولو على حساب صحتهم وصحة أبنائهم. وتقل أسعار المنتجات التي يعرضها هؤلاء الباعة المتجولون، بما يتراوح بين 15% إلى 25% أحيانًا عن الأسعار التي تُعرض بها داخل المحلات التجارية. وفي سوق قيسارية الحي المحمدي، لا يختلف المشهد كثيرًا عن نظيره في منطقة درب السلطان، حيث يعرضُ الباعةُ المتجولون بضاعتَهم على طاولات تبلغ مساحتها أحيانا 12 مترًا مربعًا. ويستفيدُ هؤلاء الباعة من توافد سكان الحي المحمدي وسكان مناطق سيدي مومن، وعين السبع، وأحياء أخرى، الذين يُقْبِلُونَ عليه بشكل كبير، خاصة مع نهاية الأسبوع، وفي أيام العطل والمناسبات الدينية، حيث يشترون كل ما يريدونه، وبأسعار تقل في غالب الأحيان عن الأسعار التي تُعرض بها في المحلات التجارية. إتاوات للسلطة المحلية! ويؤكد أحد الشباب القاطن بحي الشعبي، في الحي المحمدي، والذي يمارس تجارة الأواني المنزلية، بسوق القيسارية في الحي المحمدي، بأنه حصل على مكان لممارسة نشاطه التجاري بشق الأنفس، حيث سلم مبلغًا معينًا لصاحب المحل التجاري المجاور كمقدم، قبل أن يتفقا على مبلغ ال150 درهمًا في اليوم، لكنه اليوم يطالبه بالزيادة!. بينما تقول فاطمة، وهي تبيع ملابس الأطفال، إنها تضطر لدفع إتاوات منتظمة لرجال السلطة المحلية، حتى تتمكن من البقاء في مكانها، وهو ما أكده العديد من الباعة المتجولين، ويحرص رجال الأمن والسلطة على المرور من أمام هؤلاء الباعة، بشكل منتظم من دون أن يصدر عنهم أي تصرف يشير إلى أنهم قد يطردونهم من أماكنهم. واعتبرت بعض المصادر أن صمت ممثلي السلطة، خصوصًا بعد اندلاع الثورات في دول الربيع العربي هو الذي تسبب في تزايد عدد هؤلاء الباعة المتجولين، حتى أصبح من غير الممكن تصور إمكانية إبعادهم عن أماكنهم بسهولة. وقبل اندلاع ثورات الربيع العربي، واحتجاجات 20 فبراير، كانت هناك محاولاتٌ حثيثةٌ لنقلهم إلى أسواق نموذجية، لكنها في أغلب الأحيان تبقى محاولات غير ذات جدوى، لأن الباعة يرفضون الانتقال إلى هذه المحلات المنظمة، بدعوى أنها لا تلاقي نفس الرواج التجاري الذي تلاقيه أماكنهم الحالية وسط المناطق العشوائية المكتظة بالسكان. وسواء تعلق الأمر بسوق قيسارية الحفاري، أو العقبة، أو الشمال، أو قيسارية الحي المحمدي أو أسواق سيدي البرنوصي، فإن العامل المشترك هو التحول الكبير الذي طرأ على نشاط هؤلاء الباعة المتجولين، فأغلبهم - حسبما يقول مسؤول من القسم الاقتصادي بولاية الدارالبيضاء- أصبحوا يتوافرون على شبه محلات تجارية متنقلة، فمعظمهم يشغل مكانًا تتراوح مساحته ما بين مترين مربعين إلى12مترًا مربعًا، وهو ما أصبح يثير العديد من التساؤلات عن الحجم الحقيقي لتجارة هؤلاء، ورقم معاملاتهم السنوي. ضرورة التقنين واعترف المسؤول من القسم الاقتصادي في الدارالبيضاء أن انتشار هؤلاء الباعة يرتبط في جزء منه بالوضع الاقتصادي العام، وتفشي البطالة، معتبرًا أن الوسيلة الوحيدة لتنظيم هذا القطاع، هي تقنين هذا النشاط، وفرض نظام ضريبي على جزء من أرباح هؤلاء الباعة، الذين أصبحوا يتوافرون على محلاتٍ متنقلةٍ تشغلُ مساحاتٍ كبيرةٍ. وقال: إنه لا يُعْقَلُ أن يقوم بائع جوال بفرش 12مترًا مربعًا، من الشارع لترويج سلعته، من دون أن يؤدي ولو سنتيمًا واحدًا لخزينة الدولة، فالعدالة الضريبية تقتضي التعامل بحزم مع هذا القطاع الذي ينمو بشكل مخيف. وأكد أن إشكالية الباعة المتجولين، التي أصبحت ظاهرة عمت أكبر المراكز التجارية في الدارالبيضاء، وتسببت في سد العديد من المنافذ والطرق والشوارع الكبرى بالمدينة، يجب أن تُحل، بتضافر جهود جميع الأجهزة التابعة للدولة، والنواب المنتخبين، ومؤسسات المجتمع المدني. وهو اقتراح لا يجد صداه لدى عمر الذي يستعد لمغادرة درب السلطان، بعد أن دقت الساعة التاسعة والنصف ليلا، عائدًا إلى بيته في برشيد، مخلفًا وراءه أكوامًا من الأكياس البلاستيكية والقمامة، شأنه في ذلك شأن جميع الباعة المتجولين بالمدينة، الذين يحولون قيسارية الحفاري في كل ليلة إلى شبه مزبلة حقيقية!!.