هذه حكايات فيروز شاه وهي قصة غريبة الوجود فيها سر الأولين وعبرة للاحقين، وأخبار الأمم الماضية اعتبارا للباقين وهي قصص ينازع فيها الخيال الواقع ويتحقق المحال، وهي مستقاة من السيرة الشعبية فيروز شاه بتصرف من الكاتب، نقدمها للقارئ الكريم بمناسبة رمضان وبالله التوفيق. .. الهدية وبعد أن مضت سبعة أيام أتي بالغلام إلى المجلس للبحث عن الاسم المناسب له، فقال له الوزير: الرأي عندي أن تسميه فيروز شاه وأن يسمي ابن الوزير فرخوزاد.. فوافقه على ذلك، ودفعا الغلامين إلى نفس المراضع فرضعا من لبن واحد ... وأما الحكيم طيطلوس فقد أوصاه بتربية ولده أحسن تربية، و قال له إنه لا يخاف عليه إلا من شيء واحد سيصيبه عندما يكبر، سيذكره له في حينه ... وعندما وصل الولدان السنتين طلب الأكابر والسادات أن يروا الغلام فاحضره ضاراب، وشاع الخبر في كل المدينة وتراكضت الغلمان وتسابقت الشيوخ لرؤيته في مجلس بهيج واحتفالات عظيمة .. وخوفا عليه من العين والحسد قرر أن يمنع الناس عنه وعن ابن الوزير حيث يكبران في مكان منعزل عن الناس، يتلقيان فيه العلوم النافعة ويقوم بأمرهما الخدم والحشم .. وأمر الحكيم طيطلوس بالقيام بتدبير ذلك .. فخرج إلى خارج المدينة حتى وصل إلى مكان غض الأشجار غزير الينابيع، فأمر المهندسين أن يبنى القصر فيه في مدة قصيرة، وأتى بالمعلمين الماهرين في كل فن لتربيتهما وتعليمهما، فانصرفوا إلى ذلك بهمة ونشاط كما علمهم الحكيم طيطلوس .. هذا ما كان من أمر هؤلاء أما ما كان من أمر أب زوجته فإنه لما علم بوضع ابنته لغلام فرح غاية الفرح وأراد أن يهدي لحفيده هدية، وهي عبارة عن مهر كريم من أحسن الخيل، فأحضر عمال الأسرجة لعمل سرج لهذا المهر يكون فريدا من نوعه مطرزا بالجواهر ومنسوجا بخيوط الذهب.. ولما انتهت عدة الجواد سرجوه بها، فكان كالكوكب المضيء، وكان اسم الجواد الكمين .. فقرر أن يرسل وزيره به إلى صهره في الحال والساعة وأمره أن يهدي حفيده الجواد ويذكر أنه منه لحفيده فيروز شاه .. ثم كتب كتابا إلى صهره وبنته يهديهما التحيات، ويبعث لهما بالهدايا النفيسة التي توجد في بلاد البربر... وفي صباح اليوم التالي ركب الوزير وعدد من الفرسان وودع الحاكم وسار مسرعا يطوي البراري القفار حتى مضى النهار وجاء الليل بالاعتكار، وهو في أرض جرداء لا شجر فيها ولا ماء، فأشعل النار وأنار المصابيح .. وما استقر غير قليل حتى دخلت عليه صبية كأنها البدر في الإشراق وعلى يدها غلام ضخم الجثة كبير الرأس، فاندهش من وجودها في هذا المكان، فوقفت بين يديه وسلمت عليه وطلبت منه أن لا يبيت في هذا المكان حتى لا يكون فريسة الغول .. ثم حكت له قصتها من البداية إلى النهاية، وكيف اختطفها وتزوجها الغول وأنجبت منه هذا الغلام، وكيف أن زوجها يفترس كل من اقترب من هذا المكان، ولذلك نصحتك بالرحيل في الحال ... فأجابها الوزير: أنا لا أخاف من غول ولا أسد وسأخلصك منه في الحال.. وبات الوزير تلك الليلة لم يهدأ له بال خوفا من الغول على الجواد أكثر من خوفه على نفسه . فارس لا يشق له غبار وعندما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، وأنارت الشمس على الروابي والبطاح، ولم يأت الغول ولا ظهر له أثر .. سار الوزير بالجارية والجواد إلى مدينة الحاكم ضاراب، ولما وصل القصر برفقة الجارية والغلام، ودخل المجلس واستقبله ضاراب أخبره أنه من قبل صهره وأبو زوجته تمر تاج، وأنه حامل لهدية إلى حفيده فيروز شاه، كما أخبره بخبر الجواد الكمين وكيف اصطفاه صهره من بين أجود الخيول وأحسنها ليكون هدية لحفيده، ثم قدم إليه الجواهر والهدايا .. ولما سأله ضاراب عن الغلام كبير الرأس والجارية حكى له خبرهما بالتفصيل، وكيف أن الغلام هو ولدها من الغول، وطلب منه أن يحتفظ بالطفل لأمر نافع وأن يعتني به، لأنه سيكون ذا أفعال عجيبة وصفات غريبة في ما سيأتي من الزمان .. وفي اليوم الثالث قدم الوزير لفيروز شاه هدية جده، وكان سنه آنذاك قد اقترب من عشر سنوات، فتقدم إليه الوزير وقال له: الآن أعطيك هدية جدك .. وقدم له الحصان ولما رأى فيروز شاه الحصان أعجب به أشد الإعجاب وقال للوزير شاكرا: لقد أصاب جدي في اختياره هذا الجواد، فانا أحب كثيرا الخيل الجياد، فقبل عني أياديه ولا بد أن أزوره في مستقبل الأيام فأقرئه مني السلام.. ولما استأذن فيروز شاه أباه الحاكم ضاراب في ركوب الجواد، منعه خوفا عليه لصغر سنه، وطلب منه أن يصبر إلى أن يعين له أستاذا من الأساتذة المهرة يعلمه فنون ركوب الخيل. ثم ودع ضاراب وزير صهره وشكره على هداياه وطلب منه أن يبلغه السلام، فودعه الوزير وعاد إلى بلاده مسرورا بحسن ضيافته وجميل وفادته .. وبعد أن مضى على ذلك نحو سنة تقريبا اجتمع الأكابر والسادات بالحاكم ضاراب و قالوا له: نريد أن نخرج إلى القصر و ننظر ابنك وما تعلمه من فنون الحرب ومهارة ركوب الخيل ونتفرج على شجاعته .. فأجابهم ضارب إلى ذلك، وذهبوا عنده وطلبوا منه أن يريهم ما عند ابنه فيروز شاه من الشجاعة والمهارة في الفنون الحربية .. فأمر ضاراب أن يبرز الفرسان إلى الميدان لمنازلة ابنه، وكان فيروز شاه راكبا على الحصان الكمين، وقام القتال بينه وبين الأبطال ولم يستطع أحد أن يصل إليه، واصطف الجميع في صف وفيروز شاه وفرخو زاد في صف آخر، فلم يتركا لأحد مجالا ولا أن يظهر قتالا وكاد ضاراب يطير من الفرح وهو يرى فعل ولده بالفرسان ثم توسط الميدان ونزل عن جواده وصاح بمن حضر من الفرسان: من يستطع أن يفعل كفعلي أجعله رئيس القادة وزعيم الفرسان.. ومد يده إلى حزام جواده ورفعه بقوة وعزم حتى أعلى رأسه ثم حطه برفق على الأرض دون أن يشعر الفرس بشيء. فلما نظر فيروز شاه أن لا أحد استطاع ذلك ولا أجاب نداء أبيه ضاراب .. أسرع إلى الميدان بجواده وجواد أخيه فرخو زاد ووقف بين الجوادين، وأمسك كل واحد منهما بيد، ورفعهما إلى أعلى رأسه، فضج الجميع بصوت واحد بالتهليل والتصفيق: يعيش فيروز شاه..يعيش فيروشاه .. د محمد فخرالدين